التاجر الأمين-4-8-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد بن سامر
التاجر الأمين-4-8-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري (خط كبير للمرفقات)
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
فمن أوائلِ الأحاديثِ التي سُمِعتْ من زمانٍ وما زال في البالِ، لأنَّ الجميعَ كانَ يُردِّدُهُ في كل مكانٍ، فَرَسخَ في الأذهانِ، وأصبحَ منهجَ حياةٍ عندَ أهلِ ذلكَ الزَّمانِ، حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ-كَوْمَةٍ-طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي".
سُبحانَ اللهِ! طعامٌ مبلولٌ من ماءِ المطرِ ليسَ فاسدًا، ولو كانَ فاسدًا لـما جازَ بيعُه ولو كانَ فوقَ الطَّعامِ، أُمِرَ صاحبُه أن يجعلَه فوقَ الجافِّ من الطَّعامِ؛ حتى يراهُ الـمُشتري فيكونَ على علمٍ أنَّ في الطَّعامِ مبلولًا وجافًّا، ولا يشعرَ بأي غِشٍّ أو استخفافٍ، فإذا كانَ الغِشُّ يقعُ في البَللِ والجَفافِ، من طَعامٍ واحدٍ، في صُبْرةٍ واحدةٍ، من مزرعةٍ واحدةٍ، في جودةٍ واحدةٍ، فماذا عسى أن يُقالَ، فيما يدورُ في أسواقِنا اليومَ من أحوالٍ؟
اليومَ نَحنُ في أَشدِّ الحاجةِ في أسواقِنا إلى التَّاجرِ الأمينِ الصادقِ، الذي فيه قالَ النبيُّ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"، وواللهِ إن الصدقَ في البيعِ والشراءِ من أعظمِ أسبابِ البركةِ في الرزقِ، قالَ النبيُّ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ-لَهُمَا حُرِّيةُ الاختيارِ-مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"، فاسمعْ يَا مَن يَشتكي مِن قِلَّةِ البَركَةِ في مَالِهِ!
"أَمرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-مَولاهُ أن يَشتريَ له فَرسًا، فاشترى له فَرسًا بِثَلَاثِ مِئَةِ دِرهمٍ، وجَاءَ بِهِ وبصاحبِهِ ليَنْقُدَهُ-لِيُعْطِيَهُ-الثمنَ، فَقالَ جَريرٌ لصاحبِ الفَرسِ: فَرسُك خيرٌ-تُساوي أكثرَ- منْ ثَلَاثِ مئةِ دِرهمٍ! فقالَ البائعُ: أتشتريهِ بأربعِ مِئَةِ درهمٍ؟ قال له: فَرسُك خيرٌ من ذلكَ! فقالَ البائعُ: أتشتريهُ بخمسِ مِئَةِ دِرهمٍ؟ قال له: فَرسُك خيرٌ من ذلكَ! فما زالَ يزيدُ في السِّعرِ، وهو يقولُ له: فَرسُك خيرٌ من ذلكَ، حتى بلغَ ثـمانَ مِئَةِ دِرهمٍ، فاشتراهُ بها، فَقيلَ له في ذلكَ فقالَ: "إني بايعتُ رسولَ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-على النُّصحِ لكلِّ مسلمٍ"".
اللهُ أكبرُ، صدقَ واللهِ، فَالدِّينُ النَّصِيحَةُ، ودينُه أعظمُ عندَه من الدِّرهمِ والدِّينارِ، فما فائدةُ الرِّبحِ مع غضبِ اللهِ عليهِ، وكيفَ يرضى الخديعةَ للناسٍ؟ أما سمعَ قولَ الرسولِ-عليه وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
وكأني بِبَعْضِكُمْ يَنْظُرُ مُتَعَجِّبًا مُسْتَغْرِبًا مُحَدِّثًا نَفْسَهُ: هل هذا حقيقةٌ أم خيالٌ؟ وهل هذا قد يقعُ من التَّاجرِ والدَّلَّالِ؟ فيُقَالُ: ما يَزالُ في النَّاسِ خيرٌ وعافيةٌ، ما زالتْ بَذْرَةُ الإيـمانِ باقيةٌ، ومن يعلمُ عاقبةَ الصِّدقِ، لا تخدعُه دنيا فانيةٌ، (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فَنحتاجُ اليومَ-مَعَ غَلاءِ الأسعارِ-إلى التاجرِ السَمْحِ، سَهلًا لَيِّنًا في بيعِه وشرائِه، وَهَذِهِ مِنْ أسبابِ رحمةِ اللهِ-تعالى-، قالَ رسولُ اللِهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى"، نحتاجُ من يَتجاوزُ عن الفقيرِ، ويُنْظِرُ-ويُـمْهِلُ-المُعسرَ-الذي لا يَجدُ مالًا يقضي بهِ ديْنَهُ-، فـعن حُذيفةَ-رضيَ اللهُ عنهُ-قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: (وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)، قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي"، اللهُ أَكبرُ، شَيءٌ عَسيرٌ عَلى النَّفسِ، ولكنَّهُ يَسيرٌ على مَن يَسَّرهُ اللهُ عليهِ.
أين ذلك التَّاجرُ الذي قد فتحَ بابَه للناسِ، يُطعمُ مسكينًا، يُعطي فقيرًا، يَكفلُ يتيمًا، يُنظرُ مُعسرًا، يُساعدُ مُحتاجًا، يُوظفُ عاطلًا، يُزوِّجُ أعزبًا، يَقضي دَيْنًا، يُعينُ أخرَقًا-جاهِلًا-، يُغيثُ ملهوفًا، يَكشِفُ همًّا، يَعولُ أُسرةً، يُنَفِّسُ كُربةً، فهذا من أفضلِ الناسِ عندَ اللهِ-تعالى-، قالَ الرسولُ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ-وذَكَرَ منهم-: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ"، ومن كانَ هذا حالُه فإنه مـَمْدُوحٌ هو ومالُهُ، قالَ الرسولُ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ"، فلا إلهَ إلا اللهُ، كَم مِن إنسانٍ كَانَ مَالُهُ سَببًا لدُخولِهِ الجَنَّةِ.
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللهم أصلحْ لنا ديننَا ودنيانا وآخرتَنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً لنا منْ كلِّ شرٍ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
المرفقات
1677143806_التاجر الأمين-4-8-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf
1677143839_التاجر الأمين-4-8-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx