البيوت أحكام وآداب ...الشيخ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
الفريق العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فمن نِعَمِ الله عز وجل التي لا تُعدُّ ولا تحصى أن يجد الإنسان بيتًا يسكن فيه؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل: 80]، فنعمةٌ من الله جل جلاله أن يجد الإنسان مكانًا يأوي إليه، ويرتاح فيه، ويقِيهِ الحرَّ والبرد،
ويستره وأهله عن الناس، إلى غير ذلك من الفوائد والمصالح؛ فعلى المسلم أن يحمَدَ الله عز وجل على هذه النعمة، فكم يوجد من البشر ممن لا مسكنَ لهم! فعن أنس رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافيَ له ولا مؤويَ))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "قوله: ((فكم ممن لا مؤوي له)): قيل: معناه: لا وطن له ولا سكن يأوي إليه".
وينبغي أن يحرص المسلم أن يكون مسكنه واسعًا، فمن سعادة المرء أن يكون مسكنه واسعًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمَرْكَبُ الهَنِيُّ))؛ [أخرجه ابن حبان، وصححه العلامة الألباني]، والمقصود بالمسكن الواسع: أن يكون كثيرَ المرافق؛ ففي رواية عند الحاكم زاد: ((والدار تكون واسعةً كثيرةَ المرافق)).
كما ينبغي أن يحرص على الجيران الطيبين؛ فشؤمُ الدار - كما ذكر بعض أهل العلم - يكون من ضيقها وسوء جِوارها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى، ولا طِيَرَةَ، وإن كان الشؤم في شيء، ففي الدار والمرأة والفرس))؛ [متفق عليه]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قيل: إن شؤم الدار ضيقُها وسوءُ جِوَارِها".
وقال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "كَدرُ العيش في ثلاث: الجار السوء، والولد العاق، والمرأة السيئة الخُلُق".
هذا وقد جاءت تعاليم الإسلام بأحكامٍ وآداب تخص البيوت، إذا حرص ساكنوها على تطبيقها، كان البيت مكانًا هادئًا مريحًا، تقل فيها المشاكل التي تحدث في البيوت التي لم يطبِّق ساكنوها تلك الأحكام والآداب، وقد يسَّرَ الله الكريم فجمعتُ بعض تلك النصوص، واللهَ أسأل أن ينفعني وإخواني المسلمين بها؛ فمن تلك الأحكام والآداب:
ذكر الله عند دخول المنزل:
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولج الرجل بيته، فليقل: اللهم إني أسألك خير المَولج، وخير المخرج، بسم الله وَلَجْنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربِّنا توكلنا))؛ [أخرجه أبو داود، وقال العلامة ابن باز: خرجه أبو داود بإسناد حسن]؛ فالمسلم يسأل الله عز وجل أن يكون الخير في مدخله إلى منزله ومخرجه منه، وأن يكون ذاكرًا لله في دخوله وخروجه، معتمدًا متوكلًا عليه في كل أموره.
وذكر الله عند دخول المنزل يجعل الشيطان لا يبيت فيه؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فَذَكَرَ الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيتَ لكم ولا طعام، وإذا دخل فلم يذْكُرِ الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعَشاءَ))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي هذا استحبابُ ذكرِ الله تعالى عند دخول المنزل وعند الطعام".
إغلاق أبواب المنزل، مع قول: بسم الله:
عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا كان جُنْحُ الليل - أو أمسيتم - فكفُّوا صِبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا))؛ [أخرجه مسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: "هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والآداب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سببٌ للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابًا للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على... فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره".
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "والبيوت الآن فيها أبواب كثيرة، وظاهر الحديث أنها تُغلَق كلها، وليس الباب الخارجي فقط، وهذا أحسن وأسلم للبيت".
التسوك عند دخول البيت:
عن شريح بن هانئ قال: ((قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك))؛ [أخرجه مسلم].
السلام عند دخول البيت:
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: "﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾؛ أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد من توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت من غير فرقٍ بين بيت وبيت".
والسلام عند دخول البيت من أسباب البركة والخير؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني، إذا دخلتَ على أهلك، فسلِّمْ، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك))؛ [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب]؛ قال الإمام المباركفوري رحمه الله: "قوله: ((يكن بركة)) جملة مستأنفة متضمنة للعلة؛ أي: فإنه يكون - أي: السلام - سببَ زيادة بركة، وكثرة خير ورحمة".
الاستئذان عند دخول بيوت الناس:
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ [النور: 27]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: "يرشد الباري عباده المؤمنين ألَّا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم بغير استئذان؛ فإن في ذلك عدة مفاسد؛ منها: أن ذلك يوجب الرِّيبة من الداخل، ويتهم بالشر؛ سرقة أو غيرها؛ لأن الدخول خفية يدل على الشر، وسَمَّى الاستئذان استئناسًا؛ لأنه يحصل به الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة".
والاستئذان يكون بقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فعن ربعي بن حراش قال: ((حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلِّمْه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذِنَ له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل))؛ [قال الإمام النووي رحمه الله: رواه أبو داود بإسناد صحيح].
وعن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه، ولم أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع، فقل: السلام عليكم، أأدخل؟))؛ [رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن].
وإذا لم يؤذَنْ للمستأذن، فليرجع ولا يغضب؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور: 28]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ((الاستئذان ثلاثٌ، فإن أُذِنَ لك، وإلَّا فارجع))؛ [متفق عليه].
وعلى المسلم أن يقول ما يُعرَف به من اسم أو كنية عندما يُسأل: من أنت؟ فعن جابر رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدَقَقْتُ الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا، كأنه كرهها))؛ [متفق عليه].
قال المرزوي: "قال أبو عبدالله (الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله): ما أكثر ما نلقى من الناس يدقون الباب، فيقولون: أنا أنا، ألا يقول: أنا فلان".
وقال عبدالله (ابن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله): "دقَّ أبي الباب، فقيل: من هذا؟ قال: أبو عبدالله".
ويستأذن الصغار الذين لم يبلغوا الحُلُمَ والمماليك على أهليهم قبل الدخول في ثلاثة أوقات: من قبل صلاة الفجر، ووقت الظهر، ومن بعد صلاة العشاء؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "من فوائد الآية الكريمة: وجوب استئذان هذين الصِّنفين من الناس: الصغار والمماليك في ثلاثة أوقات فقط، وهي المذكورة، وأما من سواهم فيجب عليهم الاستئذان دائمًا... خوفًا أن يفاجئهم على عورة"، وقال في الفائدة الثالثة عشرة: "عناية الله سبحانه وتعالى بالخلق، وأنهم وإن رضوا بما يُستقبح، فلن يرضى الله به، فقد يقول قائل: أنا لا أبالي إذا دُخل عليَّ في هذه الأوقات الثلاثة، فنقول له: ولكن الله سبحانه وتعالى قد اعتنى بك، ومنع من الدخول عليك في هذه الأوقات الثلاثة".
واستحب بعض أهل العلم أن يتنحنح الإنسان أو يحرك نعله عند دخوله بيته؛ قال الإمام ابن مفلح المقدسي رحمه الله: "ويُستحَبُّ أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته، قال أحمد: إذا دخل على أهله يتنحنح، وقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يدخل إلى منزله، ينبغي له أن يستأذن؟ قال: يحرك نعله إذا دخل".
الوضوء في البيت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطهر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضيَ فريضة من فرائض الله - كانت خطواته إحداها تحط خطيئةً، والأخرى ترفع درجة))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: "فهذا فضل عظيم، درجات تُرفَع، وسيئات تُمحَى، وحسنات تُكتَب، ينبغي للمؤمن ألَّا يفوت هذا الخير".
فليحرص المسلم على الوضوء في البيت؛ ليحصل له هذا الأجر، ولكيلا تفوته التكبيرة الأولى من الصلاة لو خرج من البيت على غير طهارة، ووجد زحامًا في أماكن الوضوء.
صلاة النافلة في البيت:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاةُ المرء في بيته إلا المكتوبة))؛ [متفق عليه].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا))؛ [متفق عليه].
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده، فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته؛ فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرًا))؛ [أخرجه مسلم].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته))؛ [أخرجه مسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: "وإنما حث على النافلة في البيت؛ لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان"، وقال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: "النوافل كلها في البيت أفضل، وإن صلَّاها في المسجد، فلا بأس".
قراءة القرآن وذكر الله في البيت:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفِرُ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: "القراءة في البيوت والصلاة فيها... من القربات، ومما يحبه الله عز وجل، وهي سبب من أسباب وجود البركة في البيت، ومن أسباب قلة الشياطين فيها؛ لأنها تنفر من سماع ذكر الله، فهي تكره سماع الخير وتحب سماع الشر، فكلما كان أهل البيت أكثر قراءةً للقرآن، وأكثر مذاكرةً للأحاديث، وأكثر ذكرًا لله وتسبيحًا وتهليلًا - كان أسلمَ من الشياطين، وأبعد منها، وكلما كان البيت مملوءًا بالغفلة وأسبابها؛ من الأغاني والملاهي، والقيل والقال، كان أقرب إلى وجود الشياطين المشجعة على الباطل".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ البيت الذي يُذكَرُ الله فيه، والبيت الذي لا يُذكَر الله فيه، مَثَلُ الحي والميت))؛ [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت، وأنه لا يُخلَى من الذكر".
عدم إدخال الكلاب والصور للبيت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة))؛ [متفق عليه]؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: "المراد بالكلب: الكلب الذي لا يجوز اقتناؤه... وكذلك بالنسبة للصورة يُحمل على الصورة التي لا يجوز اقتناؤها، أما ما يجوز اقتناؤه كالصور التي تُمتهن على رأي جمهور العلماء الذين قالوا بالجواز، وكالصور التي يُضطر إليها كالجواز ورخصة السيارة، والصور التي في الدراهم - فالظاهر أن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت؛ لأن هذه الصور أمرٌ لا يمكن للإنسان الانفكاك عنها، ولو أُلزم الناس بإخراجها عن بيوتهم، لكان في ذلك حرج شديد".
خدمة الإنسان لأهله في بيته:
عن الأسود بن يزيد قال: ((سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - يعني: خدمة أهله - فإذا حضرتِ الصلاة، خرج إلى الصلاة))؛ [أخرجه البخاري].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وقع في حديثٍ آخرَ لعائشةَ أخرجه أحمد وابن سعد، وصححه ابن حبان من رواية هشام بن عروة عن أبيه: ((قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصِفُ نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "هذا من تواضع النبي عليه الصلاة والسلام، أنه يكون في البيت في خدمة أهله؛ أي: يساعد أهله فيما ينوب البيت من تغسيل وتنظيف وغير ذلك، وهذا مع كونه هديَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أقوى ما يكون جلبًا للمودة والمحبة بين الرجل وأهله، فإذا شعرت الزوجة بأن زوجها يساعدها في شؤون البيت، ويكون معها، فإنها تحبه أكثر بلا شكٍّ؛ لأن عادة الرجال في الغالب أن يترفعوا عن هذا الأمر، فإذا تواضع... وصار يساعد زوجته، صار في هذا جلبٌ للمودة والمحبة".
قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها إلا لحاجة:
قال الله عز وجل: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي: الْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية: الصلاة في المسجد بشرطه؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، ولْيَخْرُجْنَ وهنَّ تفِلاتٌ))، وفي رواية: ((وبيوتهن خير لهن)).
عدم خروج الزوجة من البيت وعدم إخراجها في الطلاق الرجعي:
قال الله جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "لا يجوز للزوج إذا طلق زوجته أن يخرجها من بيته، ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إذا طلقها إلى انتهاء العدة... يجب أن تبقى المرأة في بيت الزوج، ويحرم على الزوج أن يخرجها، بل تبقى إلى أن تنتهيَ العدة؛ لأن الله بيَّن الحكمة من ذلك؛ فقال: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]؛ ربما إذا بقِيَتْ تغيرت أخلاقها، وربما إذا بقيت تولد في قلب الزوج محبة لها فيبقيها؛ لأنه قيل: أحب شيء إلى الإنسان ما مُنع، فربما إذا طلقها زال ما في قلبه عليها وأبقاها؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]، فإن قال قائل: إذا بقيت في بيت الزوج، هل يحل لها أن تكشف وجهها له؟ فالجواب: نعم، يحل أن تكشف وجهها له، ويحل أن تتجمل له، ويحل أن تتطيب له، ويحل أن تكلمه ويكلمها، ويخلو بها، كل هذا جائز؛ لأنها زوجته، فالزوجية لا تزول إذا كان الطلاق رجعيًّا، إنما تزول بانتهاء العدة؛ ولهذا نقول: إذا طلق الإنسان زوجته طلاقًا رجعيًّا، تبقى في البيت".
واقع الناس اليوم أنه إذا طلق الإنسان زوجته، هربت من البيت، ولم تبقَ به، وهذا حرام عليها، وربما يخرجها هو بنفسه، وهذا حرام عليه، فإن خرجت هي فهي آثمة، وإن أخرجها هو فهو آثمٌ، تبقى حتى تنتهي العدة، ثم تذهب إلى أهلها: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [الطلاق: 1]؛ سواء كانت هذه الفاحشة عائدة إلى الأخلاق أو المعاملة، فإنها حينئذٍ تخرج من البيت.
ولو جاءتنا امرأة تذكر أن زوجها طلقها، وقد خرجت من بيته، قلنا لها: يجب عليكِ أن ترجعي إلى بيتكِ، هذا هو حدُّ الله.
رعاية المرأة لبيت زوجها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّتِهِ، والإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته))؛ [متفق عليه]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم، والنصيحة للزوج في كل ذلك".
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "المرأة راعية في بيتها فيما يختص بالبيت وشؤون البيت، والرجل راعٍ فيما سوى ذلك، والرعاية الكبرى للرجل؛ لقوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 34]، فلو فُرض أن المرأة تخل برعايتها في بيتها، فهو مسؤول إذا علِمَ، ووجه ذلك: أن كل إنسان مسؤول عن رعاية ما يباشر رعايته".
عدم إذن الزوجة لأحد أن يدخل بيت زوجها إلا بإذنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه))؛ [متفق عليه]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يُفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك، فلا حرج عليها".
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: المراد ببيت زوجها: سكنه سواء كان ملكه أو لا.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: "الإذن نوعان: عرفي ولفظي؛ فاللفظي: أن يقول لها: ائذني لفلان، أو إذا استأذن عليكِ فلان فائذني له، وما أشبه ذلك، والعرفي: ما جرى به العرف، ففي بعض البلاد جرى العرف بأن المرأة تُدخِل جيرانها وأقاربها وما أشبه ذلك، فما جرى به العرف يكون كالإذن اللفظي".
تصدُّق المرأة من طعام بيتها غير مفسدة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا))؛ [متفق عليه].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "واعلم أن هذه المسألة لها خمس أحوال:
الحال الأولى: أن يأذن لها بالصدقة، فهنا تتصدق.
الحال الثانية: أن يمنعها من الصدقة، فإن منعها، فإنه لا يحل لها أن تتصدق، حتى ولو كان بقية طعامهم، وقالت: أخشى إن بقي فسد، فإنها لا تتصدق به.
الحال الثالثة: أن يغلب على ظنها إذنه بذلك وفرحه، فهنا تتصدق وإن لم تستأذنه، ولها أجر.
الحال الرابعة: أن يغلب على ظنها أنه يكره ذلك ويمنع منه، فلا تتصدق.
الحال الخامسة: أن تشك وتتردد في رضاه، فإنها لا تتصدق.
لكن إذا كان يغلب على ظنها أنه يمنعها أو شكت، فلتستأذنه، فإن منعها فلتُشِرْ عليه بأن يأذن لها، فإن خاف منها أن تبالغ في الصدقة، فليقل: آذن لك بأن تتصدقي بما يُخشى فساده فقط".
إطفاء النار عند النوم:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حُدِّثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: إن هذه النار عدوٌّ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم))؛ [متفق عليه].
وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون))؛ [متفق عليه].
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمِّروا الآنية، وأجِيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح؛ فإن الفُوَيْسِقَةَ ربما جرَّتِ الفَتِيلةَ، فأحرقت أهل البيت))؛ [أخرجه البخاري].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "في هذه الأحاديث أن الواحد إذا بات ببيتٍ ليس فيه غيره وفيه نار، فعليه أن يطفئها قبل نومه، أو يفعل بها ما يأمن معه الاحتراق، وكذا إن كان في البيت جماعة، فإنه يتعين على بعضهم، وأحقهم بذلك آخرهم نومًا، فمن فرَّط في ذلك، كان للسنة مخالفًا ولأدائها تاركًا".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وفي هذه الأحاديث دليل على فوائد؛ منها:
1- الوقاية من الشيء قبل نزوله، وقد قيل: إن الوقاية خير من العلاج.
2- جواز ترك النار في البيت إذا كان أهله في يقظة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((حين تنامون)).
3- أنه إذا أمِنَ مِنْ هذه النار فلا بأس ببقائها، وعلى هذا فنقول: إذا أمِن الآن من إبقاء المصابيح في المكان مضاءةً فلا بأس بذلك؛ لأن ذلك مأمون، فلو جاءت الفويسقة فليس فيها فتيلة تجرها، وتحرق الناس.
4- أنه ينبغي ألَّا تكون المدفأة في أيام الشتاء قريبة من الفرش؛ لأنه ربما ينقلب النائم عليها، فتحرقه، فالعلة التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام إذا وُجدت، ثبت الحكم، وإلَّا فلا".
ذكر الله عند الخروج من المنزل:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال - يعني: إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال له: هُديتَ، وكُفيتَ، ووُقيتَ، وتنحى عنه الشيطان))؛ [رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن]، وزاد أبو داود: ((فيقول - يعني: الشيطان - لشيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُديَ وكُفيَ ووُقيَ؟)).
فالمسلم إذا خرج من بيته ذاكرًا اللهَ عز وجل، متوكلًا عليه في جميع أموره، متيقنًا أنه لا حول ولا قوة له إلا بالله - صُرفت عنه الشرور، وحُفظ من الأذى والسوء، وابتعدت عنه الشياطين، فكُفِيَ شرها وكيدها.
وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته يقول: بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليَّ))؛ [قال النووي رحمه الله: حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهذا لفظ أبي داود].
فيجمع المسلم بين ما ورد في الحديثين عند خروجه من المنزل، فيقول: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليَّ.
اللهم وفقنا وجميع إخواننا المسلمين للعمل بهذه الأحكام والآداب؛ ففيها السعادة والخير والبركة.