البَيْعُ الحَلالُ الطَيِّبُ وَالبَيْعُ الحَرَامُ الخَبِيثُ [2]

فهد موفي الودعاني
1433/04/08 - 2012/03/01 07:59AM
البَيْعُ الحَلالُ الطَيِّبُ وَالبَيْعُ الحَرَامُ الخَبِيثُ [2] 9/4/1433هـ
للشيخ محمد الشرافي
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَبَاحَ لَنَا مِنَ الْمَكَاسِبِ كُلَّ تَعَامُلٍ مَبْرُور ، وَنَهَانَا عَنْ كُلِّ مُعَامَلَةٍ تَنْطَوِي عَلَى الْغِشِّ وَالْكَذِبِ وَالْغُرُور ، وَأَشْهُدُ أَنْ لا إِلَهَ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَهْدَى آمِرٍ وَأَبَرُّ مَأْمُور ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُور ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً .
أَمِّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) فَشَأْنُ الْمُؤْمُنِ أَنْ يَتَّبِعَ أَحْكَامَ اللهِ وَأَحْكَامَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّضَى وَالتَّسْلِيمِ وَالْقَبُولِ , لأَنَّ فِي ذَلِكَ صَلاحَهُ وَفَلاحَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرِةِ !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : سَبَقَ فِي الْخُطْبَةِ الْمَاضِيَةِ أَنْ عَرَفْنَا بَعْضَاً مِنَ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ وَفِي خُطْبَةِ الْيَومَ بِإِذْنِ اللهِ نَعْرِفُ الْمَزِيدَ , جَعَلَنِي اللهِ وَإِيَّاكُمْ
مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ !
فَمِنْ صُوَرِ الْمُعَامَلاتِ الْمُحَرَّمَةِ مَا يُسَمَّى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالْقَرْضِ الذِي يَجُرُّ نَفْعَاً , فَهَذَا مُحَرَّمٌ لأَنَّهُ رِبَا !
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ : أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُ الْمَالِ إِلَى الْمُزَارِعِ , وَيَقُولُ لَهُ : أَنَا أُمَوِّلُكَ فِي مَزْرَعَتِكَ بِالْبُذُورِ وَالدِّيزِلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ إِذَا حَصَدْتَ الْقَمْحَ أَوْ جَنَيْتَ الْمَحْصُولَ تَرُدُّ عَلَىَّ فُلُوسِي التِي مَوَّلْتُكَ بِهَا وَمَعَهَا كَذَا وَكَذَا !
فَمَثْلاً يَقُولُ : تَدْفَعُ نِصْفَ رِيَالٍ عَنْ كِلِّ لِبْنَةٍ تَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْمِحْوَرِ ! أَوْ يَقُولُ : تَرُدُّ عَلَىَّ فُلُوسِي وَتُعْطِينِي مِائَةَ لِبْنَةٍ مِنَ الْبَرْسِيمِ , أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَحْصُولِ الْمِحْوَرِ ! وَهَذَا حَرَامٌ لأَنَّهُ رِبَاً , والرِّبَا مُوجِبٌ لِلَّعْنَةِ وَالْحَرْبِ مِنَ اللهِ , فَاحْذَرْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ !
فَمَنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ فِيهِ الآنَ فَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ , وَلا يَأْخُذْ إِلا رَأْسَ مَالِهِ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)
وَمِنْ الأَمْثِلَتِهِ الْوَاقِعَةِ : مَا تُشْبِهُ الصُّورَةَ السَّابِقَةَ : مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَحَلَّاتِ التِّجَارِيَّةِ , حَيْثُ يَتَّفِقُ مَعَ عَامِلٍ يُقَبِّلُهُ الْمَحَلَّ كَامِلاً وَيَجْرُدُ عَلَيْهِ الْبِضَاعَةَ , ثُمَّ يَكُونُ الاتِّفَاقُ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَشْتَغِلُ عَلَى حِسَابِ نَفْسِهِ وَيُتَاجِرُ بِتِلْكَ الْبِضَاعَةِ لِمُدَّةٍ يُحَدِّدَانِهَا بَيْنَهُمَا , ويَدْفَعُ لِصَاحِبِ الْمَحِلِّ مَبْلَغَاً شَهْرِيَّاً مُحَدَّدَاً , وَفِي نِهَايَةِ الْعَقْدِ يَرُدُّ إِلَيْهِ كَامِلَ الْبِضَاعَةِ كَمَا اسْتَلَمَهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خَسَارَتِهِ وَرِبْحِهِ !
وَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ فِيهَا عِدَّةُ مَحَاذِيرَ : فَمِنْهَا أَنَ هَذَا مَمْنُوعٌ نِظَامَاً , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَحَاذِيرُ أُخْرَى لَكَانَ مَمْنُوعَاً مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ , وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْقَرْضَ الذِي جَرَّ نَفْعَاً حَيْثُ أَعْطَاهُ الْبِضَاعَةَ وَأَلْزَمَهُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مَبْلَغَاً شَهْرِيَّاً ثَابِتَا سَوَاءً رَبِحَ الْعَامِلُ أَمْ خَسِرَ , فَكَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ الْبِضَاعَةَ , وَلِذَلِكَ فَهُوَ يَطَالِبُهُ بِهَا فِي نِهَايَةِ الْعَقْدِ ! وَمِنْهَا الْغَرَرُ لأَنَّ هَذَا الْعَامَلَ لا يَدْرِي أَيْرَبَحُ أَمْ يَخْسَرُ , وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْغَرَرِ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ : بَيْعُ السٍّلْعَةِ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا وَحِيَازَتِهَا الْحِيَازَةَ الشَّرْعِيَّةَ التَّامَّةَ , فَلا بُدَّ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ الإنْسَانُ سِلْعَةً أَنْ يَمْلِكَهَا وَيُحُوزَهَا إِلَى مُلْكِهِ , قَبْلَ أَنْ يَبِيعَها !
وَالْحِيَازَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتَلافِ السِّلَعِ , فَالْعَقَارُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ مَزْرَعَةٍ تَتِمُّ حِيَازَتُهُ بِنَقْلِ الصَّكِّ بِاسْمِ الْمُشْتَرِي ! وَالسَّيَارَاتُ تَتِمُّ وَنَحْوُهَا حِيَازَتُهَا بِنْقَلِ الاسْتَمَارَةِ بِاسْمِ الْمُشْتَرِي , وَلا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يَنْقُلَهَا بِاسْمِهِ ! وَالْحَيَوانَاتُ تَتِمُّ حِيَازَتُهَا بِنَقْلِهَا إِلَى حَظِيرَتِهِ التِي فِي السُّوقِ , وَإِنْ كَانَ السُّوقُ عَامَّاً فَتَتِمُّ الْحِيَازَةُ بَأَنْ يَذْهَبَ الْبَائِعُ الأَوَّلُ مِنَ الْمَكَانِ , وَهَكَذَا تَكُونُ الحِيَازَةُ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ بِحَسَبِهَا !
وَقَدْ حَصَلَتْ مُخَالَفَاتٌ كَثِيرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ الْيَوْمَ , وَقَبْلَ أَنْ نَذْكُرَ أَمْثِلَةً وَاقِعَةً , اسْتَمِعُوا لِهَذَا الْحَدِيثِ : عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : اِبْتَعْتُ زَيْتاً فِي اَلسُّوقِ , فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحاً حَسَناً ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِ اَلرَّجُلِ ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي ، فَالْتَفَتُّ , فَإِذَا هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : لَا تَبِعْهُ حَيْثُ اِبْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ ; فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ اَلسِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ , حَتَّى يَحُوزَهَا اَلتُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ ! رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ الألْبَانِيُّ .
فَمِنَ الصُّوَرِ مَا يَحْصُلُ فِي أَسْوَاقِ الْمَاشِيَةِ مِنَ الإبِلِ أَوْ الْغَنَمِ , فَيَأْتِيَ مَنْ يَجْلِبُ الغَنَمَ أَوْ الإِبِلَ إِلَى السُّوقِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا رَجُلٌ , ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الزَّبَائِنِ وَلا تَزَالُ النَّاقَةُ أَوِ الْغَنَمُ فِي سَيَّارَةِ الْبَائِعِ الأَوَّلِ , وَهَذَا وُقُوعٌ فِيمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!! ثُمَّ إِنَّ الْحِكْمَةَ ظَاهِرَةٌ مِنَ النَّهْيِ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ الأَوَّلَ إِذَا رَآهُ رَبِحَ فِي الْبَيْعَةِ وَلا تَزَالُ بِجَانِبِهِ وَفِي سَيَّارَتِهِ فَسَوْفَ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ , وَرُبَّمَا حَاوَلَ فَسْخَ الْبَيْعِ بِحُجَّةِ أَنُّهُ خَدَعَهُ وَأَخَذَ السِّلْعَةَ بِسِعْرٍ قَلِيلٍ , وَحَتَّى لَوْ قَالَ : أَنَا رَاضٍ ! فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ , بَلْ سَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ مَا فِيهَا مِنَ التَّأَسُّفِ إِذْ كَيْفَ يَرْبَحُ وَأَنَا لَمْ أَرْبَحْ مِثْلَهُ !!!
وَمْنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضَاً : مَا يَقَعُ فِي مَعَارِضِ السَّيَّارَاتِ : حَيْثُ يَأْتِي صَاحِبُ السَّيِّارَةِ وَيَبِيعُهَا عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ يَأْتِي آخَرُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ وَنَفْسِ الْمَكَانِ , وَيَقُولُ : خُذْ مَبْلَغَ كَذَا وَدَعْهَا فَيَفْعَلُ , وَرُبَّمَا أَتَى ثَانٍ وَثَالِثٌ أَوْ أَكْثَرَ وَتَبَايَعُوهَا قَبْلَ حِيَازَتِهَا الْحِيَازَةَ الصَّحِيحَةَ , فَهَؤُلاءِ قَدْ وَقَعُوا فِي مَحْظُورِيْنِ : الأَوَّلُ : بَيْعُ السِّلْعَةِ قَبْلَ حِيَازَتِهَا ! وَالثَّانِي : الرِّبْحُ فَيمَا لَمْ يُضْمَنْ , فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ , وَمَعْنَى [رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ] الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إِلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ .
فَاتَّقِ اللهَ يَا مُسْلِم وَلا تَتَعَامَلُ إِلَّا بِالْمُعَامَلاتِ الْحَلالِ فَفِيهَا الْبَرَكَةُ , وَإِنَّ اللهَ مَا جَعَلَ رِزْقَ عِبَادِهِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ .
وَمِنَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمِةِ : بَيْعُ الْمِنَحِ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ! فَتَخْرُجُ لأَحَدِهِمْ مِنْحَةٌ قِطْعَةَ أَرْضٍ مِنَ الدَّوْلَةِ ثُمَّ يَبِيعُهَا قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ لَهُ صَكُّهَا لَهُ , فَهَذا مُحَرَّمٌ لأَنَّهُ إِلَى الآنِ لَمْ يَمْلُكْهَا , فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يُكْتَبَ صَكُّهَا بِاسْمِهِ ثُمَّ يَبُيعُهَا ! وَلَوْ بَاعَهَا فَقَدْ وَقَعَ فِي النَّهْي , فَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِزْقَاً طَيِّباً حَلالاً وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً , أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ ! وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى سَوَابِقِ إِنْعَامِهِ وَسَوَالِفِ آلائِهِ ، أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ الْحَمْدِ وَأَكْمَلَهُ وَأَتَمَّهُ وَأَشْمَلَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ اعْتِقَادَاُ لِرُبُوبِيَّتِهِ وَإِذْعَانَاً لِجَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَصَمَدِيَّتِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيِّدَناَ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى مِنْ خَلِيقَتِهِ , وَالْمُخْتَارُ الْمُجْتَبَى مِنْ بَرَيَّتِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ , صَلاةً مُتَضَاعِفَة ًدَائِمَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ , وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الْكَسْبَ الطَّيَّبَ الْحَلالَ سَبَبٌ لِلْبَرَكَةِ فِي النَّفْسِ وَالأهْلِ وَالْمَالِ , فَاحْرِصُوا بَارَكَ الله ُفِيكِمْ عَلَى التَّوَقِّي مِنَ الْحَرَامِ , وَإِنَّ الأرْزَاقِ بِيَدِ الْخَلاقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِنَ الْبُيُوع ِالْمُحَرَّمَةِ : بَيْعُ فُلُوسِ الصَّوَامِعِ بِالْفَاتِورَةِ وَهَذَا رَبا ! وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ : أَنْ يُدْخِلَ الْمُزَرِاعُ مَحْصُولَهُ مِنَ الْحُبُوبِ وَيَبِيعَهُ عَلَى الصَّوَامِعِ , ثُمَّ يُعْطُونَهُ وَرَقَةً فِيهَا مِقْدَارُ الْفُلُوسِ التِي لَهُ , وَيُحَدِّدُونَ لَهُ مَوْعِداً لاسْتِلامِهَا بَعْدَ أَشْهُرٍ أَوْ سَنَةٍ مَثَلاً , ثُمَّ يَذْهَبَ إِلَى شَخْصٍ آخَرَ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْوَرَقَةَ بِسِعْرٍ أَقَلَّ مِمَّا فِيهَا وَيُسِلَّمَ لَهُ الْفُلُوسَ فِي الْحَالِ !!! وَهَذَا بَيْعٌ مُحَرَّمٌ لأَنَّهُ رِبَا فَهُوَ بَيْعُ مَالٍ بِمَالٍ , بَلْ هُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)
وَمِنَ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ : بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهَا , فَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ اَلثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا , نَهَى اَلْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فَيَأَتِي الْمُشْتَرِي إِلَى صَاحِبِ النَّخْلِ – مَثَلاً – قَبْلَ أَنْ يُلَوَّنَ فَيَشْتَرِي مِنْهُ الثَّمَرَةَ خَوْفَاً مَنْ أَنْ يَأَتِيَ زُبُونٌ آخَرَ وَيَشْتَرِيهَا قَبْلَهُ ! وَهَذَا حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي !
وَمِنَ الْمُعَامِلاتِ الْمُحَرَّمَةِ النَّجْشُ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّجْشِ !
وَمَعْنَى النَّجْشِ : أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمِنِ السِّلْعَةِ لا لِرَغْبَةٍ فِيهَا وَلَكِنْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ وَيَغُرَّهُ ! وَهَذَا يَحْصُلُ فِي الأسْوَاقِ كَثِيراً خَاصَةً فِي الحَرَاجِ , فَيَأْتِيَ شَخْصٌ بِبِضَاعَةٍ كَسَيَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا , ثُمَّ يَأْتِيَ أَشْخَاصٌ بِاتِّفَاقٍ مَعَهُ أَوْ رُبَّمَا بِغَيْرِ اتِّفَاقٍ فَيُزَايِدُونَ فِي السِّلْعَةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ رَغْبَةٌ فِي الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يُرُيدُونَ نَفعَ الْبَائِعِ أَوْ مَضَرَّةَ الْمُشْتَرِي , وَهَذا حَرَامٌ وَإِثْمٌ عَلَيْهِمْ , نَسْأَلُ اللهَ الْهِدَايَةَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ ! فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُعَامَلاتِ الْمُحَرَّمَةِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ وَلا يَعُودَ إِلَى ذَلِكَ وَيَتَدَارَكَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ الأَوَانُ !
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ , رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ , رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ , رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ !
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المرفقات

البَيْعُ ...docx.zip

البَيْعُ ...docx.zip

المشاهدات 1935 | التعليقات 1

جزاكما الله خير الجزاء