البيتُ السعيدُ 1444/11/13ه

يوسف العوض
1444/11/12 - 2023/06/01 13:22PM

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللهِ: البَيْتُ المُسْلِمُ المُسْتَقِرُّ يُخْرِجُ أَجْيَالَاً تَعْتَزُّ بِهِمُ الأُمَّةُ، وَيَكُونُونَ حَمَلَةً لِرِسَالَةِ الآدَابِ وَالأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ، وَيَكُونُونَ حُمَاةً للأُمَّةِ وَالوَطَنِ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا حَمَلَةً لِرِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَمَلَةً لِدِينِ اللهِ تعالى، حَمَلَةَ سِرِّ سَعَادَةِ البَشَرِيَّةِ ، الأُمَّةُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى شَابٍّ صَالِحٍ مُلْتَزِمٍ، وَفَتَاةٍ صَالِحَةٍ مُلْتَزِمَةٍ، يَتَرَبَّيَانِ في بَيْتٍ تُرَفْرِفُ عَلَيْهِ السَّعَادَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَالمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالسَّكَنُ، لَا يَتَرَبَّيَانِ في بَيْتٍ مَلِيءٍ بِالشِّقَاقِ وَالخِلَافَاتِ وَالسِّبَابِ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ .

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ بِنَاءَ الأُسْرَةِ بِنَاءً صَالِحَاً مِنْ ضَرُورَاتِ قِيَامِ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، لِأَنَّ الأُسْرَةَ لَبِنَةُ المُجْتَمَعِ الأُولَى، وَأَسَاسُ هَذَا البِنَاءِ هُوَ الزَّوَاجُ النَّاجِحُ المَبْنِيُّ عَلَى أُسُسٍ سَلِيمَةٍ وَأَهْدَافٍ مُسْتَقِيمَةٍ، لِأَنَّ اخْتِلَالَ الأُسُسِ، وَتَفَاهَةَ الأَهْدَافِ، تُؤَدِّي إلى انْعِدَامِ الثَّمَرَةِ مِنَ الزَّوَاجِ ، هُنَاكَ مَنْ أَقَامَ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ عَلَى أَسَاسِ المُتْعَةِ وَقَضَاءِ الوَطَرِ مُجَرَّدَاً عَنِ المَعَانِي العَظِيمَةِ التي يُقْصَدُ الزَّوَاجُ مِنْ أَجْلِهَا، لِذَلِكَ تَرَى هَذِهِ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ مَلِيئَةً بِالشَّقَاءِ بَعْدَ حِينٍ، لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا في تَحْدِيدِ الهَدَفِ.

عِبَادَ اللهِ: مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ رَعَى الإِسْلَامُ البَيْتَ رِعَايَةً لَا مَثِيلَ لَهَا، فَحَضَّ عَلَى حُسْنِ الاخْتِيَارِ، فَقَالَ: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ وَقَالَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَحَضَّ كُلَّاً مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى المُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ، وَأَنْ يُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الوَاجِبَ الذي عَلَيْهِ نَحْوَ الآخَرِ، وَجَعَلَ القِوَامَةَ بِيَدِ الرَّجُلِ، وَحَثَّ عَلَى صِدْقِ المَوَدَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَرَادَ سِرَّ السَعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ فَلْيَنْظُرْ في خَيْرِ زَوْجٍ عَرَفَتْهُ البَشَرِيَّةُ عَلَى الإِطْلَاقِ، لِيَنْظُرْ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ ابْتَدَأَ بِالسِّوَاكِ، حَتَّى لَا تُشَمَّ مِنْهُ إِلَّا رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ عَرَقِهِ لِيُطَيَّبَ بِهِ الطِّيبُ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَبْدَأُ بِالسِّوَاكِ تَفَقُّدَاً لِمَشَاعِرِ وَأَحَاسِيسِ الزَّوْجَةِ ، لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللهُ تعالى عَلَى الإِطْلَاقِ، وَمَعَ ذَلِكَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلَ أَكْرَمَ بَعْلٍ وَأَكْرَمَ زَوْجٍ عَلَى أَهْلِهِ، دَخَلَ بِالأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّوَاضُعِ، وَمَا دَخَلَ مَرَّةً لِيُشْعِرَهُمْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مَخْلُوقٍ عَلَى الإِطْلَاقِ ، لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَادَى زَوْجَتَهُ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشُ» انْظُرُوا إلى هَذَا اللُّطْفِ وَهَذَا التَّرْخِيمِ «يَا عَائِشُ» فِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى مَزِيدِ الحُبِّ، روى الإمام البخاري: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَاً: «يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» ، فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَعِيبُ طَعَامَاً صَنَعَهُ أَهْلُهُ قَطُّ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَابَ طَعَامَاً قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ سَكَت ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِبَعْضِ نِسَائِهِ: «هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟» ، فَإِذَا قُلْنَا: لَا، قَالَ: «إِنِّي صَائِمٌ» رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُسِيءُ لِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ ـ حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ ـ ، كَانَتْ أُمُّنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إِذَا وَضَعَتِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ـ إِذَا بِهِ يُقْسِمُ عَلَيْهَا أَنْ تَشْرَبَ قَبْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ، روى النسائي عَنْ شُرَيْحٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا سَأَلْتُهَا: هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهِيَ طَامِثٌ؟ (أَيْ: حَائِضٌ) قَالَتْ: نَعَمْ؛ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونِي فَآكُلُ مَعَهُ وَأَنَا عَارِكٌ (أَيْ: حَائِضٌ) وَكَانَ يَأْخُذُ الْعَرْقَ فَيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ فَأَعْتَرِقُ مِنْهُ (أَيْ: تَنْهَشُ وَتَأْكُلُ مِنْهُ) ثُمَّ أَضَعُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيَعْتَرِقُ مِنْهُ وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ الْعَرْقِ (أَيْ: إِذَا أَكَلَتِ اللَّحْمَ ثُمَّ وَضَعَتْهُ أَخَذَهُ وَوَضَعَ فَمَهُ مَكَانَ فَمِهَا) وَيَدْعُو بِالشَّرَابِ فَيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ، فَآخُذُهُ فَأَشْرَبُ مِنْهُ، ثُمَّ أَضَعُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ الْقَدَحِ ، نَعَمْ أُمُّنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَرِيمَةٌ بِنْتُ كِرَامٍ، وَلَا تَرْضَى أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَهَذَا مِنْ شَأْنِ المَرْأَةِ الصَّالِحَةِ ـ إِلَّا إِذَا أَقْسَمَ عَلَيْهَا.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى التَّعَرُّفِ إلى شَخْصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ زَوْجٌ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ بُيُوتِنَا التي أَصْبَحَتْ وَأَمْسَتْ تَعِيشُ حَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ حَتَّى كَثُرَ الطَّلَاقُ وَكَثُرَتِ المَشَاكِلُ الزَّوْجِيَّةُ، وَضَاعَ الأَبْنَاءُ وَالبَنَاتُ ، وَاللهِ لَنْ تَقُومَ بُيُوتُنَا عَلَى المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَحُسْنِ التَّرْبِيَةِ للأَبْنَاءِ إِلَّا إذَا تَخَلَّقْنَا بِأَخْلَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ.

المشاهدات 1150 | التعليقات 0