البكاء خشية لله مستفادة من خطب المشايخ الفضلاء

Abosaleh75 Abosaleh75
1445/03/28 - 2023/10/13 01:15AM
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله :اعلموا أَنَّ مِمَّا يُحْمَدُ وَيَرْقَى بِهِ الْمَرْءُ عِنْدَ اللهِ هُوَ الْخَوْفُ مِنْهُ وَالْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَتِهِ، بَلْ إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ طُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ وَارْتِيَاحِ الْقَلْبِ البكاء خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللهِ أَوْ رَجَاءَ رحمته.
عباد الله :البكاء من خشية الله وصف شريف، وخصلة حميدة، إنه مقام الخشوع وإراقة الدموع، إنه التعبير عن حزنٍ القلب وانكسار الفؤاد. به وصف الله أنبياءه، فقال (أولئك الذين أنعم الله عليهم من ذرية أدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) ونعت به الذين أوتوا العلم من عباده فقال عز شأنه ((إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحن ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً).
والله تبارك وتعالى يحب البكاء مِن خشيته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرةٍ من دموعٍ في خشية الله، وقطرةِ دم تُهراقُ في سبيل الله... »، الحديث؛ رواه التِّرمذي، وصَحَّحه الألباني.
والبكاء من خشية الله جُنَّةٌ من النار، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَلِج النارَ رَجُلٌ بَكَى مِن خشية الله، حتى يعود اللَّبن في الضرع»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «عينانِ لا تَمَسُّهُما النارُ: عينٌ بكتْ مِن خشية الله، وعينٌ باتَتْ تحرُس في سبيل الله»؛ رواهما التِّرمذي، وصَححهما الألباني.
والرَّجل الذي تفيض عيناه في الخلوة من خشية الله، يقيه اللهُ حر الشمس ويُظِله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال عليه الصلاة والسلام(ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)متفق عليه.
عباد الله :لقد كان نِبيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَكَانِ الْأَعْلَى تَأَثُّرًا وبكاء وخشية وإجلالا لربه سبحانه فعن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- قال: "رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرَّحى من البكاء". رواه أبو داود. وفي رواية للحديث عند النسائي والترمذي في الشمائل قال: "ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء".
وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اقرأ علي القرآن فقال: أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال نعم: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأ من سورة النساء حتى بلغ قول الله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك فإذا عيناه تذرفان.
عباد الله :وقد كانت تلك الحال حال تلاميذه من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم فعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً) قال أنس: فغطّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين من البكاء. متفق عليه.
وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: لما نزلت {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} بكى أصحاب الصُّفَّة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بكى معهم فبكينا ببكائه،
أيها المسلمون :هذا حال النبي الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم وصحبه الكرام فكيف حالنا وقد جفت عيوننا من دموع الخشية، وأصبحنا نصلي فلا نخشع، ونتلوا القرآن فلا نتأثر، ونسمع المواعظ فلا نرق، ونزور المقابر وندفن الموتى فلا نبكي.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى فاعلم أن قحطها إنما هو من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله : القلب القاسي ".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع، يقول (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها). رواه مسلم.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتِغْفُرُ اللهُ لِي وَلَكُمْ وَلِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتْغِفْرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَّةُ
الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهُدُ إِلَّا إِلَّهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله : للبكاء من خشية الله أثر كبير في غسل صدأ الذنوب عن القلوب، ويورث رقة وشعوراً بالقرب من الرب وذوقاً لحلاوة مناجاته.
فيا عباد الله: استجلبوا الرقة والبكاء لأنفسكم، واعلموا ان لذلك أسبابا:
فأولها: زيادة العلم بالله وبكماله وجلاله وعظمته ومدلولات أسمائه وصفاته، فمن كان بالله أعرف كان منه أخشى وأخوف، ومن وسائل ذلك تدبر آيات العظمة والتفكر في آلاء الله في الكون
.
وثاني الأسباب: المجاهدة على حضور القلب في الصلاة والتفهم لأذكارها واستشعار ركوعها وسجودها ومناجاة الرب فيها
.
وثالثها: ذكر الله، وتلاوة كلام الله بتدَبُّر؛ قال الله تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ فما رقت القلوب ولا رقرقت الدموع، بمثل ذكر الله وتدبر كلامه فهو أعظم المواعظ وأقوم الهدى وأنفع
.الشفاء
والرابع من أسباب الرقة والبكاء: تذكُّر الموت وهول المطلع، وتذكر القبر وفتنته، والآخرة وأهوالها، والجنة ونعيمها، والنار وجَحِيمها

والخامس والأخير: تذكر الذنوب السالفة، والتضرع إلى الله والبكاء بين يديه بطلب التوبة والعفو والمغفرة والإقالة من العثرة، والاعتذار إليه سبحانه
.
فابكِ يا عبد الله على صلاة أضعتها، ابكِ على معصية اقترفتها، ابكِ على حرمة انتهكتها، ابكِ على أم عققتها ورحم قطعتها، ابكِ على الكذب والغيبة والسخرية التي نطقتها، ابكوا على خطاياكم بين يدي مولاكم (فطوبى لمن بكى على خطيئته)، فربكم يحب أنين المذنبين التائبين، ويقبل اعتذار المعتذرين، ويغفر للمستغفرين.
فراجعوا أنفسكم وأنيبوا إلى ربكم، قبل أن تندموا على ما فرطتم وأضعتم.
ثم صلوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْقَائِلُ سُبْحَانَه: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم]
المشاهدات 395 | التعليقات 0