البِـــــــــــــــــــرُّ والصِّــــــــــــلَةُ ( تعميم )

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللهِ : إِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ عِنْدَ الله تَعَالَى؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:  أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ». 

 وَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ يَزِيدُ لِلْإِنْسَانِ فِي عُمُرِهِ، وَيُبَارَكُ لَهُ فِي رِزْقِهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».

وَمِنْ عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ: اسْتِجَابَتُهُ -جَلَّ وَعَلَا-لِأَحَدِهِمَا إِذَا دَعَا لِابْنِهِ، أَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ لِابْنَتِهِ؛ فَفِي الحَدِيثِ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» .

وَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى؛ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:  «أَلَكَ وَالِدَانِ؟ »، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ خَالَةٌ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَبَرَّهَا إِذًا».. 

  عِبَادَ اللهِ : إِنَّ صُوَرَ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ كَثِيرَةٌ، وَطُرُقَ الإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا مُتَنَوِّعَةٌ، فَمِنْ صُوَرِ البِرِّ بِهِمَا: إِسْعَادُهُمَا وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمَا، وَمَدْحُهُمَا أَوِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا؛ أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ! قَالَ: »ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا«.

وَمِنْ صُوَرِ البِرِّ: تَقْدِيمُ رِضَاهُمَا عَلَى رِضَا نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ بِالْمَعْرُوفِ؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتِسْعٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا: »وَأَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ فَاخْرُجْ لَهُمَا«.

وَمِنْ صُوَرِ البِرِّ احترامهما وتقديرهما إِخْبَارُهُمَا بِكُلِّ مَا يَسُرُّهُمَا وَيَجْلِبُ الفَرْحَةَ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا تُدْخِلِ الحُزْنَ وَالضِّيقَ عَلَيْهِمَا بِإِخْبَارِهِمَا بِمَشَاكِلِكَ أَوْ خِلَافَاتِكَ الزَّوْجِيَّةِ، أَوْ مَشَاكِلِ عَمَلِكَ، فَإِنَّ مَا أَهَمَّكَ سَيُهِمُّهُمَا، وَمَا أَحْزَنَكَ سَيُحْزِنُهُمَا.

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ : صِلةُ الرَّحمِ مِن أفضلِ الطَّاعاتِ الَّتي يَتقرَّبُ بها العبدُ إلى ربِّه عزَّ وجلَّ، وقدْ أمَرَ اللهُ بها، وحذَّر مِن قَطْعِها، وجعَلَ قَطْعَها مُوجِبًا لِلعذابِ، ووَصْلَها مُوجبًا لِلمَثوبةِ.

قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الرَّحمُ مَعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّه، وَمَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ" .