البشارة بتمام بالدورات الصيفية القرآنية وتكريم أهلها ودعوة للعناية بكتاب الله
عبدالرحمن اللهيبي
هذه خطبة أعدها أحد الإخوة الأفاضل نسأل الله أن يكتب له أجرها وأن يجعلها في موازين حسناته
الحمدُ لِله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنَّ نبينا محمداً عبدهُ ورسوله، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعدُ... فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ نبينا محمدٍ r، وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنَّ يدَ اللهِ على الجماعة، ومَنْ شذَّ عنهم فمات.. فميتتُهُ جاهليةٌ والعياذُ بالله.
أيها المؤمنون... ألا أبشّركم ببشارةٍ حسنةٍ جميلةٍ في أولِ هذه الخطبة.. ألا فاسمعوا وَعُوا.
لقد وفَّق اللهُ ويسَّرَ وتـمَّمَ.. وأقيمتْ عشراتُ الدوراتِ الصيفية، في حفظِ ومراجعةِ وتثبيتِ القرآنِ الكريم، في طُولِ هذه البلادِ المباركةِ وعَرضِها، لم تخلُ مدينةٌ ولا محافظةٌ ولا جهةٌ من هذه الدورات الصيفية القرآنية المباركة، فيها مئاتُ الحلقات، شارك فيها آلافٌ مؤلفةٌ من الكبارِ والصغارِ، والذكورِ والإناثِ، والمواطنين والمقيمين والزوار والمعتمرين، فللهِ الحمدُ أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
اللهم أكرمْ حملةَ كتابك.. وزدهم يا ربِّ تشريفاً وإجلالاً، وارفعْ منازَلهم، وأَعَلِ درجاتهم، بما حوتْ صدورُهم مِنْ الآيات، وبما عمروا به حياتهم من الذكر والتلاوات.
عبادَ الله... تلاوةُ كتابِ اللهِ وحفظُهُ ومدارستُهُ.. ليس خاصاً برمضان، بل هو طوالَ العام، وسائرَ الوقت، وآناءَ الليل، وأطرافَ النهار.
وأهلُ القرآن.. هم أهلُ العِلمِ الحقيقيِّ باللهِ وعن اللهِ، وصدقَ الله: (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)، وما سمعنا ولا رأينا عالماً.. أو طالبَ علمٍ.. ابتدأ طريقَ الطلبِ.. إلا وابتدأَ بحفظِ كلامِ اللهِ سبحانه وتعالى، ثم واصلَ المسيرَ.. في المراجعةِ والتثبيتِ، والتدبرِ والتفسيرِ، وسائرِ وُجوهِ العنايةِ بالقرآن، وهذه المسيرةُ الطويلةُ، والمصاحبةُ والرُفقةُ الدائمةُ، مع كتابِ الله تعالى، ومع ما فيها مِن مُكابدةٍ ومشقةٍ.. إلَّا أنها تورثُ القلبَ رَوحا وأُنساً وسروراً، فليس للعبدِ المؤمنِ أُنسٌ صادقٌ.. ولا راحةٌ حقيقيةٌ.. إلَّا حين يترنَّمُ بآيِ الكتاب، يضعُ المصحفَ بين يديه، يقلّبُ صفحاتِهِ، يلتهمُ سطورَهُ وآياتِه، ويتدبرُ في مبانيه ومعانيه، ويتفكّرُ في أحكامِه ومُرادِ اللهِ فيه، تصديقاً وإيماناً، وحُبّاً وشُوقاً وإذعاناً، حتى يصدقَ فيه قولُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لو جُعِل القرآنُ في إهابٍ، ثمَّ أُلقي في النَّارِ؛ ما احترق) رواه أحمد.
عبادَ الله.. ومِنْ كرامةِ أهلِ القرآنِ في ديننا وشريعتنا أنَّ حافظَ القرآنِ يُقدَّمُ على غيره في الصلاةِ إماماً، روى مسلمٌ عن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فإنْ كَانُوا في القِرَاءَةِ سَوَاءً، فأعْلَمُهُمْ بالسُّنَّةِ، فإنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً، فأقْدَمُهُمْ هِجْرَةً..) الحديث.
وروى البخاريُّ عن عبدِالله بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأوَّلُونَ العُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ، وكانَ أكْثَرَهُمْ قُرْآنًا.
ومِنْ كرامةِ صاحبِ القرآنِ.. أنَّه يُقدَّم على غيرِه في القبرِ، في جِهةِ القبلةِ، إذا اضطررنا لدفنِهِ مَعَ غيرِهِ.
روى البخاريُّ عن جابرِ بنِ عبدِالله رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَجْمَعُ بيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِن قَتْلَى "أُحُدٍ" في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ يقولُ: (أيُّهُمْ أكْثَرُ أخْذًا لِلْقُرْآنِ؟)، فَإِذَا أُشِيرَ له إلى أحَدِهِما قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ، وقالَ: (أنَا شَهِيدٌ علَى هَؤُلَاءِ)، وأَمَرَ بدَفْنِهِمْ بدِمَائِهِمْ، ولَمْ يُصَلِّ عليهم، ولَمْ يُغَسِّلْهُمْ.
عبادَ الله... ومِنْ كرامةِ صاحبِ القرآنِ.. أنه يُقدّمُ في الإمارةِ والرئاسةِ إذا أطاقَ حملها، فقد روى مسلمٌ في صحيحه، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِالْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: (إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ).
فنسألُ اللهَ أنْ يجعلَنا مِنْ أهلِ القرآنِ الذين هُم أهلُهُ وخاصَّتُهُ.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمداً حمداً..
لو سألتَ عن تكريمِ اللهِ لحفظةِ كتابه في الآخرة.. فاعلمْ أولاً: أنَّهم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه... فما ظنُّكم بربِّ العالمين؟
ألا فاستمعوا وعوا.. واعلموا أنَّ منزلةَ الحافظِ للقرآنِ في الجنة.. عند آخرِ آيةٍ كان يحفظُها، فعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (يُقال لصاحبِ القرآن: اقرأ وارتق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. قال الخطابيُّ: "جاء في الأثر: عددُ آيِ القرآنِ على قَدرِ دَرَجِ الجنَّةِ، يُقالُ للقارئ: اقرأ وارتقِ في الدَّرِجِ، على قَدْرِ ما كُنتَ تقرأُ مِنْ آيِ القرآنِ، فَمَنْ استوفَى قراءةَ جميعِ القرآنِ.. استولى على أقصى دَرَجِ الجنَّةِ، وَمَنْ قرأَ جُزءاً مِنه.. كان رُقِيُّهُ في الدَّرَجِ على قَدْرِ ذلك، فيكونُ مُنتهى الثَّوابِ عِند مُنْتَهَى القراءةِ". اهـ.
عبادَ الله... ومِنْ كرامةِ صاحبِ القرآنِ في الآخرة.. أنَّه يكونُ مع الملائكةِ رفيقاً لهم في منازلهم، فعن أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي اللهُ عنها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ) رواه مسلم.
ومِنْ كرامةِ صاحبِ القرآنِ في الآخرة.. أنه يَلبس تاجَ الكرامةِ، وحُلَّةَ الكرامة.. فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً) رواه الترمذي.
ومِنْ كرامةِ صاحبِ القرآنِ في الآخرة.. أنَّ القرآنَ يَشفعُ فيه عند ربِّه، فعنْ أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)، يعني السَّحَرَةُ، رواه مسلم.
ومِنْ كرامةِ صاحبِ القرآنِ على الله.. أنه سبحانه وتعالى يُكرمُ أهلَه وقرابتَه.. فقد وردَ الدليلُ في والديه أنهما يُكسيان حُلَّتين لا تقومُ لهما الدنيا وما فيها، وما ذلك إلا لرعايتهما وتعليمهما ولدهما، وحتى لو كانا جاهليْن.. فإنَّ اللهَ يكرمهما بولدهما.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَجيءُ القرآنُ يومَ القيامةِ كالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، يقولُ لصاحبِهِ: هل تَعرِفُني؟ أنا الذي كنتُ أُسهِرُ لَيْلَكَ، وأُظْمِئُ هَواجِرَكَ، وإنَّ كلَّ تاجرٍ مِن وراءِ تِجارتِهِ، وأنا لكَ اليومَ مِن وراءِ كلِّ تاجرٍ؛ فيُعطَى المُلْكَ بيمينِهِ، والخُلْدَ بشِمالِهِ، ويوضَعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، ويُكْسى والِداهُ حُلَّتَيْنِ لا تقومُ لهما الدُّنيا وما فيها؛ فيقولانِ: يا ربِّ، أنَّى لنا هذا؟! فيُقالُ: بتعليمِ وَلَدِكُما القرآنَ) رواه الطبراني في الأوسط.
وعن بُريدةَ بن الحُصيبِ الأسلميِّ رضي اللهُ عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من قرأَ القرآنَ وتعلَّم وعمِل به أُلْبِس والداهُ يومَ القيامةِ تاجًا من نورٍ ضوءُه مثلُ الشَّمسِ، ويُكسَى والداه حُلَّتَيْن لا يقومُ لهما الدُّنيا، فيقولان: بمَ كُسينا هذا؟! فيُقالُ: بأخذِ ولدِكما القرآنَ) رواه الحاكم، والحديثان يحسّن أحدهما الآخر.
فيا عبادَ الله... كلُّ هذا التكريم.. من الربِّ الكريمِ لحفظةِ كتابِهِ: هو غيضٌ مِن فيض، وقليلٌ مِن كثير، وربنا كريم الهبات والعطايا، وإنَّ مِنْ إجلالِ اللهِ تعالى.. تكريمُ حفظةِ كتابِه الكريم.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)، فمِنْ إجلالِنا لربنا سبحانه وتعالى أنْ نكرّم حفظةَ القرآن، فإياك أنْ تقصّرَ أو تفرّطَ في إجلالِ اللهِ، وقد أمركَ بإجلالِ حفظةِ القرآنِ الكريم.
وأنتَ يا حافظَ القرآن، تعاهد القرآن، تعاهد مراجعتَه وتثبيتَه في الصدر، فإذا قمتَ بين يدي الله يوم القيامة، فسألك عن شبابك فيما أفنيته، قلتَ: يا رب، كنتُ في بيتٍ من بيوتك، أتعلُّمُ كلامَك، أحفظُه، أُكررُ مراجعتَه طوالَ حياتي، أُقرئه للناسِ سائرَ عمري، فيرضى الله عنك.
وأنتَ أخي المبارك، مهما طالَ عُمُرُك، وازدحمتْ أعمالُك، أما آنَ لكَ أنْ تُقبلَ على حِلَقِ القرآنِ الكريمِ فتكون مِن أهله، أما آنَ لك أخي المبارك، أنْ تحفظَ نفسك مِن الفتن بحفظِ كلامِ الله، بل يحفظك اللهُ مِن أعظمِ فتنةِ في الدنيا.. بحفظِ عشرِ آيات، فكيف بحفظِ القرآن كاملاً! يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ) رواه مسلم.
فيا أيها الآباء، أيها المسؤولون، أيها المربّون، أيها الإخوةُ الكرام، إنَّ المجتمع.. يجبُ أنْ يكرّمَ مَن كرّم اللهُ سبحانه وتعالى، فيحتفي بهؤلاء، يحتفي بهم ثناءً وتقديراً وتشريفاً، يُقدّمون في المحافل، ويُقدمون في سائر أُمورهم بما قدّمهم الله سبحانه، يُدافع عن أعراضهم، ويُوقف معهم، ويُدعى لهم بالخير، ويُثنى عليهم.
ولأننا نعلمُ أنَّه لا عزَّ لنا إلا بكتابِ الله؛ حفظاً وتدبراً وعملاً وتحكيماً، فلنحتفِ بهم، ولنجلّهم، ولنعرفْ لهم قدرهم، ولنشرّف بهم آباءهم، ولنمدح بهم معلّميهم؛ فهذا وربي الشرف: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
وصلوا وسلموا..