البَرْنَامَجُ النَبَويُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. 1442/9/18هـ
عبد الله بن علي الطريف
البَرْنَامَجُ النَبَويُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. 1442/9/18هـ
الحَمدَ للهِ الذي من علينا بإدراك شر رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام وقراءة القرآن، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً.. أَمَا بَعْدُ: أيها الإخوة اتقوا الله حق التقوى
أحبتي: هكذا الدنيا، وهكذا الأيام تتقضَّى وتذهب، وكأنها لم تمر، وليالي العشر الأواخر من شهرِ الخيرِ ستحلُ، وهي أفضل ليالي العام، فهنيئًا لمن أدركها، ويا سعد من وُفِّق فيها لإدراك ليلة القدر وقيامها..
أيها الإخوة: هدي رسولنا خير الهدي وقد نقل لنا أصحابه برنامجه في العشر، وحري بنا أن نتحرى هديه لنقتفي أثره.. وخير من يصف لنا حاله أهلُ بيتِهِ تَقُوْلُ أمنا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» وقالت كَانَ ﷺ «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» رواهما مسلم وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ يَكُنْ ﷺ إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه» كذا في فتح الباري وتحفة الأحوذي.
فيعلم من هذا أن النبي ﷺ كان يخص العشر الأواخر من رمضان ببرنامج عملي لا يَعْمَلُهُ في أولِ الشهرِ ووسطِهِ ومنها:
إحياء الليل: والمقصود بإحياء الليل أي يحيي ليلَهُ كلَّه أي لا ينام وكان يحييه ﷺ بعبادات متنوعة مثل الفطور بعد غروب الشمس، وصلاة المغرب وصلاة العشاءِ، وما يتبعهما من رواتب، والعَشَاءَ، والسَحوُر وما يشرع فيها من سنن أخرى كمؤانسة أهلٍ أو صدقةٍ أو عمل صالح من قراءة قرآن وذكر وغيرها من الأعمال التي يدخلها الاحتساب، وليس المعنى أنه يكون ُكلَ الليلَ في صلاة، بدليل أن صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَبِيِّ ﷺ كَانَتْ تَأْتِيه وكَانَ مُعْتَكِفًا، فَتَزُورُهُ لَيْلًا وَتُحَدِّثُهُ، ثُمَّ تَنْقَلِبَ، فَيَقُومُ مَعَها ليَقْلِبَها. رواه ابن حبان وصححه الألباني. ومما يؤكد عدم إمضائه كل الليل بالصلاة كما يظن بعض الناس؛ قولُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ» رواه مسلم. وقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ» رواه النسائي وغيره وصححه الألباني..
إذاً السنةُ إحياءُ لياليَ العشر بالطاعة والقرب المتنوعة القولية والعملية ومن أهمها القيام مع الإمام حتى ينصرف مهما قلت صلاته، وعدم التفريط بلحظة فقد صح عن النبي ﷺ عند أصحاب السنن وغيرهم: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ» وصح قوله: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه
ومن برنامج النبيِ ﷺ: أنه يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها من الليالي وفي حديث أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ أن النبي ﷺ لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة وهذا يدل على انه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني وأخرجه الطبراني كذلك وزاد: «وكُلُ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ يُطِيْقُ الصَلَاةَ».. وعليه يتأكد الحث والترغيب والمتابعة والإيقاظ في رمضان والعشر خصوصاً الأوتار منها..
قال سفيان الثوري: أحبُّ إليَّ إذا دخلَ العشرُ الأواخرُ أن يتهجَّدَ بالليلِ ويجتهد فيه ويُنْهِضَ أهلَه وولدَه إلى الصلاةِ إن أطاقوا ذلك..
أحبتي: وفي هذا الزمان صار السهر في رمضان سلوكاً اجتماعياً عاماً؛ وهذا يسهل علينا حث الأهل على استثمار ليالي العشر فالكل مستيقظ، ولن نجد عناء في إيقاظهم.. ونحن بينهم لعدم الإذن بالاعتكاف هذا العام..
لكن علينا بذل الجهد في إقناعهم وترغيبهم في استثمار الليالي الفاضلة، والدعاء والثناء لمن بذل منهم جهداً في طاعة أو توجه إليها.. وأن يكون حثهم بلطف وحب، وأن نكون قدوة حسنة لهم من خلال إظهار الاهتمام في هذه الليالي والحرص على الوقت فيها.. وشغله في الطاعات المتنوعة.. وتأجيل كثير من الأعمال غير المهمة لما بعدها..
اللهم برك لنا في العشر ووفقنا لليلة القدر.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
الخطبة الثانية:
..الحمدُ للهِ ربِ العالمين وأشهدُ ألا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإن تقوى الله خير زاد..
وأيها المتسابقون إلى الفردوس الأعلى: أرأيتم متسابقاً في نهاية المضمار وقد اشتد فيه المتنافسون على بلوغ خط النهاية يحسنُ به أن يهاتفَ مدير أعماله في هذا الوقت للإعداد لحفل الفوز والتتويج.!؟ ويبالغُ في الاهتمامِ بالحفلِ وهو لم يبلغْ خطَ النهايةِ.! كلنا يخطئِه على ذلك، ونرى أنَّ عليه في هذا الوقت الحَرِجِ زيادةَ السرعةِ وتوسيعَ الخطوةِ والصبرَ والتَحَامُلَ على النفسِ حتى يبلغَ خط النهاية.. ثم ينظر فيما سوى ذلك.. ومثل هذا من يمضي العشر في الاستعداد للعيد، ويدع مضمار الطاعة.. فتنبهوا..
نعم أيها الإخوة: نحن الآن بالقربِ من خطِ النهاية... فشدوا المآزر شدوها.. واستثمروا الثواني قبل الدقائق ففي الثانية تسبيحة وتحميدة، وقراءة كلمة من كتاب الله..
ولا بد من دعوة الأسرة لاجتماع عاجل.. للتأكيدِ على استثمارِ هذه الأوقات، والاتفاقِ على الابتعاد عن كل الْمُلهيات، وتصفية الجو للعبادة والدعاء وعموم الطاعات، ومراجعة النيات لتحويلِ المباحات إلى طاعات..
وبعد: هذه دعوة صادقة من محب لكم أمامنا ليلةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ليلةُ القدر مبتدؤها من غروبِ الشمسِ ومنتهاها طلوع الفجر.. خير من أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة.. وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القُوةِ والقُوَى، بليلةٍ يكون العمل فيها يقابِل بل يزيد على ألفِ شهر، عُمر رجل مُعمرٍ عُمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.. وقد حسبتها فوجدت الثانية منها تعدل ليلةٍ من ليالينا الآن.. فالله أكبر ما أثمن ثوانيها.. وما أغفلنا عنها..
اللهم وفقنا لاستثمارها، وأعِذْنا من العجز والكسل، وأعِنَّا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك...
ك...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق