البركة
سلطان الحصين
الحمد لله رب العَالمين والعاقبةُ للمتقين، وأشْهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقُّ المبين، وأشهدُ أن محمداً عبد الله ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله وسلم وبَارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلَّم تسليماً إلى يوم الدين، أما بعد
.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]
أمة الإسلام: البركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته، ولا في كثيرٍ إلا نفَعَته، ولا غِنَى لأحدٍ عَن بركةِ الله؛ فالأنبياءُ والرّسلُ يطلبونها، يقول صلى الله عليه وسلم : «بَيْنَما أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ؛ فَجَعَلَ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ»، أخرجه البخاري، والرّسُل والدّعاةُ مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودَعوتهم، قال عيسَى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [سورة مريم:31]
وبارك الله في نوح عليه السلام إذ قال: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[سورة هود:48]
وألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله، فقال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}[سورة الصافات:112-113]
.ودعَا نبينا وسيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ربَّه بالبركَة، فقال: «وبارِك لي فيما أعطيتَ» أخرجه أبو داود والترمذي
وتحيّة المسلمِين بينهم السّلام والرّحمة والبركة، والقرآنُ العظيمُ، كتابٌ مبارَك أنزله الله رحمةً وشِفاءً وهُدى، {وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [سورة الأنبياء:50]
وبرَكةُ الأسْرَةِ منذ نُشُوئها بالدعاء؛ «بارَك الله لكما، وبارك عليكما، وجمَع بينكما في خير» أخرجه أبو داود والترمذي، والزوجَةُ المبارَكة هِي المطيعةُ لله القائمةُ بحقوق زوجها في غيرِ معصيةِ الله، والولدُ النّاشئُ على طاعةِ ربِّه، المستمسِكُ بدينه مبارك
.والسلام عند دخول المنزل سبب للبركة، يقول صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه: «يا بنيّ، إذا دخلتَ على أهلِك فسلّم، تكُن بركةً عليكَ وعلى أهلِ بيتك»، أخرجه الترمذي
ويُبارك الله بالمال إذا كثُر خيرُه وصدَقَتُه وتعدّدَتْ َمنافعه، ومَن قنِع برِبْحٍ حلال قليلٍ وتحرّى الصدقَ في معاملاتِه؛ ظهرتِ البركة والسعادة في مالِه وذريته، والطّعامُ المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك، وتجنّبتَ الأكلَ من وسطِ الصحن، وذكرتَ اسمَ الله عليه ثم لعقت أصابعك بعده رجاءَ البركة، وفي الحديث «إنّكم لا تَدرون في أيِّها البركَة»، أخرجه مسلم
.والاجتماعُ على الطعام بركة، قال صلى الله عليه وسلم:«فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارَك لكم فيه»، أخرجه أبو داود
وماء زمزم مبارك، وليلةُ القدر مباركةٌ، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [سورة الدخان:3]، وأوّلُ النهارِ وفجْرُه غنيمةٌ مباركة، وبيتُ الله الحرامِ مبارَك، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران:96]
والمدينةُ المنورة مبارَكةٌ، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ بارِك لنا في مدِينتِنا، وبارِك لنا في صاعِنا ومُدِّنا، واجعَلْ بالمدينة ضِعفَي ما جَعلتَ بمكّة من البرَكة» أخرجه مسلم، وبارَك الله في الشامِ وفلسطين، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الإسراء:1]، وأرض اليمن مباركة بدعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في يَمَننا» أخرجه البخاري
.عباد الله: وهناك أمور مهمة تًحَققُ البركة
. منها؛ التوكّلُ على الله، في الحديث، «فَلَو أنكم تتوكّلون على الله حقّ توكُّلِه لرزقكم كما يرزق الطير تَغْدو خِمَاصاً وتعُود بِطانا» أخرجه الترمذي وأحمد
.وثانيها: القناعة؛ «وارض بما قسَّم الله لك تَكُن أغنى الناس» أخرجه أحمد
.وثالثها: بالإكثارِ من الطاعات والرّجوع إلى الله، ولزوم الاستغفار تتفتّح أبوابُ الأرزاق وتحُلّ البركات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سورة الأعراف:96]
.اللهم بارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأوقاتنا وأموالنا وأولادنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروهُ إنَّه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
:الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد
أيّها الأحبة في الله: بالاستقامة على الطاعة تَحُلُّ البَركة؛ إذ لا تُرْتَجى البركة بالمحرَّمات، فانتشارُ المعاصِي وفُشُوُّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبرَكات وغلاء الأسعار، {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [سورة الجن:16]
.وقال صلى الله عليه وسلم: «وإنّ العبدَ ليُحرَمَ الرزقَ بالذنبِ يصيبه» أخرجه أحمد
.فاتقوا الله عباد الله، والزموا طاعة ربكم، وتجنَّبُوا معصيته، وأكثروا من الاستغفار والصدقة، تُبَارك أعمالكم وأموالكم وذرياتكم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56]
.اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم يا أكرم الأكرمين
___
المرفقات
1625682266_البركة.docx
1625682267_البركة.pdf