البرد والريح والثلج من جنود الله

الحمد لله رب العالمين .... إخوة الإيمان والعقيدة ... إن الثلج والبرد والمطر والريح جند من جنود الله تعالى، يرسله على المجرمين فيعاقبهم ويهزمهم، ويرسله على المؤمنين فيثيبهم ويثبتهم، فقد أهلك الله عاداً بالريح، بينما نُصِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصَّبَا، كم قَالَ عليه الصلاة والسلام (نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ) فقوله (نُصِرْتُ بِالصَّبَا ) هي الريح التي تهب من مشرق الشمس، ونصرته بها صلى الله عليه وسلم كانت يوم الخندق، إذ أرسلها الله تعالى على الأحزاب باردة في ليلة شاتية فقلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم وكان ذلك سبب رجوعهم وانهزامهم، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا). وقوله عليه الصلاة والسلام (وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ) هي الريح التي تهب من مغرب الشمس وبها كان هلاك قوم عاد (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ). عباد الله ... نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الريح، فقال عليه الصلاة والسلام (لا تسبوا الريح فإنها من روح الله تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها).
وليحذر العبد من سبِّ الحمى كذلك إن أُصيبَ بها، لأنها من الله تعالى؛ ولأنها تُحرق ذنوب العبد، وتخفف عنه، فهي خير له ولو أقعدته وأسهرته وآذته، دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ).
وفي غزوة بدر ... أنزل الله المطر فثبت به أقدام المؤمنين فانتصروا على عدوِّهم، كما قال تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) عن عروة بن الزبير قال: بعث الله السماء -وكان الوادي دَهْسَاً -فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير، وأصاب قريشًا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه. وفي غزو التتار ... أنزل الله فيه من الثلج والبرد والمطر ما هو على خلاف العادة كما هو اليوم، فكانت هلاكاً على التتار ورحمة للمؤمنين. عباد الله ... تحمُّلُ البرد في طاعة الله مما يرفع الله به الدرجات، ومما يختصم فيه الملأ الأعلى، فالله سبحانه يُعْظِم المثوبة على من تحمل المكاره في طاعته؛ فمن أسباب محو الخطايا ورفع الدرجات: إسباغُ الوضوء على المكروهات، كما جاءت بذلك الأحاديث، ومعلوم أن إسباغ الوضوء في شدة البرد، وكثرةِ الملابس على المتوضئ مما يَكْرَهُهُ ويَشُقُّ عليه، لكنه يفعل ذلك قربةً إلى الله تعالى، فاستحق ما رُتب عليه من أجر عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَرْفَعُ اللهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، وَيُكَفِّرُ بِهِ الْخَطَايَا؟ كَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ). وقال عليه الصلاة والسلام (أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: رَبِّ لَا أَدْرِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الدَّرَجَاتِ وَالكَفَّارَاتِ، وَفِي نَقْلِ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغِ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ). نسأل الله تعالى من خير الرياح الباردة، ونعوذ بالله من شرها أقول ما تسمعون ....   الحمد لله رب العالمين معاشر المؤمنين ... إن الله ينزل المصيبة ابتلاء منه للمصابين أن يصبروا، وابتلاء للقادرين أن يبذلوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وقال عليه الصلاة والسلام (مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللهُ فِي الْآخِرَةِ وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).
فلينفس كل قادر عن المكروبين ما استطاع، يؤمن لهم ثمن الوقود والتدفئة أو يعطيهم ما فاض عن حاجته من ملابس وبطانيات، أو يعطيهم من المال ما يخفف عنهم من مصابهم. وإن الله سيسأل كل قادر على البذل ولم يبذل، ولنا في قول الله في الحديث القدسي عظة وعبرة (إن الله تعالى يقول يوم القيامة ... يا ابنَ آدَمَ استطعَمْتُك فلم تُطعِمْني، فيقولُ: يا ربِّ وكيف أُطعِمُك وأنتَ ربُّ العالَمينَ ؟ فيقولُ: ألم تعلَمْ أنَّ عبدي فلانًا استطعَمَكَ فلم تُطعِمْه، أمَا إنَّك لو أطعَمْتَه وجَدْتَ ذلك عندي).
أسأل الله تعالى ... أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته
المشاهدات 2167 | التعليقات 0