البحث عن السعاااااادة !!!!!!
عبدالله منوخ العازمي
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ:
ماهي السعادة
يبحث كل إنسان بكل ما أوتي من قوة عن السعادة فما هي السعادة؟ وأين توجد ؟
هل السعادة مال وفير وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة، والخيل
المسومة والأنعام والحرث؟
هل السعادة منصب يرفع العبد على الناس، فيصبحون له خدماً عبيداً ؟
هل السعادة صحة الجسم، فلا يمرض، ولا يجوع، ولا ييأس؟
هل السعادة السلامة من الناس، والنجاة من غوائلهم ودواهيهم؟
لقد طلب السعادة أقوام من طرق منحرفة، فكانت هذه الطرق،
سبباً لدمارهم وهلاكهم، وللعنة الله التي وقعت عليهم .
طلبها فرعون وتلاميذه في الملك، ولكنه ملك بلا إيمان، وتسلطن بلا طاعة،
فتشدق في الجماهير * ونادى فرعون في قومه،
قال يقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهر تجري من تحتى أفلا تبصرون )
ونسي أن الذي ملكه هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله،
والذي جمع له الناس هو الله، والذي أطعمه وسقاه هو الله ،
ومع ذلك يجحد هذا المبدأ ويقول: «ما علمت لكم من إله غيرى﴾
فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله،
أنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها، بل كان نصيبه الشقاء
والهلاك واللعنة بعينها «فأخذه الله نكال الأخرة والأولى ﴾
ويقول الله عنه وعن ملئه:
«النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب)
ويمنح الله قارون كنوزاً كالتلال ما جمعها بجهده، ولا بذكائه، ولا بعرقه ،
ولا بعبقريته، وظن أنه هو السعيد وحده، وكفر نعمة الله، وقد حذره ربه،
وأنذره مولاه مغبة تصرفاته الوقحة، فأبى وأصر على تجريد المال من الشكر ،
والسعي في الأرض فساداً، فكان الجزاء الـمـر ( فخسفنا به، وبداره الأرض )
وطلب السعادة الوليد بن المغيرة، فآتاه الله عشرة من الأبناء، كان يحضر بهم
المحافل، خمسة عن يمينه، وخمسة عن يساره،
ونسي أن الله خلقه فرداً بلا ولد (وذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالاً ممدوداً وبنين شهوداً ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد @ كلا ﴾
فماذا فعل، كيف تصرف؟ أخذ عطاء الله من الأبناء،
فجعلهم جنوداً يحاربون الله، إلا من رحم ربك، فقال الله فيه:
«سأصليه سقر (26) وما أدريك ما سقر ) لا تبقي ولا تذر @ لواحةٌ للبشر @ عليها تسعة عشر @
وهذا يلتمس السعادة في الشهرة فيقضي ساعاته في توجيه الناس إليه،
ليصبح محط الأنظار بزعمه الفاسد، وحديث الركبان،
وشاغل الدنيا، فيقتلعه ربك من جذوره، ويمحق سعيه (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ﴾
وذاك يظن أن السعادة في الفن، الفن المتهتك الخليع الماجن، فيدغدغ الغرائز،
ويلعب بالمشاعر، ويفتن القلوب، ويسكب الغرام في النفوس،
فيحمَله الله ذنوب من أغواهم، دون أن ينقص من ذنوبهم شيئاً،
ويحجب الله السعادة عن كل من لم يعترف بألوهيته، ويـديـن بربوبيته،
فيقول: «ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى @ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا @ قال كذلك أتتك ءايتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى )
فأين السعادة؟ أين توجد لمن يبحث عنها؟ أين مكانها؟ من الذي أتى بالسعادة وأدخلها القلوب؟ إنه محمد ﷺ
السعادة : الإيمان والعمل الصالح، وجدها يونس بن متى، وهو في ظلمات ثلاث،
في بطن الحوت، في ظلمة اليم، في ظلمة الليل، حين انقطعت به الحبال، إلا حبل الله، وتمزقت كل الأسباب، إلا سبب الله، فهتف من بطن
الـحـوت، بـلـسـان ضـارع حـزين: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظلمين)
فوجد السعادة .
ووجدها موسى
وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد:
«كلا إن معي ربي سيهدين﴾
ووجدها محمد، عليه الصلاة والسلام، وهو يطوق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئناً: «لا تحزن إن الله معنا )
ووجدها أحمد بن حنبل في الزنزانة، وهو يجلد جلداً، لو جلده الجمل لمات كما قال جلاده
ومع ذلك يصر على مبدأ أهل السنة والجماعة، فيجد السعدة
أما الذي جلده، وهو المعتصم، فلما حضرته سكرات الموت، رفع بساطه،
ومرغ وجهه في التراب، وبكى وقال : يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه.
ثم يقول: لو علمت أني أموت شاباً ما فعلت الذي فعلت من الذنوب
ووجدها ابن تيمية، وهو يكبل بالحديد، ويغلق عليه السجَان الباب ،
داخل غرفة ضيقة مظلمة، فيقول ابن تيمية : «فضرب بينهم بشور له باب باطنة فيه الرحمة وظهره من قبله العذاب )
ويلتفت ابن تيمية إلى الذين هم خارج السجن، فيرسل لهم رسالة، وينشد لهم نشيداً،
وينقل لهم نبأ وخبراً من السجن فيقول: ما يصنع أعدائي بي؟
أنا جنتي وبستاني في صدري، إن سرت فهي معي...
أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة !!
ووجدها إبراهيم بن أدهم، وهو ينام في طرف السكك في بغداد، لا يجد كسرة خبز
ويقول : والذي لا إله إلا هو، إنا في عيش، لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف
هذه
السعادة، وهذه أحوال السعداء، ولا يكون ذلك إلا في الإيمان هذه هي
والعمل الصالح، الذي بعث به الرسول، عليه الصلاة والسلام،
فمن سكن القصر بلا إيمان، كتب الله عليه ( فإن له معيشة ضنكا )
ومن جمع المال بلا إيمان، ختم الله على قلبه «فإن له معيشة ضنكا )، ومن جمع الدنيا، وتقلد المنصب بلا إيمان، جعل الله خاتمته «فإن له معيشة ضنكا )
فيا طلاب السعادة، ويا عشاق السعادة، ويا أيها الباحثون عن الخلود في الآخرة، في جنات ونهر، لا يكون ذلك إلا من طريق محمد عليه الصلاة والسلام
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم
الحمد لله مجيب الدعوات، ومغيث اللهفات، ومقيل العثرات، وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرض والسماوات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المؤيَّد بالمعجزات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا على مر الدقائق والساعات اما بعد:
عباد الله:
قصص الذين كانوا يبحثون عن السعادة، ولكنهم لم يوفقوا لها كثير ،
فهذا عبد الملك بن مروان حكم العالم الإسلامي،
طوله وعرضه، شرقه وغربه ، ولكنه لما أتته سكرات الموت، نزل من على سرير الملك،
لأن سرير الملك لرجل آخر غيره، لأنه لا يمكن أن يستمر عليه،
فالله - تبارك وتعالى - وحده ، هو صاحب الملك والملكوت، وهو وحده يعزل ويولي، ويملك ويخلع، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع،
ويحيي ويميت .
نزل وسمع غسالاً بجانب القصر في
سعادة، وفي هناء، ما عنده ملك،
ولا مشاغل، ولا مشاكل، وكان هذا الغشال ينشد نشيداً،
وهو يغسل الثياب ، فقال عبد الملك : يا ليتني كنت غسالا،
يا ليتني ما عرفت الخلافة، يا ليتني ما توليت الملك، ثم مات.
قال سعيد بن المسيب، معلقاً على هذه الكلمات : الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا في سكرات الموت، ولا نفر إليهم .
ايه الناس :
من أراد السعادة فليلتمسها في المسجد، في المصحف،
في الذكر، في التلاوة، في الهداية، في الاستقامة، في الالتزام،
في اتباع محمد ﷺ
عباد الله
هذا وصَلِّوا عَلَى نبيكم اللهم صلي على مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1688072455_السعادة.docx