الباقيات الصالحات
محمد محمد
الباقيات الصالحات-1-4-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ-صلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ:
ففي السَّنةِ العَاشِرَةِ مِنَ البِعثَةِ، عُرِجَ بالنَّبيِّ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-إلى السَّمَاءِ، وفيه يَقُولُ: "ثُمَّ عُرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
فَمَاذا قَالَ الخَليلُ للخَليلِ؟ هل تحدَّثوا عَمَّا كَانَ يُعانيهِ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-من قومِه فِي مَكَةَ من عَظيمِ البَلاءِ؟ أو عَن مَوتِ عَمِّهِ أَبي طَالبٍ الذي كَانَ يُدافعُ عنه؟ أو عَن مَوتِ أُمِنا خَديجةَ-رَضِيَ اللهُ عَنهَا-التي كَانَتْ تُواسيه وتُخفِّفُ عنه؟ أو عَن الأذى والعَذَابِ الشديدِ لِبَعضِ أَصحَابِه في مكةَ؟ أو عن هجرةِ بعضِهم للحَبشةِ؟
قَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- الخَليلُ للخَليلِ؟، أمَّةِ: "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ".
فـ "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ" هِيَ وَصيةُ الخَليلِ الأوَّلِ لَكُم، وما أجَلَّها من وَصيةٍ!
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضيَ اللهُ عَنهُ-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟ قُلْتُ: غِرَاسًا لِي، قَالَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ".
إخواني: ذِكرُ اللهِ فِي جَميعِ الأَحوالِ، هُو مِن خَيرِ الأَقوالِ، وهُوَ عِندَ اللهِ أَزكَى الأَعمالِ، قَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- الخَليلُ للخَليلِ؟، أمَّةِ: "ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم، وخيرٍ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ-الفضةِ-، وخيرٍ لَكُم مِنْ أَنْ تَلْقَوا عدوَّكُم فَتَضْرِبوا أعناقَهُم ويَضْرِبوا أعناقَكُم؟ قالوا: بلَى، قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ-تَعالى-".
يا مَن يُريدُ أَن يَكونَ لَهُ عَملٌ يَحجِزُهُ عَنِ النَّارِ يَومَ القيامةِ: اسمعْ قالَ أبو هُرَيْرَةَ-رَضِيَ الله عَنْهُ-: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ-صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقَالَ: خُذُوا جُنَّتَكُمْ!-ما يستـرُكُم ويقيكُم-، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ؟ فَقَالَ: خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهَ، وَالله أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ مُسْتَقْدِمَاتٍ وَمُسْتَأْخِرَاتٍ وَمُنجيَاتٍ-يُحِطْنَ بالمسلمِ يومَ القيامةِ مِنْ أَمامِهِ ومِنْ خلفِهِ يَحْفَظْنَه-وَهُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ"، قالَ اللهُ-تعالى-: (وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).
يا منْ يريدُ تكفيرَ سيئاتِهِ، ومغفرةَ ذنوبِهِ: اسمعْ "مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الوَرَقِ، فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الوَرَقُ، فَقَالَ: إِنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ العَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ"، قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لأعرابيٍ: "قلْ: سبحان اللهِ، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ. فعقد الأعرابيُّ على يدِه، ومضى وتفكَّر ثم رجع، فتبسَّم النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: تفكَّرَ البائسُ، فجاء فقال: يا رسولَ اللهِ! سبحان اللهِ، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ؛ هذا لله، فما لي؟ فقال له النَّبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أعرابيُّ! إذا قلتَ: سبحان اللهِ؛ قال اللهُ: صدقتَ، وإذا قلتَ: الحمدُ لله؛ قال اللهُ: صدَقْتَ، وإذا قلتَ: لا إلهَ إلا اللهُ؛ قال اللهُ: صدَقْت، وإذا قلتَ: اللهُ أكبرُ؛ قال اللهُ: صدقْتَ.
وإذا قلتَ: اللهمَّ اغفِرْ لي؛ قال اللهُ: قد فعلتُ.
وإذا قلتَ: اللهمَّ ارْحمني؛ قال اللهُ: قد فعلتُ.
وإذا قلتَ: اللهمَّ ارزُقْني؛ قال اللهُ: قد فعلتُ. فعقد الأعرابيُّ على سبعٍ في يدِه، ثم ولَّى".
يا منْ يريدُ أن يَكونَ لَهُ منْ يُذِّكرُ باسـمِهِ عِندَ اللهِ-عَزَّ وجَلَّ-فوقَ السَّمواتِ وحَولَ العَرشِ: اسمعْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِـمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ: التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ، يَنْعَطِفْنَ-يَطُفْنَ-حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟".
أستغفرُ اللهَ لي ولكمْ وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فهل تعلمونَ ما هو أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ؟ قَال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ".
هل رأيتَ الدُّنيا وجمالَها وزينتَها؟ هل تـمنيتَ يومًا أنْ تـَمْلِكَ ما طلعتْ عليه الشَّمسُ؟ هل أحسستَ بالجاذبيةِ الموجودةِ في شَهواتِها ولذَّاتِها؟ اسمعْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، لأنَّ ما طلعتَ عليه الشَّمسُ زائلٌ فانٍ، وهذه الكلماتُ هُنَّ الباقياتُ الصَّالحاتُ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وَأَمَا مَن غَفَلَ عَن ذِكرِ اللهِ، فَليُبَادرْ وَليَتحرَّرْ مِن أَسرِ الشَّيطانِ، حَتَى لا يَكُونَ مِن أُولئكَ الذينَ: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ).
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1728034988_الباقيات الصالحات-1-4-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1728034989_الباقيات الصالحات-1-4-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf