الباقيات الصالحات*
هلال الهاجري
إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أَمَّا بَعْدُ:
في السَّنةِ العَاشِرَةِ مِنَ البِعثَةِ، عُرِجَ بالنَّبيِّ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى السَّمَاءِ، وفي حَادِثَةِ المِعرَاجِ يَقُولُ: (ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟، قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟، قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ).
فَمَاذا قَالَ الخَليلُ للخَليلِ؟، هل تحدَّثوا عَمَّا كَانَ يُعانيهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ من قومِه فِي مَكَةَ من عَظيمِ البَلاءِ، أو عَن مَوتِ عَمِّهِ أَبي طَالبٍ الذي كَانَ يُدافعُ عنه، أو عَن مَوتِ خَديجةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا التي كَانَتْ تُواسيه وتُخفِّفُ عنه، أو عَن شَديدِ الأذى والعَذَابِ لِبَعضِ أَصحَابِه في مكةَ، أو عن هجرةِ بعضِهم للحَبشةِ.
قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ).
فسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ .. هِيَ وَصيةُ الخَليلِ الأوَّلِ لَكُم، وَكَفَى بِهَا وَصيةً.
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟)، قُلْتُ: غِرَاسًا لِي، قَالَ: (أَلا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟)، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ).
أَيَّهَا الأحِبَّةُ .. ذِكرُ اللهِ فِي جَميعِ الأَحوالِ، هُو مِن خَيرِ وأَفضلِ الأَقوالِ، وهُوَ عِندَ اللهِ أَزكَى الأَعمالِ؟، كَما في الحديثِ: (ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم، وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟، قالوا: بلَى، قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى).
مَن يُريدُ أَن يَكونَ لَهُ عَملٌ يَحجِزُهُ عَنِ النَّارِ يَومَ القيامةِ؟، أَنصِتُوا لِهذا الحديثِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (خُذُوا جُنَّتَكُمْ – أيْ: ما يسترَكم ويقيَكم-)، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ؟، فَقَالَ: (خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلَهَ إِلا الله وَالله أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ مُسْتَقْدِمَاتٍ وَمُسْتَأْخِرَاتٍ وَمُنجيَاتٍ وَهُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ)، وقد قالَ اللهُ تعالى: (وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).
ألكَ سيئاتٌ وتريدُ تكفيرَها؟، ألكَ ذنوبٌ وتريدُ تساقطَها؟، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الوَرَقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الوَرَقُ، فَقَالَ: (إِنَّ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ العَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ).
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كل ِّذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أعدَّ اللهُ للذاكرينَ اللهَ كثيراً والذاكراتِ أجراً عظيماً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يعلمُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، أنزلَ عليه الكتابَ والحكمةَ وعلمَه ما لم يكن يعلمُ وكانَ فضلُ اللهِ عليه عظيماً، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلمَ تسليماً كثيراً، أما بعد:
أتعلمونَ ما هو أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ؟، اسمعوا لسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَهوَ يَقُولُ: قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ).
هل تُريدُ أن يَكونَ لَكَ منْ يُذِّكرُ باسمِكَ عِندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فوقَ السَّمواتِ وحَولَ العَرشِ؟، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لا يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟).
هل رأيتُم الدُّنيا وجمالَها وزينتَها؟، هل تمنيتَ يوماً أن تملكَ ما طلعتْ عليه الشَّمسُ؟، هل أحسستُم بالجاذبيةِ الموجودةِ في شَهواتِها ولذَّاتِها؟، اسمعْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)، لأنَّ ما طلعتَ عليه الشَّمسُ زائلٌ، وهذه الكلماتُ هُنَّ الباقياتُ الصَّالحاتُ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وَأَمَا مَن غَفَلَ عَن ذِكرِ اللهِ، فَليُبَادرْ وَليَتحرَّرْ مِن أَسرِ الشَّيطانِ، حَتَى لا يَكُونَ مِن أُولئكَ الذينَ: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ).
اللَّهُمَّ اشْغَلْ قُلُوبَنَا بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا بِذِكْرِكَ، وَأَبْدَانِنَا بِطَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى شَهَوَاتِ أَنْفُسِنَا، وَقَسْوَةِ قُلُوبِنَا، وَضَعْفِ إِرَادَتِنَا، وَلا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَلا إِلَى أَحَدٍ غَيْرَكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلا تُـهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلا تُؤْثِرْ عَلَينَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَلا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، ولا تَفْتِنَّا فِي دِينِنَا، وَاجْعَلْ يَوْمَنَا خَيْراً مِنْ أَمْسِنَا، وَاجْعَلْ غَدَنَا خَيْراً مِنْ يَوْمـِنَا، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا يا ربَّ العالمينَ.
المرفقات
1727951194_الباقيات الصالحات.docx
1727951202_الباقيات الصالحات.pdf