الانقياد والتسليم (ابراهيم عليه الصلاة السلام نموذجاً)
طلال شنيف الصبحي
من منقول الشيخ عبدالرحمن اللهيبي حفظه الله وجزاه الله خيراً (مع تصرف يسير)
الانقياد والتسليم 23 / 5 / 1439ه
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
عباد الله، إن المسلم الحق هو الذي الذي يستجيب لأمر الله دون تردد وهو الذي ينتهي عما حرم الله دون تلكؤ فلا يجادل ولا يعترض فربك هو الذي يعلم ما يضرّك وما ينفعك، وما يشقيك وما يسعدك (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فلا تتبرم من شرعه ولا تجادل في حكمه؟! إن أكبر قضية في حياة المسلمين اليوم أن يستسلموا لله رب العالمين، لا يعترضوا على حكم شرعي، ولا على قضاء كوني، يتلقون للعمل، ويسمعون للاستجابة، ويأخذون للتنفيذ، لا يوجد اعتراض على أمر الله وحكمه وقضاءه وقدره,(وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)
لقد ضرب لنا الله لنا في كتابه مثلاً عظيما في التسليم لأمره وتفويض الأمر إليه دون اعتراض أو جدال أو منازعة، بل بقلوب ملؤها الاستجابة والامتثال والطمأنينة والرضا ، ولنذكر مثلاً واحدا فيه القدوة والعبرة والأسوة لمن بصره الله وفتح على قلبه، إنه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.
فتأملوا يا مسلمون عظيم امتثال ابراهيم عليه السلام لربه في ترك زوجه هاجر وابنه إسماعيلَ بمكة ، وكانت واد غير ذي زرع.. قفراءُ موحشة مخيفة لا ماء فيها ولا نبات ولا مساكن ولا أحد هناك من البشر جاء بزوجه هاجر وابنِها إسماعيل من بلاد الشام ليضعهم في هذا المكان
تركهم في العراء وتولى مرتحلا حيث الوحوش والسباع والجوع والفقر والضمأ .. نادته زوجه هاجر يا إبراهيم إلى من تتركنا إلى من تكلنا وهو لا يجيب إلى أن قالت آلله أمرك بهذا فقال اللهم نعم فقالت إذن لن يضعنا الله فلا تدري من أيهما تعجب من تنفيذ الأب لأمر ربه أو امتثال الزوجة لأمر ربها وكلهم راضون بأمر الله, نجح نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأهله في هذا البلاء مستجيبين لأمر الله .. وكان بانتظار إبراهيم عليه السلام بلاء أشد منه وأعظم فحينما كبر ابنه إسماعيل وأصبح غلاما نجيبا رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام في منامه أن الله يأمره بذبح ولده إسماعيل..
فعزم إبراهيمُ على تنفيذ أمر الله، وسلم وانقاد واستجاب ولم يعترض أو يجادل أو يتردد.. فاسمع ما قصه الله علينا في كتابه: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إنه من عبادنا المؤمنين [يا لله ما أعظمه من إيمان! ويا لله ما أعظمها من طاعة وتسليم! فعجبا لنبي الله إبراهيم عليه السلام شيخ كبير مقطوع من الأهل والقرابة والولد، فيرزق في كبره بغلام طالما تطلع إليه، ولطالما دعا ربه وألح عليه أن يهبه ابنا من الصالحين، فلما جاءه بعد سنين من الأمل جاءه غلام يشهد له ربه بأنه حليم. حتى إذا ما أنس به وبلغ معه السعي ورافقه في الحياة، فيرى في منامه أنه يذبحه، ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية، فماذا صنع؟ هل تردد هل خالجه شعور بالعصيان لا والله ما خطر له إلا خاطر الامتثال والتسليم. مع أنها رؤية، مجرد إشارة، ليست وحيًا صريحًا، ولا أمرًا مباشرًا، ولكنها إشارة من ربه في المنام ورؤيا الأنبياء حق، وهذا يكفي ليلبي إبراهيم ويستجيب، دون أن يعترض، أو يناقش، لم يلبي في انزعاج، ولم يستسلم في جزع، ولا يطيع في اضطراب. كلا، إنما هو تمام القبول والاستجابة والرضا، إن الأمر شاق، وما في ذلك من شكّ، وأشق من ذلك وأعظم أن إبراهيم عليه السلام هو المكلف بتولى الذبح بيده،
لقد استجاب إبراهيم عليه السلام لربه واستجابة زوجه هاجر من قبل حين ابقاها في هذا البلد الموحش آنذاك وجاء الآن دور الابن ليستجيب ويمتثل لأمر الله, إنها أسرة مؤمنة طيبة فيعرض إبراهيم عليه السلام على ابنه الذبح، لأنه يريد من ابنه أن يأخذ الأمر طاعة وإسلامًا، لا قهرًا واضطرارًا؛ لينال هو الآخر أجرَ الطاعة، وليتذوّق بذلك حلاوة الامتثال والتسليم.فماذا كان رد الغلام الذي عُرض عليه الذبح تصديقًا لرؤيا رآها أبوه؟ يا لله العجب (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ) افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ هكذا استجاب إسماعيل عليه السلام وهو صبي صغير من غير لجلجة ولا اعتراض ولا ارتياب. فيا لروعة الإيمان! ويا لعظمة الامتثال والتسليم لأمر الله!
ثم ينتقل بنا السياق إلى الساعة الحاسمة، إلى تنفيذ أمر الله بالذبح، (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ). فيكب ابنه على جبينه استعدادًا لنحره، والغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعًا، وقد وصل الأمر إلى نهايته، لقد أسلما ..هذا هو الإسلام في حقيقته، الإسلام هو الاستسلام لله والاستجابة والطاعة والرضا بأمر الله. وهنا كان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قد أسلما، واستجابا للأمر والتكليف، ولم يبقى إلا أن يذبح إبراهيم ابنه إسماعيل، ويُسيل دمه، ويزهق روحه. وبهذا كان الابتلاء قد تم، فقد حققوا التكليف، وجازوا الامتحان بنجاح. وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام صدقهما فالله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء، ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إنه من عبادنا المؤمنين) أقول قولي هذا…
الخطبة الثانية:
عباد الله: لقد ابتلانا الله عز وجل بما هو دون ذلك من طاعات يسيرة مقدور عليها لا مشقة فيها ولا عنت وابتلانا بمحرمات لا يعجزنا تركها وليس في فعلها إلا المضرة بنا فهل نستجيب وهل نمتثل لأمر الله وهل نحقق ما حققه الصحابة -رضوان الله عليهم-، من التسليم والانقياد لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فملكهم الله الدنيا، وفتح عليهم كنوز الأرض, ولعلنا أن نقف على شيء من أخبارهم في خطبة قادمة إن شاء الله. فاللهم اجعلنا لشرعك من المسلمين ولأمرك من المستجيبين وعن نهيك من الممتثلين.هذا وصلوا وسلموا…
المرفقات
والتسليم
والتسليم