الانتباه في مسائل الزكاة

خالد علي أبا الخيل
1436/11/28 - 2015/09/12 16:20PM
الانتباه في مسائل الزكاة
التاريخ: الجمعة: 19/ 8 /1436 هـ

الحمد لله الذي جعل الزكاة طهرة ونقاء، وجعل بذلها عنوان الشكر لرب الأرض والسماء.
وأشهد أن لا إله إلا الله، تولى قسمة الزكاة ومن ضمنهم المساكين والفقراء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حذر من منع الزكاة وما تجلب من الوبال والعناء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه النجباء.
أما بعد،.
فاتقوا الله عباد الله، فالتقوى زكاة وزكاء، وعز وسعادة، ونور وهناء.
أيها المسلمون: الزكاة مكانتها في الإسلام عظيمة، وشعيرتها من بين الأركان جليلة، فهي فريضة وفضيلة، قرنها الله مع الصلاة في كتابه، ولعظمها ذم الله التاركين لها: (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (فصلت: 6، 7)، وجعل تارك إطعام المساكين من المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (المدثر: 42- 44)، ولعظيم منزلتها يُقاتَل مانعها، قال أبو بكر –رضي الله عنه-: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإنها حق المال، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه على الحق.
ومن جحدها كفر، ومن تركها تهاونًا وتكاسلًا ومنعها بخلًا ففيه خلاف بين علماء المسلمين: هل هو من المسلمين؟، ولعظمها جاءت العقوبة الصارمة والنصوص المتوعدة التي تقشعر منها الجلود، وينفر منه أهل الجحود، (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة: 34، 35)، وقال سبحانه: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (آل عمران: 180)، وعن أبي هريرة مرفوعًا: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار، فأُحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أُعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، قيل: يا رسول الله: فالإبل؟. قال: (ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها –ومن حقها حلبها يوم ورودها- إلا إذا كان يوم القيامة بُطح له بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رُد عليه أُخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار...)، الحديث.
يا مانعًا زكاته لا تمنع
*** واحذر ملاقاة الشجاع الأقرع

فهل يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يمنع زكاته؟ أو يبخل بها؟ أو يتهاون في أدائها بعد هذا الوعيد الشديد؟.
إذا سمعنا فرضها وحُكمها فلنستمع إلى فضلها وحِكمها:
فمنها: إتمام العبد لأركان الإسلام، وتطهير النفوس، وزكاة القلوب، وتزكية الأواصل الودية، وتزيل الشحناء وأمراض القلوب، تعود المرء على الجود والكرم والبذل وشكر المنعم، والزيادة المبروكة والنفقة المخلوفة: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) (سبأ: 39)، وفي الصحيحين: (أنفق يا ابن آدم أُنفق عليك)، وفي صحيح مسلم: (وما نقصت صدقة من مال)، وفيه: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم: أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم: أعط ممسكًا تلفًا).
ومن الفضائل وجميل الخصائل: أنها برهان ساطع على إيمان صاحبها: (والصدقة برهان).
ومن محاسنها: أنها سبب لدخول الجنان، ونجاة من النيران، ومنها: تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة، يرحم القوي الضعيف، ويعين الغني الفقير، ومنها: تُطفئ حرارة ثورة الفقراء لما يرى من تنعم الأغنياء وبذل الأثرياء، وكذا تمنع الجرائم كالسرقات والنهب، وتقضي على البطالة وسوء الكسب.
ومن الفضائل أمة الخير والفضائل: أن صاحبها في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، كما في الصحيحين وعند أحمد: (كل امرئ في ظل صدقته، حتى يُفصل بين الناس)، وكان راوي الحديث أبو الخير لا تخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكعة أو بصلة.
ومن ثمارها: البركات وتضاعف الأجور والحسنات: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 261)، وكذا تدفع العقوبات، وتُطفئ الخطايا والسيئات.
ومن فضائلها: وقاية صاحب المال من العذاب: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة: 34، 35).
ومن منافعها: أنها تُحصن المال وتحفظه من الآفات، ووقايته من الفساد، وكذا تورث الأمن والتمكين والنصر على أعداء الدين: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ) (الحج: 41).
ومن الفضائل وجميل العوائد: التقوى والفلاح والعز والصلاح: (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (البقرة: 2، 3)، ثم قال سبحانه: (وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة: 5).
في أداء الزكاة تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، وسد الخلات، وإعانة الأسر والضعفاء والبيوتات، ففي مسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبادة ما كان العبد في عون أخيه).
وبذلها وسخاء النفس بها سبب للعز، وسعة الرزق، والنصر، وإقامة الحق: (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟).
هذا وقد ضمنت الزكاة ستون حكمة وثمرة وفائدة، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.
إخوة الإسلام أمة الزكاة والصيام: وثمة مسائل مهمة في الصدقة والزكاة، فاستمعوا وأنصتوا، واسألوا عن ما أشكل، واتبعوا تعبدوا الله على بصيرة وتُفلحوا:
الأولى: شروط الزكاة خمسة: الإسلام، وملك النصاب، واستقراره، وتمام الحول في غير المعشّرات والحبوب، وكمال الحرية.
الثانية: كل ما أُعد للتجارة من العقارات والحيوانات والمطعومات والمشروبات والملابس والمركوبات ففيه الزكاة، وكذا الأراضي والعقارات، فيقومها كل سنة بما تساوي قيمتها عند رأس الحول، ويُخرج ربع العشر، وهذا ما يسمى: عروض التجارة، كالمحلات والصناعات والشركات والمؤسسات وألوان البيوع والتجارات.
الثالثة: أن الزكاة واجبة على العاقل وغير العاقل، والكبير والصغير والمخرف، وكل من ملك نصابًا فعليه، يجب على أولياء الأمور كالآباء والأولياء أن يتنبهوا لمن تحت أيديهم فيزكونه، كمن كان عند قُصّر وأيتام، ومن كان وكيلًا أو وصيًا على غيره يجب إخراج الزكاة من أموال الأيتام والقصر والصغار، ولا يُشترط العقل. والبعض يتاجر في أموالهم وينميها ولا يُخرج زكاتها لجهل أو لأنهم صغار وليس لهم عقول، فيجب أن يؤدي الزكاة، أما الصدقة فلا يجوز أن يتصدق من مالهم.
الرابعة: أنه لا زكاة فيما أعد الإنسان لحاجته من طعام وشراب وفراش ومركب وأثاث وحيوان وسيارة ومساكن، لما في الصحيح: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة).
الخامسة: أن ما أُعد للأجرة كالعقارات والسيارات تجب الزكاة في أجرتها وغلتها.
السادسة: أنه لا زكاة في الوقف غير المعين كالأوقاف على الفقراء والمساكين والمجاهدين والمشاريع الخيرية وحلق التحفيظ والمدارس والجهات الخيرية، والميراث غير المقسوم، والثلث من المال.
السابعة: أن ربح التجارة ونتاج السائمة حوله حول رأس المال. فلو ملك نصابًا من النقود أو اتجر به وربح فإنه يزكي على الجميع، حتى ولو لم يربح هذا الربح إلا في آخر أيامه ولحظاته، كمن ملك أرضًا تساوي مائة ألف، وقبل تمام السنة وصلت إلى مائتين، فيزكي مائتين.
الثامنة: أن مصرف الزكاة تولى سبحانه في كتابه مصرفها. (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ) (التوبة: 60)، فلا يجوز تجاوز هؤلاء الثمانية.
التاسعة: زكاة الدَّين على نوعين:
الأول: دين على مليء ومعترف به باذل له. فعلى صاحبه زكاته كل سنة، فهو عند المدين كالودائع والأمانات -وإن لم يقبضه- لأنه قادر على أخذه في أي لحظة، والتصرف فيه في أي لحظة، ومثلها: الأسهم المقدور عليها.
الثاني: أن يكون الدين على معسر أو جاحد أو مماطل أو مال ضائع. فلا يلزم صاحبه زكاته إلا إذا قبضه، يزكيه مرة واحدة، وعند بعض أهل العلم يستأنف حولًا جديدًا.
العاشرة: لا يجوز إسقاط الدين من الزكاة. لأن الواجب إبراء المعسر أو إنظاره، فالمسقط يقصد بذلك وقاية ماله ورده إليه، إلا اللهم لو ملكه زكاته بدون قصد وحيلة وتواطؤ فالمدين بالخيار.
الحادية عشرة: زكاة الرواتب الشهرية. فالمخرج والأكمل أن يوقت الشخص شهرًا ليزكي ما في حسابه ورصيده، فما تم له سنة فذاك فرضه، ما لم يتم له سنة فزكاته معجلة، فهذا أسلم للإنسان وأطمأن لنفسه وأبرأ لذمته وتنظيمًا لذلك، إذ يعسر أن يرصد لكل شهر حسابه.
الثانية عشرة: أيها الأكارم: من هذه المعالم تذكير الأزواج والأبناء والبنات والطلاب والطالبات وكذا العمال والخدم والسائقون، تذكيرهم وتعليمهم بزكاة ما لديهم وما في حسابهم، وأنهم يجب عليهم الزكاة إذا تم النصاب، فـ: (كلكم راع ومسئول عن رعيته)، فخبّر عاملك وخادمك وخادمتك وولدك وبنتك ما يجب عليهم في أموالهم ليعبدوا الله عز وجل.
الثالثة عشرة: أنه ليس لها وقت محدود توزع فيه. فوقتها هو حولها، في أي شهر تم فيه الحول، ولم يرد دليل على زمان فاضل كرمضان، ولا مكان فاضل كمكة، وهذا له سر وحكمة أيها الأحبة: حتى تعالج الصدقة والزكاة حكمتها وثمرتها للفقراء والمساكين في كل وقت وآن، في كل زمان ومكان، فلو وُحّد زمن لها لتضررت مصاريف الزكاة والفقراء، فتخصيص وقت زمن لسنيته لا دليل عليه، وينظر المرء ما هو أصلح له وأنفع وأرتب له وأجمع.
الرابعة عشرة: الحذر من التقصير في النظر في الفقير ومدى حاجته إليه دون رصد وتحرير. فليست الزكاة مدرات سنوية وعوائد حولية لأشخاص معينين، فالبعض عنده أشخاص لهم سنين وكأنها سبرة أو بينه وبينهم معاقدة، وهذا لا تبرأ به الذمة، فكلما وجبت الزكاة وجب النظر فيمن يستحقها، واتقوا ما استطعتم، و(سددوا وقاربوا)، فقد يغتني الفقير، ويفتقر الغني، فلا مجاملة ولا عوائد، ولا محاباة ولا توالد، ولا صداقة ولا مبرة ولا تواجد.
الخامسة عشرة إخوة التوحيد والسنة: الغفلة عن الأقارب ممن يستحقون الزكاة. كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وكذا سائر القرابات، فإعطاؤهم فيه حسنتين وأجر وصدقتين، فهي صدقة وصلة، وكثيرًا ممن يغفل عن أقاربه، فيبر الأباعد وينسى الأقارب لقصد أو غير قصد، ولو أن تعطيه من غير مباشرة إن خشيت استحياءه أو مفسدة، فالأقربون أولى بالمعروف، فتفقد أقاربك وجيرانك وإخوانك وأخواتك.
السادسة عشرة: إذا نقص النصب في بعض الحول سقطت الزكاة. ولو قبل الحول بأيام، ما لم يكن حيلة على إسقاط الزكاة، فيُعامل بنقيض قصده.
السابعة عشرة: زكاة الأراضي المعدة للبيع والشراء بقيمتها حاليًا.
الثامنة عشرة: من اتخذ مالًا لزواج أو سكن أو مركب وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة.
التاسعة عشرة: الحلي المستعمل لا تجب فيه الزكاة عند أكثر أهل العلم. ومنهم خمسة من الصحابة –رضي الله عنهم-.
فهذه مسائل على عجالة باختصار وإيجاز وإشارة.
أيها المسلمون: أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، واعلموا أن هذا رزق ساقه الله إليكم، فلا تعطوها بمنّ وأذى واستحقار وازدراء، وكذا الحذر من دفعها إلى غير مستحقها، تنالوا أجرها وبرها وزخرها.
أيها المسلمون: لو أُديت الزكاة على الوجه المطلوب وأخذها المستحق المحبوب ما اشتكى فقير، ولا وُجِد عسير، فما اشتكى فقير إلا بتقصير دافع للمال الكثير.
وأحسب الناس لو أعطوا زكاتهم
*** لما رأيت بني الإعدام شاكينا

والله أعلم.
المرفقات

خطبة الانتباه في مسائل الزكاة.doc

خطبة الانتباه في مسائل الزكاة.doc

المشاهدات 1211 | التعليقات 0