الامتحانات
محمود الطائي
1434/08/05 - 2013/06/14 21:18PM
عباد الله ... في مثل هذه الأيام من كل عام ، تعلن البيوت حالة الطوارئ، وتوقف الأسرُ مناسباتِها ، الآباء في هَمّ ، والأمهات في غَم ، والكُلُ تساوِرُهُ المخاوُف ، ويعلوهُ القلق، فَيُندُرُ مِن البيوت الخُرُوجُ وَيقِلُّ إِلَيهَا الدخول ، وَتُستَنفَرُ فِيهَا الجُهُودُ ، والسبب في ذلك كله ان وقت الامتحانات قد حان ، ففي هذه الأيام يكرم المرء أو يهان ، يعلم المجتهد فيه نتيجة جهده ، كما يعلم الكسول فيه نتيجة كسله .
إن طلابنا في هذه الأيام يستقبلون امتحانا دنيويا ، على تحصيلهم في العام الدراسي،يُمتَحَنون على ما حصّلوه ويُختبَرونَ فيما تلقَوه ، تُوَجَّهُ إليهم اسئلةٌ لا يعرفونها ، بل يفاجؤون بها ،
هذا الاختبار فيه هيبةً في نفوس الطلاب بل وهيبة في نفوس الآباء والأمهات.
فيا معاشر الطلاب اتقوا الله ويعلمكم الله ، فمن يتقِ الله يجعل له من كل همٍفرجًا ، ومن كلضيقٍ مخرجًا،
ويجعل له من أمرهيسرًا، ويجعل له العسير يسيرًا ، ويُأتيهِخيرًا كثيرًا.
اذا سألتم فاسألوا الله ، وإذا استعنتم فاستعينوا بالله ، تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة ،
خذوا بأسباب النجاحوالتوفيق والفلاح ، واعلموا علم اليقين، أنه لا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين ، توكلوا علىالله وفوضواالأمور إلى الله ، لاتعتمدوا على الذكاء والحفظ ، ولكن توكلوا على الله وكفى بالله وكيلا ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "يا حي يا قيوم برحمتكأستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفةعين".
فإذاأراد الله بعبده التوفيق جعلهمفوضًا أموره إليه ،
فيوفقُه ويسددُه؛
يامعشر الطلاب : الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله نعمة عظيمة فإن دخلتم ووجدتم بعدالامتحان خيرًا
فاحمدوا الله على فضله،
واشكروه على نعمهواسألوا المزيد من جوده وكرمه،
ولا تقولوا نجحنا بفضل عقولنا و ذكائنا ودراستنا ؛ فللهِ الفضلُ كله، وله الحمد كله.
وإن وجدتم الأسئلة محزنة قاسية فقولوا
الحمدلله على كل حال
مادام انك أديت ما عليك ، فلعل درجة من الدنياتفوت عنك ، يعوضك الله بها درجات فيالآخرة.
ونحن نرى اليوم طلاب الصفوف المنتهية وطلاب الجامعات ، قد عادوا الى الله وأقاموا الصلوات ، فالله الله بالثبات بعد الامتحانات ، فلقد ذقتم حلاوة الإيمان وشعرتم بلذة القرب من الرحمن ،
فإياكم ثم اياكم أن تتشبهوا بمشركي أول الزمان ، الذين قال الله عنهم: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) فلا تكونوا من عباد الامتحان ، ولكن كونوا عباداً لله في كل حينٍ وأوان .
والى الاساتذة الافاضل نقول
ان الامتحانات أماناتٌ وتَبعات؛ فالله الله في فلذاتأكباد المؤمنين،
فاتقوا الله عز وجل فيهم ،
كونوا أشداء بدونعنف ، رحماء بدون ضَعف ، وأعطواكلَّ ذي حقٍ حقه ، وكل ذي قدْرٍ قدره ، واعدلوا بينأبنائكم وبناتكم ؛فإنهم أمانةٌ في أعناقكم.
فلا تَشقوا عليهم فتكلفوهم ما لايستطيعون ، أو تحملوهم ما
لا يطيقون ، عاملوا طلابَكم كما تُحبون أنيُعامَل أبناءُكم .
إن الطلاب يدخلون إلى الامتحانبنفوس مهمومة ، وقلوب مغمومة ، فيها من الأكداروالأشجانوالأحزان ما الله به عليم ؛ فامسحوا علىرؤوسهم عطفًا وحنانًا، وأكرموهملطفًا وإحسانًا
معاشرالاساتذة: أسئلة الامتحان ودرجاته أمانةٌ في أعناقكم ؛ فاحفظوا الأمانات، ألا لاإيمانَ لمن لا أمانةَ له،
أعطوا كل ذي حق حقه، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين .
اما انتم ايها الآباء
فالواجب عليكم كبير والحمل عليكم ثقيل فأزرعوا في ابنائكم حب التفوق ، لأنه لبنةُ بناءٍ في مجد الأمة ، والمشعل الوضاء الذي ينير الأمة في هذا الظلام الدامس ،الذي انتابها منذ عهود.
فإذا لم يتربى أبناؤنا اليوم على حمل هم المجتمع، بل الأمة كلها، منذ نعومة أظافرهم، حتى حملهم للشهادة فلنكبر على جيل آخر أربعاً كما كبر السابقون علينا.
نعم، علينا أن نحيي في نفوس أبنائنا أنهم بناة المجد، والقوة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي تتحصن به الأمة.
ليس الهدف مجرد شهادة ووظيفة وراتب عالٍ ومنصب، اومجرد تحصيل الدنيا
ونيل أجرها ونعيمها، فإن الله قد تكفل بالرزق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ)).
-أيها الأب الكريم- ان مناسبة الامتحانات فرصة عظيمة في زرع الجوانب العقدية في أبنائك فتنمي فيهم الشعور
بالحاجة إلى الله الذي هو على كل شيء قدير، وتحبب إليهم الالتجاء إلى الله، وطلب التوفيق منه، وتغرس في قلوب أبنائك الشعور بالخوف من الله ومراقبته والتوكل عليه وحده؛ لأنه وحده يملك الضر والنفع، وبيده مقاليد الأمور.
وإذا حالف أبناءك النجاح فاغرس فيهم الشعور بشكر المنعم، وأن ذلك بتوفيق الله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ).
ولا تكن من يجعل مقاييس النجاح والإخفاق قوة المذاكرة وضعفها
دون الإشارة إلى أن عون الله وتوفيقه والبعد عن معاصيه هي من أكبر عوامل النجاح والتوفيق.
ولا تجعل من الدراسة وامتحاناتها مقياسا لنجاح أبنائك وفشلهم، فإن نجح اغدقت عليه من أنواع المديح والثناء،
وإن أخفق عاتبته وأنبته تأنيبا شديدا، وفي الوقت ذاته تتغاضى عن أمور شرعية واجبة قد تمثَّل بها ابنك فأحسن أداءها.
فالمقياس الحقيقي للنجاح ليس هو الدراسة وحدها، بل في أبنائك وبناتك من صفات
غفلت عنها تستحق من الثناء والإطراء أكبر مما يستحقه النجاح الدراسي، فلاحِظْ ذلك بارك الله فيك
واكثر من الادعية " رب هب لي من الصالحين "
" رب هب لي من لدنك ذرية طيبة "
" ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما "
عباد الله ... ان الامتحان الحقيقي هو ذلك الامتحان الذي لا فرصة فيه للمحاولة بعد الفشل ، ولا محيص للغش والتدليس ، ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا.
امتحانٌ النجاح فيه أبدي، والمستقر في جنات ونهر، والعطاء غير مجذوذ، والنعيم لا يوصف، والسعادة لا تحد؛ أما الخسران فثمرته خلود في النار، والنهاية إلى الهاوية حيث الزفير والشهيق والزقّوم ومقامع الحديد، كلما نضجت جلودهم أبدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب، تلك هي الخسارة الحقيقية، (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
الامتحان هنا في أجواء مناسبة حيث زمن الامتحان قليل، والمكان بارد ظليل، أما الامتحان هناك فهو في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم تدنو فيه الشمس من الخلائق قدر ميل حتى يلجم العرق بعض الناس إلجاما، ويغطيه تغطية، ويغرقه غرقا.
امتحان اليوم -أيها الناس- يتعاطف فيه مع الطلاب كلُّ من حولهم من آباء وأمهات ومدرسين ومدرسات، أما امتحان الغد فهو (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37].
حتى الأنبياء يقول احدهم نفسي نفسي! ويقولون: اللهم سلِّمْ سلِّمْ! فماذا أعدننا -أيها المسلمون- لهذا الامتحان العسير؟! ليخْتَرْ كُلٌّ مِنَّا لنفسه احدي المنزلتين، (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].
امتحانٌ لا إعادةَ فيه ولا إكمال، ونتيجتُه لا تستدركُ ولا رجوعَ فيها ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) [الرعد: 41].
هذا الامتحان، ليس في مكانٍ وفير, ومقاعدَ مريحة، بل هو وقوف بين يدي ملك الملوك, وعلامِ الغيوب (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ
هذا الامتحان أسئلتُه مكشوفة معلومة، قد بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم:
ستسأل يا عبد الله... عن عُمُرِك ماذا أفنيته فيه؟ وعن شبابِك فيما أبليته؟
وعن مالِك كيف كسبته؟ ثم في أي شيء أنفقته؟
وستسأل عن تعلمك وعلمك ماذا عملت به؟
وستسأل يا عبد الله أولَّ ما تسأل... عن صلاتك؟ مدى حفاظك عليها وإقامتك لها، فان صلحت صلاتك، فقد أفلحت ونجحت، وان فسدت خسرت وخبت.
وستسأل أيضًا... عن أقرب الناس لك من زوجة وأولاد «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
وستسأل أيضًا... عن كل نعمة أسديت لك, أفي الحلال استعملتها, أم في الحرام سخرتها (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 8].
إنها والله أسئلة عظيمة, ومواقف منتظرة مهولة, بكت من أجلها دموع الخاشعين وفرقت لهولها قلوب الصالحين.
اسئلة ليس فيها ترك
ولا اجب عن اربعة اسئلة انما الجواب لابد ان يكون للكل
لقي بعض السلف رجلا كان مقصرا مفرطا في أمره فقال له: كم من العمر تبلغ؟ قال: ستونسنة, قال: أَوَ ما علمت أنك في طريق وقد أوشكت أن تبلغ نهايته فقال الرجل: إنا للهوإنا إليه راجعون فقال له: أَوَ تعلم تفسير هذه الكلمة قال: وما تفسيرها؟ قال: قولك: إنا لله أي أنا لله عبد, وقولك: وإنا إليه راجعون أي وأنا لله راجع, فإذاعلمت أنك لله عبد وأنك إليه راجع فاعلم أنك مسؤول فإذا علمت أنك مسؤول فأعد للمسألةجوابا. تنبه الرجل وقال: فما الحيلة إذن؟ قال: الحيلة يسيرة أحسن فيما بقي يُغفَرلك ما قد مضى.
إن طلابنا في هذه الأيام يستقبلون امتحانا دنيويا ، على تحصيلهم في العام الدراسي،يُمتَحَنون على ما حصّلوه ويُختبَرونَ فيما تلقَوه ، تُوَجَّهُ إليهم اسئلةٌ لا يعرفونها ، بل يفاجؤون بها ،
هذا الاختبار فيه هيبةً في نفوس الطلاب بل وهيبة في نفوس الآباء والأمهات.
فيا معاشر الطلاب اتقوا الله ويعلمكم الله ، فمن يتقِ الله يجعل له من كل همٍفرجًا ، ومن كلضيقٍ مخرجًا،
ويجعل له من أمرهيسرًا، ويجعل له العسير يسيرًا ، ويُأتيهِخيرًا كثيرًا.
اذا سألتم فاسألوا الله ، وإذا استعنتم فاستعينوا بالله ، تعرفوا إلى الله في الرخاء يعرفكم في الشدة ،
خذوا بأسباب النجاحوالتوفيق والفلاح ، واعلموا علم اليقين، أنه لا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين ، توكلوا علىالله وفوضواالأمور إلى الله ، لاتعتمدوا على الذكاء والحفظ ، ولكن توكلوا على الله وكفى بالله وكيلا ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "يا حي يا قيوم برحمتكأستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفةعين".
فإذاأراد الله بعبده التوفيق جعلهمفوضًا أموره إليه ،
فيوفقُه ويسددُه؛
يامعشر الطلاب : الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله نعمة عظيمة فإن دخلتم ووجدتم بعدالامتحان خيرًا
فاحمدوا الله على فضله،
واشكروه على نعمهواسألوا المزيد من جوده وكرمه،
ولا تقولوا نجحنا بفضل عقولنا و ذكائنا ودراستنا ؛ فللهِ الفضلُ كله، وله الحمد كله.
وإن وجدتم الأسئلة محزنة قاسية فقولوا
الحمدلله على كل حال
مادام انك أديت ما عليك ، فلعل درجة من الدنياتفوت عنك ، يعوضك الله بها درجات فيالآخرة.
ونحن نرى اليوم طلاب الصفوف المنتهية وطلاب الجامعات ، قد عادوا الى الله وأقاموا الصلوات ، فالله الله بالثبات بعد الامتحانات ، فلقد ذقتم حلاوة الإيمان وشعرتم بلذة القرب من الرحمن ،
فإياكم ثم اياكم أن تتشبهوا بمشركي أول الزمان ، الذين قال الله عنهم: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) فلا تكونوا من عباد الامتحان ، ولكن كونوا عباداً لله في كل حينٍ وأوان .
والى الاساتذة الافاضل نقول
ان الامتحانات أماناتٌ وتَبعات؛ فالله الله في فلذاتأكباد المؤمنين،
فاتقوا الله عز وجل فيهم ،
كونوا أشداء بدونعنف ، رحماء بدون ضَعف ، وأعطواكلَّ ذي حقٍ حقه ، وكل ذي قدْرٍ قدره ، واعدلوا بينأبنائكم وبناتكم ؛فإنهم أمانةٌ في أعناقكم.
فلا تَشقوا عليهم فتكلفوهم ما لايستطيعون ، أو تحملوهم ما
لا يطيقون ، عاملوا طلابَكم كما تُحبون أنيُعامَل أبناءُكم .
إن الطلاب يدخلون إلى الامتحانبنفوس مهمومة ، وقلوب مغمومة ، فيها من الأكداروالأشجانوالأحزان ما الله به عليم ؛ فامسحوا علىرؤوسهم عطفًا وحنانًا، وأكرموهملطفًا وإحسانًا
معاشرالاساتذة: أسئلة الامتحان ودرجاته أمانةٌ في أعناقكم ؛ فاحفظوا الأمانات، ألا لاإيمانَ لمن لا أمانةَ له،
أعطوا كل ذي حق حقه، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين .
اما انتم ايها الآباء
فالواجب عليكم كبير والحمل عليكم ثقيل فأزرعوا في ابنائكم حب التفوق ، لأنه لبنةُ بناءٍ في مجد الأمة ، والمشعل الوضاء الذي ينير الأمة في هذا الظلام الدامس ،الذي انتابها منذ عهود.
فإذا لم يتربى أبناؤنا اليوم على حمل هم المجتمع، بل الأمة كلها، منذ نعومة أظافرهم، حتى حملهم للشهادة فلنكبر على جيل آخر أربعاً كما كبر السابقون علينا.
نعم، علينا أن نحيي في نفوس أبنائنا أنهم بناة المجد، والقوة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي تتحصن به الأمة.
ليس الهدف مجرد شهادة ووظيفة وراتب عالٍ ومنصب، اومجرد تحصيل الدنيا
ونيل أجرها ونعيمها، فإن الله قد تكفل بالرزق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ)).
-أيها الأب الكريم- ان مناسبة الامتحانات فرصة عظيمة في زرع الجوانب العقدية في أبنائك فتنمي فيهم الشعور
بالحاجة إلى الله الذي هو على كل شيء قدير، وتحبب إليهم الالتجاء إلى الله، وطلب التوفيق منه، وتغرس في قلوب أبنائك الشعور بالخوف من الله ومراقبته والتوكل عليه وحده؛ لأنه وحده يملك الضر والنفع، وبيده مقاليد الأمور.
وإذا حالف أبناءك النجاح فاغرس فيهم الشعور بشكر المنعم، وأن ذلك بتوفيق الله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ).
ولا تكن من يجعل مقاييس النجاح والإخفاق قوة المذاكرة وضعفها
دون الإشارة إلى أن عون الله وتوفيقه والبعد عن معاصيه هي من أكبر عوامل النجاح والتوفيق.
ولا تجعل من الدراسة وامتحاناتها مقياسا لنجاح أبنائك وفشلهم، فإن نجح اغدقت عليه من أنواع المديح والثناء،
وإن أخفق عاتبته وأنبته تأنيبا شديدا، وفي الوقت ذاته تتغاضى عن أمور شرعية واجبة قد تمثَّل بها ابنك فأحسن أداءها.
فالمقياس الحقيقي للنجاح ليس هو الدراسة وحدها، بل في أبنائك وبناتك من صفات
غفلت عنها تستحق من الثناء والإطراء أكبر مما يستحقه النجاح الدراسي، فلاحِظْ ذلك بارك الله فيك
واكثر من الادعية " رب هب لي من الصالحين "
" رب هب لي من لدنك ذرية طيبة "
" ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما "
عباد الله ... ان الامتحان الحقيقي هو ذلك الامتحان الذي لا فرصة فيه للمحاولة بعد الفشل ، ولا محيص للغش والتدليس ، ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا.
امتحانٌ النجاح فيه أبدي، والمستقر في جنات ونهر، والعطاء غير مجذوذ، والنعيم لا يوصف، والسعادة لا تحد؛ أما الخسران فثمرته خلود في النار، والنهاية إلى الهاوية حيث الزفير والشهيق والزقّوم ومقامع الحديد، كلما نضجت جلودهم أبدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب، تلك هي الخسارة الحقيقية، (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
الامتحان هنا في أجواء مناسبة حيث زمن الامتحان قليل، والمكان بارد ظليل، أما الامتحان هناك فهو في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم تدنو فيه الشمس من الخلائق قدر ميل حتى يلجم العرق بعض الناس إلجاما، ويغطيه تغطية، ويغرقه غرقا.
امتحان اليوم -أيها الناس- يتعاطف فيه مع الطلاب كلُّ من حولهم من آباء وأمهات ومدرسين ومدرسات، أما امتحان الغد فهو (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37].
حتى الأنبياء يقول احدهم نفسي نفسي! ويقولون: اللهم سلِّمْ سلِّمْ! فماذا أعدننا -أيها المسلمون- لهذا الامتحان العسير؟! ليخْتَرْ كُلٌّ مِنَّا لنفسه احدي المنزلتين، (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].
امتحانٌ لا إعادةَ فيه ولا إكمال، ونتيجتُه لا تستدركُ ولا رجوعَ فيها ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) [الرعد: 41].
هذا الامتحان، ليس في مكانٍ وفير, ومقاعدَ مريحة، بل هو وقوف بين يدي ملك الملوك, وعلامِ الغيوب (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ
هذا الامتحان أسئلتُه مكشوفة معلومة، قد بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم:
ستسأل يا عبد الله... عن عُمُرِك ماذا أفنيته فيه؟ وعن شبابِك فيما أبليته؟
وعن مالِك كيف كسبته؟ ثم في أي شيء أنفقته؟
وستسأل عن تعلمك وعلمك ماذا عملت به؟
وستسأل يا عبد الله أولَّ ما تسأل... عن صلاتك؟ مدى حفاظك عليها وإقامتك لها، فان صلحت صلاتك، فقد أفلحت ونجحت، وان فسدت خسرت وخبت.
وستسأل أيضًا... عن أقرب الناس لك من زوجة وأولاد «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
وستسأل أيضًا... عن كل نعمة أسديت لك, أفي الحلال استعملتها, أم في الحرام سخرتها (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 8].
إنها والله أسئلة عظيمة, ومواقف منتظرة مهولة, بكت من أجلها دموع الخاشعين وفرقت لهولها قلوب الصالحين.
اسئلة ليس فيها ترك
ولا اجب عن اربعة اسئلة انما الجواب لابد ان يكون للكل
لقي بعض السلف رجلا كان مقصرا مفرطا في أمره فقال له: كم من العمر تبلغ؟ قال: ستونسنة, قال: أَوَ ما علمت أنك في طريق وقد أوشكت أن تبلغ نهايته فقال الرجل: إنا للهوإنا إليه راجعون فقال له: أَوَ تعلم تفسير هذه الكلمة قال: وما تفسيرها؟ قال: قولك: إنا لله أي أنا لله عبد, وقولك: وإنا إليه راجعون أي وأنا لله راجع, فإذاعلمت أنك لله عبد وأنك إليه راجع فاعلم أنك مسؤول فإذا علمت أنك مسؤول فأعد للمسألةجوابا. تنبه الرجل وقال: فما الحيلة إذن؟ قال: الحيلة يسيرة أحسن فيما بقي يُغفَرلك ما قد مضى.
المشاهدات 2345 | التعليقات 3
ملاحظة : كل خطبي منقولة من خطب اخرى للأمانة
بتصرف قليل
جزا الله كل من اوقف الخير للجميع
بتصرف قليل
جزا الله كل من اوقف الخير للجميع
جزاك الله خيرًا على مشاركتك الرائعة و صراحتك التي هي عِمَادُ التميّز . نصائح غالية سُقتَها و قرّبتها لجميع الشرائح طلاّبًا وأساتذةً وأولياء ، و أرى أنّ هذه الخطبة تصلُحُ بيانًا يعلّقُ في المدارس بعنوان " ميثاق الامتحان " ، أو مطويّة توزّعُ توزيعًا خيريًّا على الطلاّب قبل موسم الامتحان . بارك الله في علمك وفي أخلاقك .
محمود الطائي
اسأل الله لنا ولكم القبول
اللهم لا تآخذني بما يقولون واغفر لي مالا يعلمون واجعلني خيرا مما يظنون
تعديل التعليق