الامتحانات .. توجيهات ومنافع
ابراهيم الهلالي
الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار، الْعَزِيزِ الغَفَّار، مُقَدِّرِ الأَقْدَار وَمُصَرِّفِ الأُمُورِ عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار، وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَار, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَد، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ, أَيْقَظَ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ يَشَاءُ ، فَأَدْخَلَهُ فِي جُمْلَةِ الأَخْيَار، وَوَفَّقَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبِيدِهِ فَجَعَلَهُمْ مِنَ الأَبْرَار، وَزَهَّدَ مَنْ أَحَبَّهُ مِنْ خَلْقِهِ فِي هَذِهِ الدَّار، فَاجْتَهَدُوا فِي مَرْضَاتِهِ وَتَأَهْبُوا لِدَارِ الْقَرَار, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ و أَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً... أما بعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ .
عباد الله : هذه الدارُ دارُ الدنيا هي دارُ امتحان واختبار وابتلاء، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} وهذا الاختبار نهايته تكون بالموت، ونتيجته يومَ القيامة، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} ونحن في هذا الاختبار مراقَبون، فكل حركاتنا مرصودة، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.
معاشر المسلمين: في هذه الأيامِ نعيشُ حالةَ اهتمامٍ واسْتِنْفارٍ، تَضافرتْ فيها الجهود, واسْتُفْرِغَتْ الطَّاقات، صُدِّرتْ التعليمات, وكَثُرتْ التَّوجِيهات, وتـعدَّدَت الإرشادات. قُدِّمت للمُجِدِّين الحوافزُ والتَّشْجعيات، ولوِّحت للمتهاونينَ الملامةُ والتوبيخات. إنها أيامُ الامتحانات، نعيشُها بما فيها من حلوٍ ومُرٍ، وفَرحةٍ وحُزْنٍ، مَشاعرُ مُختلفةٌ, ومواقفُ متباينةٌ, وكلُّ يَجني ما زَرَع, ويَحصدُ ما بَذَر.
بَقْدرِ الكَدِّ تُعْطَى ما تَرُوم *** ومَنْ طَلَبَ العُلا ليلاً يقوم
نعم أيامُ الامتحاناتِ أيامٌ قلائِل، لكنَّها مع قلَّتها معبَّأةٌّ بكثيرٍ من التَّغيُّرات، مِنَ المُمكنِ أنْ نستثمرَها تربويَّا في توجيه أبنائِنا وشبابِنا،وتصحيحِ مسارِهم، وتقويمِ رؤيتِهم، فمِنْ أهمِ وأنفعِ التَّربيةِ: التَّربيةُ بالحَدَثِ.
أيُّها الأحبَّةُ ..ما الذي يحدثُ في البيوتِ خِلالِ الأُسبوعينِ القادمين .. تُدَّقُّ نواقيسُ الأخطارِ، وتُطلقُ صفَّاراتُ الإنذارِ، وتُعلنُ حالاتُ التَّأهُّبِ القُصوى، ويَستمسِكُ الجميعُ بالعُروةِ الوُثقى .. تُرابطُ العوائلُ جميعاً في منازلِها، وتؤجلُ الأُسرُ كثيراً من مشاغلِها، الأمُّ في حالةِ استنفارٍ وتأهُّبٍ، والأبُّ في حالةِ استعدادٍ وترقُّبٍ، والمدارسُ في حالةِ حَذرٍ ومُعاناةٍ، والجِهاتُ الأمنيةُ في حالةِ يقظةٍ وانتباهٍ، فاللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وأما الأبناءُ والبناتُ ففي حالةِ قَلقٍ وسكينةٍ، خوفٍ وأمنٍ، فرحٍ وحُزنٍ، تشاؤمٍ وتفاؤلٍ، كسلٍ ونشاطٍ، ضعفٍ وقوَّةٍ، تقاعسٍ وعزيمةٍ، وهكذا المشاعرُ في الاختباراتِ وما أدراكَ ما الاختباراتُ.
بُني الطَّالبُ ..بُنيتي الطالبة: أقول لكل واحد منكما استعنْ باللهِ ولا تعجزْ، واعلم أن من جدَّ وجدَ، ومن زرعَ حصدَ، تفاءلْ فإنَّ نبيَّكَ صلى اللهُ عليه وسلمَ كانَ يُحبُّ الفألَ، اقرأ، ذاكر، احفظ، افهم، واعلم أنَّ الذي ألَّفَ الرِّياضياتِ شخصٌ مثلُك، والذي وضعَ قوانينَ الفيزياءِ بشرٌ مثلُكَ، والذي ركَّبَ معادلاتِ الكيمياءِ آدميٌّ مثلُكَ، (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فلا تَحتقرْ ذكاءَك، ولا تَستنقِصْ قُدراتِكَ، فاليومَ أنتَ في مجالسِ الدِّراسةِ طالباً، وغداً في مجالسِ الشَّرفِ والنَّجاحِ غَالباً، عُضواً ناجحاً لدينِه وأمَّتِه ووطنِه، فعليكَ بدعاءِ اللهِ تعالى بالهِدايةِ والسَّدادِ، وأن يفتحَ عليكَ أبوابِ الفَهمِ والرَّشادِ، ولا يُوجدُ دعاءٌ خاصٌ للاختباراتِ، وإنما الدُّعاءُ بالتَّيسيرِ والإعانةِ والتَّوفيقِ، وعليكَ بالمحافظةِ على الصَّلواتِ فإنَّها مِفتاحُ كلِّ خيرٍ، قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (وَالصَّلاَةُ نُورٌ)، فهي تُنيرُ لكَ الطَّريقَ والحياةَ والمُستقبلَ، (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)، وأُعيذُك أن تكونَ كما قالَ القائلُ:
صَلَّى الْمُصَلِّي لِأَمْرٍ كَانَ يَطْلُبُهُ *** لَمَّا انْقَضَى الْأَمْرُ لاَ صَلَّى وَلاَ صَامَا
وانتبه يا بُنيَّ في أيَّامِ الاختباراتِ من قُطَّاعِ الطَّريقِ، الذينَ يقطعونَ طريقَ الخيرِ والنَّجاحِ على أبناءِ المسلمينَ، فيريدونَهم عَبَدةً للمُخدِّراتِ والشَّهواتِ، ويُضيعونَ غاليَ أوقاتاتِهم بالتَّفحيطِ والتَّفاهاتِ، وكم كانتْ أيَّامِ الامتحاناتِ منحنىً خَطْراً لكثيرٍ من الشَّبابِ، فبعدَ أن كانَ نجماً مُنيراً فوقَ السَّحابِ، أصبحَ حجراً لا نفعَ فيه قد أُلقيَ على التُّرابِ، فاللهمَّ احفظْ أبناءَنا وبناتِنا ووفِّقهم لرفيعِ وكريمِ الآدابِ.
يا طالبَ العلمِ أنتَ الشَّمسُ سَاطعةً *** من فَيضِ علمِكَ خيراتٌ ستنهمرُ
يا طَالبَ العلمِ أَبشرْ قد غَدوتَ لنا *** عِزَّاً ومَجداً وبالأمجادِ نفتخرُ
هذَّبْتَ رُوحاً بأصنافِ العلومِ وقـد *** سَمَوْتَ فوقَ جُيوشِ الجَهلِ تَنْتَصرُ
قَد كُنتَ في أولِ الأيـامِ نَبْتَتُنــا *** بالدَّمعِ نَسْقي وللأثمـارِ نَنْتَظِرُ
أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّ الحَيَاةَ مَرَاحِلُ وَمَحَطَّاتٌ، وَلِكُلِّ مَرحَلَةٍ آمَالُهَا وَأَحلامُهَا، وَوَقُودُ الحَيَاةِ الطُّمُوحُ وَنُورُهَا الأَمَلُ، وَالأَتقِيَاءُ الأَسوِيَاءُ هُمُ القَادِرُونَ وَحْدَهُم عَلَى الْمُضِيِّ في دُرُوبِ الحَيَاةِ بِثَبَاتٍ وَعَزِيمَة، وَأَمَّا الْمُدمِنُونَ فَهُم مُعتَلُّو الْأَبْدَانِ مُختَلُّو العُقُولِ، ضِعَافُ النُّفُوسِ سَاقِطُو الهِمَمِ، لا يَرسُمُونَ أَهدَافًا وَلا يُخَطِّطُونَ لِنَجَاحٍ، وَلا يَستَمتِعُونَ بِحَاضِرٍ وَلا يَرقُبُونَ نَيلَ مُرَادٍ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -يَا شَبَابَنَا- وَكُونُوا أَقوِيَاءَ بِدِينِكُم مُتَوَكِّلِينَ عَلَى رَبِّكُم، قَوُّوا عَزَائِمَكُم وَإِرَادَاتِكُم، وَلا تَجعَلُوا أَنفُسَكُم عَبِيدًا لِلمُخَدِّرَاتِ؛ تَسُوقُكُم نَشوَةُ دَقَائِقَ وَتَقُودُكُم مُتعَةُ لَحَظَاتٍ، ثم تَكُونُوا رَهَائِنَ في أَيدِي الْمُرَوِّجِينَ وَالْمُفسِدِينَ، وَفِي النِّهَايَةِ إِلَى غَيَاهِبِ السُّجُونِ أَوْ عَنَابِرِ مَصَحَّاتِ الْمُدْمِنِينَ، قَدْ فَقَدْتُمْ عُقُولَكُمْ وَخَسِرْتُمْ دِينَكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.
أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّ أَعدَاءَكُم وَضِعَافَ النُّفُوسِ ممَّن حَولَكُم، يَستَغِلُّونَ أَيَّامَ الامتِحَانَاتِ لِتَروِيجِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَيَزعُمُونَ أَنَّهَا تُسَاعِدُ عَلَى التَّركِيزِ وَتَجْعَلُ الْمُذَاكَرَةَ سَهْلَةً وَمُشَوِّقَةً، فِي حِينِ أَنَّ العَكسَ مِن ذَلِكَ هُوَ الحَاصِلُ، خَاصَّةً وَقَدِ انتَشَرَت أَنوَاعٌ مِنَ الحُبُوبِ الْمُنَبِّهَةِ الْمَغشُوشَةِ، وَالمَخلُوطَةِ بِمُخَدِّرٍ يُتلِفُ خَلايَا المُخِّ مِن أَوَّلِ مَرَّةٍ يُستَخدَمُ فِيهَا، ممَّا يَتَسَبَّبُ في فُقدَانِ العَقلِ مَدَى الحَيَاةِ؛ أَلا فَانتَبِهُوا لأَنفُسِكُم -رَعَاكُمُ اللهُ-، وَاحفَظُوا أَغلَى مَا تَملِكُونَ -حَفِظَكُمُ اللهُ-.
إخوتي الأباءُ والأمَّهاتُ ..جزاكم اللهُ خيراً على ما تبذلونَه من الجِهادِ، وأقرَّ أعينَكم بنجاحِ فَلذاتِ الأكبادِ، كم تعبتُم، كم بذلتُم، كم دعوتُم، كم عانيتم، مُستشعرينَ قولَه صلى اللهُ عليه وسلمَ: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)، ولعلَّ اللهَ تعالى أن يُعوِّضَ صبرَكم أجراً، ويُبدِّلَ تعبَكم خيراً، وتفرحونَ يوماً بإنجازاتِ أبنائكم فَخراً، وترونَ بفضلِ اللهِ تعالى ما صنعتهُ أيديكم عِزَّاً وذِخراً.
أيُّها الوالدانِ .. لا نعلمُ واللهِ كيفَ نردُّ لكم الجميلَ، ولا كيفَ نبلغُ فيما قدَّمتموه لنا الشُّكرَ الجزيلَ، ضحَّيتم بصحتِّكم وأوقاتِكم وأموالِكم، وصبرتُم على طفولتِنا وبُكائنا، وشقاوتنا وأمراضِنا، أضحكناكُم وأبكيناكم، وأفرحناكم وأحزناكم، وأنتم أنتم لا تزالونَ الأبُّ الرَّحيمُ والأمُّ الحنونُ، فيا ربِّ كيفَ لنا أن نُوفيَ حقَّهما مع هذه التَّضحياتِ الكِبارِ، ولكن ربِّ ارحمهما كما ربُّنا ونحنُ صِغارٌ.
هو الوفاءُ وما أسمى سَجاياهُ *** في سَاحةِ الحُبِّ والإجلالِ مَرساهُ
وهل هُناكَ وَفاءٌ في الوجودِ عَلا *** وفاءَ من أَعطيَا ما ليسَ نَنساهُ
وهل هنالك أسمى نِعمةٍ عُرِفَتْ *** من الحنانِ حنان الأمِّ تَغشاهُ
أو من رِعايةِ من أعطى بلا مِنَنٍ *** ويَغرسُ الفضلَ في ابنٍ حِينَ ربَّاهُ
للوالدينِ حُقوقٌ ليس يُنكرُها *** إلا جَحودٌ كَفورٌ ضَلَّ مَسعاهُ
حقٌّ على المرءِ ردُّ الدَّينِ في كِبَرٍ *** للوالدينِ ببرٍّ طَابَ مَعناهُ
كم من وصايا من الرَّحمنِ خلَّدَها *** كتابُه بالهُدى تَسمو وَصاياهُ
وللرَّسولِ وصايا عزَّ قائلُها *** للبِرِّ يَدعو وما أغلى عَطاياهُ
أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار، الْعَزِيزِ الغَفَّار مُكَوِّرِ النَّهَارِ عَلَى اللَّيْلِ، وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَار, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْبَرَرَةِ الأَخْيَارِ...أَمَّا بَعْدُ:
فيا إخوتي المعلمين والمعلمات : ماذا عسى أن يقولَ لكم أولياءُ الأمورِ، وكيفَ يعبِّرُ عن شُكرِه ذلكَ الطَّالبُ المسرورُ، أعطيتُم أبناءَنا العلمَ والأدبَ ومكارمَ الأخلاقِ، كنتم شمعةً أضاءتْ لأبنائنا بعدَ أنْ احترقتْم أيَّما إحراقٍ، كانوا يرونَ في أشخاصِكم القدوةَ العُظمى، وكلامُكم وأفعالُكم هو الغايةُ المُثلى، كيفَ ننسى ترتيلَ أبنائنا لآياتِ القرآنِ مُجوَّدةً كما حفَّظتموهم، وما أجملَ تلكَ اللَّحظاتِ عندما نسمعُ منهم ذلكَ الدُّعاءَ الذي علمتوهم، أدبتموهم ، أكرمتموهم أوصلتُم إليهم ما لم نستطعْ أن نعلِّمَهم إياهُ، فجزاكم اللهُ عنا وعنهم خير الجزاء وأوفاه ونعتذرُ إليكم عن التَّقصيرِ في تواصلِنا معكم خلالَ العامِ، ونبرأُ إلى اللهِ تعالى ممن ينتقصُ حقَّكم عظيمَ المقامِ، فأنتم صُنَّاعُ الأجيالِ وبُناةُ الفِكرِ والعقلِ، وإسقاطُ هيبتِكم هو ضياعٌ للحاضرِ والمُستقبلِ، وكيفَ لأمَّةٍ أن تنهضَ وتزدهرَ وتَرقى، إن لم يكنْ للمعلمِ فيها المنزلةُ الأرقى.
ثم إني أهمس في آذانكم إخوتي المعلمين والمعلمات همسةً أخيرة فأوصيكم وأقول: لا شك أن الامتحانات مسؤوليات وأمانات وتبعات، فاللهَ اللهَ في فلذات أكباد المؤمنين! فاتقوا الله -عز وجل- فيهم، كونوا أشداء بدون عنف، ورحماء بدون ضعف، وأعطوا كل ذي حق حقه، وكل ذي قدر قدره، واعدلوا بين أبنائكم وبناتكم؛ فإنهم أمانة في أعناقكم، واعلموا أنكم يوم القيامة عنهم مسؤولون فأعدوا للسؤال جواباً ، واحتسبوا عناءكم عند الله فإنكم مأجورون سددكم الله.
ثم لا ننسى رجالَ أمننا البواسل الأمناء : فنقول أعانَكم اللهُ تعالى، أنتم بعدَ اللهِ تعالى أملُنا في الحفاظِ على أمنِ وسلامةِ أبنائنا وبناتِنا الطُّلابِ والطالبات، جهودُكم لا ينكرُها إلا جاهلٌ، وإنجازاتُكم لا يستخفُّ بها إلا عاذلٌ، تسهرونَ وننامُ، تتعبونَ لنرتاحُ، تواجهونَ الموتَ لأجلِنا وننعم في الحياةَ بسببِكم، نتركُ أبناءَنا في الشَّوارعِ يسرحونَ ويمرحونَ والأبُ نائمٌ، ثُمَّ نلومُ الجِهاتِ الأمنيَّةِ على ما يحدثُ من مشاكلَ وجرائمَ، ومع ذلكَ لا زالتْ لكم الفضل بعد الله فيما ننعم به من أمنِ واستقرارِ البلادِ، فإذا كانَ المجرمونَ يُخطِّطونَ للإفسادِ أيامَ الاختبارتِ في الظَّلامِ، فإنَّه تنسِّفُ ما أضمروهُ من الشَّرِ خطةُ الأمنِ العامِ بعد فضل الله وعنايته، فتمرُ أيامَ الاختباراتِ بهدوءٍ وأمنٍ وسلامٍ، فلا نجد ما نقولُ لكم إلا: شُكراً لكم.. وجزاكم اللهُ عنا خيراً.
وأختم حديثي برسالة لكم يا أُسودَ الهيئةِ ورجال الحسبة الفضلاء ..فأقول غفرَ اللهُ لكم يا حُماةَ الفضيلةِ، فأنتم على ثَغرٍ عظيمٍ بما تقومونَ به من شعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِّ عن المنكرِ التي هي صمَّامُ الأمانِ لهذه الأمَّةِ، ولا يخفى عليكم أنَّه ينتشرُ في أيامِ الاختباراتِ، الذينَ في قلوبِهم مرضٌ حولَ مدارسِ البناتِ، وما يتخطف به الأشرارُ حدثاءَ الأسنان من الطلاب فنحنُ على ثِقةٍ إن شاءَ اللهُ أنَّ لديكم لأمراضِ القلوبِ دواءٌ نافعٌ، يُكفُّ به شَّرُ الماكرين، وللعابثينَ بالأعراضِ رادعٌ، فبناتُنا العفيفاتُ ، وصغارنا أمانةٌ عندَكم، وأنتم أهلٌ إن شاءَ اللهِ للحفاظِ على الأمانةِ، أعانَكم اللهُ تعالى وسدَّدَكم، وحفظكم من شرِّ الأشرارِ وكيدِ الفجَّارِ.
وأخيراً؛ تذكروا -عباد الله- في مثل هذه الأيام والتي تضطرب فيها النفسيات، وتتعكر الأمزجة، ويطول السهر، ويبلغ الحرص مداه، ولا أحد يلام، فالأمر -كما يقال- يتعلق بالمستقبل وحياة أفضل، ولكن إذا كان هذا كله من أجل مستقبل الدنيا الدنية، والتي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، أفلا يختبر من أراد دخول الجنة؟ نعم يا عباد الله! فأمامنا اختبار أهم من اختبارات الدنيا كلها، لا بد أن نتذكره في مثل هذه الأيام، اختبار عام شامل، فيه نجاح وتفوق وقبول، وفيه رسوب وطرد وإبعاد، أسئلته مقدمة قبله، مفتوحة معلومة للناس: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فهل أخذنا بأسباب النجاح؟! وهل أعددنا العدة لمثل هذه الأسئلة؟ أسأل الله لنا ولكم الثبات والنجاة.
ثم صلوا وسلموا....الخ