الاقتصاد الإسلامي والوضع اليمني ( خطبة )
د مراد باخريصة
1433/06/21 - 2012/05/12 08:08AM
الاقتصاد الإسلامي والوضع اليمني
إن مشكلة المشاكل وأم المصائب أن يعيش الحكام والمسئولون ومن ولاهم الله أمور الناس في ترف كبير ونعيم ظاهر وتبذير فاحش وإسراف عظيم وإلى جانبهم في نفس البلد شعب فقير هده الفقر والجوع فلا يجد كثير منهم قوت يومه ولا إيجار سكنه ولا ثمن دوائه ولا حليب أطفاله خاصة في ظل الغلاء والارتفاع اليومي لأسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وأسعار المساكن والمواصلات ووصول الأسعار إلى أرقام خيالية يصعب تصديقها ويعجز الناس عن التعايش والتكيف معها.
هذا هو الحال في اليمن فالإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن عشرة ملايين يمني يعانون فقدا الأمن الغذائي وأن سبعة ملايين يمني يعانون فقداً حاداً للغذاء وأن سبعمائة ألف طفل قد يموتون بسبب سوء التغذية وأن السواد الأعظم من الشعب اليمني واقع بين مطرقة الفقر وسندان البطالة.
وتشير عدد من التقارير إلى تردي الوضع الإنساني وتراجع الاقتصاد اليمني وتدهور الأوضاع المعيشية والرعاية الصحية وانعدام الأمن الغذائي والمائي وسوء التغذية.
وقد أدت الاضطرابات وانقطاع الطرق وارتفاع أسعار المشتقات إلى ارتفاع الأسعار وأغلقت العديد من الأعمال أبوابها وعانت المزارع كثيراً وارتفعت نسبة البطالة لتزيد على خمسين في المائة وهكذا تزداد المعاناة ويتضور الناس في اليمن من الجوع وتبقى أحوالهم مهددة ينظرون من خلف الأبواب المغلقة ووضعهم لا يزال يتعرض إلى التجاهل المستمر وهم الخاسر الوحيد من تدهور مستوى المعيشة وانفلات الأمن وغياب التعليم وضعف الرعاية الصحية وفقدان مقومات الحياة الضرورية والمواطنون اليمنيون هم الذين يدفعون الثمن من أرواحهم واقتصادهم واستقرارهم.
إن الإسلام لا يرضى أن تصل الأمور إلى هذا المستوى أو أن يكون هناك أغنياء مترفون وفقراء مدقعون ولذلك شرع الله الزكاة وأمر بالصدقة للقضاء على هذه المشكلة وإنهاء هذه المعضلة وقام الحكام العدول في العهود الإسلامية الزاخرة بإنشاء ديوان خاص بالزكاة لتخفيف المعاناة يشرف على هذا الديوان مجلس أعلى مستقل مكون من أهل العلم والخبرة وخبراء الاقتصاد والمحاسبة فيقومون بجمع الزكوات والصدقات ويحفظونها ويوصلونها إلى مستحقيها ويحافظون على ثروات البلد ويلتزمون فيها مبدأ الشفافية ويطلعون الشعب على ثرواته وموارده محسنين توجيهها في مصلحة البلاد والعباد مراعين لسلم الأولويات والضروريات والحاجيات ممتثلين في ذلك قول الحق سبحانه وتعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وقوله سبحانه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه الله " لئن أطعم بطون الجوعى خير لي من كساء الكعبة".
وحتى يحافظ النظام الاقتصاد الإسلامي على بقائه ويبقى قائماً ثابتاً شامخاً متيناً حرم الإسلام الربا ومنع من الإقراض بالفائدة وحرم القمار والعقود المشتملة على الجهالة والغرر وسمح بالدين في الحاجة وبضوابط شرعية تمنع من وقوع أزمات أو حدوث انهيارات تضر بأصحاب الأموال أو تلحق الضرر بالاقتصاد العام.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء)) وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يردد هذا الدعاء فيقول : ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال))، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)), فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ ـ يا رسول الله ـ من المغرم! فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف)).
كل هذا عباد الله من أجل تحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع في تدوير المال العام وعدم احتكاره لدى طائفة بعينها دون بقية أفراد الشعب كما قال تعالى {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} أي حتى لا يكون المال متداولاً بين الأغنياء دون الفقراء.
فالدولة لو أخذت بهذا المعنى للاقتصاد الإسلامي وانتهجت النهج الإسلامي في إدارة اقتصاد البلد لما عانت هذه المعاناة وعاشت هذه الفوضى والتخبط وتراكم الديون التي لا تطيق حملها ولكنها تنكرت لهذه الأطر الشرعية والأصول الاقتصادية الإسلامية فوقعت في هذه المشاكل الاقتصادية المستمرة والأحوال الصعبة والأوضاع المنهارة وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } .
الخطبة الثانية
لقد تداعت الأكلة على قصعتها كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال " تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها".
هكذا تسرق ثروات البلد وتنهب أقواته وتبدد أمواله وحال أهله كل يوم أسوأ من سابقه فعجز الفقراء وقصر ذوو البذل والعطاء وتضر المساكين والضعفاء وظهرت مشاكل اجتماعية سيئة وضغوط نفسية قاسية وأزمات اقتصادية حادة وهذا ما أثبتته دراسات مطلعة وإحصائيات مقلقة عن ازدياد حالات الأمراض النفسية وانتشار كثير من مظاهر الهسيتريا وأعراض الاكتئاب وزيادة معدلات الانتحار.
تخيلوا أنه خلال العشرة الأيام الماضية حدثت في اليمن حوالي عشر حالات انتحار منها حالة هنا في المكلا وبين هذه الحالات حالة لشخص يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما ولديه خمسة أبناء عثر عليه مشنوقاً في حوش منزله بعد أن لف حبلا حول رقبته وشنق نفسه به وقد عثر في جيبه على ورقة فيها وصيته والديون التي عليه لأصحاب المحلات التجارية والله المستعان.
هذه الأوضاع الاقتصادية المنهارة التي أوقعت الدولة نفسها فيها بسبب بعدها عن الاقتصاد الإسلامي وعدم الالتزام به جعل الدولة نفسها تذل نفسها للآخرين وتمد يدها إليهم وتشحت عندهم وتطلب منهم وتتسولهم وهم بالتأكيد لن يعطوها شيئاً لوجه الله فالواقع يقول أن من يمولك أو يدعمك لابد وأن يطلب منك شيئاً مقابل ذلك فهذه الدول ليست جمعيات خيرية أو مؤسسات تطلب الأجر من الله وإنما هم طلاب مصالح وأصحاب استراتيجيات وأهداف ويدفعون لمن يخدمهم بقدر ما يستفيدون منه.
هذا إذا أعطوها إذا حققت لهم أهدافهم وإلا فنحن لم ننسى مؤتمر المانحين الذي أقيم في عام 2006 وحضرته دول مجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وممثلون عن الدول الصناعية الكبرى ووعدوا اليمن بمساعدات بالمليارات لإنقاذها من هاوية الدول الفاشلة كما يقولون ثم تبخرت تلك الوعود ولم يستلم اليمن سوى ربع المبالغ التي تم التعهد بها خلال المؤتمر لأنهم لا ينفقون أموالهم إلا من أجل الصد عن سبيل الله كما قال الله عنهم {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.
هذه هي أوضاعنا وللأسف العالم يتقدم ونحن نتأخر والدول في العالم تكون حكوماتها الجديدة أفضل من التي تسبقها ونحن على العكس من ذلك.
العالم اليوم يحارب أمية الحاسوب ونحن لازلنا نصارع من أجل حق الطفل اليمني في التعليم الأساسي .
والعالم الآن يسعى لإنارة ناطحات السحاب والجسور المعلّقة فوق البحار وشبكات الكهرباء الممتدة عبر الدول ونحن لازلنا على الشموع والفوانيس والطفي المتكرر عدة مرات في الليل والنهار ولا زالت الدولة تستأجر الكهرباء من الأثرياء ورجال المال والأعمال ثم تعجز بسبب سوء توزيع الثروة عن الوفاء لهم وتسديد مديونياتهم ومستحقاتهم.
العالم يبشر بنظام صحي بحيث يكون لكل أسرة طبيب أو على الأقل لكل مائة فرد أو لكل ألف نفر طبيب ونحن لازلنا نبحث عن جُرع ومضادات معهودة لنعالج بها الأمراض الفتاكة.
وصار الناس في حيرة من أمرهم يتساءلون متى ستنتهي هذه المحنة ومتى سترتفع هذه المعاناة وهل الوضع القادم سيكون أفضل من الماضي ولكنهم يدركون أنهم يعيشون في اليمن ومن لم يعلمه الزمن فستعلمه اليمن.
لابد للناس أن يتأكدوا ويستيقنوا أن كل نظام أرضي يحكمهم بغير شريعة الله فإنه نظام جائر خائر فاشل لن يجنوا منه إلا الويلات والحروب والفشل والدمار ولا أمن ولا استقرار ولا رخاء اقتصادي واجتماعي إلا في شرع الله وتحت مظلة الحكم بما أنزل الله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
أما هذه الأنظمة المترهلة المنحنية للشرق والغرب المتملقة لأعداء الله فإنها أنظمة قد أعلنت الحرب على الله وجاهرته بالمعاصي وتشريع الربا وارتكاب أشنع الكبائر وأعظم الفواحش ومن حارب الله غُلب وانهار وسقط اقتصاده ونظامه {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
إن مشكلة المشاكل وأم المصائب أن يعيش الحكام والمسئولون ومن ولاهم الله أمور الناس في ترف كبير ونعيم ظاهر وتبذير فاحش وإسراف عظيم وإلى جانبهم في نفس البلد شعب فقير هده الفقر والجوع فلا يجد كثير منهم قوت يومه ولا إيجار سكنه ولا ثمن دوائه ولا حليب أطفاله خاصة في ظل الغلاء والارتفاع اليومي لأسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وأسعار المساكن والمواصلات ووصول الأسعار إلى أرقام خيالية يصعب تصديقها ويعجز الناس عن التعايش والتكيف معها.
هذا هو الحال في اليمن فالإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن عشرة ملايين يمني يعانون فقدا الأمن الغذائي وأن سبعة ملايين يمني يعانون فقداً حاداً للغذاء وأن سبعمائة ألف طفل قد يموتون بسبب سوء التغذية وأن السواد الأعظم من الشعب اليمني واقع بين مطرقة الفقر وسندان البطالة.
وتشير عدد من التقارير إلى تردي الوضع الإنساني وتراجع الاقتصاد اليمني وتدهور الأوضاع المعيشية والرعاية الصحية وانعدام الأمن الغذائي والمائي وسوء التغذية.
وقد أدت الاضطرابات وانقطاع الطرق وارتفاع أسعار المشتقات إلى ارتفاع الأسعار وأغلقت العديد من الأعمال أبوابها وعانت المزارع كثيراً وارتفعت نسبة البطالة لتزيد على خمسين في المائة وهكذا تزداد المعاناة ويتضور الناس في اليمن من الجوع وتبقى أحوالهم مهددة ينظرون من خلف الأبواب المغلقة ووضعهم لا يزال يتعرض إلى التجاهل المستمر وهم الخاسر الوحيد من تدهور مستوى المعيشة وانفلات الأمن وغياب التعليم وضعف الرعاية الصحية وفقدان مقومات الحياة الضرورية والمواطنون اليمنيون هم الذين يدفعون الثمن من أرواحهم واقتصادهم واستقرارهم.
إن الإسلام لا يرضى أن تصل الأمور إلى هذا المستوى أو أن يكون هناك أغنياء مترفون وفقراء مدقعون ولذلك شرع الله الزكاة وأمر بالصدقة للقضاء على هذه المشكلة وإنهاء هذه المعضلة وقام الحكام العدول في العهود الإسلامية الزاخرة بإنشاء ديوان خاص بالزكاة لتخفيف المعاناة يشرف على هذا الديوان مجلس أعلى مستقل مكون من أهل العلم والخبرة وخبراء الاقتصاد والمحاسبة فيقومون بجمع الزكوات والصدقات ويحفظونها ويوصلونها إلى مستحقيها ويحافظون على ثروات البلد ويلتزمون فيها مبدأ الشفافية ويطلعون الشعب على ثرواته وموارده محسنين توجيهها في مصلحة البلاد والعباد مراعين لسلم الأولويات والضروريات والحاجيات ممتثلين في ذلك قول الحق سبحانه وتعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وقوله سبحانه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه الله " لئن أطعم بطون الجوعى خير لي من كساء الكعبة".
وحتى يحافظ النظام الاقتصاد الإسلامي على بقائه ويبقى قائماً ثابتاً شامخاً متيناً حرم الإسلام الربا ومنع من الإقراض بالفائدة وحرم القمار والعقود المشتملة على الجهالة والغرر وسمح بالدين في الحاجة وبضوابط شرعية تمنع من وقوع أزمات أو حدوث انهيارات تضر بأصحاب الأموال أو تلحق الضرر بالاقتصاد العام.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء)) وكان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يردد هذا الدعاء فيقول : ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال))، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)), فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ ـ يا رسول الله ـ من المغرم! فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف)).
كل هذا عباد الله من أجل تحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع في تدوير المال العام وعدم احتكاره لدى طائفة بعينها دون بقية أفراد الشعب كما قال تعالى {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} أي حتى لا يكون المال متداولاً بين الأغنياء دون الفقراء.
فالدولة لو أخذت بهذا المعنى للاقتصاد الإسلامي وانتهجت النهج الإسلامي في إدارة اقتصاد البلد لما عانت هذه المعاناة وعاشت هذه الفوضى والتخبط وتراكم الديون التي لا تطيق حملها ولكنها تنكرت لهذه الأطر الشرعية والأصول الاقتصادية الإسلامية فوقعت في هذه المشاكل الاقتصادية المستمرة والأحوال الصعبة والأوضاع المنهارة وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } .
الخطبة الثانية
لقد تداعت الأكلة على قصعتها كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال " تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها".
هكذا تسرق ثروات البلد وتنهب أقواته وتبدد أمواله وحال أهله كل يوم أسوأ من سابقه فعجز الفقراء وقصر ذوو البذل والعطاء وتضر المساكين والضعفاء وظهرت مشاكل اجتماعية سيئة وضغوط نفسية قاسية وأزمات اقتصادية حادة وهذا ما أثبتته دراسات مطلعة وإحصائيات مقلقة عن ازدياد حالات الأمراض النفسية وانتشار كثير من مظاهر الهسيتريا وأعراض الاكتئاب وزيادة معدلات الانتحار.
تخيلوا أنه خلال العشرة الأيام الماضية حدثت في اليمن حوالي عشر حالات انتحار منها حالة هنا في المكلا وبين هذه الحالات حالة لشخص يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما ولديه خمسة أبناء عثر عليه مشنوقاً في حوش منزله بعد أن لف حبلا حول رقبته وشنق نفسه به وقد عثر في جيبه على ورقة فيها وصيته والديون التي عليه لأصحاب المحلات التجارية والله المستعان.
هذه الأوضاع الاقتصادية المنهارة التي أوقعت الدولة نفسها فيها بسبب بعدها عن الاقتصاد الإسلامي وعدم الالتزام به جعل الدولة نفسها تذل نفسها للآخرين وتمد يدها إليهم وتشحت عندهم وتطلب منهم وتتسولهم وهم بالتأكيد لن يعطوها شيئاً لوجه الله فالواقع يقول أن من يمولك أو يدعمك لابد وأن يطلب منك شيئاً مقابل ذلك فهذه الدول ليست جمعيات خيرية أو مؤسسات تطلب الأجر من الله وإنما هم طلاب مصالح وأصحاب استراتيجيات وأهداف ويدفعون لمن يخدمهم بقدر ما يستفيدون منه.
هذا إذا أعطوها إذا حققت لهم أهدافهم وإلا فنحن لم ننسى مؤتمر المانحين الذي أقيم في عام 2006 وحضرته دول مجلس التعاون الخليجي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وممثلون عن الدول الصناعية الكبرى ووعدوا اليمن بمساعدات بالمليارات لإنقاذها من هاوية الدول الفاشلة كما يقولون ثم تبخرت تلك الوعود ولم يستلم اليمن سوى ربع المبالغ التي تم التعهد بها خلال المؤتمر لأنهم لا ينفقون أموالهم إلا من أجل الصد عن سبيل الله كما قال الله عنهم {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.
هذه هي أوضاعنا وللأسف العالم يتقدم ونحن نتأخر والدول في العالم تكون حكوماتها الجديدة أفضل من التي تسبقها ونحن على العكس من ذلك.
العالم اليوم يحارب أمية الحاسوب ونحن لازلنا نصارع من أجل حق الطفل اليمني في التعليم الأساسي .
والعالم الآن يسعى لإنارة ناطحات السحاب والجسور المعلّقة فوق البحار وشبكات الكهرباء الممتدة عبر الدول ونحن لازلنا على الشموع والفوانيس والطفي المتكرر عدة مرات في الليل والنهار ولا زالت الدولة تستأجر الكهرباء من الأثرياء ورجال المال والأعمال ثم تعجز بسبب سوء توزيع الثروة عن الوفاء لهم وتسديد مديونياتهم ومستحقاتهم.
العالم يبشر بنظام صحي بحيث يكون لكل أسرة طبيب أو على الأقل لكل مائة فرد أو لكل ألف نفر طبيب ونحن لازلنا نبحث عن جُرع ومضادات معهودة لنعالج بها الأمراض الفتاكة.
وصار الناس في حيرة من أمرهم يتساءلون متى ستنتهي هذه المحنة ومتى سترتفع هذه المعاناة وهل الوضع القادم سيكون أفضل من الماضي ولكنهم يدركون أنهم يعيشون في اليمن ومن لم يعلمه الزمن فستعلمه اليمن.
لابد للناس أن يتأكدوا ويستيقنوا أن كل نظام أرضي يحكمهم بغير شريعة الله فإنه نظام جائر خائر فاشل لن يجنوا منه إلا الويلات والحروب والفشل والدمار ولا أمن ولا استقرار ولا رخاء اقتصادي واجتماعي إلا في شرع الله وتحت مظلة الحكم بما أنزل الله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
أما هذه الأنظمة المترهلة المنحنية للشرق والغرب المتملقة لأعداء الله فإنها أنظمة قد أعلنت الحرب على الله وجاهرته بالمعاصي وتشريع الربا وارتكاب أشنع الكبائر وأعظم الفواحش ومن حارب الله غُلب وانهار وسقط اقتصاده ونظامه {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".