الاعتصام بالكتاب والسنة في زمن الفتن

الحمد لله الذي اهتَدَى بهديه المهتَدُون، لا يُسأَل عمَّا بفعل وهم يُسأَلون، أحمده سبحانه كتَبَ العزَّة والفلاح والنصر للمؤمنين المجاهِدين، وجعَلَ الذلَّة والخسار والهزيمة من نصيب المنافقين المفسِدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الذي قال في كتابه المبين ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي جاهَد في الله حقَّ جهاده، وأخمَدَ بسيف الحق عدوان المعتَدِين، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أئمَّة الهدى والدِّين، الذين هم أعظم هذه الأمَّة جهادًا للمنافقين والمشركين، وأشدُّها بغضًا وعَداوَة لأعداء الدين.
اتَّقوا الله – عباد الله - حقَّ التقوى، واستَمسِكوا بما مَنَّ الله عليكم به من الدين والهدى، وجاهِدوا بكلِّ ما أُوتِيتم من قوَّة، واصبِروا وصابِروا ورابِطوا لتكون كلمة الله هي العُليَا، وكلمة الذين كفروا السُّفلَى؛ تكونوا من أحباب الله المؤمنين، وجندِه الغالبين، وأوليائه المتقين، الذين يُطارِدون الباطل في كلِّ ميدان، ويُعادُون ويُجاهِدون مَن جاء به ودعا إليه كائنًا مَن كان ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ).
إخوة الإيمان والعقيدة .. إنَّ معركة الحقِّ مع الباطل قائمةٌ من أوَّل الزمان، وستستمرُّ ما وُجِد على الأرض أحدٌ من أهل الإِيمان، لا تخبو نارها، ولا يفتر استعارها، فلن يخلو منها زمانٌ ولا مكان. الحقُّ يحمله ويُجاهِد من أجله رسلُ الله - عليهم الصلاة والسلام - وأتْباعهم من عُلَماء الإسلام، وصالحي العوام، يُوضِّحونه للناس ويُبصِّرونهم به، ويَكشِفون عنه الشُّبَه، ويُجاهِدون لله في ذلك، فيهتَدِي على أيديهم مَن شاء الله هدايته من الخلق ذوي القلوب السليمة، والمقاصد الصحيحة، والعقول الراجحة، والبصائر النافذة، الذين يميزون بين الضارِّ والنافع من الأفكار والأعمال والأقوال، ويَنظُرون في عَواقِب الأمور، ويُجانِبون الهوى والطُّغيان وغيرهما من مَصادِر الشُّرور.
والباطل يحمله ويدعو إليه الشيطان، وجنوده شياطين الإنس والجان ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) فيدعون إلى الباطل مُستَخدِمين لتَروِيجه وسائل الدعاية وأنواع المغريات، وفنون المكر والحيلة؛ لفتنة العباد في كلِّ واد ( أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ).
فالصراع مَرِير، والميدان واسع، والسلاح متنوِّع، ولكن إذا ثبت أهل الحق في الميدان، وأخَذُوا بأسباب نصر الرحيم الرحمن، صدَق الله وعدَه بالنصر لصالحي الخلق، كما حقَّقه لأهل الحق من السَّلَف ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ).
وكم تَضافَرت قُوَى الشرِّ في كلِّ عصرٍ ومصر على أولياء الرحمن، أهل الحق والإِيمان، فيَثبُتون لهم محتَسِبين، ويُجاهِدونهم صادِقين صابِرين، مُخلِصين مجتمعين؛ فينصر الله أهلَ الإِيمان في كلِّ ميدان، ويخذل جمْع النِّفاق والشرك والكفران ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ).
فاتَّقوا الله أيُّها المسلمون، وكونوا على الدَّوام على أتَمِّ الاستِعداد لِخَوْضِ معركة الحق ضد الباطل؛ لردِّ كيد أهل الباطل وتَطوِيق فسادهم، وهدم أوكارهم، وقطْع سُبُلِ إفسادهم؛ فإنهم الذين يُقِيمون مساجد الضِّرار، ويُخرِّبون العامر من الدِّيار، فواجب المسلم جهادُهم أينما حَلَّ وحينما ارتَحَل؛ فإنَّ أهل الباطل لا يَقنَعون منكم بشيءٍ دون الردَّة عن الدين، والسَّير الأعمى خلف أذيال ركاب المغضوب عليهم والضالين وأصناف المشركين ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ).
أيُّها المسلمون.. إنَّنا اليوم في معترك فتنٍ عظيمة متنوِّعة، ومواجهة غارات من الأعداء على ديننا وحرماتنا وكياننا ومجتمعنا متتابِعة ومتقطِّعة، فإنْ وجدوا فينا صَلابةً وفي جهادنا قوَّة ولَّوا الأعقاب، وباؤوا بالخسران والتباب، وإنْ نالوا منَّا شيئًا ولو يسيرًا طَمِعُوا فيما هو أكبر منه، وبيَّتوا من أنواع المكر والمكيدة والغدر والحيلة ما تمكَّنوا منه.
أيها المسلمون .. لقد أصبحنا - ولا حول ولا قوة إلا بالله - في فتنٍ في الدين عظيمة، ومصائب متتابعة أليمة، فإنَّ الفتن قد أطلَّت برؤوسها هذا الزمان، واشرأبَّت أعناقُ أهلها - قصَمَها الله - هذا الأَوَان، فقد ظهَرَتْ بعضُ وجوههم المكفهرَّة الكالحة المعبِّرة عمَّا في قلوبهم من النِّفاق والبُغض لأهل الإِيمان، وهم من بني جلدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا، ألسنتهم أحلى من العسل، ويقولون نفاقًا من خير القول، ويُخالِفون أهلَ الإسلام في الفعل والحال، ويُجادِلون بالباطل ليُدحِضوا به الحق شأن أهل الضلال، يَلبَسون للناس مُسُوح الضَّأن من اللين، وقلوبهم قلوب الذئاب والشياطين، وغايَتُهم كما جاء في الآثار ( دُعاةٌ على أبواب جهنَّم، مَن أطاعَهُم قذَفُوه في النار ).
يَخدَعون النساء والسُّفَهاء، ويُضلِّلون الطغام ومَن في حكمهم من غفلة العَوَام، بما يُثِيرونه من الدِّعايات المزخرَفَة والأفكار المضلِّلة، وأنواع الشبهات، وسيِّئ المعتقدات، يستَهزِئون بالقرآن، ويسخَرُون من سنَّة محمد صلَّى الله عليْه وسلَّم إمام أهل الإيمان، قد تشبَّعوا بمسالك الكفَّار، وحذَوْا حذْو ضُلاَّل أهل الكتاب، فلم يخطِئُوا الآثار؛ يُسفِّهون مَسلَك المتديِّنين، ويَسخَرون من عباد الرحمن المهتَدِين، يَطعُنون فيهم وينفرون منهم وممَّا هم عليه من الاستِقامة، ويُبالِغون في الوَقِيعة بأهل العلم بالذم والملامة، بألفاظٍ بذيئة، وعِبارات مستَهجَنة جريئة؛ رغبةً في التحلُّل من الدين، والتحرُّر من أحكامه التي تُصلِح شؤون العالمين، بدعوى أنَّه وضْعٌ قديم لا يتَّفق مع التطوُّر والتجديد ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ).
ولهم - يا عباد الله - في كلِّ يوم دسيسة وفي كلِّ ليلةٍ مكيدة يُشِيعونها بين الناس، ويلبسونها عليهم للتشكيك والوسواس؛ لهدم الدين والتخلُّص من شريعة ربِّ العالمين ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) قد استبدَلُوا الكفر بالإِيمان، والدنيا والآخرة ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ألاَ وإنَّ شرَّ البليَّة انتِكاسٌ بعد الهدى، وعمى بعد البصيرة وضَلال بعد الرَّشاد.
عباد الله .. النجاةَ النجاةَ بأنفسكم وأهليكم ومجتمعكم من الفتن ما ظهَر منها وما بطَن، وحذارِ حذارِ أنْ تُخدَعوا بأقوال دُعاة الفِتَن، وقد علمتم أنهم يدعونكم إلى النار، ولا يغرَّنَّكم بريقُ ألفاظهم، وبهارج أقوالهم، ومعسول كتاباتهم وكناياتهم؛ فإنها في الحقيقة هَدْمٌ للدين، وتضليلٌ للمسلمين، ونِفاقٌ منهم للمسؤولين، وتوريةٌ لأعداء الدين (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ).
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفَعَنا الله جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستَغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... ما أحوجنا اليوم إلى أن نراجع ديننا حتى ننظر في مواطن الزلل ومواقع الخلل ونصلح ما فسد ونعالج ما كسد.
على الأمة اليوم أن تتجه إلى الله وأن تلجأ إليه وأن تلوذ بجنابه وتحتمي بحماه فإنه من آوى إلى الله فقد آوى إلى ركن شديد واحتمى برب مجيد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
من التجأ إلى الله سبحانه وتعالى فإن الله سبحانه وتعالى ينّور له الطريق دون غبش ويبصّره بالأمور دون عمش ويهديه إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. فإننا ندعوا الله في كل ركعة من ركعات صلاتنا أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم وهم اليهود ولا الضالين وهم النصارى.
فو الله الذي لا إله إلا هو لا رسوخ لقدم ولا بقاء لمجد ولا دوام لعز إلا بالتمسك الصادق بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما الميزان الحق والمقياس الصدق وهما الجلاء عند الشبهه والمورد عند اللهفة والأنيس عند الوحشة والضياء عند الظلمة. من رام هدى في غيرهما ضل ومن رام إصلاحاً بغيرهما زل ومن رام عزاً في غيرهما ذل ومن أراد أمناً بغير الإسلام ضاع أمنه واختل. فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
المشاهدات 2670 | التعليقات 2

بارك الله فيك ونفع بعلمك وزادك الله من فضله وعلمه


جزاك الله خيرا