الاعتبار بالتتار
راشد بن عبد الرحمن البداح
نَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْيُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّمُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فاتقُوا اللهَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَالْمُتَّقِينَ}.
فعلَى المسلمِ أن يتفاءَلَ دائمًا، وأنْ يوقنَ بالنصرِ للإسلامِ مهما انمحتْ معالمُهُ في بعضِ البقاعِ، ولا ييأسَ إذا رأى الذينَ يريدونَ أن يُطفئُوا نورَ اللهِ بأفواهِهِم {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
ولنعتبرْ بحادثةٍ فاجعةٍ موجعةٍ؛ وقعتْ قبلَ ثمانيةِ قرونٍ، إنها فاجعةُدخولِ التتارِ بلادَ المسلمينَ، وقتلِهم كلَ مَن لَقُوهُ، حتى قالَ عنها المؤرخُالشهيرُ ابنُ الأثيرِ: (فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْعَالَمَ مُذْ خَلَقَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- آدَمَ إِلَى الْآنِ، لَمْ يُبْتَلَوْا بِمِثْلِهَا؛ لَكَانَ صَادِقًا)().
وقالَ ابنُ تيميةَ –رحمهُ اللهُ، وهو شاهدُ عِيانٍ لآخرِ فصولِ الحادِثةِوهَوْلِها: (هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْعَظِيمَةِ كَادَ فِيهَا أَنْ يَزُولَ هَذَا الدِّينُ بِاسْتِيلَاءِ الْفَجَرَةِ التَّتَارِ.. وَحَدَثَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلْوَى مَا جَعَلَهَا قِيَامَةُ مُخْتَصَرَةً مِنْ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى.. وَجَاءَ العَدُوُّ، فَزَاغَتْ الْأَبْصَارُ زَيْغًا عَظِيمًا وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ؛ لِعَظْمِ الْبَلَاءِ، وَظَنَّ النَّاسُ بِاَللَّهِ الظَّنُونَا. هَذَا يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَقِفُ قُدَّامَهُمْ أَحَدٌ.. وَهَذَا يَظُنُّ أَنَّ أَرْضَ الشَّامِ مَا بَقِيَتْ تُسْكَنُ {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}().
قالَ ابنُ كثيـرٍ واصفًا شيئًا منَ الأحداثِ الموجعةِ: (وَمَالَ التَتَارُعَلَى بَغْدَادَ، فَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ، حَتَّى [جَرَتِ ] الْمَيَازِيبُ مِنَ الدِّمَاءِ فِي الْأَزِقَّةِ ..وَكَانَ الرَّجُلُ يُسْتَدْعَى بأولادِهِ ونِسائِهِ فَيُذْبَحُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ.. وَتَعَطَّلَتِ الْمَسَاجِدُ وَالْجَمَاعَاتُ وَالْجُمُعَاتُ مُدَّةَ شُهُورٍ بِبَغْدَادَ..
ولما انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ يَوْمًا بَقِيَتْ بَغْدَادُ.. وَالْقَتْلَى فِي الطُّرُقَاتِ كَأَنَّهَا التُّلُولُ، وأَنْتَنَتْ مِنْ جِيَفِهِمِ البَلَدُ، فَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ تَغَيُّرِ الْجَوِّ.. فَاجْتَمَعَ عَلَى النَّاسِ الْغَلَاءُ وَالْوَبَاءُ وَالْفِنَاءُ وَالطَّعْنُ وَالطَّاعُونُ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَمِّيَّةِ مَنْ قُتِلَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ. فَقِيلَ ثَمَانُ مِئَةِ أَلْفٍ، وَقِيلَ (مِلْيونٌ) وَثَمَانُ مِئَةِ أَلْفٍ، وَقِيلَ (مِلْيِوْنَا) نَفْسٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)().
ومعَ هذا البلاءِ المبينِ؛ فلمْ تمرَ إلا عشراتُ السنينِ، حتى أذِنَ اللهُبزوالِ هذهِ المحنةِ عن المسلمينَ، وبقيَ الإسلامُ كالطودِ الشامخِ المكينِ، وتحطمتْ على صخراتهِ الصماءِ مكائدُ الماكرينَ، بلْ لقدْ دخلَ في الإسلامِ أفواجٌ من أعدائهِ المتربصِينَ. و{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء104]
قالَ العالِمُ الراسخُ ابنُ تيميةَ متفائلاً بعدَ انجلاءِ فتنةِ التتارِ: (وقد أظهرَ اللهُ في هذهِ الفتنةِ من رحمتهِ بهذه الأمةِ وجُنْدِها ما فيه عبرةٌ ، حيثُ ابتلاهُم بما يُكفرُ به من خطاياهُم، ويُقبِلُ بقلوبِهم على ربِّهم، ويجمعُ كلمتَهم على وليِّ أمرِهم، ويَنزِعُ الفُرقةَ والاختلافَ مِن بينِهم..فإن هذهِ الفتنةَ التي جَرتْ، وإن كانت مُؤلمةً للقلوبِ، فما هيَ -إن شاءَاللهُ- إلاّ كالدواءِ الذي يُسقَاهُ المريضُ ليَحصلَ له الشِفاءُ والقوةُ)().
الحمدُ للهِ القادرِ القاهرِ، والصلاةُ والسلامُ على المؤيدِ بالمعجزاتِالبواهرِ، أما بعدُ: فإننا نحمدُ اللهَ على مواصلةِ الدعمِ الضخمِ من قيادتِنا الرشيدةِ للقضيةِ الفلسطينيةِ منذُ بدايتِها، فلنَدَعِ الأمرَ لأهلهِ، ولنتوجَّهْ بما نقدِرُ عليهِ من خلالِ أمرينِ اثنينِ:
الأولُ: التبرعُ لفلسطينَ عبرَ منصةِ "ساهِمٍ" الرسميةِ.
الثاني: الدعاءُ:
أَتَـهزَأُ بِالدُعَـاءِ وَتَزدَرِيـهِ ... وَما تَدرِي بِما صَنَعَ الدُّعاءُ
وإننا كلَنا محتاجونَ بل مضطرونَ للدعاءِ، ونحنُ الآنَ نوافقُ ساعةَإجابةٍ، فلندْعُ لنا ولإخوانِنا قائلينَ:
o حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ.
o إلهَنا عظُمَ الكربُ واشتدَ الخَطبُ على إخوانِنا بفلسطينَ.
o اللهم يا ناصرَ المستضعفينَ نشكو إليكَ ضعفَ قوتِهم. وقلةَ حيلتِهم. وهوانَهم على الناسِ.
o اللهم امنحْ أهلَ غَزَّةَ الثباتَ والنصرَ والعزةَ. اللهم ارحمْ ضعفَهم. واشفِجريحَهم، وارحمْ ميتَهم، واجبرْ مصابَهم.
o اللهم يا وليَ المؤمنينَ ارفعْ حصارَهم ووحدْ صفوفَهم، وسددْ رميَهم وهيئْ لهم فرجًا ونصرًا من عندِك عاجلاً غيرَ آجلٍ.
o اللهم اجعلْ كيدَ عدوِهم في ضلالٍ، وأمرَهم في وبالٍ، وسعيَهم في سِفالٍ.
o اللهم اشفِ صدورَ المؤمنينَ من اليهودِ المحتلينَ. اللهم شرّدهُم وشرّدْ بهم مَن خلفَهم. واشددْ وطأتَك عليهم، اللهم واجعلْ تدبيرَهم تدميرَهم .
o اللهم منزلَ الكتابِ، مُجريَ السحابِ سريعَ الحسابِ، اهزم أحزابَ يهودَ.
o اللهم مَن أرادَنا أو أرادَ بلادَنا وحدودَنا وجنودَنا بسوءٍ فأشغلْه بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ.
o اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودورنِا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ, واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ, وأعنهم ببطانةٍ ناصحةٍ, تدلُهم على الخيرِ, وتحذرُهم من الشرِ.
o اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمين في كلِ مكانٍ، واهدِ ضالَهم, واكْسُ عاريَهم, واحملْ حافيَهم , وأطعمْ جائَعهم .
o نستغفرُ اللهَ الحيَ القيومَ ونتوبُ إليهِ(3مرات)
o سبحانَ من يَسقِينا على معاصِينا
o «اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا»().
o اللهم اسقِ عبادَك وبلادَك وبهائمَك، وانشرْ رحمتَك، واجعلْ ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتِك وبلاغًا إلى حينٍ.
o اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا، نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدًا.
المرفقات
1698352490_الاعتبار بالتتار.doc
1698352490_الاعتبار بالتتار.pdf