الاسلام مقابل العلمانية في التعامل مع التكنولوجيا الطبية الحديثة

اخلاقيات اخلاقيات
1434/11/23 - 2013/09/29 13:23PM
الخطبة الأولى


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفرهونتوب اليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمدصلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار . عباد الله اتقوا الله حق التقوى و اعلموا رحمني الله وإياكم أن هذا الدين المتين قام على أسس قويمة متينة و من هذه الأسس العظيمة الأخلاق الفاضلة الحسنة.وأن ديننا الإسلامي الحنيف يحث على مكارم الأخلاق و معاملة الأخرين بالخلق الحسن على مختلف مستوياتهم العلمية أو الصحية أو الاجتماعية.
وقدوتنا و أسوتنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أثنى الله عليه بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).وكما جاء في الحديث المتفق عليه أن أنس بن مالكرضي الله عنهقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً . وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن من خياركم احسنكم أخلاقاً) متفق عليه. وعن أبي الدرداء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( مامن شئ أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامه من حسن الخلق, وإن الله يبغض الفاحش البذي) رواه الترمذي. وفي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( أن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلساً يوم القيامه أحسنكم أخلاقاً) رواه الترمذي. وهناك أدله كثيره من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تحث على حسن الخلق وتحذر من مساوئ الأخلاق وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بقوله ( وخالق الناس بخلقٍ حسن).
واعلموا يا عباد الله أن من الأخلاق الفاضله التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف هو العفة و المرؤة. و العفه هي حفظ الفرج وحفظ الأنساب من الإختلاط. لذا شرع الله الزواج بأركان وشروط. وسنن تحفظ الحق للزوجين. وحذر من الزنا و السفاح ودواعيهما لما فيها من انتهاك الاعراض و الإعتداء على حقوق الأخرين حتى الجنين في بطن أمه.
وليعلم الناس بأن شرف الدنيا والآخرة لا يدرك إلا بالأخلاق الفاضلة , التي تحد من صورِ الإنفراط و الضياع و التيهان. قال صلى الله عليه وسلم ( إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات إستبرأ لدينه وعرضه ........ الحديث) متفق عليه.
أيها الأخوة في الله:
ونقف اليوم عند المبادئ الأخلاقية في الدول ذات القوانين الوضعية للطب و تقنياته الحديثه و ما يقابلهُ من الأخلاقيات الإسلامية الموقرة.
فإن التكنولوجيا الطبية الحديثة مثل التلقيح الصناعي وغيرها, و أيضاً زيادة الانتهاكات الأخلاقية من قبل ممارسي الطب خلقت الكثير من القضايا التي يحتاج حلها إلى نظرةأكثر اتساعا لا تتوافر إلا في الشريعة الإسلامية. فتجاهلت الدول ذات القوانين الوضعية كما اسلفنا الاعتبارات الأخلاقية المرتبطة بالدين، وبالتالي لم تصل إلى حل يتضمن قضايا الطب الحديث التي تعتبر الاعتبارات الأخلاقية أساسا لها.
أيها الأحبه:
إن القوانين الوضعية وسلوكياته المختلفه يتم تحديدها عن طريق نظريات و آراء بشرية ويتم ذلك من خلال الإستنتاج من الوقائع والأحداث. وهذا الأمر لا يعتمد عليه لأنه يكون ضعيفاً وغير متماسك حتى يكون مبنيا على أسس متينه من القيم الأخلاقية.
و هذه القوانين لا يوجد فيها تنسيق و ترابط بين النظريات على الرغم من تعدد النظريات فيها. و حاول بعض أصحاب هذه القوانين أن يجمعوا بين النظريات لكن وجدوا هذا الأمر متعب ومنهك.
وبناءً على ما تقدم فإن هذه القوانين لا تجيز دائما كل الممارسات المقبولة أخلاقيا، وكذلكلا تحظر كل الأنشطة غير الأخلاقية، بل أحيانا تحظر بعض الممارسات المقبولةأخلاقيا .
وكذلك تتعامل مع بعض المواقف بطريقة متناقضة؛ فمثلا يعاقب اصحاب هذا القانون الرجلالمتزوج من امرأتين عقابا شديدا من أجل جريمة تعدد الزوجات، ولكن يستطيع الرجل الإنجاب من أكثر من امرأة غير زوجته. فيستطيع الإنجاب منهن ولا يعاقبه القانون على ذلك إذا ما تمت شكوى من قبل الزوجة.
ومن هذا المنظور عند اكتشاف تقنية طبية في الإنجاب للأم العقيم وتسمى بتقنية الأم البديل.
وهي عبارة عن تلقيح ماء رجل (نطفة) بماء إمرأة ( البويضة) تلقيحاً خارجياً في وعاء اختبار, ثم زرعْ هذه البويضة الملقحة في رحم إمرأة أُخرى. تتطوع بحملها حتى ولادة الجنين أو مقابل أجر معين.
وتوصل أصحاب هذه القوانين الوضعية إلى أن استخدام هذه التقنية أمر جيد حيث يلبي رغبة كلاً من الزوجين الباحثين عن أطفال و أن عدم استخدام هذه التقنية يعتبر ضد حقوق المرأة و يؤثر بدوره على إنتاجية المجتمع. بيمنا يرى أخرون أنه لا يجوز إستخدام هذه التقنية ويعتبرون هذا الأمر كزوجه ثانية و هذه مايتنافى مع معتقداتهم في تعدد الزوجات.
و نستنتج أيها الأحبه مما أسلفنا بأن أصحاب هذا الرأي أختلفوا فيما بينهم لأنهم لم يجدوا حلأ واضحا في كيفية التعامل مع هذه التقنيه.
فالقوانين الوضعية هي جوهر إنكار الاعتبارات الأخلاقية؛ لأن الأخلاقياتمرتبطة بالدين. وعند تطبيق القوانين الوضعية في المجال الطبي أظهرت عجزا، وذلكلظهور قضايا طبية تتطلب اعتبارات أخلاقية للتعامل معها.
ومن المؤسف فقد إعتاد بعض الأطباء و الباحثين المسلمين في المجال الصحي الذين تلقوا تدريبهم في الخارج على تطبيق القوانين الوضعية عند التعامل مع المشكلات الأخلاقية في الطب. و منهم من يطبقها و هم على دراية بذلك و منهم من يطبقها جاهلاً بمفهوم هذه الأنظمه. وهناك من المرضى من يعجب بالتقدم العلمي في هذه الدول و يأخذون كل شي دون تفكير و يعتبرون كل ما يفعلونه صحيحاً و خصوصا في المجال الطبي نوعا من التقدم و الحضاره و الرقي. قال تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) وقال صلى الله عليه وسلم (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍحَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : " فَمَنْ ؟[FONT="] "[/FONT]
أيها المؤمنون:
من خلال ما تقدم فيتطلب منا هذا تحكيم العقل في مثل هذه الأمور الى عودة المسلمين الى الشريعة الإسلامية كمرجعاً عاما لجميع مناحي الحياة و خصوصا في ما يتعلق بالجانب الطبي. فالدين الإسلامي دين يسر و سماحة و أباح للإنسان ما يرفع عنه الحرج و الضرر.
ويعتبر النظام الإسلامي مرشدأ قويا و متماسكأ ومتكاملا في تصوره للمشكلات الأخلاقية و حلها في كل مجالات الحياه ولا سيما في المجال الطبي و علومه. وهذا يتضح جلياً في قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا
أيها المسلمونالأخلاقيات الإسلامية تعتمد في نهجها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. و يعتمد الفقهاء قي الشريعة الإسلامية في تحليلهم للمشكلات الأخلاقية على مقاصد الشريعة و القواعد و الاحكام الفقهية والتي بدورها تكون ثابته و متغيره وفقاً لإحتياجات الزمان و المكان.
و الشريعة الأسلامية تحذر كل الأفعال غير الأخلاقية فيما يطلق عليه الحرام و تجيز كل ماهو اخلاقي فيما يطلق عليه المباح. وأن الأخلاقيات الأسلامية تحترم العقل البشري في الإستنباط الذي يتوافق مع تعاليم الشريعة الإسلامية. بل حث الإسلام على التفكير و الإستنباط قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب)
وكما اسلفنا عن رأي اصحاب القوانين الوضعية في استخدام التقنية الطبية وهي الأم البديل في المساعدة على الإنجاب.
فإن جمهور الفقهاء المعاصرون جدوا و أجتهدوا وخلصوا في الاخير إلى تحريم هذه التقنية وذلك لصحة ادلة الجمهور وقوتها في المنع و عدم قيام معارض قوي يقوى على ردها. فضلا عن ضعف أدلة القائلين بالجواز وتعرضها جميعا للإنتقاد. و ما وجده الأطباء المسلمون ان استخدام هذه التقنية يؤدي الى اختلاط الأنساب و ضياع الأمومة والى الاختلاف والنزاع على المولود في بعض الحالات و الله تعالى اعلم.
أيها المؤمنون: إن ديننا الإسلامي لم يترك صغيرة و لا كبيرة إلا و تطرق إليها. فلنتخلق بأخلاق الإسلام ولا ننصاع إلى أفكار وتقاليد هذه الدول. فنتمسك بسنة نبينا محمد عليه الصلاة و السلام, و نعض عليها بالنواجذ فنأخذ من العلم ما يوافق الشريعة الإسلامية و نترك ما يشوبه.
أقول ما سمعتم و أستغفر الله العظيم لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم الدين، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله، خاتم النبيين وإمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد:
أيها المسلمون: إن الإلتزام بالشريعة الإسلامية شرف عظيم و مفخرة جليلة و عز كبير, و يفوق شرف الحسب
و النسب , و فخر الآباء و الأجداد و عز المال و الأولاد. و إذا ما طُبقت هذه الشريعة و الأخلاقيات الإسلامية , فإنه يسبب الشقاق و النفاق و تستفحل الشرور و الآثام و يكثر الفحش و يضعف الإيمان و الحياء.
أيها المؤمنون: من كان منكم مريضاً فليتق الله في جسده. فليفعل ما أمره الله و ليجتنب ما نهى الله عنه. ومن كان منكم عالماً أو طبيباً فليتق الله في علمه و يوضح أي مسألة طبية تحتاج إلى حكم شرعي توضيحاً صحيحاً يُنيرُ
بصيرة الفقهاء و هذا ما أكده مراراً و تكراراً الدكتور أمين كشميري أحد علماء الأخلاقيات الطبية الحيوية. ويقول أن مثل هذه المسائل تقع على عاتق كل عالمٍ و طبيب و أنها فرض عين لا فرض كفايه.
و من كان منكم فقيهاً فلا يفتي في مسأله طبيه إلا بعد الرجوع إلى الأطباء و العلماء الذين هم على درايةٍ بذلك. فكان الشيخ ابن باز رحمه الله : إذا كانت هناك مسألة فقهية طبية قبل أن يبدأ بها يسأل عن الدكتور محمد البار (استشاري طب باطنه) فيأخذ رأيه في هذه المسأله.
الدعاء


المراجع

  • Islam, Sharmin. Ethics Of Assisted Reproductive Medicine: A Comparative Study Of Western Secular And Islamic Bioethics [QH332. S531 2008 f rb]. Diss. Universiti Sains Malaysia, 2008.
  • Daar, Abdallah S., and A. Khitamy. "Bioethics for clinicians: 21. Islamic bioethics." Canadian Medical Association Journal 164.1 (2001): 60-63.
  • Mallia, Pierre. “Critical Overview of Priciplist Theories. In The Nature of the Doctor-Patient Relationship. Springer Netherlands. 2023. 7-21.
  • منتدى اركب معنى الاسلامية
  • القران الكريم
  • موقع الإسلام الدعوي و الإرشادي, موسوعت الحديث, وزارة الشؤون الإسلامية و الأوقاف و الدعوة و الإرشاد,
  • خالد سيد علي, الخطابة المنبرية خطب عصرية من وحي الواقع, مكتبة دار التراث, حلب, اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع, 1424 هـ.
  • هند الخولي, تأجير الأرحام في الفقه الإسلامي, جامعة دمشق, مجلة جامعة دمشق الاقتصادية و القانونية –المجلد 27, العدد الثالث-2011.
  • أمين كشميري, أ.د علم الوظائف و علم الغدد جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم والصحة. رئيس قسم الأخلاقيات الطبية الحيوية.
  • مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث سنة: 1407هـ.
المشاهدات 2230 | التعليقات 2

الأخ الكريم الذي رمز لاسمه بأخلاقيات مرحبا بك وأهلا وسهلا ويسرنا تواجدك وإضافاتك ويسعدنا منشوراتك ولكن نود أن ننبه إلى أنه ليس هذا هو موضع الخطب فموضعها الصحيح زاوية (ملتقى خطبة الاسبوع ).
كما نتمنى أن تفصح عن اسمك إذا كانت هذه الخطب من صياغتك ومن كتاباتك حتى يعدل الاسم من صديق الخطباء إلى خطيب
وبهذا نكون لك من الشاكرين


اشكرك على الرد و حقيقة انني طالب في الاخلاقيات الطبية و هذه الخطبة كانت بحثا لي و استأذنت البروفيسور كي تكون خطبة جمعة. و اعددت خطبتين الأولى أُلقيت في جامع المدينة الطبية بالحرس الوطني و أما هذه الخطبة لم استطع اقناع عدة من الخطباء في إلقائها. ولا ادري حتى الان لماذا؟؟؟ و أنا لست طالب شريعة فأنا صديق للخطباء ولست خطيبا. و ما يهمني هو النقد في الخطبة الأولى التي هي الأن سوف يقوم بتقييمها البروفيسور المشرف على المادة و لو تكرمت انت و اعضاء هذا المنتدى بنقد الخطبة الأولى و هي المشاركة الأولى لي ليست هذه.

وجزاكم الله خيرا
الاسم عبدالله القحطاني
طالب ماجيستير اخلاقيات طبية وحيوية في
جامعة الملك سعود للعلوم الصحية