الاسلام دين (عربى.)

محمد مرسى
1431/09/17 - 2010/08/27 10:39AM
الاسلام دين السلام

إن الإسلام بمدلول معناه السلام ، مشتقٌّ من صفة الله واسمه الكريم السلام بصريح القرآن { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام [3] } ثم أمر الله أن يدخل فيه جميع المؤمنين فقال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلْمِ كافةً ، و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين [4]}

السِّلْم والسلام شيءٌ واحد : هو الأمن المنبثق من الإيمان بالله الواحد سبحانه ، والطمأنينة في اتباع تعاليمه السمحة العادلة التي أسماها الله الإسلام ، وجعل فيها سكينة وطمأنينة لبني آدم قال الباحث الأستاذ ركس إنجرام[5] ( إني أعتقد أن الإسلام هو الذي يدخل السلام والسكينة إلى النفس ) .
فالإسلام دين الله كما تبين في القرآن حيث قال تعالى { إن الدين عند الله الإسلام [6] } وهذا الدين هو تعاليم الله لخلقه ، أكمل تنظيم أحكامه العادلة المحِقَقِة لمبدأِ السلام والأمن للإنسان مطلقاً على أتم وجه ، وضمن فيه كل ما يحتاجه الإنسان لتحقيق سعادتِهِ وأَمْنِهِ ، قال الله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [7] } وهو وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام فقد جاء في القرآن { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون [8] } وقال { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل



وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيُّون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون } [9]




2- من السلام حرية الرأي والعقيدة :

ومبدأُ السلام لا يقوم إلاَّ على المساواة في الحقوق ، ولو اختلف الناس في العقيدة ، فالحياةُ الآمنةُ الحُرَّةُ العادلةُ حقُ الإنسانِ ، ولا يَتَحَقَّقُ له العيشُ بأمنٍ وسلامٍ إلاَّ إذا أمن على ما يعتقد بحرية كاملة ، دون إكراه أحدٍ على ما يريد .

فكانت كفالة الإسلام لحرية العقيدة لجميع الناس ، أثبت ذلك القرآن الكريم قبل خمسة عشر قرتاً قال الله تعالى { لا إكراه في الدين [10] } لأن الدين فيه عقيدة تتحقق بالقناعة ، والإطمئنان النفسي لما يعتقد ويؤمن ، ولا تتحقق حرية المعتقد للفرد والجماعة ، إلا أن تكون بمحض الإختيار والقناعة الذاتية ، حتى يظهر من خلالها عدل الله يوم الحساب ، فيثيبُ اللهُ المصيبَ صحيحَ الإيمانِ بالجنةِ ، ويعاقبُ الشَّاذَّ الكافرَ بالنارِ يومَ القيامةِ ، ولا يظلمُ ربُّكَ أحَدَاً.


وأما في هذه الدنيا فلكل وجهة هو موليها ، قال تعالى { ولكل وجهة هو موليها فتستبقوا الخيرات [11] } وله عقيدة سوف يحاسب عنها ، وليس لنا إلا البلاغ والنصح المبين الواضح قال تعالى { فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ [12] } قال الله تعالى يأمر رسوله بأن يقول للكافرين صراحة ( لكم دينكم ولي دين ) في هذه الآية يمنح الله حرية المعتقد دون تدخل أو إلزام أو جبر ، غير أنه سبحانه صرحَ مُحَذِّراً الناسَ مِنْ إختيار عقيدةَ الكفرِ بِهِ سبحانه بقوله تعالى { ومن يَتَبَدَّلِ الكُفْرَ بالإيمانِ فقد ضلَّ سواءَ السبيل [13] } وقال أيضاً سبحانه { ولكنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فعليهم غَضَبٌ مِنَ اللهِ ولهم عذابٌ عظيمٌ } [14] هذا حكم الله في الآخرة .

وأما في هذه الدنيا ، فكل فرد من ذرية آدم له حق اختيار العقيدة التي يريدها ، وقد سمح الإسلام لجميع الناس بوذيين وغيرهم مهما اختلفت عقائدهم بممارسة طقوسهم التعبدية ، فشهد بذلك رجال الفكر الغربي عن كَسَبٍ قال ريتشارد وود [15]: (( إن القرآن قد سمح للذميين [16] ( غير المسلمين ) بحرية ممارسة شعائر دينهم ، و أوجب مساواتهم في الحقوق المدنية والجنائية مع سائر الأهالي ، ولم يمنع من استشارتهم في مصالح الوطن )) وما زالت الدول الإسلامية تسير على النهج الرباني الكريم وتعامل جميع أصحاب

المعتقدات سواء دون تمييز و لا تفرقة ، وتحلهم ما يستحقون من مناصب ووظائف عالية فيها ، أخذاً من مضمون حقيقة الإسلام دين الله للجميع ، ولم تُكْرِه أو تُلْزِم شريعة الإسلام أحداً على تغيير عقيدته تبعاً لأمر الله بقوله تعالى [17] { لا إكراه في الدين } .
قالت الدكتورة زيغريد هونكه الألمانية [18]( هذا ما أمر به القرآن الكريم ، وبناء على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام ، فالمسيحيون والزرادشتيون واليهود الَّذِينَ لاقوا قبل الإسلام ، أبْشَعَ أمْثِلَةٍ للتَّعَصْبِ الدِّيني وأفظّعَها ، سمح ( الإسلام ) لهم جميعاً دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائرِ دِينِهم بِأدْنى أذْىً .. ) .
وكتب بطريك بيت المقدس [19]بيده رسالته إلى بطريك القسطنطينية قال فيها : إن العرب ( المسلمون ) يمتازون بالعدل ، لا يظلمونا البتة ، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف )
وقال كولد تسيهر[20] من كبار علماء الغرب ( روح التسامح في الإسلام قديماً ، تلك الروح اعترف بها المسيحيون )


3 - السلام تحية المؤمنين :
تحقيقاً لتطبيق وتمكين السلام في عقيدة المسلم بمدلوله اللغوي والإصطلاحي ، أمر الله المؤمنين بأن يتخذوه تحيتهم عند لقائهم ببعضهم ، وعند فراقهم قال تعالى { تحيتهم يوم يلقونه سلام [21] } ثم قال { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله [22] } حتى يتعود المؤمن على عهد السلام وسلوك طريقه .

4- تحية أهل الجنة :

تأكيداً لتحقيق مبدأ السلام في الأرض بين الناس ، فقد كافأ الله الساعين فيه والمطبقين له عملياً بالجنة ، وجعل تحيتهم سلاماً ، قال الله تعالى { ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم [23]} وقال تعالى { خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام [24] }


5 - الإسلام سلام للعالم البشرية :

من منطلق مبدأ السلام الذي يحتوي على أمن الناس وسعادتهم ، فإنه عمم أمره بين الإنسانية قاطبة لينشروه ، يقول صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس أفشوا السلام ) الخطاب للناس كافة ، ثم فضَّلَ من سبق غيره في إقامة السلام ، قال صلى الله عليه وسلم ( إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام [25] ). وقال صلى الله عليه وسلم : ( خيركم من يبدأ صاحبه بالسلام ) .


6 - السلام في الأرض :

لقد أكد أئمة الإسلام : أنَّ السلام هو هدف الإسلام وغايته في الأرض ، قال الله تعالى { لهم دار السلام عند ربهم [26] } وقال تعالى { والله يدعو إلى دار السلام[27] } وقال تعالى { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك [28]}
ويعني السلام في مضمونه العملي ، على أساس من مبدأِ العدل ، والمساواة ، والحرية للجميع ، بعيداً عن الأطماع البشرية الخبيثة . ولا يسمى السلام سلاماً إذا كان لصالح طرف دون الآخر ، فيكون ظلماً وذلاً قال الله تعالى { وإن جنحوا للسِّلْمِ فاجنحْ لها وتوكَّلْ على اللهِ إنه هو السميعُ العليمُ [29] }
ومن السلام نشر الأمن والإطمئنان ، والقضاء على الخوف والقلق ، في نفسية الفرد والجماعة ، ولذلك فقد حرم التعدي ، وشدد العقوبة على المعتدي ، واعتبره تعدى على البشرية قاطبة ومن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً ، وكذلك قال الله تعالى [30]{ ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً } ، فالنفس الإنسانية محترمة في الإسلام ، فمن أهرق دم نفس واحدة بدون حق فكأنما قتل الناس جميعاً .
وقد أمر الإسلام بحسن معاملة الأعداء ، مع الحفاظ على العزة والكرامة ، وعدم عنادهم في عدائهم ، علَّهم يعودوا إلى رشدهم فيكفوا عن ظلمهم وعدائهم ، فقال الله تعالى { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم [31] } بحسن المعاملة وسلامة الصدر تحول العدو العاقل إلى صديق عزيز


وقد أمرنا الإسلام بأن نحكم الحق العادل في معاملة الناس جميعا ، وهذا الصحابي الجليل ربعي بن عامر يصف رسالة الإسلام لقائد جيوش الفرس رستم (( إن الله ابتعثنا بالحق ، لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام )) .


7 - حرم الإسلام العدوان والتعاون عليه :

وأمرنا الله بأن نتعاون على الخير والبر فقال { وتعاونوا على البر والتقوى [32] } وقدم الإسلام البراهين العملية على أن أسلوب العدوان منبوذ مبتذل مرفوض ، بقوله تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [33] } كما أن الله منع التعاون على الشر والعدوان فقد حرم العدوان مطلقاً قال تعالى { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [34] }


8- السلام حق جميع البشرية :

فالسلام الذي قرره الله في دينه الإسلام أساسه حفظ الحريات للجميع على أساس المساواة والعدل ، فلا يراعى فيه الغني والقوي ، بل يراعى فيه الحق في الحريات المنضبطة بأصول الأخلاق والقيم ، والقاعدة الحكيمة تقول ( تبدأ حريتك عند إنتهاء حرية الآخرين ، وتنتهي حريتك عند إبتداء حرية الآخرين ) وتقول القاعدة الإسلامية ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً )[35]


" ويقول ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود :
إن السلام اتفاق حر بين طرفين متساويين ، ولا يمكن أن يعيش سلام على القمع أو القهر . "


9 - الإسلام تشريع تطبيقي :

فلم يكن الإسلام ديناً نظرياً يتفوه به دون عمل أو تطبيق ، بل جعل الله التطبيق العملي أساساً له ، وقد وصف الله المسلمين المؤمنين بقوله تعالى { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً [36]} وقال تعالى أيضاً { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ، أن يقولوا سمعنا وأطعنا ، وأؤلئك هم المفلحون [37] } .
وبين أيدينا وثيقة قرر بنودها رسول الله صلى الله عليه وسلم وختمها بنفسه ثبت عملية الإسلام في نشر السلام بحرية ومساواة بين جميع الأطراف المتناحرة ، فجمع قبائل وسكان المدينة التي جمعت بين اليهود والعرب الوثنيين المتناحرين والمؤمنين بالإسلام نقلها إلينا ابن هشام عن ابن اسحق وقد نصت هذه الوثيقة على ما يلي :

1 – إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، ومواليهم " أي حلفائهم " وأنفسهم ، وكذلك لغير بني عوف من اليهود .

2 – وإن على اليهود نفقاهم ، وعلى المسلمين نفقتهم .
3 – وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة .
4 – وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم .
5 – وإنه لم يأثم من إمرؤ بِحَلِيِفِهِ .
6 – وإن النصر للمظلوم
7 – وإن اليهود يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين .
8 – وإن يثرب حرام جوفها لأجل هذه الصحيفة .
9 – وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده ،
فإن مرده إلى الله عز وجلَّ وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
10 – وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها .
11 – وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، على كل ناس حصتهم من
جانبهم الذي قبلهم .
12 – وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم .

هذه الوثيقة نظمَّ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بنودها بنفسه بياناً صادقا وشافياً على أن الدين الذي جاء به هو دين سلام ، والبند الرابع التي نَصَّ " على النصيحة والبر دون الإثم " إقرار أكيد على أن المسلمين يحبون الخير والبر لجميع الناس .












10 - حكم أدعياء السلام :

أما المتعنتين المتكبرين الذين يفسرون السلام تبعاً لأهوائهم وعنصريتهم ولا يرضخون للحق إذا كان صاحبه ضعيفاً ، ويرفضون مبدأ السلام العادل ، إذا عارض عنصريتهم وشهواتهم ، فهذا النوع ظالم لنفسه أولاً ، ولغيره ثانياً . وقد أعد الله له عذاب جهنم سعيراً ، وأمرنا الله بالإعراض عنه لكونه جاهل للحق الإنساني قال تعالى { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً [38] } فإننا نمنح لمثل هؤلاء الجهلة السلام ونبتعد عنهم إتقاء شرهم .

أما إذا صمم هذا النوع على العدوان ، ورفض مبدأ السلام العادل ، وبغية خراب البلاد ، وإذلال الناس ، تكبراً وتعنتاً ، وتعالياً على الحق ، فهذا النوع لا يصلح معه إلا الإعداد بالقوة ، وصده عن غيه وضلاله ، قال تعالى { وإما تخافنَّ من قوم خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ ، إن الله لا يحب الخائنين (58 ) ولا يحسبنَّ الذين كفروا ، سَبَقُوا إنهم لا يُعْجِزُون (59 ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوَّ الله وعدوكم [39] } ..



11 - كراهية الإسلام للإعتداء .
يقرر الله في محكم كتابه المجيد كراهية وتحريم الإعتداء على حقوق الناس وأمنهم ، وحض المؤمنين على عدم الإعتداء بقوله تعالى في سورة البقرة 190 { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } ثم قرر صدَّ المعتدين ، ومعاقبتهم بالمثل ، فقال في سورة البقرة 194 { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما

اعتدى عليكم } وإذا قامت الحرب ضد الظالمين والمعتدين فإن الإسلام لم يجز لجنود الحق أن يستغلوا قوتهم ونصرهم في صنع الشر ، وهتك حقوق الإنسان ، فإن من مباديء حضارتنا في الحرب أن لا نقاتل إلا من يقاتلنا ويعتدي علينا ، وقال الله أيضاً في سورة الشورى 41{ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (41 ) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم (42 ) .
ثم إذا قامت الحرب كان علينا أن لا ننسى مبادئنا ، فنقسوا ونفسد ونظلم وننشر الخراب والدمار … كلا . . .
فالحرب الإنسانية الخالصة لله يجب أن تظل إنسانية في وسائلها وعند اشتداد وطيسها ، ومن هنا جاءت الوصايا التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ ، قال الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه : ( لا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلاً ، ولا شيخاً كيبراً ، ولا إمرأة ، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إى لمأكلة ، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له )
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المشاهدات 2687 | التعليقات 1

ان شاء الله نذكر المصادر قريباجدا