الأسرة وكيف تكون 10 جمادى الأولى 1445هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1445/05/08 - 2023/11/22 16:38PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ في السرِّ والنَّجْوَى؛ فَالتَّقْوَى: هِيَ سَبَبُ الفَلَاحِ، وَطَرِيْقُ النَّجَاح! ﴿فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

عِبَادَ الله: إِنَّهَا اللَّبِنَةُ الأَسَاسِيَّةُ في بِنَاءِ المُجْتَمَعِ؛ فَإِذَا صَلَحَتْ: صَلَحَ المُجْتَمَعُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ: فَسَدَ المُجْتَمَعُ كُلُّهُ: إِنَّهَا (الأُسْرَة!).

وَأَوَّلُ خُطْوَةٍ في صَلاحِ الأُسْرَةِ: التَّوَجُّهُ إلى اللهِ؛ فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِ الصَّالِحِينَ: أَنَّهُمْ ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾[1]. 

وَالدِّيْنُ والأَخْلاقُ؛ حَجَرُ الأَسَاسِ في إِنْشَاءِ الأُسْرَةِ، فَإِنَّ حُسْنَ الاخْتِيَارِ: سَبَبٌ لِلْدَّوَامِ وَالاِسْتِمْرَارِ! قال ﷺ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ؛ فَزَوِّجُوهُ)[2]. وَفِي الحَدِيْثِ الآخَرِ: (فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ؛ تَرِبَتْ يَدَاكَ)[3].

وَمَعْرِفَةُ الزَّوْجِينِ بِحُقُوقِ الأُسْرَةِ: أَمْرٌ مَطْلُوبٌ لِتَحَمُّلِ المَسْؤُوْلِيَّةِ؛ وَعَدَمِ التَّخَلِّي عَنْهَا! قال ﷺ: (الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)[4].

وَبِالتَّأَمُّلِ في المَحَاسِنِ، وَالتَّغَافُلِ عَنْ المَسَاوِئِ؛ تدَوَمُ الصُّحْبَةُ، وَتَسْتَمِرُّ الأُسْرَة! قال U: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾. قال ﷺ: (لَا يَفْرَكْ -أي: لا يَبْغَض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا؛ رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)[5].

وَتَزَيُّنُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، والزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: يَزِيْدُ المَحَبَّة؛ فَإِنَّ العَيْنَ إِذَا اسْتَحْسَنَتْ مَنْظَرًا: أَوْصَلَتْهُ إلى القَلْبِ؛ فَحَصَلَت المَحَبَّة![6] سُئِلَ ﷺ: (أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟) فقَالَ: (الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَه)[7]. قال ابْنُ عَبَّاسٍ t: (إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾)[8].

وتَخْصِيصُ وَقْتٍ لاجْتِمَاعِ الأُسْرَة: -وَلَوْ عَلَى مَائِدَةِ الطَّعَامِ- أَمْرٌ مُهِمٌّ لِإِشْبَاعِ العَوَاطِفِ، وَتَعْزِيْزِ الرَّوَابِطِ، وَزَرْعِ القِيَمِ! قَالَ ابْنُ القَيِّم: (أَكْثرُ الأَوْلَادِ: جَاءَ فَسَادُهُمْ مِنْ قِبَلِ الآبَاء، وَترْكُ تَعْلِيْمِهِمْ الدِّينِ![9] وَالصَّبِيُّ -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا- فَوَلِيُّهُ مُكَلَّف، لَا يَحِلُّ لَهُ تَمْكِيْنُهُ مِنَ المُحَرَّمِ: فَإِنَّهُ يَعْتَادُهُ، وَيَعْسُرُ فِطَامُهُ عَنْه!)[10].

وَطَاعَةُ الرَّحْمَن، وَالتَّوْبَةُ مِن العِصْيَانِ: يَحْفَظُ المَوَدَّةَ، وَيَحْمِي مِن الفُرْقَةِ! فَفِي الحَدِيثِ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا!)[11].

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (إِنِّي لَأَعْصِي اللهَ؛ فَأَرَى ذَلِكَ فِي خُلُقِ دَابَّتِي وَامْرَأَتِي!)[12].

وَذِكْرُ اللهِ في البُيُوْتِ: سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الأُسْرَةِ! وأَمَّا الغَفْلَةُ عَنْ الذِّكْرِ؛ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ في ضِيْقِ النَّفْسِ، وَقِلَّةِ البَرَكَةِ، وَاضْطِرَابِ العِلَاقَةِ الأُسَرِيَّةِ! قال ﷺ: (مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)[13]. وَفِي الحَدِيْثِ: (اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا!)[14]. قالَ بَعْضُ العُلَمَاء: (المُرَادُ: لا تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُمْ وَطَنًا لِلْنَّوْمِ فَقَط، لا تُصَلُّوْنَ فِيْهَا!)[15].

وَالضَّوَابِطُ الأُسَرِيَّةُ: هِيَ (الحُبُّ الحَازِمُ)، الَّذِي يَصْنَعُ أُسَرَةً مُطْمَئِنَّةً، تَشْعُرُ بِالأَمَانِ والاِنْتِمَاءِ. وأَمَّا الحُرّيَّةُ المُطْلَقَةُ: فَهِيَ تَصْنَعُ أُسْرَةً مُتَحَيّرَةً مُتَرَهِّلَةً، تَفْقِدُ الثِّقَةَ والاحترام؛ والقُدْوَةَ والاِهْتِمَام! وَمِنْ ذَلِكَ: وَضْعُ الضَّوَابِطِ في التَّعَامُلِ مَعَ (وَسَائِلِ التَّرْفِيْهِ والتَّقْنِيَة)؛ حَتَّى لا تَكُوْنَ سَبَبًا لِلْاِنْفِرَادِ وَالعُزْلَةِ، وَالحَيْرَةِ والغَفْلَةِ! ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

وَتَرْبِيَةُ الأُسْرَةِ: طَرِيقٌ طَوِيل، يَحْتَاجُ إلى الصَّبْرِ الجَمِيلِ! قال ﷻ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾. قال بَعْضُ السَّلَف: (مِن الذُّنُوْبِ ذُنُوْبٌ لا يُكَفِّرُهَا إِلَّا الغَمُّ بِالعِيَالِ)[16].

وَعِلاقَةُ الوَالِدَيْنِ بالأَوْلادِ: مَبْنِيَّةٌ على التَّفَاهُمِ والحِوَارِ، لا على العُنْفِ وَالإِجْبَارِ؛ فَإِنَّ التَّرْبِيَةَ بِالاِحْتِرَامِ، أَقْوَى مِن الاِنْتِقَام![17] قال ﷺ: (إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ)[18].

وَالعَدْلُ بَينَ الأَوْلاد؛ يَقْطَعُ دَابِرَ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ بَيْنَهُم! فَفِي الحَدِيثِ: (اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)[19].

وَإِفْشَاءُ الأَسْرَارِ: يَهْتِكُ الأَسْتَارِ، وَيُعَرِّضُ الأُسْرَةَ لِلْأَخْطَار! قال ﷺ: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)[20].

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ ضَبْطَ الاِنْفِعَالِ والغَضَبِ: يَحْفَظُ كِيَانَ الأُسْرَةِ مِن التَّصَدُّعِ وَالعَطَبِ! و(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ!)[21].

وَخَيْرُ النَّاسِ: مَنْ صَبَرَ على أَهْلِهِ وَأُسْرَتِهِ، وَاقْتَدَىَ بِنَبِيِّهِ وَقُدْوَتِهِ! قال ﷺ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)[22].

وَقَدْ أَثْبَتَت الدِّرَاسَاتُ: أَنَّ التَّفَكُّكَ الأُسَرِيَّ: سَبَبٌ لِجُنُوحِ الأَبْنَاءِ لِلْجَرِيْمَةِ وَالاِنْحِرَافِ، وَأَنَّ أكْثَرَ الَّذِينَ وَقَعُوا في ذَلِكَ: يَنْتَمُونَ إِلَى أُسَرٍ مُفَكَّكَةٍ![23] قال ﷺ: (إنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ؛ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ!)[24].

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 


[1] قال بَعْضُ المُفَسِّرِيْنَ: (لَيْسَ شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ الْمُؤْمِنِ: مِنْ أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ مُطِيعِينَ لِله). تفسير البغوي (6/99).
[2] رواه الترمذي (1084)، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1022).
[3] رواه البخاري (4802)، ومسلم (1466).
[4] رواه البخاري (893)، ومسلم (1829).
[5] رواه مسلم (1469).
[6] انظر: فيض القدير، المناوي (3/190).
[7] رواه النسائي (3231)، وصححه الألباني في صحيح النسائي.
[8] رواه ابن أبي شيبة (19263).
[9] تحفة المودود (229).
[10] المصدر السابق (162).
[11] رواه أحمد (5357)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3495).
[12] الداء والدواء، ابن القيم (54).
[13] رواه مسلم (779).
[14][14] رواه مسلم (777). قالَ بَعْضُ العُلَمَاء: (المُرَادُ: لا تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُمْ وَطَنًا لِلْنَّوْمِ فَقَط، لا تُصَلُّوْنَ فِيْهَا!). مرعاة المفاتيح، المباركفوري (2/422).
[15][15] مرعاة المفاتيح، المباركفوري (2/422).
[16] إحياء علوم الدين، الغزالي (2/32).
[17] وينبغي التنوع في الأساليب التربوية، ومن ذلك: 1- التربية بالقصة والأحداث 2- وضرب الأمثلة 3- والترغيب والترهيب 4- والقدوة الحسنة   5- والممارسة العملية، وغير ذلك.
[18] رواه مسلم (2594).
[19] رواه البخاري (2587)، ومسلم (1623).
[20] رواه مسلم (1437).  
[21] رواه ابن ماجة (2055)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
[22] رواه الترمذي (3895)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1174).
[23] انظر: حقيقة التفكك الاسري، أحمد القاسم (48).
[24] رواه ابن حبان (4493)، وصححه الألباني في غاية المرام (271).

المرفقات

1700660288_الأسرة وكيف تكون 10 جمادى الأولى 1445هـ.docx

المشاهدات 2036 | التعليقات 2

هذه الخطبة لأحد الفضلاء جزاء الله خيرا

ونظرا لظروف سفري لم أستطع إعداد خطبة مستقلة


جزاك الله خيرا