الاستعدادُ النفسيُّ للانحرافِ لماذا يتأثَّرُ بعضُ النَّاسِ بمحمد شحرور؟ د. فهد
الفريق العلمي
د. فهد بن صالح العجلان
ما سببُ تأثُّرِ بعض الناس بمِثْل (محمد شحرور) مع ما يقَدِّمُ من مناقضةٍ صريحةٍ لأُصولِ الإسلامِ، وقراءةٍ عَبَثيَّةٍ لنصوصِ الشَّريعةِ وأحكامِها؟
لو طُلِبَ منِّي أن أحَدِّدَ أهمَّ سببٍ في ذلك فسأقول: هو الاستعدادُ النفسيُّ للانحرافِ.
هو القابليةُ للانحرافِ لدى بعض النَّاسِ؛ فعندهم استعدادٌ نفسيٌّ، ومقتضٍ ذاتيٌّ، فلو لم يتأثَّرْ بشحرور فسيتأثَّرُ بشخصٍ آخرَ؛ فالقضيةُ ليست متعلِّقةً بقوةٍ علميةٍ عند شحرور، ولا بنجاحِه في التأثيرِ على متابعيه، بل إنَّ هذه النفوس متهيِّئةٌ أصلًا للانحراف، مستعِدَّةٌ لقَبولِ أيِّ فكرةٍ منحرفةٍ.
من أين جاء هذا الاستعدادُ النفسيُّ؟
يُمكِنُ أن نُرجِعَ مُغَذِّياتِ هذا الاستعدادِ النفسيِّ إلى هذه الموارد الأربعة الأساسية:
الأول: استثقالُ التكاليفِ الشرعيَّةِ، فهي نفوسٌ تستثقلُ الأوامِرَ والنواهيَ الشرعيةَ، وتجِدُ إشكالًا كبيرًا مع كثيرٍ من الأحكام، فحين تجِدُ خطابًا يعيدُ تقديمَ الدِّينِ بطريقةٍ تُزيل عنها مثلَ هذه الأحكام، فإنَّها تسارع في قَبولِه والدفاعِ عنه!
الثاني: النفورُ من حَمَلة الخطابِ الشرعيِّ؛ إذ يحمِلُ بعضُ الناسِ نفورًا شديدًا من المشايخِ والدُّعاةِ وطلبة العِلمِ والمتديِّنينَ -بغَضِّ النظرِ عن أسباب هذا النفورِ- يدفعُهم لقَبولِ أي خطابٍ آخرَ يختلف عنه، ويجِدُ فيه الإقناعَ والعقلانيَّةَ لمجرد أنه يختلِفُ عن الخطاب السائد الذي ينفر منه؛ فالمشهدُ عنده يقومُ على البحث عن (عقلانية وانفتاح وحرية) لدى أيِّ خطاب آخر يختلف عن خطاب (المتشدِّدين المنغلقين، المعَطِّلين لعقولِهم)!
بل تحوَّل الأمر عند بعض هؤلاء المستعدِّينَ نفسيًّا إلى حالةٍ من المناكفة والعناد، فيمكِنُ أن يقتنعَ بأيِّ فكرةٍ، ويفرحَ بأيِّ خبرٍ، ويناصِرَ أيَّ قضية؛ ما دامت مزعجةً لذاك التيارِ الذي ينفِرُ منه!
الثالث: محاولةُ التكيُّفِ مع الواقع المخالِف للأحكامِ الشَّرعيَّة؛ فحين يعيش الشخصُ في مجتمع أو بيئة فيها مخالفاتٌ شرعيةٌ مُعيَّنةٌ فإنَّ أيَّ خطاب يُقنِعُه بأنَّ هذه الحالةَ المخالِفةَ ليست كذلك، فهو يتقَبَّلُها؛ لأنَّها توفِّقُ بين الواقعِ والقناعات الدينيةِ!
الرابع: الخضوعُ للثقافةِ الغربيةِ والمِزاجِ العَلمانيِّ المؤسِّس لها؛ فالأحكامُ الشرعيةُ التي تخالِفُ هذه الثقافةَ تبدو غيرَ مريحةٍ، ومثيرةً لكثيرٍ من الحَرَج والجَدَل، فإذا وُجِدَ خِطابٌ يزيلُ هذه الحساسيةَ، ويعيدُ بناء الإسلام بطريقةٍ متوافِقةٍ مع هذه الثقافةِ فإنَّه يكون مقبولًا ومُقنِعًا!
هذه موارِدُ أربعةٌ أساسيةٌ (استثقالٌ للأحكامِ، ونفورٌ مِن حَمَلة الخطابِ الشَّرعيِّ، والواقِعُ المخالِفُ، والخضوعُ للثقافةِ الغربيَّة) تُغَذِّي بعضَ النفوسِ فتَجعلُها مستعِدَّةً للانحرافِ، فهي مُتهَيِّئةٌ نفسيًّا لقَبولِ الانحرافِ عن أصولِ الشَّريعةِ وقطعيَّاتِها، ليس بسبب قوةِ هذا الخطابِ المنحرِف، ولا لمنطِقِه وبراهينِه، وإنما هو من استعدادِه النفسيِّ لقَبولِها؛ بسببِ تأثُّره بهذه الموارد.
ولعلَّ هذا ما يفسِّرُ لك سرعةَ التأثُّر بشخصية مثل محمد شحرور؛ ليس بالمتحَدِّث الجذَّاب، ولا يقَدِّمُ حُججًا مُقنِعةً، ولا يملِكُ ثقافةً واسعةً، وفوق ذلك يقدِّمُ نتائجَ فَجَّةً، وأحكامًا في غايةِ الشناعةِ والصَّراحةِ في مصادَمةِ الشريعةِ!
لِمَ حَدَث هذا؟
لأنَّك مع نفوسٍ مُتهيِّئةٍ أصلًا للانحراف، مستعدَّةٍ له، فأيُّ خطاب سيبدو مقنعًا مهما كان، بل إنَّ بعضهم يدافِعُ عنه، وهو أصلًا لا يعرِفُ عنه ولم يقرأْ له!
هذا الاستعداد النفسيُّ هو من جنس الهوى الذي يصُدُّ عن الحقِّ، ومن أسبابِ الزيغِ عن الحقِّ {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، ولو صَدَقوا في اتِّباع الحقِّ لاستعلَوا عن هذه النفسيَّةِ المتهاوِنةِ في أحكامِ الشَّرعِ، المسترخِصةِ في قَبولِ ما يناقِضُه.
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].