الاستعاذة باللهِ من أربعٍ-20-6-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد الله اليابس
محمد بن سامر
1441/06/19 - 2020/02/13 17:10PM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
فقد كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".
أَرْبَعَةُ أُمُورٍ اِسْتَعَاذَ مِنْهَا فطلبَ من اللهِ-سبحانه-أنْ يُحَصِّنه ويُنَجِيَه منها:
الأولُ: زوالُ النعمةِ: ونِعَمُ اللهِ-تَعَالَى-عَلَى عِبَادِهِ كَثِيْرَةٌ, فَالإِسْلَامُ نِعْمَةٌ, والأَمْنُ نِعْمَةٌ, والصِّحَةُ وَالعَافِيَةُ نِعْمَةٌ, وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ نِعْمَةٌ، وَمَهْمَا عَدَدْتَ مِنَ النِّعَمِ فلَنْ تَسْتَطِيعَ إِحْصَاءَهَا، "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ".
لَوْ تَفَكَّرَ الإِنْسَانُ فِي النِّعَمِ التِي نَتَقَلَبُ بِهَا لَيْلَ نَهَار, وَمَا أَسْبَغَ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى أَهْلِ هَذَا العَصْرِ لَوَجَدَ عَجَبًا، فَالمُتَوَسِّطُونَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنا يَتَنَعَمُونَ بِنِعَمٍ، لَم يَكُنْ يَتَنَعَمُ بِهَا أَنْعَمُ أَهْلِ الأَزْمَانِ القديمة من الملوكِ والأمراءِ والأغنياءِ، فَفِي شِدَّةِ الحَرِّ أو البردِ تَضْغَطُ زِرَ المكيفِ وَأَنْتَ مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِكَ، لِتَتَحَوَّلَ الغُرْفَةُ إِلَى البُرُودَةِ أو الحرارةِ فِي لَحَظَاتٍ، وَالمَسَافَاتُ التِي كَانَتْ تُقطَعُ بالأَشْهُر سَابِقًا صَارَتْ تُقْطَعُ في سَاعَاتٍ، وَأَطْعِمَةُ العَالَمِ كُلِّهِ وَمُنْتَجَاتُهِ تأْتِيكَ إِلَى بَابِ دَارِكَ دُونَ عَنَاءٍ، "وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ".
قَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ-رَحِمَهُ الله-: "إِنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ عَلَى النِّعْمَةِ أَنْ تَحْمَدَهُ عَلَيْهَا, وَتَسْتَعِيْنَ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ, فَمَا شَكَرَ اللهَ مَنِ اِسْتَعَانَ بِنِعْمَتِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ".
إِنَّ اللهَ الذي أَعْطَى هَذِهِ النِّعَمِ، إِذَا لَمْ يُشْكَرْ عليها أزالَها وقلبَها عذابًا فِي لَحْظِةٍ.
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ التِي يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْعَاهَا نِعْمَةَ الإِسْلَامِ وَالهِدايَةِ، كانَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآلِه وَسَلَّمَ-يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُثَبِّتَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقَالَتْ له أمُنا-عائشةُ-عليها منَ اللهِ الرضوانُ والسلامُ-: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَلْ تَخَافُ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ وَمَا يُؤَمِنِّي وقَلُوبُ العِبَادِ بَينَ إِصْبِعَينِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ".
الثاني: تَحَوُّلُ العافيةِ: ونِعْمَةُ العَافِيَةِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ بَعْدَ نِعْمَةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ، قَامَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وَسَلَّمَ-عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: "سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، فَإنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْد الْيَقِينِ خَيرًا مِنَ الْعَافِيَةِ".
فَجَمَعَ بَيْنَ عَافِيَتِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يَتِمُّ صَلَاح ُالعَبْدِ فِي الدَّارَينِ إِلَّا بِاليَقِينِ وَالعَافِيَةِ، فَاليَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عُقُوبَاتِ الآخِرَةِ, وَالعَافِيَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ، فَجَمَعَ أَمْرَ الآَخِرَةِ فِي كَلِمَةٍ، وَأَمْرَ الدُّنْيَا كُلَّهُ فِي كَلِمَةٍ.
قالَ بَكْرُ بنُ عبدِ اللهِ المُزَنِيُّ-رَحِمَهُ اللهُ-: "يَا اِبْنَ آَدَمَ. إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ قَدْرَ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ, فَغَمِّضْ عَيْنَيْكَ".
الثالثُ: النقمةُ والمصيبةُ المفاجِئَةُ: فيُفَاجَأَ الإِنْسَانُ بِأَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ التِي هِيَ جَزَاءُ فِعْلِهِ، وَصُنْعِ يَدِهِ، فَيَحِلُّ عَلَيهِ سَخَطُ اللهِ–سبحانه-بِتَبَدُّلِ الحَالِ التِي هُوَ عَلَيهَا، فكَمْ أَهْلَكَ اللهُ-تَعَالَى-مِنَ الأُمَمِ قَبْلَنَا فجأةً، فما أحسنَ أَنْ يَجْتَنِبَ المسلمُ كُلَّ مَا يُسْخِطُ اللهَ-جَلَّ وَعَلَا-وَأَنْ يَكُونَ دَوْمًا عَلَى حَذَرٍ، "أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ*أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ*أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ"، مَنْ أَمِنَ مَكْرَ اللهِ خَابَ وَخَسِرَ، فإنَّ اللهَ إِذَا اِنْتَقَمَ مِنَ العَبْدِ فَقَدْ أَحَلَّ بِهِ مِنَ البَلَاء ِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ هو وكلُ المخلوقينَ.
وَخُصَّت فُجَاءَةُ النِّقْمَةِ بِالاِسْتِعَاذَةِ؛ لِأَنَّهَا أَشَدُّ وَأَصْعَبُ مِنْ أَنْ تَأْتِيَ تَدْرِيجِيًا، بِحَيْثُ لَا تَكُونُ فُرْصَةٌ لِلْتَوْبَةِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فَمَا زِلْنَا مَعَ دُعَاءِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وَسَلَّم-الذِي كَانَ يَدْعُو بِهِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ".
ثُمَّ خُتِمَ هَذَا الدُّعَاءُ العَظِيمُ بِالأمرِ الرابعِ: وهو الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ جَمِيْعِ سَخَطِ اللهِ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
وَالإِنْسَانُ المسلمُ العَاقِلُ يَزِنُ تَعَامُلَاتِهِ وَأَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ مَعَ اللهِ ثمَّ معَ النَّاسِ، ولَكِنْ بعضُ الناسِ لَا يَزِنُ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ مَعَ اللهِ-جَلَّ وعلا-وَمَا عَلِمَ المِسْكِينُ أَنَّ كَلِمَةً مُسْتَهْتِرَةً قَدْ تُوبِقُ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، قالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ-: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، ويرضى عنه بها حتى تُدْخِلَه الجنةَ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، فيسخطُ اللهُ عليهِ بها، ويَهْوِي بها في جَهَنَّمَ".
رِضَىَ اللهِ عَنْكَ أَوَ سَخَطُهُ سَيَتْبَعُهُ فَلَاحُكَ أَو خُسْرَانُكَ، قال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ-: "مَنِ اِلتَمَسَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنِ اِلتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ".
وَبَعْدُ: فَهَذَا حَدِيْثٌ عَظِيْمٌ جَلِيْلٌ: يَنْبَغِيْ أَنْ يَحْفَظَهُ كُلٌّ مِنَّا، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ بِهِ، وَيَعْمَلَ بِهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ.
اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ ونُعيذُ المسلمينَ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ
وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات
الاستعاذة-باللهِ-من-أربعٍ-20-6-1441هـ-مستفادة
الاستعاذة-باللهِ-من-أربعٍ-20-6-1441هـ-مستفادة