الاختلاط مفاسد وشبهات

إبراهيم بن صالح العجلان
1430/10/19 - 2009/10/08 15:29PM
الاخوة الأكارم .... هذه مشاركة عن موضوع الاختلاط ,,,, آمل الاستفادة منها ,,, لا نستغني عن ملاحظاتكم ,, ورحم الله امرءاً صوَّب عيبا , أو قوَّم خللاً .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله العليِّ الكبير، العليم الخبير، شَرَع لعبادِه منَ الأحكام أحسنَها، واختار لَهُم منَ الشرائع أكملها، فتَمَّتْ بذلك نعمتُه، وظَهَرَتْ على الخلْق منَّتُه، نحمده - سبحانه - على ما شرع وأحكم، ونشكره - تعالى - على ما أَعْطَى وأَنْعم.

ونَشْهَد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلْقُ والأمر والحكم، ونشْهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، نصَح وبلَّغ، ووعَظَ وأشْفَق، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ:
فاتَّقُوا الله - معاشِرَ المؤمنين - حقَّ التقوى، واعْلَمُوا أنكم إلى ربكم سائرون، وعلى أقوالكم وأعمالكم مَجْزِيُّون؛ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات: 24].

إخوة الإيمان:
لقد جاءتْ شريعةُ الإسلام هدايةً للبَشَر، ورَحْمة بالخلْق، وصيانةً للأخْلاق، وسَعَتْ إلى إيجاد مجتمعٍ محافِظٍ طاهرٍ عفيفٍ، لا تُهاج فيه الشَّهَوات، ولا تُثار فيه النَّزَوات، فحِفْظًا للعِفَّة، وصيانة للكرامة؛ أَمَرَ ربُّ الخلْق أضْعَفَ الخلْقِ ألاَّ يَخْضعْنَ بالقول؛ فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ، وألاَّ يَتَبَرَّجْنَ تبرُّج الجاهلية الأولى، وأنْ يضْربْنَ بِخُمرهنَّ على جُيُوبهنَّ، ولا يُبْدينَ زينتهنَّ إلا لمحارمِهِنَّ.

ووَجَّه اللطيفُ الخبير خِطابَه مِن فوق سبْعِ سمواته إلى أزواج النبيِّ وبناته ونساء المؤمنين: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].

ونهى أغيرُ الخلْقِ - صلى الله عليه وسلم - عن الدخول على النساء، حتى ولو كان أخَا الزَّوج، فقال: ((الحمو الموت))، وأمَرَ بغَضِّ الأبصار، وألا تتبعَ النظرةُ النظرةَ.

وحذَّر الناصحُ - صلى الله عليه وسلم - أمته كلَّ طريقٍ يؤدِّي إلى الفاحشة، أو مقدِّماتها؛ فحَرَّم الخلْوة بالمرأة الأجنبية، ومَنَعَ مِن سفَر المرأة بلا مَحْرم، ونهى أن تخرجَ المرأةُ مُتَعَطِّرةً مُبدِيةً زينَتَها.

وجاءتْ نصوص الشريعة بمعانيها ودلالتها ناهيةً عن الاختلاط؛ سدًّا للذرائع الموصلة للفواحش، وحماية للمُجتمع من الرذائل، كل ذلك ليَبْقى للمجتمعِ عفَّته وطهارته، واستقامة أُسَرِه، وصلاح بيوته؛ لذا اتَّفَقَتْ أقوالُ العلماء وتَكَاثَرَتْ - سلَفًا وخلفًا - على تحريم الاختلاط بين الجِنْسَيْن.

هذا حُكْم الله، وهذه شريعةُ الله، مناسبة للخِلْقةِ، مُتلائمة مع الفِطْرة؛ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

وها هي حقائقُ الواقع، ودروس الأيام، وتجارب الدول - تُحَدِّثُنا بلسان الحال: أن الاختلاط هو البوابةُ الكبرى التي دَلَفَتْ منها ألوانُ الشرور على المجتمعات.

الاختلاطُ - يا أهل الإيمان - بريدٌ إلى السفور، طريقٌ نحو الفُجُور، إذا حلَّ الاختلاطُ في المجتمعاتِ مرضَت القلوبُ، وفسدت الأخلاق، وانْتُزِعَ الحياء، وضعفت القِوامة، وانطفَأَتِ الغَيْرَةُ، وانتشرتِ المُحَرَّماتُ والموبقات، وفشتْ حالات الإغراء والابْتِزَاز.

الاختلاط - يا أهل الغَيْرة - عَمَلٌ غير صالح، فيه جنايةٌ على الرجل، وعلى المرأة، وعلى الأسرة، بل والمجتمع بأَسْرِه.

عباد الله:
وحين ينطق صوتُ العقل، وتتحدَّث لغةُ الأرقام، فلا تسمع عن الاختلاط إلا صيحات المشفقين، ونُذُر الناصحين، وتحذيرات المجربين.

إنَّ الحديثَ عن معاناة الغرْب مع الاختلاط يبدأ ولا ينتهي، وما زالتِ الإحصائيات والدراسات تنادِي بعمليَّة الفَصْل بين الجنسَيْن في التعليم والعمَل:
ففي بريطانيا مثلاً: أَكَّدَتِ النقابة القومية للمدرِّسين، في دراسة أجرتْها: أنَّ التعليم المختلَط أدَّى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحًا، وأنَّ استخدام الفتيات لِحُبُوب منْع الحمل يتزايَدُ بكثرة عند الطالبات.

وفي أستراليا: أُجْرِيَتْ دراسة على مائتين وسبعين ألف طالب وطالبة، تَبَيَّن فيها أنَّ طلاب التعليم غير المختلط تَفَوَّقُوا سلوكيًّا وأكاديميًّا على طُلاب التعليم المختلط.

أما في أمريكا، فقد ذكرتْ إحدى المجلات هناك: أن نسبة التلميذات الحوامل في المدارس والجامعات في بعض المدُن بلغتْ 48 %.

هذا الانحدارُ الأخلاقي جَعَل الرئيس الأمريكي السابق جون كندي يقول: "إنَّ الشباب الأمريكي مائعٌ ومُترَف وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يَتَقَدَّمُون للتجنيد منهم ستة غير صالحين؛ وذلك لأننا سَعَيْنا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصوَر مستهترة؛ مما أدَّى إلى انهماكهم في الشهوات".

ولذلك رصدت الإدارة الأمريكية في عام 2002 ما يزيد على ثلاثمائة مليون دولار؛ لتَشْجِيع التعليم غَيْر المختلط.

إخوة الإيمان:
ولعلَّ مُفردة الاختلاط هي أكثر المفردات التي تداوَلَتْها الصحف، وبعضُ المواقع هذه الأيام، وهي التي من أجلها تحزَّبَتْ أحزاب، وشنَّتْ حرْبًا كلاميَّة غَيْر أخلاقية على مَن يُحَرِّم ويَرْفُض الاختلاط.

ولو كان هذا النقْد والنقاش مبنيًّا على الرُّوح العلمية والحوار المنطقي، فحيَّهلا به ومرحبًا، ولكن العجبَ الذي لا ينْقَضِي أنْ تَرْمِي أقليَّةٌ سوادَ المجتمع، وأهل العلم، بالانْغِلاق والتشدُّد وثقافة التطرُّف والفكر الطالباني، وعبارات معبَّأة بالهراء، ومليئة بالتساخف، متجاوزة كلَّ حدٍّ وحدود.

أين هي مفاهيم الحرية والتعدُّدية، ومشاريع الانفتاح، وخطورة الإقصاء، وغيرها من المصطلحات التي عُبِّئْنا بها ردحًا من الزمن؟! أم أن هذه المعاني لا تَتَحَرَّك إلا حين يَرَوْن منكرًا من القول، وزورًا من الفعل، فيُحَامون عنها بمثل هذه المفاهيم الخداعة؟! ناهيكم عن وصْف مَن يُخالفهم في قضيَّة الاختلاط أنه ضد مشروعات التطوير، ومصلحة الوطن، وضد التنمية والإصلاح، وكأن التقَدُّم والتطوُّر لا يتم إلا عبْر بوابة الاختلاط.

عباد الله:
لقد شَوَّش هؤلاءِ في موضوع الاختلاط وشغَّبُوا، وشرَّقوا وغربوا، وأوهموا أن الاختلاط مباحٌ، وبَرَّرُوا جواز ذلك بوُجُود الاختلاط في صدر الإسلام، في المساجد، والطواف، والأسواق، والطرقات.

وأمام هذا التلبيس يقال:
أولاً: إنَّ نُقطة الاختلافِ في قضيَّة الاختلاط هو الاختلاط في التعليم والعمَل، وليس في الأماكن العامة.
ثانيًا: هناك فرْق بين الاختلاط العام والاختلاط الخاص؛ فالاختلاط في الأماكن العامة المفتوحة تبْعُد فيها الريبة، وهي لَحَظات عابِرة، وليس فيها تبادل للأحاديث.
أمَّا الاختلاط الخاص في التعليم والعمل، والندوات والمنتديات، ففيه جُلُوس وانتظار، وأحاديث وكلام، فذرائعُ ميْل كلِّ جنس للآخر موجودة، ونزغات الشيطان حاضرة، ففَرْق بين هذا وهذا.
ثالثًا: لو أَتَيْنا إلى الاختلاط في الأماكن العامة، لَرَأَيْنا النُّصُوص الشرعية تُؤَكِّد على قضيَّة الفَصْل بين الجنسَيْن، فالمسْجدُ مع أنه مكانُ عبادة، والقُلُوب معلَّقَةٌ فيه بالله، وبعيدة عن هواها، مع ذلك ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسْمَحُ أن يصطفَّ الرجال مع النساء، بل قال: ((خيرُ صُفُوف الرجال أولها، وشَرّها آخرها، وخيْرُ صُفُوف النساء آخرها، وشرها أولها))، بل وأَمَر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الرجال بالتأخُّر في الانصراف، حتى يخرج النِّساء من المسجد.

وفي يوم العيد خطب الرجال، ثم أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهن، قال ابن حجر: "قوله: ((ثم أتى النساء)): مُشْعِر بأن النساء كن غير مُختلطات بالرجال". اهـ.

ومنْعًا لِمفاسد الاختلاط؛ أمرَ الفاروق - رضي الله عنه - بتَخْصِيص باب للنساء، لا يدخل منه إلا النساء.

وأمَّا في الطرُقات، فقد رأى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يومًا ازدحام الرِّجال مع النساء فيها، فوجه خطابه للنساء: ((استأخِرْن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافَّات الطريق))، فكانت المرأةُ تلتصق بالجدار، حتى إن ثَوْبَها ليَتَعَلَّق بالجدار من لُصُوقها به.

وأما الطواف، فاسمع إلى خبر عطاء حين قال: كانتْ عائشة - رضي الله عنها - تطوف حجرة من الرجال (أي: مُعتزلة في ناحية، لا تخالطهم).

قال عطاء: وكن يخرجْنَ مُتنكرات بالليل، فيَطُفْنَ مع الرجال، ولكنهم كنَّ إذا دخَلْنَ البيت قُمْن حتى يدخلن، وأخرج الرجال؛ رواه البخاري.

وحين بلَغ عائشة أنَّ مولاتها استَلَمَتِ الركنين مرتين أو ثلاثًا، عاتَبَتْها، وقالتْ: لا آجرك الله، لا آجرك الله، تُدافعين الرجال، ألا كبَّرْتِ ومَرَرْتِ.

وجاء في "أخبار مكة"؛ للفاكهي، عن إبراهيم النخعي، قال: نَهَى عمر أنْ يَطُوفَ الرِّجالُ مع النساء، ورأى رجلاً يَطُوف مرةً مع النساء، فضَرَبَه بالدِّرة.

فهل يصحُّ بعد هذا أن يُسْتَدَلَّ بفِعْل السلَف في الطواف على مشروعية الاختلاط، ومجاورة المرأة للرجل في التعليم والعمل؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!

رابعًا: دَنْدَنَ المدافعون على جواز الاختلاط: بأنَّ مفردة الاختلاط لَم توجدْ في الكتاب والسنة، وإنما انحدرتْ من أدبيات الخطاب الصحوي - كما يعبِّرون - وأن المُحَرَّمَ فقط هو الخلْوة دون الاختلاط.

فيا دعاة التلبيس:
تحريم الاختلاط ليس نتاج الفكر الصحوي، بل هو فتوى كل عالِمٍ راسخ، عرفته بلادُنا؛ كابن إبراهيم، وابن حميد، وابن باز، وابن عثيمين، وكل مَن أتى بعْدهم مِن أهْلِ العلْم، وفي تراثنا الفقهي والعلمي عبارات كثيرة، وكثيرة جدًّا، تَنُصُّ على لفظة الاختلاط.

فليست من بدَع فترة الثمانينات كما يزعمون، ولو سَلَّمْنا جدلاً أنَّ لفظة الاختلاط محدَثة، فالعبرَةُ بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، ومنَ المقَرَّرِ عند أهل العلم أن الشارع ينْهى عن الأدنى؛ ليدلَّ بمفهومِه على الأعلى.

فالشرعُ حين نهى عن قول: "أفٍّ" للوالدين، نهى أيضًا عمَّا هو فَوْق ذلك منَ السبِّ والضرب، وإن لَم ينطق به الكتابُ الحكيم، بل دلَّ ذلك بدلالة المفهوم.

وقلْ مثل ذلك في الاختلاط، فهل المظنون بالشَّرْع أنْ ينْهى عن خروج المرأة متعَطِّرة، ثم يأذن لها أن تخالِطَ الرجال في المتْجر والعمل، والقاعة والمعمل؟! هل الشرْعُ الذي نهى أنْ تَضْرِبَ المرأةُ برجلها ليُعْلم ما تخفي عن زينتها، يأذَن لها بعد ذلك أن تجلسَ بِجِوارِ الرِّجال جنبًا إلى جنب؟!

خامسًا: وإن تَعْجَب فعَجَبٌ قولُهم: إنَّ عزْل الرجال عن النساء سبَّبَ سعارًا جنسيًّا في المجتمعات المنغلقة، فأصبح الرجل لا يرى في المرأة إلا المعاني الجنسيَّة، بخلاف المجتَمَعات المتَحَرِّرة المنفتحة، فقد تَعَوَّدُوا على هذه المناظر وألفوها، فأصبح الرجل لا يرى في المرأة صور الجنْس، وحق لنا أن نسأل ونتساءل: يا رواد التحضر، فسِّرُوا لنا تلك الإحصائيات المتجَدِّدة، والأرقام المهولة، عن حالات اغتصاب النساء في البلدان المتطَوِّرة المتَحَضِّرة! لماذا يكثر الاغتصاب هناك، مع أن الوصول إلى الحرام سهل مُيَسَّر؟! لماذا يكثر الشذوذ الجنسي، وتكثر الأمراض الجنسية المعدية عندهم أكثر من غيرهم؟! أليسوا غير معقدين، ولا مكبوتين جنسيًّا؟!

سادسًا: بعض الأصوات والأقلام قد شرقتْ وغربت، فناقشت قضية الاختلاط بمثالية مُفرطة؛ فالطالبات والطلاب في سلك التعليم بمنأى عنْ مزالق الفاحشة؛ لأنَّ عقولَهم قد نضجتْ، وأخلاقهم قد كملت، وأهدافهم قد سمتْ؛ فالاختلاط هنا مسألة هامشية، ثم يطالبون أهل العلم بعَرْض قضية الاختلاط بواقعية، دون تشنُّج أو تخوُّف، فهل نسي هؤلاءِ الواقعيون أو تناسَوا أن الميل البشري بين الجنسين مركُوز في الفِطَر، يجدُه كلُّ إنسانٍ عليم، بل وحتى كل حيوان بهيم؟! هل المبالَغة في إحسان الظن، والتعويل على الأَخْلاق من الواقعية؟! وإذا كان الحديث عن الواقعية، فلماذا نتجاهَل واقع الاختلاطِ في بعْضِ الدول التي لا تَمْنع الاختلاط، مع صرامة القوانين هناك؟!

فيا أدعياء الواقعية:
الواقع والحال والسُّنَن تنطق: إنَّ اختلاط الشباب بالشابات يُحَرِّك عقارب الفتْنة في الصُّدور، ويزْرَع بذْرة الشهوة والعلاقات المحرَّمة، ثم مَن أعلم بالواقِع، وما يُصْلِح البَشَرَ مِن ربِّ البشرِ؟! {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، فقد قال - سبحانه - عنْ نساء النبي: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، قال هذا عن نساء النبي الطاهرات، ولِمَن؟ لأَطْهَر جيلٍ عرفه التاريخ.

قال ابن القيم - رحمه الله -: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصْلُ كلِّ بليَّة وشر، ومِن أسباب نُزُول العقوبات العامة، كما أنَّه من أسباب فساد أُمُور العامة والخاصة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 27].

بارك الله لي ولكم.




الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى.

أما بعدُ:
فيا إخوة الإيمان:
وتبلغ الانتهازية غايتها، حين تربط مسألة الاختلاط بقضايا الحِفاظ على الأمن، ومَصْلحة الوَطَن، فيزعم من يزعم أن إنكار أهل العلم على الاختلاط يُغذي فِكْر الغُلُو والتَّشَدُّد في المجتمع، هذه الانتهازيات والاستغلاليات أصْبَحَتْ مكشوفةً وممجوجة، فلا مُزايدة على مَوْقف العلماء ودورهم في حِفْظ أمن البلد وإيمانه.

هؤلاءِ العلماء الذين أنْكَرُوا الاختلاط ديانة وتوقيعًا عن رب العالمين، هم همْ العلماء الذين أعْلوا الصوت في مُواجهة مسالك الغُلُو والتطرُّف، وهم العلماء الذين كانوا - ولا زالوا - يحرصون على وَحْدة الصف، وجَمْع الكلمة، ورأب الصدع، والسير بالمجتمع إلى ما فيه الخَيْر في الدين والدنيا، فكيف يكون الطالب مطلوبًا؟!

بل لا يبالغ كلُّ عاقل ومتابع: أن مثل هذه الأُطْرُوحات التي تخالف الدين وعادات المجتمع، تصبُّ في تغذية الغُلُو في الجانب الآخر، فيجد أهْلُ الغُلُو مُبَرِّرًا لِمَسْلكهم؛ بسبب ما يَرَوْنه من فجور فكري، وتسلق على مُسلمات الشريعة، وجرْأة على الدين.

ثم هل من مصلحة البلد ووحدة الوطن استنقاص أهل العلم وتسفيههم وتقزيمهم؟!
هل هذه الحملات المنظَّمة المنسَّقة تصبُّ في مصلحة بلدنا؟! أو في مصلحة مَنْ شَرَعَ إعلامه في معاملتنا الآن؟!

ما جفَّت محابر مؤسسة راند الأمريكية، والتي أَوْصَتْ قبل سنتين بأهمية اختراق المجتمَعَات الإسلامية المحافِظة، من خلال التهوين من شأن العلماء، ومحاولة إسقاط مكانتهم في نفوس الناس، والإضرار برسالتهم - حتى رأينا حملات غير أخلاقية تتخطف أهل العلم واحدًا بعد آخر.

وأخيرًا عبادَ الله:
إذا لم يَسَعْ هؤلاءِ نصوص الوَحْيَيْن، وفتاوى العلماء الرسميين، أفلا يسعهم نصائح مؤسِّس هذا البلد، وتحذيره من الاختلاط؛ حيث قال - رحمه الله - ما نصه: "وأقبح مِن ذلك في الأخلاق ما حصَل من النساء في أمر اختلاط النساء، بدعوى تهذيبهن وترقيتهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية، إلى أن قال: فلا والله ليس هذا التمدن في شرعنا، وعرفنا، وعاداتنا، ولا يرضى أحدٌ في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أو إسلام أو مروءة - أن يرى زوجته، أو أحدًا من عائلته، أو من المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي.

هذه طريقة شائكة تدفع بالأمة إلى هوة الدمار، ولا يقبل السيْر عليها إلا رجل خارج من دينه، خارج من عقله، خارج من عربيَّته.
المشاهدات 6834 | التعليقات 9

سألت عددا من الخطباء عن أفضل خطبة في الاختلاط فأشاد عدد منهم بخطبة الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان
وليتك ترسلها لمن تعرف من الخطباء للاستفادة منها في كشف شبهة مايطرحه عدد من كتاب الصحف حاليا من شبهات في تحليل الاختلاط


@إبراهيم بن صالح العجلان 1040 wrote:

الاخوة الأكارم .... هذه مشاركة عن موضوع الاختلاط ,,,, آمل الاستفادة منها ,,, لا نستغني عن ملاحظاتكم ,, ورحم الله امرءاً صوَّب عيبا , أو قوَّم خللاً .
@إبراهيم بن صالح العجلان 1040 wrote:


رابعًا: دَنْدَنَ المدافعون على جواز الاختلاط: بأنَّ مفردة الاختلاط لَم توجدْ في الكتاب والسنة، وإنما انحدرتْ من أدبيات الخطاب الصحوي - كما يعبِّرون - وأن المُحَرَّمَ فقط هو الخلْوة دون الاختلاط.

فيا دعاة التلبيس:
تحريم الاختلاط ليس نتاج الفكر الصحوي، بل هو فتوى كل عالِمٍ راسخ، عرفته بلادُنا؛ كابن إبراهيم، وابن حميد، وابن باز، وابن عثيمين، وكل مَن أتى بعْدهم مِن أهْلِ العلْم، وفي تراثنا الفقهي والعلمي عبارات كثيرة، وكثيرة جدًّا، تَنُصُّ على لفظة الاختلاط.

فليست من بدَع فترة الثمانينات كما يزعمون، ولو سَلَّمْنا جدلاً أنَّ لفظة الاختلاط محدَثة، فالعبرَةُ بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، ومنَ المقَرَّرِ عند أهل العلم أن الشارع ينْهى عن الأدنى؛ ليدلَّ بمفهومِه على الأعلى.

فالشرعُ حين نهى عن قول: "أفٍّ" للوالدين، نهى أيضًا عمَّا هو فَوْق ذلك منَ السبِّ والضرب، وإن لَم ينطق به الكتابُ الحكيم، بل دلَّ ذلك بدلالة المفهوم.

وقلْ مثل ذلك في الاختلاط، فهل المظنون بالشَّرْع أنْ ينْهى عن خروج المرأة متعَطِّرة، ثم يأذن لها أن تخالِطَ الرجال في المتْجر والعمل، والقاعة والمعمل؟! هل الشرْعُ الذي نهى أنْ تَضْرِبَ المرأةُ برجلها ليُعْلم ما تخفي عن زينتها، يأذَن لها بعد ذلك أن تجلسَ بِجِوارِ الرِّجال جنبًا إلى جنب؟!

.


تأكيدا لما ذكره شيخنا فهذه نصوص ورد فيها لفظ الاختلاط :

(4 صفر 1430 هـ - الإثنين, 9 فبراير - 01:57 م
مسألة الاختلاط ليست جديدة على التاريخ أو فريدة في الواقع
العدد:3055
الصفحة:22

صحيفة الوطن
اطلعت على مقال الأخت "أمل زاهد" والذي كان بعنوان: "قضية الهيئة ليست مع الاختلاط"، ولن أقف مدافعا عن جهاز الهيئة فأفعالهم خير شاهد لهم على نبل وشرف وأهمية ما يقومون به.
ولكن وقفتي مع قول الكاتبة: "هذا الفصل التام بين الجنسين في مجتمعنا لم يسبق حدوثه في تاريخ الإسلام(!!)".
أقول: إن كلام الكاتبة غير صحيح، ويفتقد إلى الإثبات، وإلى القارئ الكريم البيان:
1 ـ لقد كانت صفوف النساء في مؤخرة المسجد النبوي خلف صفوف الرجال، فالنساء كن يصلين مع بعضهن، ولم يكن يشاركن الرجال في الصف.. والرجال مع بعضهم، لا تجد رجلا داخلا في صفوف النساء، ولو كان الاختلاط مباحا، لكانت صفوف الصلاة أولى وأحسن مكان لذلك، حيث إن كل مصل إنما يأتي ليطلب المغفرة والرضوان، لا لأمر دنيوي.. فلم جرى الفصل بين الجنسين بهذه الطريقة حتى في هذا المكان المقدس الطاهر؟ بل كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته صبر ولم يلتفت إلى الناس، والناس مثله، فإذا التفت إليهم كان ذلك إيذانا لهم بالانصراف، كان يفعل ذلك حتى ينصرف النساء أولا، ثم الرجال ثانيا حتى لا يقع الاختلاط عند باب المسجد وفي الطريق.
2 ـ وقد بوب البخاري في كتاب العلم من الصحيح باب: هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم، وساق حديث أبي سعيد، قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما". الحديث، قال الإمام العيني: "أي عين لنا يوما"، وقال: قوله "غلبنا عليك الرجال" معناه: أن الرجال يلازمونك كل الأيام ويسمعون العلم وأمور الدين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، فاجعل لنا يوما من الأيام نسمع العلم ونتعلم أمور الدين.
ولو كان الاختلاط جائزا لقال لهن احضرن مع الرجال مجالس العلم والذكر، فهو أولى من تبديد الطاقات والنبي صلى الله عليه وسلم أحرص على حفظ الأوقات.
3 ـ وفي البخاري: "عن ابن جريح أنه قال: أخبرني عطاء ـ إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال ـ قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم. وهذا مما يدل على حرص النساء في صدر الإسلام على عدم مزاحمة الرجال أو الاختلاط بهم حتى في المطاف بالمسجد الحرام.
وروى أنه دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاة لها، فقالت لها: يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا، فقالت لها عائشة: لا آجرك الله، لا أجرك الله، تدافعين الرجال؟!! ألا كبرت ومررت. (مسند الشافعي ص:127).
4 ـ وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر ـ رضي الله عنه ـ أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة". (فتح 3/480).
5 ـ وروي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال مستنكرا اختلاط النساء بالرجال: ألا تستحيون ألا تغارون أن تخرج نساؤكم؟، فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج". (أحكام النساء ـ ابن الجوزي ص:34). أبعد هذا كله يقال: هذا الفصل التام بين الجنسين في مجتمعنا لم يسبق حدوثه في تاريخ الإسلام (!!).
وهنا أقول أيضا: كل مسلم يدرك أن شريعتنا الغراء كانت ولاتزال الحفية بالمرأة، الحارسة لكرامتها وعرضها والراعية لحقوقها ومكانتها، سواء كانت أما أو بنتا، زوجة كانت أم أختا.
ونعلم جميعا: أن الإسلام هو الذي شرع السبل الكفيلة بتحصين شخصيتها ضد كل من يهدد مقوماتها.. من الامتهان والابتذال.. خصوصا في هذا العصر حيث سعير المغريات والشهوات، ويعلم كل حصيف أن مكانة المرأة لدى البعض في الحضارة الغربية كانت ولا تزال معدودة مسلاة لترف الرجل وبذخة الغريزي والجنسي.. ومظهرا لا بد منه للبريق الحضاري (!!).
إن مسألة الاختلاط ليست جديدة على التاريخ، وليست فريدة في الواقع المعاصر فخروج المرأة غير المنضبط واحتكاكها بالرجال ومخالطتهم ثبتت أضراره وأمراضه بمرور الوقت، فالغرب أخرج المرأة بصورة ديموقراطية متحررة لم يسبق لها مثيل، ومع ذلك أصبح الغرب يعاني من كثرة حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء.. مما زاد من أرباح الشركات التي اخترعت ما يعينها على الدفاع عن نفسها من عصي كهربائية وبخاخات الرذاذ.. ولكن دون جدوى!
تقول الكاتبة الإنجليزية (الليدي كوك): ".. وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وها هنا البلاء العظيم على المرأة.. علموهن الابتعاد عن الرجال أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد.
وأختم بقولين لعالمين جليلين:
* يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: "ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق، والفرج ومجامع الرجال.. ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية ـ قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك". (الطرق الحكيمة ـ ابن القيم ـ ص:281).
* ويقول الشيخ بكر أبو زيد عضو اللجنة الدائمة ـ رحمه الله ـ "إن العفة حجاب يمزقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا للضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية.
كل هذا لحفظ الأعراض، والأنساب وحراسة الفضائل والبعد عن الرذائل وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساس في بيتها، ولذا حُرم الاختلاط سواء في التعليم أو في العمل والمؤتمرات والندوات والاجتماعات العامة والخاصة وغيرها لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب وخطرات النفوس.. (حراسة الفضيلة ـ ص97 ـ 98)
محمد حسن آل ذيبان الألمعي - عضو اللجنة الاستشارية بفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة عسير )
( ثالثا : الرد التفصيلي :

1- زعم الكاتب أن كلمة ( الاختلاط ) محدثة وجديدة ولا أصل لها في التراث الفقهي , وهذا من الجهل أو التدليس , وإلا فالكلمة معروفة منذ القدم , ومن أمثلة ذلك :

أ - ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن جريج قال أخبرني عطاء ..وفيه : ( قُلْتُ : كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ ؟ قَالَ : لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ ..».

ب ـ عن مالك بن ربيعة - رضي الله عنه- أَنَّهُ « سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِيالطَّرِيقِ فقال رسول الله صلى الله علي وسلم للنساء : ليس لَكُنَّ أن تحققنبالطريق . عليكن بحافات الطريق ، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالشيء في الجدار من لصوقها به »

ج - ـ قال ابن العربي -رحمه الله - ت 543هـ : ( إن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجلس ولا تخالط الرجال ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها وإن كانت برزة لم يجمعها والرجال مجلس واحد تزدحم فيه معهم وتكون مناظرة لهم )

د ـ وقال ابن العربي -رحمه الله -ت 543هـ ـ : ( ويحتمل أن تريد أنها امرأةفلا تصلح لمخالطة الرجال ) ([6]))


لا شلت عشرك ولاطوي نشرك
بارك الله فيك فضيلة الشيخ ونفع بك
كثيرا ما يذكر واقع المجتمعات الغربية وغير المسلمة وما جنته من الاختلاط..الخ وهذا جيد ومفيد حتى لا نقع فيما وقعوا وحتى لا نبدأ من حيث انتهى الآخرون
لكن لماذا تُذكر وقائع ودراسات من مجتمعات عربية واسلامية وما عانته من لظى الاختلاط كونها قريبة في بيئتها منا
وهذا ملف عن الاختلاط جيد في موقع نور الاسلام
http://www.islamlight.net/files/ekhtlat/


[align=center]
سددكم الله ونفع بكم

موضوع من الطراز العالي
[/align]


جزا الله المشايخ الفضلاء والإخوة الكرماء

على هذا الطرح النافع جعله الله في ميزان حسناتكم


وقد أخبرني صديقي أستاذ/ في جامعة سودانية أهلية مختلطة أن الطلاب يكون مستواهم في بداية العام الدراسي جيد وبعد أن يتعرفو على البنات فبعدها يتدنى مستواهم إلى أبعد الحدود..!!


هدى الله الجميع لما فيه صلاح الأمة الإسلامية



أشكر جميع المشايخ على ما علَّقوا وأفادوا ,,,, وأذكرهم بأنَّ قضية الإختلاط ما زالت حيه في الإعلام والمنتديات والمجالس !! فلابد أن يكون للخطيب حضوره .... فالناس تسمع لرأي الخطيب وتسلم وتقتنع به أكثر من جعجعة الإعلام ... وهذا شيء مشاهد .

أعتقد أن الإعلام الآن يسعى إلى مرحلة خطيرة من مراحل تطبيع الإختلاط ..... هي شرعنة الإختلاط ,,,, فلابد من إعلاء النكير , والوقوف أمام خطوات أهل العلمنة الذين كرهوا ما نزل الله .

فالله الله يا خطباؤنا أنتم رأس حربتنا في مواجهة مشروع التغريب المراد بنا ,,,

فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض

اقتراح للأخوة الخطباء .... أن نكرر وننوع الطرح في مواضيع الإختلاط

تارة بسرد أدلة الشرع على تحريم الإختلاط
ومرة بذكر خطوات المفسدين في الإختلاط
ومرة بذكر نموذج لمعركة الإختلاط في بلد عانى من الاختلاط
ومرة تفنيد شبه المشرعنين للإختلاط .... وهكذا

المقصود أن لا تكون مواقفنا مجردة ردة فعل ,,, لابد أن يكون لللخطيب مشروع متكامل مع الإختلاط ,,,

وكما أن أهل الفساد لا زالوا متجلدين فأهل الغيرة والإيمان أولى بالصبر في ذات الله

وفق الله الجميع لما فيه الخير


صحيفة القضاة الإلكترونية - خاص - حصري :


بسم الله الرحمن الرحيم


الحلقة الأولى
بقلم
د. عيسى بن عبد الله الغيث
القاضي بالمحكمة الجزائية بالرياض

المقدمة
الحمد لله الذي قيظ لهذا الدين من ينفي عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، في سلك ورثة النبوة، وحُرَّاس الشريعة من الدَّخَل والدَّخِيل، والصلاة والسلام على الهادي البشير والسراج المنير وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعدُ:
فقد أثلج صدري، وأسعد خاطري الحديث الضافي لمعالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى وزير العدل، عضو هيئة كبار العلماء، في صحيفة: " الرياض " بعددها ذي الرقم 15097 يومَ السبت الخامس من ذي القعدة لعام 1430هـ الموافق الرابع والعشرين من أكتوبر لعام 2009م، بشأن تصريحه المتضمن تنويهه بالتَّحول العلمي والتقني المتمثل بالصرح الكبير الذي هدي إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بإنشاء جامعته الميمونة للعلوم والتقنية ودعواته له بالتوفيق والتسديد، وأن تكون صلة في عمره ووصلاً لعمله - يحفظه الله-، وقد عُرف معاليه في وسطه القضائي والعلمي بجودة: مادته العلمية، المتعددة الطيف في: الفقه، والقضاء، والتفسير، واللغة، وآداب العرب، وعنايته الخاصة بـ: " ألفاظ الشريعة "، والتحذير من " المواضعة " على خلافها، وغيرته على أحكامها.

الاختلاط

لقد اطلعت على حديثه الثري في مادته، الذي نعى فيه على محدثة دخيلة غريبة على قاموسنا الفقهي تتعلق بـ"الاختلاط" وهو ما لا يعرف كمصطلح علمي ـ لا سرد لفظي لا يأخذ وصف المصطلح ـ إلا في السوائل، والحيوان، وعلم الرجال، أما في المباحث الفقهية فكما قال معاليه لا تجدها إلا في كتاب الزكاة.
وهو ما أكده الدكتور يوسف القرضاوي حيث قال : "إن كلمة «الاختلاط» في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، كلمة دخيلة على «المعجم الإسلامي» لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر"، والمقصود غرابتها كمصطلح فيما سيقت له، وكتب المعاجم الفقهية ومصطلحاتها تؤكد تسلل هذا العنصر الغريب إلى قاموسنا الفقهي، والأغرب منه التهافت عليه مع اضطراب مدلوله على ما أعطي من حكم عام هو التحريم المطلق، في حين أن الأحكام الفقهية الخمسة ترد عليه، فمن واجب يتعلق بإزالة المنكر والبيان الواجب، ومن مندوب يتعلق بعموم النصح والإرشاد ، ومن محرم في غشيان مواطن الريبة، وعدم التقيد بآداب الشرع، ومن مكروه إذا خُشي ذلك ولم يغلب على الظن، ومن جائز فيما عدا ذلك.
وكم عجبت من سرد ألفاظ الاختلاط في بعض المدونات السابقة في أحكام لا تخرج عن الزنا والقذف الصريح ومواطن الريبة، وهذا هو الذي استثناه معالي الوزير في تحفظه على اللقاء العام في جمع النساء والرجال في أماكن العبادة وغيرها، وقد جاء جمع هذا السرد اللفظي الذي لا تخلو منه المؤلفات السابقة ولا من أي كلمة في قاموس العربية حيث يمكن الحصول على نتائجها في ثوانٍ، من خلال الموسوعات الالكترونية دون عناء، وهو ما لا يخفى على معاليه وهو من المغرمين بالتقنية الحديثة في توظيفها الخيِّر، المساهمين في مشاريعها العلمية ونشرها، لكنه أكد أن هذه الكلمة دخيلة على المصطلح العلمي فقهاً حيث لا يتولد المصطلح إلا من كثرة دورانه في نصوص الشريعة كما هو في كلمة الخلوة عكس الاختلاط الذي لا يكثر دورانه إلا في مصطلحات المحدثين عند اختلاط الرجل في عقله وعلمه فتأتي عبارة " عنده خلط ـ اختلاط ـ اختلط بأَخَرَةٍ الخ .."، وشاهد هذا أن الخلوة يُعقد لها التعريف لغة وشرعاً واصطلاحاً، بخلاف الاختلاط.

السياق

جاء تصريح معاليه في سياق التنويه والإشادة بهذا الصرح العلمي الذي يرجى له الخير والتوفيق وتحقيق الطموح منه ولم يكن موضوع الاختلاط في أصل السياق ولم يعقد له بحثاً خاصاً، وإنما ورد بالمناسبة، ومع ذلك لم يخلُ كلامه من السياق المحكم والمؤسس، فينبئ عن أن المادة المطروحة كانت في مستوى الوعي والإدراك وبعد النظر والتأصيل، يشهد بذلك قوة طرحها، وجزالة مصطلحها، ونفاذ فكرتها، بالرغم من كونها كما ذكرنا جاءت عرضاً ولم تطرح بحثاً، فكيف لو خرجت بحثاً بهذا الأسلوب الذي كان بهذا الحجم والنوعية العميقة في معانيها والبليغة في مبانيها والدقيقة في مدلولاتها.

المناقشات

كما اطلعت على بعض المناقشات حول البيان والإيضاح العلمي في تصريح الوزير المشار إليه حول مفاهيم الخلوة والاختلاط، واستوقفتني بعض النقاط العلمية، حيث إن مضامين تصريحه واضحة المعالم، متحفظة في شروطها، ناعية على التبذل والخروج على سمت الحشمة والأدب والستر الإسلامي المطلوب، فكان بياناً مختصراً عابراً أوضح معالم مهمة، وصحح مفاهيم خاطئة، وذب عن مصطلحات الشريعة العبارات الدخيلة، بأفقٍ جعل الدليل مرآته فأبصر، وحكَّم منطق الشرع، فُهدي ـ بحمد الله ـ إلى سواء السبيل، ولم يكن إزاء هذه المسئولية الدينية والوطنية والمجتمعية إلا صادعاً بما تبرأ به ذمته، لا يلوي على مقاصد ذهبت فيها الكثير من المفاهيم وكَبت فيها الأقدام لا لشيء إلا لسائد القول، ولظنون وأوهام، والشغب على العلم وأهله بانتحاله وادعائه، والفرح باحتضان الدخيل في سياق البدع وغزو المصطلحات الشرعية.

المصادرة

لا يسوغ تحميل تصريح الوزير، أكثر من مضامينه الواضحة الناعية على التبرج، والسفور، والخروج، عن سمت الحشمة، والبعد عن مواطن الريبة، والحذر من بدع المصطلحات، أو التعقب على الشريعة، والغيرة فوق غيرتها، حيث لاحظت من المفارقات العجيبة ظهور الاجتماع على تفسير واحد من طرفي النقيض حيث إن المفَرِّطين فرحوا بما لم يقله في حين أن المُفْرِطين نقموا على ما لم يقله، والكلام مثبت بنصوصه وسياقاته ولا يمكن التدليس عليه، وإن التأويل الباطل الذي ذهب إليه بعض الكتاب ممن يزعمون الغيرة ويصادرون الحقوق ويزايدون على الآخرين كشف مستوى الفهم والأمانة، وإن الاختلاط كمفهوم مقيد وليس كمصطلح مطلق منه ما يباح ومنه ما يحرم على ما أسلفنا، وإنما قيد بضوابط ذكرها الوزير في تصريحه وفيه من الشروط الواقية ما لم يوردها أي أحد من الذين أساءوا القراءة والظن، وما نشر من مناكفات صدرت عن أقلام يعيبها التسرع، وضحالة المادة وضعف التركيز، ما هو إلا ضمن فكر وسياق التحكم الذي لا تقبله الأصول العلمية ولا المنطلقات المنهجية، وقد ذكَّرَنا هذا بموقف البعض من توسعة المسعى التي كشفت مستوى الحجر على المقابل العلمي والمناكفات والتشويشات في حين كان من المفترض مبادرتهم بمثل ذلك لا وضع العصي في الدواليب وتأليب العامة بحماسة الجهل والطيش، فيما هو محل اجتهاد تم رفع خلافه باختيار ولي الأمر، بعد أن أسسه على أدلة وبينات موثقة أمام القضاء، ومدللة علمياً، ومؤصلة مسحاً تاريخياً؛ لتحقيق المصلحة العامة التي قدرها علماء الأمة، وشكروا ولي الأمر عليها جزاه الله خيراً، فلا مزايدة على مصلحة الدين والوطن والذب عن الشريعة ورعاية أحكامها ومصطلحاتها وحماية أعراضها وحرماتها، وما يزعمونه لا يعد في أحسن الحالات إلا من المصالح الملغاة لا مصالح معتبرة، والمصلحة الملغاة لا اعتبار لها كما قرره أهل العلم في مباحث أصول الفقه، وسيأتي الحديث عن هذا مفصلاً في حلقة قادمة بإذن الله تعالى، فالمتعين الحذر من مثل هذه المناكفات والتشويشات على مشاريع ولي الأمر الإصلاحية وعدم حصرها وقصرها على فهوم قلة من أهل الغلو غير المبرر، وإنما المفسر برغبتهم في الظهور والشهرة والتصدر، والتهافت على الردود، واحتكار الدفاع عن الشريعة ؛ تقدماً بين يدي أهل العلم واتهاماً لهم، في سباق محموم ومزايدة على الغيرة والنصح وقالب ركض وشغب، حتى رد بعضهم على بعض ، إلى حد التسفيه وكيل التهم فأوضع الطيش خلالهم وكفانا شرهم، كل هذا على حساب المصلحة العامة للأمة والوطن والمجتمع.

التناقض

في السياق نفسه أتى الموقف المشوش على قرار قصر بيع المستلزمات النسائية الداخلية على النساء بشكل مطلق، دون ربطه بقيد يحقق المصلحة، ويدرأ المفسدة، ويسد باب الذريعة الحقيقية، وليست المتوهمة، كاشتراطنا فصلهن عن البائعين من الرجال وليس الممانعة المطلقة، في حين كان من الواجب أن يبادروا بالمطالبة بهذا الأمر لا أن يمانعوا عليه، وهذا يأتي ضمن ركام معاد تكريره في التناقض بين ما نعتقده من ناحية وما نمارسه أخرى، وأحياناً بلا وعي ولا شعور، وكذلك بين ما نقوله ونطالب به من ناحية وما نطبقه من ناحية أخرى، ومن ذلك تعليم المرأة وفصلها عن الرجال بقياداتها كتكليف المرأة بقيادة تعليم البنات الذي كان يجب أن يكون مطلباً لنا لا أن يكون معارضة منا؛ لكونه جاء وفق أفكارنا ومنطلقاتنا التحشمية، ومثله عمل المرأة وتخصيص بعض المهن لها ونحو ذلك ممن نرى أن المعارضين لها هم ممن تصورنا مسبقاً أنهم يناصرون هذه المطالب لا أن يناهضوها؛ لكوننا نعتقد بأنهم الأولى في السعي لحشمة المرأة وعفتها، وكما أننا نعتز بأن شريعتنا الإسلامية مصلحة لكل زمان ومكان فيجب علينا تطبيق ذلك ممارسة على الأرض والواقع دون أوهام وظنون، وممانعات لم تستند على ركن شديد، كباب سد الذرائع الذي وظفه الحروريون (أهل الغلو والتنطع) ليجعلوا منه باباً لسد المباحات ومصالح الأمة، كما لوحظ سكوت الكثير ممن لا يسوغ سكوتهم عن القيام بالواجب الشرعي في بيان الحق والدفاع عنه، في حين نجد آخرين مناكفين بأوهام وتدليسات ومبالغات ما أنزل الله بها من سلطان.
فبعض الحروريين يزايد للنفخ الذاتي، والتمايز العلمي؛ جلباً للأضواء، وركضاً وراء فتن الشهرة والظهور، والانفراد برفع راية الدفاع عن حياض الأمة، مستغلاً في ذلك سذاجة الرعاع، مستثمراً حماساتهم الدينية الفارغة من المادة والفكر.
وتقلب الحروريين أسرع من الريح المرسلة لأدنى صارف، ولا غرو فقاعدتهم على شفا جرف هارٍ، والناس شهود الله في أرضهم، وقرائن الأحوال والسياق العام أكبر شاهد، وقد أودع الله في القلوب يقظة تعاير وتقايس وتهدي بإذن الله للطريق السوي، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك"، وليس أجهل من شخص يدعي العصمة والصواب، وينعى على غيره الرأي والاجتهاد، مع اتحادهم في مصادر التلقي.

تعليمات الحشمة والاختلاط

لاحظت أن هناك من يستدل ببعض التعليمات المانعة من الاختلاط، في حين وردت لتحقيق مناط الحشمة والبعد عما يضادها في سياق المفهوم السائد لمصطلحه العرفي لا الشرعي؛ تقريباً للمعنى في ذهن المتلقي الذي تأثر بالمصطلح المحدث وصار في مخيلته مسلمة شرعية وقاعدة مطردة لا يعرف سوى منكره وجمعه المشين، وصارت أذنه مرهفة الحس نحوه، لكن لا نشك أن التعليمات المتعلقة بالمنع من أي مخالطة بين الرجال والنساء لا تعني الجمع العام في حشده وملتقاه الطيب بحشمته وستره وتوخيه الشروط والضوابط التي أشار إليها معاليه، وإلا لكانت منصبة أيضاً على الاختلاط في أمور التعبد كالطواف والسعي ورمي الجمار، ولا تعني التعليمات مطلق الاختلاط؛ لأن منه ما هو مسلم بإباحته في بعض العبادات وفي الأسواق والأماكن العامة، وإنما عنت التعليمات الاختلاط المحرم وهو الذي لم يستوف الشروط الستة التي أوردها معاليه في تصريحه، فالألف واللام في عبارة الاختلاط هي عهدية لا جنسية، ويقصد منها الاختلاط المعهود وهو غير المستوفي للشروط أي المحرم ولو جعلناها جنسية لا عهدية فسوف تكون شاملة لكل جنس ولو كان غير مقصود، وللعبارات منطوقات ومفهومات سواء بالموافقة أو المخالفة.

المغالطات

كما أن وزير العدل لم يجز الاختلاط في التعليم ولم يرد في كلامه ما ينص أو يفهم منه ذلك، ولكن أراد البعض التشويش والتهويش فوجد تصريح الوزير مبرراً ومنطلقاً يتكئ عليه زوراً لبث أفكاره بكل تدليس وفقد للأمانة العلمية والمنهجية البحثية والأخلاق الإسلامية، ويأتي هذا ضمن مسلسل الانتقادات المتوالية من هذه الفئة لإعاقة التنمية، كما أن الاختلاط المزعوم في الجامعة غير متحقق وما يوجد فيها لا يعدو كونه عبارة عن لقاء في الطرقات والساحات كالأسواق والأماكن العامة، وهي عدة مدن وساحات تستوعب مد البصر، لا تختلف في ملتقاها عن ملتقى الناس في أسواقهم ورعاية مصالحهم ، لكننا لا نستغرب هذا التطرف الفكري فذاكرتنا غير مخرومة وتراكم دروس حياتنا عمن يناهضون التنمية ظاهرة للعيان كمنع المرأة من التعليم والبرقية والتلفاز وحتى الانترنت الذي ينشطون فيه اليوم كان عند بعضهم محرماً كالخمر والميسر.
إن هذا المصطلح الدخيل " الاختلاط " مضطرب وليس موجوداً بالمعنى الذي يريده هؤلاء في المدونات العلمية والقواميس الفقهية والمراجع الشرعية، ويظهر الاضطراب على مفهوم الاختلاط بأنه يرد عليه حالات لا يعد فيه محرماً كما أنه في حالات يعد محظوراً كما بينا سلفاً، وبالتالي لا يجوز اعتباره مصطلحاً لعدم أصالته الاصطلاحية من وجه وعدم توحد حكمه من وجه آخر، وحتى عند التسليم جدلاً بقبوله فلا يمكن حظر الاختلاط مطلقاً وإنما هناك مسائل متفق على تحريمها ومسائل أخرى متفق على إباحتها ومسائل بين هذا وذاك هي محل للنظر والاجتهاد ولا يجوز الاستدلال بمجرد المصطلح المحدث على حرمة جميع مدلولاته لانخرامه وسقوطه في المحك العلمي، لكن يمكننا الاستعاضة عن ذلك بمصطلحات فقهية أصيلة كالخلوة المحرمة ونحوها، وحتى في حال التسليم بهذا المصطلح فهناك ضوابط ستة ذكرها الوزير لم أجد أن أحداً ممن عارض قد أوردها، مما يكشف أن الوزير قد تحوط أكثر منهم فاشترط تحقق ستة ضوابط وهي عدم الخضوع في القول والتبرج والزينة والتساهل في التحفظ وغض البصر واحتكاك أي منهما بالآخر. في حين نجد أن من الحرورية مُفَرِّخي فتنة الإرهاب وأهل الشغب والمراغمة من اقتصر على شرط أو شرطين، وهم من يُدَلِّسُ بمحاربة الفكر الإرهابي، والله أعلم بما يُوعُون.

المواضعة

إن تضمين كلمة الاختلاط في السياقات العابرة لبعض الفقهاء لا يكسبها وصف الاصطلاح في القاموس الفقهي على ما أوضحنا، كونها مجرد سرد لفظي، ولو عممنا هذا الأمر لكانت كل كلمة في المعجم العربي مصطلحاً فقهياً حيث لا تكاد تخلو مدونات الفقه من استخدام كلمات المعجم، والمشكلة هنا من حيث كونها مصطلحاً لا من حيث بعض مدلولاتها، وعليه فما ينقل من هنا وهناك خارج محل النزاع، ولا غرابة فيمن اختلط عليه الأمر؛ لكونه ليس من أهل التخصص الدقيق فتعوزه آلة العلم والتبصر فيها، ولعله يحسن الرجوع في ذلك إلى بحث:" المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللُّغى " للشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-، فالوزير إذاً لم يُرد الاختلاط المحرم وإنما نعى على اللفظة المحدثة في اكتسائها وصف المصطلح وبيَّن المفهوم العام لها ؛ وأن هذا العنصر الغريب يجب أن تحفه الضوابط حتى لا يكون سائباً في مفاهيمه ، وهو أراد أن يخرج ما لا يريده أهل العلم وما لا يقصد في عباراتهم، فلو استطلعت واستقرأت كتب الاصطلاح التي سردها حصراً شيخنا العلامة بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ في فاتحة كتابه المذكور ، لعلمت المقصود من هذا الكلام وأنه بدعة من الناحية المصطلحية، لكن المشكلة في الجهل والخلط والتدليس وتحميل الكلام ما لا يحتمل، ولم يدر في حديث الوزير أي إجازة للاختلاط المذكور وإنما منع المصطلح لعدم دقته وعدم تحريره وركاكته واضطرابه، وتسمية بعض مشاهد المسلمين في جمعهم العام التعبدي والعادي اختلاطاً ليُدخل تقولاً على أحكام الشرع في المفهوم المحرم للاختلاط المشنع عليه في وجدان العامة بفعل التدليس عليهم ببدع المصطلحات، وأنموذجاً عصرياً يحسن الرجوع هنا للموسوعة الفقهية الكويتية في مادة (اختلاط) حيث جاءت كما ذكره الوزير من هذا الوجه المصطلحي وهو الوارد في كلام الشيخ القرضاوي وغيره، فهذا محل الحديث بلا تدليس.

التضليل

كما لوحظ في بعض مناقشات حديث الوزير السرد المطول والنقل عن الكتب، مع أنه ليس ذا بال في المحك العلمي مالم يكن مليئاً بالحجج والمضامين، واستقراؤه يشعر من هم بعيدون عن الأساليب المعاصرة في جمع أقوال أهل العلم، أنه إبحار عميق، في حين أنه يمكن الوصول إليه بضغطة زر في محركات البحث والموسوعات الالكترونية لتأتيك آلاف النتائج في ثوان معدودة، بل حصلنا على ما لم يحصلوا عليه في هذا المجال ولم نحفل به ألبتة لخروجه عن المقصود جملة وتفصيلاً ولا أعتقد أن هذا الخلط في المفاهيم إلا من عدم وجود القاعدة العلمية وفقدان أساليب التحليل العلمي وفوات فهمهم المراد في خضم العجلة على الرد والتهافت في المسابقة عليه ، والآلة العلمية هي البعد الغائب عنهم، وعدم استيعابهم لما ينقلونه فضلاً عما أغفلوه، وما هي إلا تركيب جمل وسفسطات وفيها تناقض أبان أن المادة المتكلفة غير مفهومه لديهم ولا مراده، فيما يبدو أنه استعارة لبعض الكلمات في بعض الكتب ثم انتُحلت قصاً ولصقاً وإن كان هذا قد لا يعيب أحياناً، لكن العيب عدم فهمها وفوات إدراك المراد منها ومدى مناسبة سياقها ، فالمصطلح لا بد أن يكون سالماً من الإبطال لئلا يسقط ويعود بالنقض على صاحبه، وما أظنهم يدركون ما نرمي إليه هنا، فإنكار المصطلح كمصطلح لا يعني إجازة معناه في جوانبه المحرمة، فالمشكلة ليست فيما كتبه الوزير بل المشكلة فيمن قرأه وحمله ما لم يحتمل بسبب قصور في العلم والفهم أو هوى في النفس أو شهوة أو شبهة، وإلا فلو عرض هذا المقال على أهل العلم والفحص والتدقيق والتحقيق لسلَّموا به وأجلُّوه، ولكن أصبحت الرويبضة هي المتحدثة بسوء ظنها، وضلالة منهجها، القاصرة في إدراكها، المحرفة للكلام عن مواضعه؛ رغبة في شهرة وظهور لن ينفعه عند محك السؤال بين يدي الله جل وعلا، ويهون المصاب أن منهم من قد رد على سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ، ومنهم من نظم قصائد العتب فيه لينفخ في ذلك أهل الكيد والشر، فهذه عوائدهم والله موعدهم .

المزايدات

ولا بد من الإشارة إلى أنني كنت من السباقين منذ عقد من الزمان على الكتابة في مثل هذا الأمر وما مقالاتي عن: ثريا عبيد ، والرياضة المفتوحة في مدارس البنات ، وغيرهما إلا دليل على أننا لا نقل غيرة عن غيرنا، ولكن فيما يستحقه ويثبت به تحققه، بلا توهمات ولا غلو ولا تطرف ذات يمين ولا شمال، وإنما بضوابط ومنطلقات شرعية، فالغيرة لا تعني خطف الحق واحتكاره وتوزيع الاتهامات ورمي التخوينات يمنة ويسرة، وما قاله الوزير مسبوق إليه، وليس من مفرداته، وإن كان قال: إني سباق إلى التحذير من بدعة الاختلاط والغلو في مفاهيمها فقد أخطأ وانتحل ما ليس له، فلم يتعاطَ بدعاً ولا هُجراً من القول فقد سبقه إليه أعلام في مشهد الأمة العلمي، يذبون عن شرع الله بدعة متطفلي العلم وساحات الكتابة، في حين أنه لا يجوز الإلزام برأي علمي ولو كان من كبار العلماء للفرق بينه وبين الحكم القضائي الملزم، فكيف إذا كان الرأي من غير أهله ومن المتطفلين عليه ، والمقصود هنا بيان جهل المتنطع وأنه زبَّب قبل أن يُحَصْرِم، وتكلم قبل أن يتعلم، وحسبنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)). الألباني "السلسلة الصحيحة" 4 / 508.

الغَيرة

ومن أخطر ما لاحظته مزايدة البعض على غَيرة ولاة الأمر على ديننا وأعراضنا، في حين أنهم وفقهم الله الحامين لحماه والغيورين على أعراضه، فالملك حفظه الله حارس لهذه البلاد العفيفة وخادم للحرمين الشريفين ووالد لكل رعيته وحافظ لحقوقها وقائم بواجبها، فكيف نفسر ما ذهب إليه الغوغاء إلا مزايدة وتشكيكاً ومصادرة لحق السواد الأعظم من الأمة، وعلى رأسهم علماؤها المتقون ورجالاتها المخلصون الذين لم نر منهم إلا الشكر والتقدير والثناء والدعاء لولاة الأمر، ونخشى أن يكون هؤلاء المشاغبون نبتة جديدة لفئة ضالة.

الخطر

وهؤلاء المناكفون لولي الأمر بعد رفع الخلاف العلمي في مسائل الدين على أسس وقواعد شرعية لا ترتجل الاختيار وإنما تسنده وتؤسسه على أساس متين، تتوخى فيه مصلحة البلاد والعباد، لا يقلون خطراً على البلاد والعباد عن المجاهرة بالرذيلة مما يوجب النظر في محاكمتهم وتأديبهم، فالرذيلة ذات مفاهيم عديدة، ومسالك كثيرة، وقد أمرنا أن نرعى الضروريات الخمس ونحفظها، لتنتهي حرورية العصر عن غيها وجهلها وتسلك جادة الحق، وهي من تصدر نفسها في كل محفل تصادر به أهل العلم وتزاحمهم وتستجلب مشاعر الغوغاء لتكسب عرضاً زائلاً " قل متاع الدنيا قليل "، والله الموعد .

المكافحة

وحيث أن أداتهم التقنية المعلوماتية فيصدق عليهم تطبيق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، لكونهم يقومون بما يخالف المصلحة العامة والتشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم ونشر ما من شأنه المساس بالنظام العام والتحريض للغير والمساعدة والاتفاق على ارتكاب هذه الأوصاف الجرمية، وهذه منصوص عليها في المواد رقم : (1/8 و2/3 و3/5 و6/1 و9 و10)، إضافة إلى وجوب إبعادهم عن التأثير على الناس خصوصاً ممن يشغلون وظائف رسمية تتعلق بالدعوة والإرشاد والاستشارة لدى سدة القرار في بعض المؤسسات الشرعية، لأن أحكام الشرع جاءت بالحجر على أمثال هؤلاء وأخذهم بالزجر والتأديب حماية للأمة.

أصول الحوار

كما اطلعت على بعض الكتابات المعلقة على ذلك التصريح، فوجدتها مفتقرة لما يجب من الأصول والمنطلقات وآداب الحوار التي أوردها أهل العلم كما سيأتي، حيث ينبغي استحضارها حتى يؤتي الحوار أكله ولا ينقلب إلى جدل عقيم، أو يستحيل سبباً في التشرذم والتفرق بدل التفاهم والتآلف.

تحديد الهدف

وأول ذلك تحديد هدف الحوار كدليل على جدية المتحاورين وبحثهمِ عن الحقيقة، أما الحوار بلا هدف فيعني الجدلُ العقيم وإضاعةُ الوقت وافتعالُ الخصومات أو إثارتها، وتوسيعُ دائرة الخلاف بدل تضييقها، لذلك يشترط علماء الأصول قبل بحث أي مسألة مختلفِ فيها: تحديدَ الهدف ونقطة الاختلاف، وقد عبروا عن ذلك بقولهم: "تحرير محل النزاع" وعليه فلا بد أن يكون الهدف واضحاً في أذهان المتحاورين، لأنه في كثير من الأحيان يشرق هذا ويغرب ذلك، لأنهما يتكلمان عن قضيتين مختلفتين، ولو حرر محل النزاع أي الهدف لتبين أن الطرفين متفقان، كما أن تحديدَ هدف الحوار من البداية يعصم من تشعب المسائل وتشتت الأفكار، ويساعد على كشف المراوغين، فبعض المحاورين يلجأ إلى الهرب والمراوغة إذا وجد أن الطرف الآخر أظهر عليه الحجة، فتجده يفر من نقطة إلى أخرى، بل ربما إلى موضوع آخر ولمّا يكتمل الموضوع الأول، أو ربما حاد عن الموضوع الأساس وتعلق بمسائل جانبية وردت في الحوار بعيدة عن موضوع الحوار، وهذه حيدةٌ وخداع، تدل على أن صاحبها غيرُ جادٍ في البحث عن الحقيقة، أو محجوج ولا يريد التسليم بذلك، فيلجأ إلى أسلوب خلط المسائل، وقد روى الربيع بن سليمان عن الشافعي - رحمهما الله-: أنه كان إذا ناظره إنسان في مسألة فغدا إلى غيرها، قال له: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد.
والهدف هو إحقاق الحق، أو إبطال الباطل، أو إزالة شبهة، أو البحث عن حل لمشكلة، أو تصحيحٍ لمفاهيم مغلوطة ونحو ذلك.

العلم

والثاني العلم، فلا بد للمحاور أن يكون عالماً بالمسألة التي يحاور فيها، قادراً على النظر والموازنة والترجيح بين الأدلة المختلفة، قادراً على الاستنباط، إذ لا يجوز للإنسان أن يدخل ساحة الحوار وهو غير متسلح بسلاح العلم ، لذلك ذم الله الذين يجادلون بغير علم فقال{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ}[الحج :8 ] وذم أهل الكتاب لذلك فقال: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [آل عمران:66]، فالمذموم ليس الجدال بل الجدال بغير علم، قال القرطبي -رحمه الله-: وفي الآية دليل على المنع من الجدال لمن لا علم له. واشتراط العلم في المحاور أمر منطقي، إذ كيف يحاور الإنسان في شيء يجهله؟ إذاً سيفسد أكثرَ مما يصلح، وفاقد الشيء لا يعطيه، وخطورة الحوار بغير علم، أنه إن كان دفاعاً عن الحق عموماً والدين خصوصاً، فقد يكون هذا المحاور سبباً في هزيمة الحق وانتصار الباطل، لا لقوة في الباطل، فالحق أبلج والباطل لجلج، بل لضعف حامي الحق. والمقصود بالعلم أمران، العلم بالشرع كتاباً وسنة، والعلم بالواقع والحال، ومتى انفصل أحدهما عن الآخر حصلت المفسدة، وعليه فلا يجوز لعالم في القضايا المادية أن يجادل في قضية شرعية مكتفياً بعلمه المادي، كما لا يجوز لعالم شرعي أن يجادل في حقيقة طبية مكتفياً بعلمه الشرعي، ويُلحق بالجاهل المقلدُ والمتعصبُ، فهذان ليس لديهما حجة إلا قولُ الشيخ أو المذهب، ومعلوم أنه لا أحد كلامُه المجردُ حجةً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: كل يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، والفرق بين كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم أن كلامه عليه الصلاة والسلام يُحتج به، وكلام غيره يحتج له، وفرق كبير بين كلام هو حجة بذاته وبين كلام هو حجة بغيره. وهذا الخطأ المنهجي في الاستدلال هو ما يقع فيه كثير من متفقهة الزمان، فيرى أن هذه المسألة هي الحق لأنه قال بها فلان، وهو خطأ منهجي في الاستدلال، لذلك قالوا يعرف الرجالُ بالحق ولا يعرف الحقُ بالرجال، يقول الماوردي -رحمه الله-: رأيت من هذه الطبقة رجلاً يناظر في مجلس حافل، وقد استدل عليه الخصم بدلالة صحيحة، فكان جوابُه عنها أن قال: هذه دلالة فاسدة، ووجه فسادها أن شيخي لم يذكرها، وما لم يذكره الشيخ لا خير فيه، فأمسك عنه المستدل متعجباً!! وفي أمثال هذا ينطبق قولُ الخليل بن أحمد -رحمه الله-:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني *** أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني *** وعلمتُ أنك جاهل فعذرتكا

حسن الفهم

والأصل الثالث للحوار حسنُ الفهم، حيث تفشل كثير من الحوارات بسبب سوء الفهم بين الطرفين أو أحدِهما، فلا يصلان إلى نتيجة، والسبب أن كل واحد منهما لم يفهم مرادَ الآخر ومستندَه من الأدلة والبراهين، وقد قيل:
وكم من عائب قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم
وقديماً أوصى يحيى بن خالد ابنَه جعفر فقال له: لا ترد على أحد جواباً حتى تفهمَ كلامَه، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامِه إلى غيره، ويؤكد الجهلَ عليك، ولكن افهم عنه، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام، ولا تستح أن تستفهمَ إذا لم تفهم، فإن الجواب قبل الفهم حُمق، وإذا جهلت فاسأل فيبدو لك، واستفهامك أجمل بك، وخير من السكوت على العِي. وفي هذا قال القائل:
إذا لم يكن حُسنُ فهم *** أسأت إجابة وأسأت فهماً
وهناك عدة أسباب لسوء الفهم، منها قلة العلم، وعدم الموضوعية في النقل والاقتباس، كبتر الكلام وأخذِ جزء منه وتركِ أجزاء، كالقراءة الفاسدة لهذه الآية {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}[الماعون:4] فهذا الاستشهاد فاسد وقبيح؛ لأنه أوهم معنى غير مراد، بل ينبغي إكمال الآية {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون: 4-5]، ومنها عدم الموضوعية كعزلُ النصِ عن سياقه، فيكون النص صحيحاً وفهمه سقيماً، وكذلك محاولةُ فهم النص بعيداً عن سبب وروده يوقع في سوء الفهم، لذلك قال علماء التفسير كالواحدي -رحمه الله-: لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
ويقول ابن تيمية -رحمه الله-: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. لذلك لا بد من التأني والتحري والدقة عند التناظر والمحاورة، وتقليب الأوجه، وعدم الاكتفاء بالنظر للمسألة من زاوية واحدة ووجهة نظر
واحدة.

خلفيات فكرية

ومنها قراءةُ أو سماعُ أقوال الآخرين بمقررات سابقة وخلفيات فكرية معينة، ومن ثم حمل العبارات والأقوال والاجتهادات على تلك الخلفيات، ولو بالتكلف والتعسف في التأويل، وهذا أصل انحراف الفرق التي قعدت قواعد لها ثم حاولت حملَ نصوص الكتاب والسنة عليها، وإذا خالفت أصولَهم تأولوا النصوص، فجعلوا النصوص الشرعية تابعة لقواعدهم ومقرراتهم العقلية، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها أَوَّلُوه، أما السلف -رحمهم الله- فعندهم قاعدة، وهي قولهم "استدل ثم اعتقد، ولا تعتقد ثم تستدل". والمقصود الاستدلال النقلي لا العقلي.

المباشرة

ومنها عدم التحاور المباشر بينهم سواء بالاتصال أو المكاتبة والاكتفاء بالوسطاء والنقلة، فقد يكون الناقل سيء الفهم أو مغرضاً أو غير ضابط، وكما قيل :
هم نقلوا عني الذي لم أفه به *** وما آفة الأخبار إلا رواتها

فهم الألفاظ

ومنها الاختلافُ في فهم الألفاظ والمصطلحات، لذلك إذا أردنا أن يُفهمَ الكلامُ على وجهه، يجب أثناء الحوارِ الابتعادُ عن الألفاظ المبهمة أو الموهمة أو المحتملة أو المصطلحات غير المحددة، وذلك بتوضيح الموهم، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، خاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه المصطلحات المبهمة، وأصبح التلاعب بالألفاظ تهويلاً وتهوينا سلاحاً، كمصطلح التطرفِ، والديمقراطية، وتحريرِ المرأة، يقول رابوبرت -أحد الكتاب الغربيين ، والحكمة ضالة المؤمن -: ولا يخفى ما في تحديد معاني الألفاظ من الفائدة، فكثيراً ما يثور الخلاف بيننا في مسألة ويشتد الجدال في موضوع، ويظهر أن المتجادلين على خلاف فيما بينهم، وهم في الواقع على اتفاق، ولو حددت ألفاظهم لتجلى لهم أنهم على رأي واحد.

الأصل

والأصل الرابع للحوار وجوب تحديد أصل يرجع إليه عند الاختلاف والتنازع، فحتى يكون الحوارُ منهجياً ومثمراً لا بد أن تكون هناك أصول مرجعية معتمدة من الأطراف، متفق عليها، يرجع إليها لمعرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والراجح من المرجوح، لذلك قال عبد العزيز بن يحيى المكي لأمير المؤمنين المأمون -رحمهما الله- في أثناء مناظرته لبشر المريسي: كل متناظرين على غير أصل يكون بينهما يرجعان إليه إذا اختلفا في شيء من الفروع، فهما كالسائر على غير طريق.
وما لم يتفق المتحاورون على هذا المرجع فإن الحوار سيغدو دوراناً في حلقة مفرغة، وعندها يستطيع كل محجوج أن يجد لنفسه عذراً في عدم التسليم بتلك الحجة لأن دليلها غير معتمد عنده، وهكذا، يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "إن الخصمين إما أن يتفقا على أصل يرجعان إليه أم لا، فإن لم يتفقا على شيء لم يقع بمناظرتهما فائدة بحال، وإذا كانت الدعوى لا بد لها من دليل، وكان الدليل عند الخصم متنازعاً فيه، فليس عنده بدليل، فصار الاتيان به عبثاً لا يفيد فائدة ولا يحصل مقصوداً، ومقصودُ المناظرةِ رد الخصم إلى الصواب بطريق يعرفه؛ لأن رده بغير ما يعرفه من تكليف ما لا يطاق، فلا بد من رجوعهما إلى دليل يعرفه الخصم السائل معرفةَ الخصم المستدل.
وإذا كان الكتاب والسنة هما أصل الدين وأصل التشريع، فينبغي أن يكونا المرجع عند الاختلاف والتنازع لقوله تعالى{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }[الشورى:10]، وقوله{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59]، وعلل الشاطبي -رحمه الله- الرد إليهما بقوله: " لأن الكتاب والسنة لا خلاف فيهما عند أهل الإسلام، وهما الدليل والأصل المرجوع إليه في مسائل التنازع، وقد اتفق العلماء على أن الرد إلى الله تعالى يعني الاحتكام إلى كتاب الله، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعني الاحتكام إلى السنة الصحيحة ".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " فإذا تنازع المسلمون في مسألة وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب اتباعه" ، وعلل ذلك بقوله: " لأن الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتابُ منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم، فلكل واحد منهم عقل ".

التفريق

والأصل الخامس للحوار وجوب التفريق بين القطعيات والظنيات، فالمسائل سواء الفقهية أو السلوكية أو العقدية أو الدعوية منها القطعي ومنها الظني، والمسائل القطعية لا ينبغي الاختلاف فيها، ولا يجوز الحوار فيها لأنها بمثابة المسلمات، كتحريم التعامل بالربا، ووجوب لبس المرأة الحجابَ، وإعطاء الذكر ضعف الأنثى من الميراث، ومنها الظني ثبوتاً أو دلالة كالاختلاف في حجاب المرأة في مسألة الوجه والكفين، والاختلاف في تفسير بعض الآيات، فهذه الدائرة هي مجال الاختلاف والحوار، كما أنه ليس بالضرورة أن يخلص الحوار في المسائل الاجتهادية إلى اتفاق الكلمة – وإن كان من الأمور المحبوبة- وذلك لأن المدارك والأفهام قد تختلف من إنسان إلى آخر، كما أن دلالات النصوص قد تحتمل كل هذه الآراء، وعندها يدور الحوار حول إقناع الآخرين بإحدى هذه الآراء مثلاً، ويسمى هذا الاختلاف اختلاف تنوع وهو محمود.
والمجتهد المنصف لا ينبغي له إلزام مجتهد آخر بالنتيجة التي توصل إليها، ولذلك لما أراد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور -رحمه الله- أن يحمل الناس على كتاب الإمام مالك ويوحدهم على رأي واحد، قال له الإمام مالك -رحمه الله-: لا تفعل، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا به، من اختلاف الناس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار كل بلد لأنفسهم.
قال الحافظ ابن عبد البر: وهذا غاية في الإنصاف لمن فهم. ويقول سفيان الثوري -رحمه الله: ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً من إخواني أن يأخذ به.
وغير خاف أن بلادنا بحمد الله، تزخر بالثروة العلمية والانفتاح عليها؛ طلباً للحق بدليله، بعيداً عن ربقة التقليد والسائد من القول، فالرجال كما سبق يعرفون بالحق.
والحديث الضافي عن بدعة مصطلح : " الاختلاط " صادر من شخصية علمية تعي ما تقول، ونعرف من تكون في أصلها وتأصيلها وغيرتها وسلفيتها، وقد وضعت أكواباً أُخذ منها على قدر القرائح والفهوم، وسالت أودية بقدرها .

الموسوعة

وقد ورد في الموسوعة الفقهية عن مادة "اختلاط" ما يلي:
أولاً: التّعريف :
1 - الاختلاط ضمّ الشّيء إلى الشّيء ، وقد يمكن التّمييز بينهما كما في الحيوانات ، وقد لا يمكن كما في المائعات فيكون مزجاً . ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى . الألفاظ ذات الصّلة :
2 - الامتزاج هو انضمام شيء إلى شيء بحيث لا يمكن التّمييز بينهما ، ويختلف عنه الاختلاط بأنّه أعمّ ؛ لشموله ما يمكن التّمييز فيه وما لا يمكن . الحكم الإجماليّ :
3 - يختلف الحكم بحسب المسائل الّتي يجري فيها الاختلاط ، فقد يكون أثر الاختلاط هو الحرمة . وذلك تبعاً لقاعدة : إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام ، كما لو اختلطت المساليخ المذكّاة بمساليخ الميتة دون تمييز ، فإنّه لم يجز تناول شيء منها ، ولا بالتّحرّي إلاّ عند المخمصة . ويجوز التّحرّي إذا كانت الغلبة للمذكّاة كما يقول الحنفيّة . وكذلك لو اختلطت زوجته بغيرها فليس له الوطء ولا بالتّحرّي ، ومثل ذلك من طلّق إحدى زوجتيه مبهماً ، يحرم عليه الوطء قبل التّعيين . وقد يكون أثر الاختلاط هو الاجتهاد والتّحرّي غالباً فالأواني إذا كان بعضها طاهراً وبعضها نجساً ولم تتميّز ، وكذلك الثّياب إذا اختلط الطّاهر بالنّجس فإنّه يتحرّى للطّهارة واللّبس . وهذا عند الجمهور وبعض الفقهاء يقول عدم التّحرّي وهم الحنابلة إلاّ بعضهم . وقد يكون أثر الاختلاط هو الضّمان . ومن ذلك ما إذا خلط المودع الوديعة بماله ولم تتميّز فإنّه يضمن لأنّ الخلط إتلاف . وقد يعتبر الاختلاط إبطالاً لبعض العقود كالوصيّة ، فمن وصّى بشيء معيّن خلطه بغيره على وجه لا يتميّز منه كان رجوعاً في الوصيّة . ومن صور الاختلاط :
ثانياً : اختلاط الرّجال بالنّساء :

Quote:
الاختلاطُ - يا أهل الإيمان - بريدٌ إلى السفور، طريقٌ نحو الفُجُور، إذا حلَّ الاختلاطُ في المجتمعاتِ مرضَت القلوبُ، وفسدت الأخلاق، وانْتُزِعَ الحياء، وضعفت القِوامة، وانطفَأَتِ الغَيْرَةُ، وانتشرتِ المُحَرَّماتُ والموبقات، وفشتْ حالات الإغراء والابْتِزَاز.


هل من متّعظ ؟ ؟ ؟ !!!


للرفع لمناسبة الموضوع