الاحتفال برأس السنة الميلادية //نايف بن أحمد الحمد
احمد ابوبكر
1436/03/05 - 2014/12/27 04:18AM
[align=justify]الحمد لله، وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: ففي كل عام مثل هذا الوقت تنشط وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في كثير من الدول الإسلامية فضلاً عن غيرها لنشر برامج احتفالات رأس السنة الميلادية ودعوة الناس للمشاركة فيها وتخصيص أماكن معينة للاحتفالات، وتُزين الشوارع والأماكن العامة والخاصة بأنواع كثيرة ومتنوعة من أشكال الزينة مما يوجب على العلماء وطلبة العلم بيان حكم ذلك شرعاً.
لذا فقد جمعت ما تيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال أهل العلم ورتبتها مع إضافات يسيرة فأقول مستعينا بالله - تعالى -:
أولاً: مما يعلم من الدين بالضرورة أن الله - تعالى -قد أكمل لنا الدين وأتم الرسالة قال - تعالى -: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً (المائدة: 3) ولا دين حق الآن غير الإسلام الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران: 19) وقال - تعالى -: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 85).
قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى -: "يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يطلب دينا غير دين الإسلام لـيدين به، فلن يقبل الله منه، وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ يقول: من البـاخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله - عز وجل -. وذُكر أن أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم الـمسلـمون لـما نزلت هذه الآية، فأمرهم الله بـالـحجّ إن كانوا صادقـين؛ لأن من سنة الإسلام الـحجّ، فـامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم" ا. هـ التفسير 3/241.
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "وقوله - تعالى -: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلَـامُ إخبار منه - تعالى -بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن لقي الله بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - بدين على غير شريعته فليس بمتقبل، كما قال - تعالى -: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَـامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ا. هـ التفسير 2/19.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، فتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام، فيقول: أي يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك فيقول الله - عز وجل -: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله - عز وجل -: إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي، فقال الله - عز وجل - في كتابه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ رواه أحمد (8678) وأبو يعلى (6236) قال الهيثمي: "وفيه: عباد بن راشد، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح" ا. هـ مجمع الزوائد 10/624.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فالإسلام دين أهل السموات ودين أهل التوحيد من أهل الأرض لا يقبل الله من أحد دينا سواه فأديان أهل الأرض ستة واحد للرحمن وخمسة للشيطان فدين الرحمن هو الإسلام والتي للشيطان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة ودين المشركين" ا. هـ مدارج السالكين.
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى الإسلام بياناً شافياً فعن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بارِزاً يَوْماً للناسِ، فأتاهُ رَجُلٌ فقالَ: ما الإِيمانُ؟ قال: (الإِيمانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلاَئِكتِهِ، وبِلقائه، وَرُسُلِهِ، وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ) قال: ما الإِسلامُ؟ قال: (الإِسْلامُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ولا تُشْرِكَ بهِ، وَتُقِيمَ الصلاةَ، وَتُؤَدّيَ الزكاةَ المَفْروضةَ، وتَصومَ رَمضانَ) قال: ما الإِحسانُ؟ قال: (أنْ تَعْبُدَ اللَّهِ كأَنكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنهُ يراك) قال: مَتى الساعةُ؟ قال: (ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِنَ السائل، وسأُخبِرُكَ عنْ أشَراطها: إِذا وَلَدَت الأَمَةُ رَبها؛ وإِذَا تَطاوَلَ رُعاةُ الإِبلِ البُهْمِ في البُنْيانِ، في خَمْس لا يَعْلَمُهنَّ إلاَّ اللَّهُ) ثمَّ تَلا النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَاعةِ الآية، ثمَ أدْبَرَ، فقال رُدوهُ، فلم يَرَوا شَيئاً، فقال: (هذا جِبْريلُ جاءَ يُعَلِّمُ الناسَ دِينَهُم) رواه البخاري (50).
و عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزكاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري(8) ومسلم (79).
وهذا الأمر شامل جميع الأمم من أهل الكتاب وغيرهم فمن لم يؤمن به - عليه الصلاة والسلام - ويتبعه فهو من أهل هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (البينة: 6) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنهُ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمةِ يَهُودِي وَلاَ نَصْرَانِي، ثُم يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النارِ رواه مسلم (341).
ثانياً: أن مما أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أقواماً من أمته ستقلد أهل الكتاب فيما يفعلونه فعن أبي سعيدٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتتّبِعُن سَنَنَ من كان قبلَكم شِبراً بشِبرٍ وذِراعاً بذِراع، حتّى لو سَلَكوا جُحرَ ضَبٍّ لَسَلكتُموهُ) قلنا: يا رسولَ الله، اليهودَ والنصارَى؟ قال: (فمَن) رواه البخاري (3381) ومسلم (6732) ورواه الحاكم (8454) وصححه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وفي آخره: (وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه) قال المناوي: إسناده صحيح. تحفة الأحوذي 6/342.
قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "هذا خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبر عما يفعل الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمة" ا. هـ فيض القدير 5/262.
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: "والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -" ا. هـ شرح صحيح مسلم 16/189تحفة الأحوذي 6/342.
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "والمقصود من هذه الأخبار عما يقع من الأقوال والأفعال المنهي عنها شرعاً مما يشابه أهل الكتاب قبلنا أن الله ورسوله ينهيان عن مشابهتهم في أقوالهم وأفعالهم حتى لو كان قصد المؤمن خيراً لكنه تشبه ففعله في الظاهر فعلهم" ا. هـ البداية والنهاية 2/142.
قال المناوي - رحمه الله تعالى -: "وذا من معجزاته فقد اتبع كثير من أمته سنن فارس في شيمهم ومراكبهم وملابسهم وإقامة شعارهم في الحروب وغيرها وأهل الكتابين في زخرفة المساجد وتعظيم القبور حتى كاد أن يعبدها العوام وقبول الرشا وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء وترك العمل يوم الجمعة" ا. هـ فيض القدير 5/262.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح: (لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها) ا. هـ فتح الباري 15/235
وهذا التقليد قد بلغ مبلغاً عظيماً هذه الأزمنة بسبب التقدم التقني الذي أحرزه الغرب مما فتن كثيراً من المسلمين بهم وساعد في نشر ذلك سهولة نقل هذه الأمور من أقصى الغرب إلى جميع بلاد المسلمين في ثوان معدودة عبر وسائل الإعلام المتنوعة المرئية والمسموعة والشبكة العنكبوتية فالعالم اليوم أصبح بيتاً واحداً وهذه الاحتفالات التي تحصل في مدن العالم يراها المسلم لحظة بلحظة ويتنقل من مدينة إلى أخرى كلمح بالبصر والله المستعان، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذٍ بدينه كالقابض على الجمر) أو قال: (على الشوك) رواه أحمد (8982) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال الحسن بعد روايته للحديث: "فو اللّه لقد رأيناهم صوراً بلا عقول، وأجساماً بلا أحلام، فراشُ نارٍ، وذبابُ طمعٍ يغدون بدرهمين، ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن العنز" رواه عنه أحمد (18060) والحاكم (6317).
ثالثاً: لا بد أن نعلم أن الأعياد في الإسلام عبادة من العبادات التي نتقرب بها إلى الله - تعالى - وأعياد المسلمين معروفة معلومة ثلاثة لا رابع لها عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن يوم الجمعة يومُ عيد، فلا تجعلوا يومَ عيدكم يومَ صيامكم، إلاَّ أن تصوموا قبلَه أو بعدَه) رواه أحمد (7983) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2512) وابن خزيمة (2155) وصححه الحاكم (1630).
وعن أنَسٍ - رضي الله عنه - قال: "قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قالُوا: كُنا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليةِ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) رواه أحمد (11750) وأبو داود (1135) والحاكم (1124) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح" ا. هـ البلوغ /93 فتح الباري 3/113.
قال المجد ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: الحديث يفيد حرمة التشبه بهم في أعيادهم لأنه لم يقرهما على العيدين الجاهليين ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة وقال أبدلكم والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع بين البدل أو المبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا في ترك اجتماعهما ا. هـ فيض القدير 4/511.
رابعاً: لنعلم أن مخالفة المشركين وأهل الكتاب مأمور به في شرعنا فعن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (غَيِّروا الشَّيْبَ، ولا تَشَبهوا باليَهُودِ والنصَارَى) رواه أحمد (8611) وأبو يعلى (5981) واللفظ لهما والترمذي (1753) وقال: "حسن صحيح" وصححه ابن حبان (5376) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى) رواه مسلم (555).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ) رواه مسلم (556).
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح" ا. هـ فتح الباري 4/771، تحفة الأحوذي 3/397.
وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "وقد دل الكتاب، وجاءت سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنّة خلفائه الراشدين التي أجمع أهل العلم عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم" ا. هـ الفتاوى 25/327.
أما من تشبه بهم في أعيادهم وغيرها فهو على خطر عظيم فعن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم) رواه أحمد (5106) وأبو داود (3040) وصححه ابن حبان. قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "هذا إسناد جيد" ا. هـ اقتضاء الصراط المستقيم 1/240.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "أخرجه أبو داود بسند حسن" فتح الباري 11/443.
قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "أقلُّ أحوالِهِ أنْ يقتضي تحريمَ التشبه، وإنْ كانَ ظاهرُهُ يقتضي كفرَ المتشبِّهِ بهمْ" ا. هـ الفروع 1/348، كشاف القناع 1/236، شرح منتهى الإرادات 1/149.
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وسر ذلك أن المشابهة في الـهَدْي الظاهِرِ ذريعةٌ إلى الموافقة في القصد والعمل" ا. هـ إعلام الموقعين 2/107.
وقال - رحمه الله تعالى -: "ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة؛ لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة فإنه إذا أشبه الهدى الهدى أشبه القلب القلب" ا. هـ إغاثة اللهفان.
وقال الصنعاني - رحمه الله تعالى -: "والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو المبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة، قالوا: فإذا تشبه بالكفار في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء منهم من قال: يكفر وهو ظاهر الحديث ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب" ا. هـ سبل السلام /2018.
وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "فإِذا كان هذا في التشبه بهم وإن كان في العادات فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك؟ وقد كره جمهور الأئمة إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالاً له فيما أهلَّ به لغير الله وما ذبح على النصُبِ، وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم لا لحماً، ولا أدماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم" ا. هـ الفتاوى 25/331.
وقال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم لأن الله - تعالى -شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حيين لم يكن لهما شرع متبع بل لو كانا موجودين، بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة فإذا كان الله - تعالى -قد مَنَّ علينا بأن جعلنا من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولاً ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلاً ولا كثيراً ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ا. هـ البداية والنهاية 2/142.
خامساً: الواجب علينا تجاه ما ذكرته أعلاه:
1- أن يكون اليوم الأول من أيام السنة الميلادية وليلته كسائر أيام العام فلا نظهر فيه أي مظهر من مظاهر الاحتفال.
2- أن يتفقد كل واحد منا أهله وأولاده خشية الوقوع في شيء من ذلك بسبب صحبة حثته عليه أو قناة دعته إليه أو حب استطلاع أو تقليد فعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنهُ قَالَ: (أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ. وَكُلُّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى الناسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيتِهِ، وَالرجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْوولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (882) ومسلم (4680).
قال المناوي - رحمه الله تعالى -: "يعني كلكم مستلزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان والياً ومن عدم الخيانة إن كان مولياً عليه (وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل لـه الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة " ا. هـ فيض القدير 5/38.
3- أن لا نتبادل التهاني والهدايا بهذه المناسبة لا مع المسلمين ولا مع غيرهم ممن يحتفل بها خاصة ليلة مولد المسيح -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممَن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت اللّه وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق " ا. هـ أحكام أهل الذمة 1/441.
4- لا يجوز تعطيل الأعمال ذلك اليوم لا الدراسة ولا العمل الرسمي و الخاص.
5- عدم الاتصال على البرامج المباشرة عبر القنوات الفضائية والإذاعية وإهداء الأغاني والتحيات وغيرها إلا من يتصل عليها على وجه الإنكار فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ -صلى اله عليه وسلم- يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (140).
6- على تجار المسلمين أن يتقوا الله - تعالى -وأن لا يبيعوا شيئاً مما يُعين على إظهار هذه الشعيرة، قال ابن الحاج - رحمه الله تعالى -: "لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانياً شيئاً من مصلحة عيده لا لحماً ولا أدماً ولا ثوباً ولا يعارون شيئاً ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم، وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك" ا. هـ فتاوى ابن حجر الهيتمي 4/238.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، واحشرنا في زمرة سيد المرسلين، محمد خاتم النبيين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[/align]
لذا فقد جمعت ما تيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال أهل العلم ورتبتها مع إضافات يسيرة فأقول مستعينا بالله - تعالى -:
أولاً: مما يعلم من الدين بالضرورة أن الله - تعالى -قد أكمل لنا الدين وأتم الرسالة قال - تعالى -: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً (المائدة: 3) ولا دين حق الآن غير الإسلام الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران: 19) وقال - تعالى -: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 85).
قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى -: "يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يطلب دينا غير دين الإسلام لـيدين به، فلن يقبل الله منه، وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ يقول: من البـاخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله - عز وجل -. وذُكر أن أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم الـمسلـمون لـما نزلت هذه الآية، فأمرهم الله بـالـحجّ إن كانوا صادقـين؛ لأن من سنة الإسلام الـحجّ، فـامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم" ا. هـ التفسير 3/241.
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "وقوله - تعالى -: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلَـامُ إخبار منه - تعالى -بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن لقي الله بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - بدين على غير شريعته فليس بمتقبل، كما قال - تعالى -: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَـامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ا. هـ التفسير 2/19.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، فتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام، فيقول: أي يا رب أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك فيقول الله - عز وجل -: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله - عز وجل -: إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي، فقال الله - عز وجل - في كتابه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ رواه أحمد (8678) وأبو يعلى (6236) قال الهيثمي: "وفيه: عباد بن راشد، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح" ا. هـ مجمع الزوائد 10/624.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فالإسلام دين أهل السموات ودين أهل التوحيد من أهل الأرض لا يقبل الله من أحد دينا سواه فأديان أهل الأرض ستة واحد للرحمن وخمسة للشيطان فدين الرحمن هو الإسلام والتي للشيطان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة ودين المشركين" ا. هـ مدارج السالكين.
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى الإسلام بياناً شافياً فعن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بارِزاً يَوْماً للناسِ، فأتاهُ رَجُلٌ فقالَ: ما الإِيمانُ؟ قال: (الإِيمانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلاَئِكتِهِ، وبِلقائه، وَرُسُلِهِ، وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ) قال: ما الإِسلامُ؟ قال: (الإِسْلامُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ولا تُشْرِكَ بهِ، وَتُقِيمَ الصلاةَ، وَتُؤَدّيَ الزكاةَ المَفْروضةَ، وتَصومَ رَمضانَ) قال: ما الإِحسانُ؟ قال: (أنْ تَعْبُدَ اللَّهِ كأَنكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنهُ يراك) قال: مَتى الساعةُ؟ قال: (ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِنَ السائل، وسأُخبِرُكَ عنْ أشَراطها: إِذا وَلَدَت الأَمَةُ رَبها؛ وإِذَا تَطاوَلَ رُعاةُ الإِبلِ البُهْمِ في البُنْيانِ، في خَمْس لا يَعْلَمُهنَّ إلاَّ اللَّهُ) ثمَّ تَلا النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَاعةِ الآية، ثمَ أدْبَرَ، فقال رُدوهُ، فلم يَرَوا شَيئاً، فقال: (هذا جِبْريلُ جاءَ يُعَلِّمُ الناسَ دِينَهُم) رواه البخاري (50).
و عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزكاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري(8) ومسلم (79).
وهذا الأمر شامل جميع الأمم من أهل الكتاب وغيرهم فمن لم يؤمن به - عليه الصلاة والسلام - ويتبعه فهو من أهل هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (البينة: 6) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنهُ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمةِ يَهُودِي وَلاَ نَصْرَانِي، ثُم يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النارِ رواه مسلم (341).
ثانياً: أن مما أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أقواماً من أمته ستقلد أهل الكتاب فيما يفعلونه فعن أبي سعيدٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لتتّبِعُن سَنَنَ من كان قبلَكم شِبراً بشِبرٍ وذِراعاً بذِراع، حتّى لو سَلَكوا جُحرَ ضَبٍّ لَسَلكتُموهُ) قلنا: يا رسولَ الله، اليهودَ والنصارَى؟ قال: (فمَن) رواه البخاري (3381) ومسلم (6732) ورواه الحاكم (8454) وصححه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وفي آخره: (وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه) قال المناوي: إسناده صحيح. تحفة الأحوذي 6/342.
قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "هذا خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله كما كان يخبر عما يفعل الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمة" ا. هـ فيض القدير 5/262.
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: "والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -" ا. هـ شرح صحيح مسلم 16/189تحفة الأحوذي 6/342.
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "والمقصود من هذه الأخبار عما يقع من الأقوال والأفعال المنهي عنها شرعاً مما يشابه أهل الكتاب قبلنا أن الله ورسوله ينهيان عن مشابهتهم في أقوالهم وأفعالهم حتى لو كان قصد المؤمن خيراً لكنه تشبه ففعله في الظاهر فعلهم" ا. هـ البداية والنهاية 2/142.
قال المناوي - رحمه الله تعالى -: "وذا من معجزاته فقد اتبع كثير من أمته سنن فارس في شيمهم ومراكبهم وملابسهم وإقامة شعارهم في الحروب وغيرها وأهل الكتابين في زخرفة المساجد وتعظيم القبور حتى كاد أن يعبدها العوام وقبول الرشا وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء وترك العمل يوم الجمعة" ا. هـ فيض القدير 5/262.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح: (لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها) ا. هـ فتح الباري 15/235
وهذا التقليد قد بلغ مبلغاً عظيماً هذه الأزمنة بسبب التقدم التقني الذي أحرزه الغرب مما فتن كثيراً من المسلمين بهم وساعد في نشر ذلك سهولة نقل هذه الأمور من أقصى الغرب إلى جميع بلاد المسلمين في ثوان معدودة عبر وسائل الإعلام المتنوعة المرئية والمسموعة والشبكة العنكبوتية فالعالم اليوم أصبح بيتاً واحداً وهذه الاحتفالات التي تحصل في مدن العالم يراها المسلم لحظة بلحظة ويتنقل من مدينة إلى أخرى كلمح بالبصر والله المستعان، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذٍ بدينه كالقابض على الجمر) أو قال: (على الشوك) رواه أحمد (8982) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال الحسن بعد روايته للحديث: "فو اللّه لقد رأيناهم صوراً بلا عقول، وأجساماً بلا أحلام، فراشُ نارٍ، وذبابُ طمعٍ يغدون بدرهمين، ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن العنز" رواه عنه أحمد (18060) والحاكم (6317).
ثالثاً: لا بد أن نعلم أن الأعياد في الإسلام عبادة من العبادات التي نتقرب بها إلى الله - تعالى - وأعياد المسلمين معروفة معلومة ثلاثة لا رابع لها عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن يوم الجمعة يومُ عيد، فلا تجعلوا يومَ عيدكم يومَ صيامكم، إلاَّ أن تصوموا قبلَه أو بعدَه) رواه أحمد (7983) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2512) وابن خزيمة (2155) وصححه الحاكم (1630).
وعن أنَسٍ - رضي الله عنه - قال: "قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قالُوا: كُنا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليةِ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) رواه أحمد (11750) وأبو داود (1135) والحاكم (1124) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح" ا. هـ البلوغ /93 فتح الباري 3/113.
قال المجد ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: الحديث يفيد حرمة التشبه بهم في أعيادهم لأنه لم يقرهما على العيدين الجاهليين ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة وقال أبدلكم والإبدال يقتضي ترك المبدل منه إذ لا يجتمع بين البدل أو المبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا في ترك اجتماعهما ا. هـ فيض القدير 4/511.
رابعاً: لنعلم أن مخالفة المشركين وأهل الكتاب مأمور به في شرعنا فعن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (غَيِّروا الشَّيْبَ، ولا تَشَبهوا باليَهُودِ والنصَارَى) رواه أحمد (8611) وأبو يعلى (5981) واللفظ لهما والترمذي (1753) وقال: "حسن صحيح" وصححه ابن حبان (5376) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى) رواه مسلم (555).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ) رواه مسلم (556).
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح" ا. هـ فتح الباري 4/771، تحفة الأحوذي 3/397.
وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "وقد دل الكتاب، وجاءت سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنّة خلفائه الراشدين التي أجمع أهل العلم عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم" ا. هـ الفتاوى 25/327.
أما من تشبه بهم في أعيادهم وغيرها فهو على خطر عظيم فعن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم) رواه أحمد (5106) وأبو داود (3040) وصححه ابن حبان. قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "هذا إسناد جيد" ا. هـ اقتضاء الصراط المستقيم 1/240.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "أخرجه أبو داود بسند حسن" فتح الباري 11/443.
قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "أقلُّ أحوالِهِ أنْ يقتضي تحريمَ التشبه، وإنْ كانَ ظاهرُهُ يقتضي كفرَ المتشبِّهِ بهمْ" ا. هـ الفروع 1/348، كشاف القناع 1/236، شرح منتهى الإرادات 1/149.
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وسر ذلك أن المشابهة في الـهَدْي الظاهِرِ ذريعةٌ إلى الموافقة في القصد والعمل" ا. هـ إعلام الموقعين 2/107.
وقال - رحمه الله تعالى -: "ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة؛ لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة فإنه إذا أشبه الهدى الهدى أشبه القلب القلب" ا. هـ إغاثة اللهفان.
وقال الصنعاني - رحمه الله تعالى -: "والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو المبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة، قالوا: فإذا تشبه بالكفار في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء منهم من قال: يكفر وهو ظاهر الحديث ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب" ا. هـ سبل السلام /2018.
وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "فإِذا كان هذا في التشبه بهم وإن كان في العادات فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك؟ وقد كره جمهور الأئمة إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالاً له فيما أهلَّ به لغير الله وما ذبح على النصُبِ، وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم لا لحماً، ولا أدماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم" ا. هـ الفتاوى 25/331.
وقال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم لأن الله - تعالى -شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حيين لم يكن لهما شرع متبع بل لو كانا موجودين، بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة فإذا كان الله - تعالى -قد مَنَّ علينا بأن جعلنا من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولاً ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلاً ولا كثيراً ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ا. هـ البداية والنهاية 2/142.
خامساً: الواجب علينا تجاه ما ذكرته أعلاه:
1- أن يكون اليوم الأول من أيام السنة الميلادية وليلته كسائر أيام العام فلا نظهر فيه أي مظهر من مظاهر الاحتفال.
2- أن يتفقد كل واحد منا أهله وأولاده خشية الوقوع في شيء من ذلك بسبب صحبة حثته عليه أو قناة دعته إليه أو حب استطلاع أو تقليد فعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنهُ قَالَ: (أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ. وَكُلُّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى الناسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيتِهِ، وَالرجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْوولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (882) ومسلم (4680).
قال المناوي - رحمه الله تعالى -: "يعني كلكم مستلزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان والياً ومن عدم الخيانة إن كان مولياً عليه (وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل لـه الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة " ا. هـ فيض القدير 5/38.
3- أن لا نتبادل التهاني والهدايا بهذه المناسبة لا مع المسلمين ولا مع غيرهم ممن يحتفل بها خاصة ليلة مولد المسيح -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممَن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت اللّه وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق " ا. هـ أحكام أهل الذمة 1/441.
4- لا يجوز تعطيل الأعمال ذلك اليوم لا الدراسة ولا العمل الرسمي و الخاص.
5- عدم الاتصال على البرامج المباشرة عبر القنوات الفضائية والإذاعية وإهداء الأغاني والتحيات وغيرها إلا من يتصل عليها على وجه الإنكار فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ -صلى اله عليه وسلم- يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (140).
6- على تجار المسلمين أن يتقوا الله - تعالى -وأن لا يبيعوا شيئاً مما يُعين على إظهار هذه الشعيرة، قال ابن الحاج - رحمه الله تعالى -: "لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانياً شيئاً من مصلحة عيده لا لحماً ولا أدماً ولا ثوباً ولا يعارون شيئاً ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم، وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك" ا. هـ فتاوى ابن حجر الهيتمي 4/238.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، واحشرنا في زمرة سيد المرسلين، محمد خاتم النبيين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[/align]