الاحتفال بأعياد الكفار.. الكريسماس أنموذجا - خطب مختارة

الفريق العلمي
1440/04/20 - 2018/12/27 11:48AM

تعيش المجتمعات الإسلامية المعاصرة أزمة هوية حقيقية، ما بين الشرق والغرب، وما بين الانتماء للإسلام والانتماء لغيره من المناهج والأفكار الموجودة على الساحة الفكرية والثقافية والسياسية، بل لا نكون مبالغين إذا قلنا: بين الهوية الإسلامية واللا هوية المطلقة، فالشباب المثقف الذي له القدرة على تمييز المنهج الإسلامي من غيره واختاره أو اختار غيره عليه هم قلة في أوساط الشباب الذين فقدوا دفَّة التمييز وعاشوا حالة من اللا هوية الدينية والفكرية والثقافية.

 بيد أن مسألة الهوية والتمسك بالتراث الديني والقومي تعد هي الفارقة في قيام الأمم على مدار التاريخ، والأمة الإسلامية -على وجه الخصوص- لم تزل في تقدم وازدهار ورقي مادامت محافظة على هويتها الدينية وتراثها مع المرونة في مسايرة روح العصر والتقدم التقني، ويشهد التاريخ بأن مسيرة التقهقر والتراجع الإسلامي ما نشأت إلا بعدما سلكت الأمة طريق التنازلات الثقافية والتراثية والشرعية، وهذا من البديهيات؛ فالأمم القوية لا تزال متبوعة في عاداتها وتقاليدها ومظاهر تحضرها، والأمم الضعيفة التي لا تاريخ لها ولا امتداد لها دينيًا ولا حضاريًا –أو حتى تلك التي تخلت عن امتدادها الحضاري والتاريخي بمحض إرادتها أو بالقوة الجبرية- تظل تابعة للأمم القوية من حولها، تحاكيها وتتشبه بها، وهو الواقع الإسلامي المعاصر، فعمليات الاستعمار العسكري أثبتت فشلها في الدول الإسلامية، بل أدرك الأعداء أنها تأتي بنتائج عكسية في كثير من الأحيان؛ لأنها توقظ روح المقاومة في الشعوب، وتحيي بداخلها إحساسها بدينها وشريعتها وامتداداتها التاريخية، وهو ما لا يريده الأعداء؛ لذا فالاختراق والاستعمار الفكري وقتل الهوية الدينية وإثارة النعرات القبلية والقومية مع الترويج للمفاهيم الليبرالية والعلمانية واللا دينية يعد حاليًا من أقوى أساليب الحرب على المجتمعات الإسلامية، ومع الأسف فقد أثبت نجاحه في غير ما بلد إسلامي بات لا يحمل من الإسلام إلا الاسم المجرد، فيما تحولت العادات والتقاليد وأسلوب الحياة فيه إلى النمط الغربي تمامًا.

 

إن المخططات الغربية الحديثة قد تمالأت وتوطأت لضرب هوية الأمة الإسلامية، وذلك بالترويج لمفاهيم مطاطة موهمة، فالمناهج الفكرية تستهدف تحييد الدين عن ساحة الصراع الثقافي والفكري والعسكري، وتسييد العقل وتحكيمه في الصراع -زعموا-، رغم أن العقل والشرع لا يتنازعان ولا يختلفان، فهي مجرد دعوى خاوية من أي مضمون مستساغ حسًّا وعقلاً، فهي ليست تحكيمًا للعقل بقدر ما هي تحكيم لقوانين ومبادئ بشرية غربية تتحكم في مقدرات البشر وعاداتهم وتقاليدهم وأديانهم، فإذا حُيِّد الإسلام وصار على هامش الحياة بات كل متغير قابلاً للقبول والرد، بل صارت العادات والتقاليد المنبثقة من الإسلام مجرد فكرة رجعية ماضوية عفا عليها الزمن ينبغي التحرر منها والتفكير في نبذها!!

 

وهذا هو عين ما وقع في دول إسلامية كبرى، فمظاهر اضمحلال الهوية وتقلصها في نفوس المسلمين -لاسيما من الشباب- باتت ملحوظة لكل راءٍ، ومن ذلك مثلاً انتشار صور الهالك الشيوعي تشي جيفارا التي يضعها الشباب على ملابسهم وسياراتهم، قد لا يدري كثيرون منهم مَنْ هذا ولكنهم يفعلونه! وهذا كما قلنا نوع من اللا هوية المسيطرة على عقول الشباب، وكذلك سيطرة الأحرف الأجنبية على واجهات المحلات وأسماء الشركات الكبرى وأيضًا ملابس الأطفال والكبار، إضافة إلى الاحتفالات بأعياد النصارى واليهود وغيرهم ومشاركتهم في لهوهم وأحيانًا في باطلهم، كل ذلك نتيجة غياب الانتماء الإسلامي وانفصال القدوات عن حياة الشباب، وهو ما نتج عنه وجود فراغ ينبغي أن يُملأ بكائن ما كان.

 

لقد مرت بالأمة الإسلامية أزمنة كان فيها ملوك أوروبا يرسمون كلمة التوحيد على عروشهم تأسيًا بملوك وخلفاء المسلمين، وكانت الأنظار تتجه لمحاكاة أسلوب الحكم وسلوكيات وطريقة تفكير وتقاليد والمنهج العلمي لأفراد الأمة الإسلامية المتحضرة في العصور الوسطى عصور الظلام الأوروبية، إلا أن التبعية الثقافية والفكرية المقيتة للغرب التي تأصلت فينا نحن المسلمين في الزمن المعاصر، أو ما يسميها البعض "عقدة الخواجة"، سيطرت على الكثيرين من أبناء الأمة سدًّا للفراغ الناشئ عن تقهقر الشعور بالهوية الإسلامية في نفوس الأفراد، وتنفيذًا لأجندات غربية لا تزيد الأمة إلا بلاءً وتنازعًا بين الشرق والغرب.

 

لذا فإن الأمم التي تعقل وتتمتع بتفكير علمي عميق تسعى لأن يكون لها نوع من التفرد الحضاري والخصائص الأممية المميزة لها عن بقية الأمم الأخرى، فلا معنى في أن تكون حضارةُ أمة تكرارًا لحضارة أمة أخرى بكل أشكالها ومعالمها ومظاهرها، بل إن هذا مستحيل شرعًا وعقلاً: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) [المائدة: 48]، وهذا لم يحدث على مدار التاريخ كله أن تتحول أمة إلى أمة أخرى فكرًا وثقافة إلا بالتحولات الدينية الكبرى التي تكفل وحدها سلخ الأمم عن جلدها وتحولها تحولاً كاملاً، فإن حاول الأفراد فِعْلَ ذلك باتوا مسوخًا مشوهة، مهزوزين مذبذبين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فينبذهم مجتمعهم من جانب، ولا يقدِّرهم الغرب ولا يرفع لهم رأسًا من جانب آخر.

 

والنفوس البشرية مفتقرة دومًا إلى الدين، تتحسسه كلما ادلهمت بها الخطوب أو ساورتها المشكلات، فمهما انسلخ الأفراد من تعاليم دينهم إلا أن الشعور به يظل شمعة خافتة في أقصى الضمير، يلح عليها من حين لآخر يبغي الخروج، فيعيش الفرد تناقضًا نفسيًا بين ما يعتنقه من أفكار ومبادئ وسلوكيات مناقضة للدين، وبين ما تدفعه إليه نفسه وعقله اللا واعي من الانقياد لإله والافتقار إلى نِعَمِه ووجوده، وبالتالي يقع المجتمع بالكامل في حالة من التناقض والتذبذب والاضطراب هي نفسها التي وقع فيها الأفراد بسبب ضعف الهوية واضمحلالها أو تلاشيها بالكلية.

 

بقي أن نشير إلى أن النفسية اليهودية أو النصرانية –سواء في ذلك الغربية أم الشرقية- تأبى إلا التبعية المطلقة لها في المنهج والدين والملة، وهو ما نراه الآن واقعًا في فرض نمط الحياة الغربي على الدول الإسلامية والعربية قسرًا وبحد السيف، كما وقع في العراق وأفغانستان، وكما يحاول الغرب فعله في دول أخرى كثيرة عن طريق زرع العملاء من "الكُتَّاب" و"المثقفين" و"المفكرين" و"الأدباء" و"السياسيين" و"الباحثين الاجتماعيين" -مع التحفظ على تلكم الأوصاف- واستمالتهم؛ لتغيير التركيبة الثقافية للمجتمع المنبثقة أساسًا من هويته الدينية الإسلامية، ومن ثمَّ التأثير فيه وتسهيل عملية انقياده؛ قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) [البقرة: 120]، فهو شأن فطري أبدي لا تغيره الأحوال ولا يبدله مرور الزمان، فما أن تعلو دولة النصارى أو اليهود أو تتغلب في بلد إلا وتصبغ المجتمع وما حوله من مجتمعات بصبغتها، سواء صبغتها السياسية أم الاجتماعية أم القيمية، وتقيمه على نهجها، ولم يخبر التاريخ أن أمة من الأمم استعصت على التبعية للغرب كما استعصت عليها أمة الإسلام؛ ذلك أن جذوة الإيمان القوية المتوقدة في نفوس أفرادها لا تخمدها رياح التغريب والتنصير والتهويد المنتنة، فأمة الإسلام قد تغفو قليلاً لكنها لا تموت، بل سرعان ما تثوب إلى رشدها مرة أخرى؛ بسبب قوة عقيدتها، ورسوخ هويتها، وقابليتها للصعود من جديد، أما المتذبذبون والعملاء فسوف لن يذكرهم التاريخ، وإن ذكرهم فستظل ذكراهم ثلمة في جبين الصورة لا تزيدها إلا قبحًا وتشوهًا.

 

والاحتفال بأعياد المشركين ومشاركتهم وتهنئتهم من أهم ما يمكن أن يمسخ الهوية الإسلامية في النفوس؛ لما في ذلك من مشابهة لهم في الظاهر فيما يختصون به، وهو ما يورث موافقة الباطن والإعجاب بدينهم الباطل وانسياق المسلمين وراءه. وتوافق هذه الأيام احتفالات عيد النصارى برأس السنة الميلادية أو ما يسمى الكريسماس؛ لأجل ذلك كان موضوع هذه المختارات عن حكم الاحتفال بهذا العيد ومشاركة المسلمين للنصارى فيه، ومدى تأثير ذلك في هوية المسلمين سلبًا.

 

عيدا الميلاد ورأس السنة النصرانيان، أصلهما، وشعائرهما، وحكمهما؛ للشيخ إبراهيم الحقيل

 

لماذا منع الأعياد؟! للشيخ إبراهيم الحقيل

 

التشبه بالكفار وحكم أعيادهم؛ للشيخ إبراهيم الحقيل

 

أعيادنا وأعيادهم ، الشيخ إبراهيم الحقيل

 

بعض الأحكام الفقهية الخاصة بتهنئة الكفار بأعيادهم ، الشيخ عبدالقادر الجنيد

 

أعياد الكفار والتحذير من المثليين ، الشيخ خالد بن عبدالله الشايع

 

لا تشاركوهم في أعيادهم ، الشيخ خالد القرعاوي

 

نحن وأعيادهم، الشيخ عبدالله السويدان

 

خطر تهنئة الكفار بأعيادهم، الشيخ محمد الشرافي

 

ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ، الشيخ إبراهيم العجلان

 

أعياد بدعية (كشاف علمي)

 

 

المشاهدات 9055 | التعليقات 0