الاحتشام داخل البيوت
عدنان الدريويش
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، وقال تعالى ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ سورة النور .
أما بعدُ: الاحتشام هو الستر في اللباس ، شرعه الإسلام كي يحافظ المسلم على عورته أمام الآخرين ، ووضع عوامل للستر والاحتشام كالحجاب وستر العورة والاستئذان قبل الدخول ، وحدد لباس الرجل والمرأة أمام المحارم وغيرهم .
لكن يا عباد الله : ابتليت بعض المجتمعات بآباء وأمهات يرون أن الجلوس مع الأولاد بلباس غير محتشم أمر عادي، لهم الحرية المطلقة فيه والسبب أنهم محارم لهم ، وخاصة ما يكون من الأم أو الأخوات الكبار من لباس يكشف فيه الصدور والأكتاف والأفخاذ أو لباس يكون ضيّق جدًّا أو شفاف أو قصير، وكل هذا بحجة أنهم من المحارم وأنه يجوز لهم مالا يجوز لغيرهم.
أيها المسلمون : والمشكلة ليست في اللباس أمام الأطفال الصغار دون سن التمييز، لأن الصغير لا يميز ما يراه وإن كان الأولى التستر أمامه حتى يعتاد الطفل وينشأ على حب الستر ، لكن المشكلة الكبرى مع الأطفال المميزين وتكون أكبر وأكبر عندما يكون اللباس الغير محتشم أمام الكبار بنين وبنات.
يقول أحد الشباب: صرت أستحي جدًّا عندما أذهب إلى بيتي وأرى والدتي تجلس أمامي بلباسها الضيق (الاسترتش) الذي يصف جسمها وبعض الأحيان تجلس وقد بانت أفخاذها وكتفيها وصدرها، كلما رأيت مثل هذه المناظر بدأت شهوتي تتحرك فماذا أفعل؟ .
وتقول فتاة: تعودت أن أجلس أمام أبي وإخواني بلباس قصير يخرج فيه الساق وأحيانًا جزء من الفخذ، أما خروج الأكتاف والصدر فهذا طبيعي جدًّا بيننا، لكن المشكلة التي أتعبتني نظرات أخي لي، أشعر أنها تقتلني إذا جلس بقربي يحاول لمس فخذي وكتفي، بل حاول أكثر من مرة تقبيلي بدون سبب فماذا أفعل؟ .
يا عباد الله : إن الستر نعمة من رب العالمين يمنّ بها على الناس، وهتك ذلك الستر بكشف العورات وإهمال سترها يفضي إلى شر خطير ويعد وسيلة لانتشار الفواحش والأخلاق السيئة.
وأنا هنا لا أقصد أن يجلس الأب أو تجلس الأم بكامل حجابها، وأن تلبس إلا ما كان واسعًا وفضفاضًا وأن تترك زينتها، فهذا لا يقره عقل ولا نقل لأن الله سبحانه قال: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، لكن أقصد أن يتجمل الوالدان بالحياء والحشمة خاصة أمام الأولاد وأن لا يكون ما كشف من الجسم مثيرًا للشهوات.
يا عباد الله : إن الحياء يجعل صاحبه يجتنب كل سيئ وقبيح، وهو مفتاح لكل خير كما قال صلى الله عليه وسلم: « الحياءُ لا يأتي إلَّا بخيرٍ »، والحياء أساس الزينة والبهاء كما قال صلى الله عليه وسلم: « ما كان الفُحشُ في شيءٍ إلَّا شانه، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلا زانه ».
نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) سورة الأحزاب .
أما بعدُ، فيا أيها الآباء الكرام انتبهوا لأسئلة أولادكم وهم صغار ، عندما يرونكم بهذا اللباس ، خاصة :
• عندما يكثر السؤال عن الأماكن الحساسة.
• أو الضحك وتقلب مشاعرهم عند رؤية أجزاء الجسم المكشوفة.
• أو محاولة الطفل لمس الأجزاء المكشوفة.
• أو التحديق في الأجزاء المكشوفة والعارية.
• أو طلب الخصوصية لأنفسهم عند الاستحمام أو عند ارتداء الملابس.
• أو الطلب منك عدم إظهار جسمك أمامه.
• أو خلع الملابس أمامه.
قال الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَٔذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ}.. [النور: 58].
يقول العلامة ابن عاشور -رحمه الله- في تفسيره «التحرير والتنوير»: «كانت هذه الأوقات أوقاتًا يتجرد فيها أهل البيت من ثيابهم (يعني التخفف منها)، فكان من القبيح أن يرى أطفالهم عوراتهم؛ لأن ذلك منظر ينطبع في نفس الطفل؛ لأنه لم يعتد رؤيته، ولأنه يجب أن ينشأ الأطفال على ستر العورة؛ حتى يكون ذلك كالسجية فيهم إذا كبروا».
يا عباد الله : تذكروا أن كشف العورات أمام الأولاد طريق لاعتيادهم على التساهل بكشفها أمام الآخرين ، وخاصة ما يكون بين الإخوة والأخوات وبين الزملاء والأصدقاء.
أسأل الله أن يجملنا بخلق الحشمة والحياء وأن يجعل بيوتنا عامرة بالطاعة والعمل الصالح وحسن الخلق وأن يصلح لنا ولكم الذرية
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.
اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشف مرضاهم، وعاف جرحاهم، وردهم سالمين غانمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].