الاتقان في العمل، والعمل بالقول (فيديو + DOC + PDF)
المساجد الثلاثة
خطبة الجمعة 20 ربيع الأول 1442هـ – 6 أكتوبر 2020م
المسجد الأقصى
فضيلة الشيخ محمد حسين
بعنوان: الاتقان في العمل، والعمل بالقول
لمشاهدة الخطبة:
https://youtu.be/Qzv-bkBQKks
الخطبة الأولى:
الحمد لله، أحب لعباده أن يعملون لدينهم ودنياهم حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال وقوله الحق: {وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ} [التوبة: 105]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الغرّ الميامين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، أيها المرابطون في المسجد الأقصى المبارك وفي القدس وأكناف بيت المقدس: يقول لنا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه” [شعب الإيمان].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لقد فازت أمتكم الإسلامية حينما قالت وعملت، وحينما قامت بأوامر الله تعالى وأتبعت سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، فكان منها الخلفاء الراشدون، والحكام العاملون، والعلماء المخلصون، والدعاة الصادقون، فوصل إلينا هذا الدين بكل عزة وهمة واقتدار، فحافظوا أيها المسلمون على القول والعمل.
نعم يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، إنها سنة الله، {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلًاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} [فاطر: 43].
إذا قام المسلمون في كل زمان ومكان بما أمرهم الله به تعالى أفلحوا وأصابوا النجاح والخير والتوفيق، وإذا قصّروا كما هم في هذه الأيام أصابتهم الفرقة والتنازع والخلاف حتى على المتفقات عليها، فاربؤوا أيها المسلمون في هذا الزمان وترفّعوا أيها المرابطون في هذه الديار عن أن تقولوا ما لا تفعلوا، أو أن تنحرفوا عن مصادر الخير والعزة والقوة، وإذا ما أردنا التحديد والتدقيق ومصادقة أبناء هذا الشعب الصادق المرابط فإننا نقول لأبناء ديار الإسراء والمعراج، نقول لسدنة المسجد الأقصى المبارك ولحراسة الأوفياء ولحراس هذه الأرض المقدسة المباركة، أعني بذلك أبناء هذا الشعب الفلسطيني الصابر المرابط، وإذا أردنا التخصيص تماما فإننا نقول لكل فئات هذا الشعب، لكل فصائل هذا الشعب، لكل توجهات العاملين من هذا الشعب؛ لعزة هذه الشعب، وللمحافظة على مقدساته وقدسه، وللمحافظة على مقدراته، وللمحافظة على عهدهم مع آلاف آلاف الشهداء، ومع محافظتهم ورعايتهم لأنّات وآلامات آلاف الأسرى.
نعم نتواجه لأبناء هذا الشعب الكريم، هذا الشعب المرابط لنقول لإخوتنا في كل الفصائل الفلسطينية، وفي كل الأحزاب الفلسطينية، وفي كل القرى الفلسطينية لقد استمع شعبنا المرابط إلى كثير من تصريحاتكم، ولقد استمع شعبنا المرابط إلى كثير من اجتماعاتكم التي طمأنتم فيها أبناء الشعب بأنكم سائرون باتجاه ما يخدم هذا الشعب، وما يخدم أهدافه، وما يحقق له العزة والكرامة فوق أرضه الطاهرة المباركة، لقد استبشر هذا الشعب خيرًا كثيرًا بما قلتم فكونوا أوفياء بما قلتم، ونفذوا بالعمل على الأرض ما قلتم حتى لا ينطبق عليكم {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ * كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} [الصف: 2-3].
هذا قول الله تعالى، وهذا خطاب الله تعالى فأين أنتم يا قادة هذا الشعب؟ أين أنتم يا فصائل العمل الإسلامي والوطني في هذه الديار المباركة؟ أين أنتم أيها الأمناء الآمون لكل فصائل العمل الفلسطيني؟ أين أنتم يا قادة الرأي ويا أصحاب الفكر؟ أين أنتم من هذا القول والعمل؟
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: يحاسب الإنسان على قوله كما يحاسب على فعله، وبالتالي ومن هذا المنبر كان سلفنا الصالح إذا قالوا فعلوا، وإذا قالوا نفذوا، وإذا قالوا أرضوا الله ورسوله وعملوا لما فيه خير الأمة وخير العباد والبلاد.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إنما يوحد هذا الشعب أكثر مما يفرقه، وإن ما يجمع هذا الشعب أكثر مما يبعده عن بعضه بعضًا، فكلكم أبناء عقيدة راسخة سليمة، وكلكم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي حاول الأقزام أن يتطاولوا إلى مكانته الشريفة، خابوا وفشلوا وارتددت سهامهم إلى نحورهم.
نعم، أنتم حراس هذه الأرض، وفي مقدمتها القدس ومقدساتها، فماذا أنتم قائلون لله يوم يجمع الخلائق كلها بحقّ رعايتكم وحفاظكم على هذه الأرض ومقدستها؟ ألا ترون أن الطامعين في الأقصى والمقدسات، وأن الطامعين في القدس والأرض الفلسطينية قد زادت شهيتهم في قضمها، في هدم بيوتها وتشريد أهلها، في السيطرة على مزيد من أرضها وديارها؟ ألا يدعوكم هذا كله إلى أن تنهضوا فتطبقوا ما قلتم، وتنفذوا ما اتفقتم عليه حتى يطمئن هذا الشعب، وحتى تكونوا أهلًا للمسؤولية، وأهلًا لتكريم الله لكم وأنتم تذودون عن حقوق هذا الشعب، تدافعون عن تضحيات شهداءه، وعن آلام وعذابات سجنائه؟
ألا ترون أيها القادة، ألا ترون أيها الأمناء للفصائل أن مواطنًا واحدًا يخوضوا معركة العزة والبطولة بكل إيباء وبكل إخلاص في اليوم الثالث بعد المئة؟ ما زال ذاك الأسير الباطل ماهر الأخرس يجابه الظلم يجابه الجبروت بأمعائه الخاوية، مصرٌّ على نصر كريم عزيز أو شهادة {مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: إننا نناشدكم ونطالبكم كل واحد منكم في موضع مسؤوليته، وكل واحد منكم في الواجب الملقى عليه أن تدركوا وتتداركوا ما تمر به قضيتنا العظيمة المقدسة -قضية فلسطين- من مؤامرات، ولعل من أخطر الظروف التي تمر بها القضية في هذه الأوقات التي مع الأسف الشديد تكاسلت الأمة عن واجبها، وتراجعت كثير من أنظمة العرب عن واجباتها، فلا يجوز لكم أيها الفلسطينيون أن تكونوا على هامش أفعال الأمة أو ابتعاد بوصلة أعراب الأمة عن بوصلة القدس، البوصلة الصادقة دائمًا، والبوصلة التي توجه الخير دائمًا، والبوصلة التي إذا انحرف عنها اتجاه الأمة أو اتجاه الشعب شككنا هذه الأمة، واتهمنا من انحرف عن هذه البوصلة.
يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، يا أبناء هذا الشعب الصابر المرابط: آن الآوان أن تبدؤوا ولو بخطوة عملية واحدة تقنعوا الشعب بأنكم على طريق الحق سائرون، وأنكم تنفذون ما تقولون، فطرحتم مثلًا، طرحتم أن تنتخبوا من يمثلكم ويمثل الشعب فبادروا إلى هذا الطرح وإلى تنفيذه، طرحتم أنكم جادون بإنهاء الانقسام الذي يمزق الأرض الفلسطينية ويمزق أبناء الشعب فلماذا التلكؤ والتردد؟ أما آن لكم أن تمتثلوا قول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” [متفق عليه]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبّك بأصابعه” [متفق عليه].
فيا فوز المستغفرين استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده الخير يحيي وميت وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد، أيها المسلمون، أيها المرابطون في بلاد الإسراء والمعراج، يا أبناء أمة الإسلام العظيمة، يا أبناء سيد البشر وسيد البشرية جمعاء الحبيب المفرد صلى الله عليه وسلم.
من مظاهر التعدي على نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم: ما يجري في المكان والزمان التي ارتبط بسيرته الكريمة.
نعم أيها الأحباب، في الزمان والمكان التي ارتبط بسيدنا صلى الله عليه وسلم، أليس المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى؟ أليس المسجد الأقصى المبارك هو موطن الإسراء والمعراج بنبينا صلى الله عليه وسلم؟ أما ترون أيها المسلمون؟ أما ترون أيها العرب؟ أما ترون أيها الفلسطينيون المرابطون في هذا الديار أن المسجد الأقصى أصبح في بؤرة الاستهداف من حيث التخطيط للمساس بقدسيته وزمانه ومكانه؟ أما ترون أيها أن المسجد الأقصى الذي هو للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد أصبح مسرحًا لعصابات المستوطنين والمتطرفين واستباحة المستبيحين من الاحتلال لحرماته وقدسيته؟ ألا تدفعكم كل هذه الأعمال إلى الوحدة ثم الوحدة ثم العمل بما أمر الله ووجه إليه رسول الله: أن تكونوا كالجسد الواحد، وأن تكونوا على قلب العاملين من أجل كرامة الأمة، وصيانة كافة حقوقها في مقدساتها وفي شهدائها وفي أسراها وفي الثكالى وأنات البنين، وفي الأرض التي يقطع زيتونها وتشق فيها الطرقات وتقام فيها المستوطنات.
نعم أيها الأحباب: إننا من منبر الأقصى الشريف نتوجه بتحية مباركة طيبة مترحمين على أرواح كل الشهداء وآخرهم من أعدم ظلمًا وعدوانًا فوق هذه الأرض المباركة، ومن عليا هذا المنبر الشريف نحيي كل الأسرى ونشد على أيديهم ونقول لهم: إن فرج الله آتٍ آت، ومن عليا هذا المنبر الشريف نطالب وبكل القوة: أن الوقت لا يخدم المتراجعين ولا يخدم الذين يقولون ما لا يفعلون، آن الآوان للعمل، وآن الآوان للوحدة، وآن الآوان أن تحققوا بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”. قلنا: أين هم يا رسول الله؟ قال: “هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس” [مسند أحمد].
اللهم ردّنا إليك ردًّا جميلًا، وهيء لنا وللمسلمين فرجًا آتيًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا يوحّد صفنا ويجمع شملنا وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، وأنت يا مقيم الصلاة، أقم الصلاة.
المرفقات
الإتقان-في-العمل-والعمل-بالقول-1
الإتقان-في-العمل-والعمل-بالقول-1
الإتقان-في-العمل-والعمل-بالقول-1-2
الإتقان-في-العمل-والعمل-بالقول-1-2