الابتلاءات الخمس في القران الكريم
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي نور بجميل هدايته قلوب أهل السعادة، وطهر بكريم ولايته أفئدة الصادقين فأسكن فيها وداده، ودعاها إلى ما سبق لها من عنايته فأقبلت منقادة، الحميد المجيد الموصوف بالحياة والعلم والقدرة والإرادة، نحمده على ما أولى من فضل وأفاده، ونشكره معترفين بان الشكر منه نعمة مستفاده.
وأشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلي يوم لقاءه
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
الذي أقام به منابر الإيمان ورفع عماده، وأزال به سنان البهتان ودفع عناده
وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
إخوة العقيدة: حديثنا في هذا المشهد المهيب الذي تنفطر فيه القلب و تدمع فيه العين عن أمواع الابتلاء في القران الكريم و الابتلاء هو الاختبار و الامتحان الذي قدره الله تعالى على عباده حيث قال سبحانه و تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]
أولا: الابتلاء بالتكاليف الشرعية
والمقصود بالتكاليف الشرعية هي جميع الأوامر والنواهي التي أمرنا الله تعالى بها ونهانا عنها ولتي دل عليها القران وسنة النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم-
فالله تعالى ابتلى عباده بتلك التكاليف لينقسم العباد بين صابر على أداء تلك التكاليف و بين منتهك لها {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} سورة الأحزاب الآية (72).
ودلَّ على ذلك آيات كثيرة منها الآيتين السابقتين ومنها أيضاً قوله تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ [2] ، ومنها قوله تعالى : ومنها قوله تعالى: } إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيه ِ{ [3].
والتكاليف الشرعية شاملة لأصول الدين مما يتعلق بالإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر والملائكة والقدر خيره وشره، وهذا من الوضوح بمكان، وكذلك تدخل الأحكام العملية وهي المسماة بفروع الدين.
" وإنما كان التكليف ابتلاءاً مع ما فيه من سعادة البشر في الدنيا والآخرة لأنه – التكليف – مبيِّناً عن أحوال الناس في الامتثال للأوامر والترك للنواهي، وممحصاً لدعاويهم وكاشفاً عن دخائلهم[4] "
قال ابن عاشور " فإطلاق اسم الابتلاء على التكاليف مجاز مرسل، وتسمية ما يلزم التكاليف من إظهار أحوال النفوس ابتلاءاً استعارة[5] ".
والبشرية اليوم مكلفة باتباع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم النبيين ولا يقبل الله ديناً غير الإسلام وعملاً بغير القرآن ، فلا يجوز لبشر، كائناً من كان، أن يتدين بغير الإسلام قال تعالى : } إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ { [6]وقال تعالى : } وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {[7].
واعلم علمني الله وإياك: أن الناجح في ذلك الابتلاء اقل من القليل تأمل عبد الله في نسبة النجاح كما في حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه-
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ، فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ ، فَيُقَالُ : هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ . فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ ، كَمْ أُخْرِجُ ؟ فَيَقُولُ : أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا ؟ قَالَ : إِنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ .([8])
ومعنى "بَعْثَ النَّارِ" أي: الذين يبعثون إلى النار من ذرية آدم.
ومعنى "أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ" أي: مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرهمْ.
ففي الحديث الأول أن عدد الناجين يوم القيامة عشرة من الألف، وفي الحديث الثاني واحد من الألف.
وقد جمع العلماء بين الحديثين بعدة طرق، ومنها:
1-أن مفهوم العدد لا اعتبار له، فالتخصيص بعددٍ لا يدل على نفي الزائد، والمقصود من العددين واحدٌ وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين.
2-حمْل حديث أبي سعيد الخدري على جميع ذرية آدم ، فيكون مِن كل ألف واحدٌ ، وحمْل حديث أبي هريرة على مَن عدا يأجوج ومأجوج ، فيكون من كل ألف عشرة ، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة .
3-ويحتمل أن تقع القسمة مرتين: مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل ألف واحدٌ، ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة
4-ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار: " الكفار ومن يدخلها من العصاة " فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافراً، ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصياً.
مَرَّ سَيِّدُنَا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ بِرَجُلٍ فِيْ السُّوْقِ. فِإِذَا بِالرَّجُلِ يَدْعُوْا وَيَقُوْلُ: « اللهم اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ القَلِيْلِ ... اللهم اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ القَلِيْلِ »
فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرَ: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذَا الدُّعَاءِ؟
فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّ اللهَ يَقُوْلُ فِي كِتَابِهِ العَزِيْزِ: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾.
فَبَكَى سَيِّدُنَا عُمَرَ وَقَالَ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْكَ يَا عُمَرَ. ([9])
إِذَا نَصَحْتَ أَحَداً بِتَرْكِ مَعْصِيَةٍ كَانَ رَدُهُ: « أَكْثَرُ النَّاسِ تَفْعَلُ ذَلِكَ، لَسْتُ وَحْدِي! »
و لو بحثت عن كلمة (أكثر الناس) في القران الكريم لوجدت من بعدها
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17]
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243]
و لو بحثت عن كلمة (أكثرهم) لوجدت ما بعدها:
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)} [الأنعام:37]
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63]
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 100]
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} [يونس: 60]
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42]
{مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]
{وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]
{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 8]
{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 83]
{ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 223]
فَكُنْ أَنْتَ مِن القَلِيْلِ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيْهِمْ:
{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ: 13]
{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } [هود: 40]
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]
{ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 13، 14]
ثانيا: الابتلاء بالنعم وكثرة الرزق" الخير ":
وهذا النوع من الابتلاء يلي النوع الأول في الخطورة حيث أن الابتلاء بالسراء لا يصبر عليه إلا من وفقه الله تعالى وألهمه الخير فالسراء تظهر معدن الإنسان وتظهر مدى إيمانه وثباته على الشكر لله تعالى على ما منَّ عليه من نعم قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]
الإنسان أمام النعم إما شاكر وإما جاحد ولقد ذكر الله تعالى لنا أحوال الشاكرين وأحوال الجاحدين الناجحين والراسبين
فمن الناجحين وورد في قصة -سليمان عليه السلام -عندما جيء له بعرش بلقيس {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40] أي ليختبرني بذلك، فلم يغتر عليه السلام بملكه وسلطانه بل علم أن ذلك اختبار من ربه فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة[10] ".
وتأمل كيف عد هذا الملك ابتلاء واختبار
وقد رسب كثيرون في الامتحان بالسراء لجهله بحقيقة الامتحان. قال تعالى} فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ {[11]. وإلى يوم الناس هذا هناك من يفهم أن النعمة إكرام وليست ابتلاءاً مع أنَّ الآيات التي بعدها ردت هذا المفهوم الخاطئ فقال تعالى: }كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [12]{ وكلا أداة زجر وردع أي انتهوا وكفوا عن هذا المفهوم الخاطئ.
عن عبد الرحمن بن أبى عمرة أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول
إن ثلاثة في بنى إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى فأراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك قال لون حسن وجلد حسن ويذهب عنى الذى قد قذرني الناس . قال فمسحه فذهب عنه قذره وأعطى لونا حسنا وجلدا حسنا قال فأي المال أحب إليك قال الإبل أو قال البقر شك إسحاق إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر قال فأعطى ناقة عشراء فقال بارك الله لك فيها قال فأتى الأقرع فقال أي شيء أحب إليك قال شعر حسن ويذهب عنى هذا الذى قذرني الناس . قال فمسحه فذهب عنه وأعطى شعرا حسنا قال فأي المال أحب إليك قال البقر . فأعطى بقرة حاملا فقال بارك الله لك فيها قال فأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال أن يرد الله إلى بصرى فأبصر به الناس قال فمسحه فرد الله إليه بصره. قال فأي المال أحب إليك قال الغنم . فأعطى شاة والدا([13]) فأنتج هذان وولد هذا قال فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم . قال ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال ([14]) في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري . فقال الحقوق كثيرة . فقال له كأنى أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله فقال إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر .([15]) فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت . قال وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد على هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت . قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري فقال قد كنت أعمى فرد الله إلى بصرى فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضى عنك وسخط على صاحبيك.([16])
اعلم علمني أن في هذه القصة من الدروس والحكم والعظات ما ينبغي لكل مسلم أن يتعلمها وأن يضعها أمام عينيه نذكر منها:
أن الابتلاء يكون بالسراء كما يكون بالضراء بل إن ابتلاء السراء أشد خطرا على المرء من ابتلاء الضراء يقول الله سبحانه و تعالى { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء: 35] { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168] يبتلى الإنسان على المستوى الشخصي بالنعماء أو الخير فتنة وتمحيصا، وذلك بأن يعطيه الله المال والجاه أو العافية والمنصب والأولاد ونحو ذلك، وهذا المظهر من أهم مظاهر الابتلاء نظرا لما يعقبه من شكر للنعمة أو كفر بها، قال تعالى فيما يحكيه القرآن عن سيدنا سليمان قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم )، وشكر النعمة يعقبه زيادتها، أما كفرانها فإنه يورث الطغيان والكبر
والعجب والخيلاء ونحو ذلك من أمراض القلوب، وقد حذرنا المولى سبحانه من عاقبة النعماء، خاصة إذا تعلق الأمر بالأموال والأولاد أو الأزواج، فقال عز من قائل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 28] وقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التغابن: 14، 15]. وقد أجملت الإشارة إلى النوعين جميعا (الابتلاء بالشر والابتلاء بالخير) الآية الكريمة: كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون.
وتشير القصة إلى معنىً عظيم، وهو أن الابتلاء بالسراء والرخاء قد يكون أصعب من الابتلاء بالشدة والضراء، وأن اليقظة للنفس في الابتلاء بالخير، أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر.
وذلك لأن الكثيرين قد يستطيعون تحمُّل الشدَّة والصبر عليها، ولكنهم لا يستطيعون الصبر أمام هواتف المادَّة ومغرياتها.
كثير هم أولئك الذين يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف، ولكن قليل هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة. كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل، ولكن قليل هم الذين يصبرون على الغنى والثراء، وما يغريان به من متاع، وما يثيرانه من شهوات وأطماع، كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء، ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الرغائب والمناصب.
وهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يقول: "ابتُلينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بالضراء فصبرنا، ثم ابتلينا بالسَّرَاء بعده فلم نصبر ".
ولعل السر في ذلك أن الشدَّة تستنفر قوى الإنسان وطاقاته ، وتثير فيه الشعور بالتحدِّي والمواجهة ، وتشعره بالفقر إلى الله تعالى ، وضرورة التضرُّع واللجوء إليه فيهبه الله الصبر ، أما السراء ، فإن الأعصاب تسترخي معها ، وتفقد القدرة على اليقظة والمقاومة ، فهي توافق هوى النفس ، وتخاطب الغرائز الفطريَّة فيها ، من حب الشهوات والإخلاد إلى الأرض ، فيسترسل الإنسان معها شيئًا فشيئًا ، دون أن يشعر أو يدرك أنه واقع في فتنة ، ومن أجل ذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح ، حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء - كما فعل الأبرص والأقرع- ، وذلك شأن البشر ، إلا من عصم الله ، فكانوا ممن قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) )([17]) فاليقظة للنفس في حال السراء أولى من اليقظة لها في حال الضراء ، والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان .
ثالثا: الابتلاء بالشدائد والمصائب
إن كان النوع الثاني لإظهار الشاكر من الجاد فإن هذا النوع من البلاء ليظهر الصابر من الساخط لتتجلى أهم صفات أهل الإيمان من الرضا بمر القضاء والصبر في الضراء
: وهذا النوع من الابتلاء ينزل بالمؤمنين ليختبر صبرهم أو رضاهم بما قدره الله تعالى عليهم ، ومن الآيات الواردة في هذا الشأن قوله تعالى { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]
جاء في تفسيرها " لنمتحننكم ببعض ضروب الخوف من الأعداء وغيره من المصائب البشرية المعتادة في المعايش، وأكد هذا بصيغة القسم لتوطين الأنفس عليه؛ فأعلمهم بأن مجرد الانتساب إلى الإيمان لا يقتضي سعة الرزق وقوة السلطان، وانتفاء المخاوف والأحزان، بل يجري ذلك بسنن الله تعالى في الخلق كما أنَّ مِن سنن الخلق وقوع المصائب بأسبابها [18].
وفي الابتلاء بالشر حكم لا يحيط بها العقل، ولكن في الآية إشارة إلى بعضها؛ حيث قال تعالى : } وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {[19] فالحكمة المقصودة هنا أنَّ مَنْ تلقى الابتلاء بالشر، بالصبر والتسليم وقال } إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {أنَّ الله سوف يجازيه يوم القيامة على صبره بما جاء بعدها } أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ { .
ومنها ما ذكره ابن القيم بقوله " فلولا مِحَنُ الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً [20] ".
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « إن أيوب نبي الله لبث به بلاؤه خمس عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه ، قد كانا يغدوان ([21]) إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : نعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فكشف عنه ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك ، فقال له أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي ، فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق ، وكان يخرج لحاجته ، فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ والله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا، قال : فإني أنا هو ، قال : وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين ، فلما كانت أحدهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض » « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »)([22])
النوع الرابع الابتلاء بالتفاوت بين الناس
أقام الله تعالى نظام الحياة والأحياء على اختلاف بين الناس، وتفاوتهم في الصفات الوهبية والكسبية[23]، وهذا الاختلاف في حد ذاته ابتلاء؛ ومن أمثلة ذلك أن الأغنياء فتنة للفقراء والأصحاء فتنة للمرضى والأقوياء فتنة للضعفاء والعكس بالعكس وهكذا.
ومن الآيات التي صرحت بهذا النوع من الابتلاء:
قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} سورة الفرقان ـ الآية 20
قال القرطبي " فأراد سبحانه أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس – مؤمن وكافر-: فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الصابر فتنة للغني، ومعنى هذا أن كل واحد مخَتبَر بصاحبه، فالغني ممتحن بالفقير أن يواسيه ولا يسخر منه، والفقير ممتحن بالغني أن لا يحسده ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، والصبر أن يحبس كلاهما نفسه، هذا عن البطر، وذلك عن الضجر، وقوله تعالى: {أَتَصْبِرُونَ} ؟ محذوف الجواب، يعني أم لا تصبرون [24] ".
ومن الآيات الدالة على هذه السنة في الابتلاء قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} - سورة الأنعام ـ الآية 53
ووجه الفتنة هنا أنْ يعلم الناسُ أنّ التفاضل الحقيقي والتفاضل النافع؛ إنما هو في طاعة الله والمسارعة إلى مرضاته ؛ لا التفاوت في الدنيا الزائلة، والى هذا المعنى جاءت الإشارة في قوله تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [25]. وقد يكون هذا الأتقى صعلوك لا مال له ولا زوجه، وقد يكون مَنْ هو دونه في التقوى صاحب مكانهٍ اجتماعيةٍ مرموقة وحال مَرْضيَّة يتمناها أكثر الذين يعيشون مِن حوله.
وفي الحديث (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )[26].
ومن حكم التفات:
أولاً: لو كان الناس على مستوى واحد في رزقهم وإمكاناتهم لما قامت الحياة ودار دولابها، ولتعطلت كثير من الأعمال، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة بقوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف:32].
قال السدي وابن زيد: يسخر الأغنياء الفقراء فيكون بعضهم سبباً لمعاش بعض.
ثانياً: الابتلاء والاختبار، ليظهر الشاكر من الكافر، والصادق من الكاذب، فالغني مبتلى بالغنى، والفقير مبتلى بالفقر. أما الغني فهل يؤدي شكر نعمة الله عليه وينفق المال وفق أمر الله له؟ وأما الفقير فهل يصبر ويحمد الله على ما هو فيه دون حسد لغيره وتضجر من قدر الله وحكمته؟ وبذلك ترفع درجتهما إن صبرا، ويعذب من سخط منهما ولم يرض بقسمة الله.
ثالثاً: أن الله تعالى يعطي ويمنع بما يصلح عباده، قال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27].
وقد استشهد الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية بالحديث الذي أخرجه الطبراني والديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس وعمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه قال: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد، ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا القلة ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر"، والحديث وإن كان ضعيفاً وأورده ابن الجوزي في العلل إلا أن معناه صحيح، ولذا أورده الإمام ابن كثير ولم يعلق عليه، وكذا أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته المسماة بقاعدة في المحبة.
النوع الخامس الابتلاء بسماع المؤمنين ما يؤذيهم من الكافرين:
ومن أنواع الابتلاءات المشاهدة التي ذكرها القران الكريم -الابتلاء بسماع المؤمنين ما يؤذيهم من الكافرين والى هذه جاءت الإشارة في قوله تعـالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور} سورة آل عمران (186).
جاء في تفسيرها {وَلَتَسْمَعُنَّ} أي من الطعن فيكم وفي دينكم وفي كتابكم ورسولكم، وفي الإخبار
وهذا ما يحدث الأن وما حدث من قديم الأزل مع الأنبياء والمرسلين والمصلحين أن أعداء الحق يوجهون سهامهم نحو أهل الحق بالهمز و اللمز و الطعن و التشكيك فقد قالوا على النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه ساحر و مجنون و كاهن و كذاب و آذوه في نفسه و في أهله و في أصحابه فما زاده إلا إيمانا و تسليما
وتأمل إلى الفترة العصيبة التي تحيها الأمة حيث يكال لها الأذى وترمى بالجرم والإرهاب من تلك العصابة الكافرة الماجنة التي تتحكم في العالم الأن حيث يرمي الإسلام بانه دين تطرف و إرهاب و انه جاء بحد السيف و غيرها من تهم باطله
فان قلت ما هي الحكمة من ذلك الابتلاء
فاعلم أن فيه فوائد:
* منها أن الله أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك، والصبر عليه إذا وقـع؛
لأنهم قد استعدوا لوقوعه، فيهون عليهم حمله وتخف عليهم مؤنته، ويلجأون إلى الصبر والتقوى[27].
ونحن لا نزال في هذا العصر نسمع من اليهود في فلسطين المحتلة ومـن الدنمارك والـدول
الأوروبية وأمريكا ما يؤذي أسماعنا، ويزعج قلوبنا، وتضيق به نفوسنا بل وتدمع له الأعين كما حدث في الرسوم المسيئة إليهم في الحقيقة لا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن التندر بالمصحف الشريف بل وبالذات الإلهية في الأفلام، وغير ذلك، فهذا في حد ذاته آية تدل
على أنّ هذا القران كلام الله تعالى.
[ولو أن أحد الدعاة أو العلماء الذين تصدو لمواجهة هؤلاء الكفار انتبه إلى هذه الآية وقال لهم: إن الله قد أخبرنا منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة أنكم ستقولون هذا الكلام في حـق النبي صلـى الله عليـه وسلـم، لعلـه أن يكون سبباً في إسلام بعضهم. والله أعلم].
[1] - مستلة من كتابي الخطب والمواعظ الباهرة في ذكر الموت وأهوال المقبرة ص 104-119 طباعة دار العالمية بالإسكندرية
[2] - سورة الذاريات الآية ( 56 ).
[3] - سورة الإنسان الآية (2).
[4] -السنن الإلهية في الأفراد والأمم ـ للدكتور مجدي محمد عاشور: ص 292
[5] - التحرير والتنوير ـ " 26/123 "
[6] - سورة آل عمران الآية 19
[7] - سورة آل عمران ـ الآية 85.
[8] - الحديث الثاني رواه البخاري (3348) ومسلم (222)
[9] - أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 10 / 332
[10] تفسير السعدي ـ ص 605
[11] - سورة الفجر ـ الآية 15
[12] سورة الفجر الآية ( 17 ).
[13] - شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها.
[14] - انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق.
[15] - إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرًا عن كبير، في العز والشرف والثروة.
[16] - أخرجه البخاري 4/208(3464) و"مسلم" 8/213
[17] - أخرجه أحمد 4/332(19142) و"الدارمي" 2777. و"مسلم" 8/227 (7610)
[18] - تفسير المنار " 2/39"
[19] - سورة البقرة الآيات (155-157)
[20] - زاد المعاد في هدي خير العباد ـ لابن قيم الجوزية ـتحقيق شعيب، وعبد القادر الارناؤوط ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ط 14 ـ 1986 أ : 41/195"
[21] - الغُدُو: السير أول النهار
[22] - أخرجه ابن حبان (7/157، رقم 2898)، والحاكم (2/635 ، رقم 4115) وقال : صحيح على شرط الشيخين . وأخرجه أيضًا : الطبري في التفسير (23/167) ، وابن أبى حاتم كما في تفسير ابن كثير (4/40) ، وأبو يعلى (6/299 ، رقم 3617) ، وأبو نعيم في الحلية (3/374) وقال : غريب . والضياء (7/184 ، رقم 2617)
[23] السنن الإلهية ـ في الأمم والأفراد ـ للدكتور مجدي محمد عاشور ص 314
[24] - تفسير القرطبي ـ "13/18"
[25] سورة الحجرات الآية (13).
[26] صحيح مسلم حديث رقم1986.
[27] تفسير السعدي ص(160) بتصرف.
المرفقات
الخمس-في-القران-الكريم
الخمس-في-القران-الكريم