الإيمان باليوم الآخر - 8/4 (عشرة أوصاف للجنة)
ماجد بن سليمان الرسي
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن الله حكيم في تشريعه، حكيم في تقديره، حكيم في جزائه، وإن من حكمة الله تعالى أن جعل لهذه الخليقة معادًا يجازيهم فيه على ما كلَّفهم به على ألسنة رسله، قال تعالى ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُون * فتعالى الله الملك الحق﴾.
أيها المؤمنون، تقدم الكلام في خطبٍ ماضية عن بعض مقتضيات الإيمان باليوم الآخر، وهي الإيمان بالنفخ في الصور، وأهوال القيامة، وبعث الخلائق، وحشر الناس إلى أرض المحشر، والجزاء والحساب، واليوم نتكلم بإذن الله عما أعد الله للمؤمنين في الجنة.
1. عباد الله، ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالجنة والنار، وأنهما المآل الأبدي للخلق، فالـجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم من الإيمان به، وقاموا بطاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، فيها من أنواع النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر، قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾، وقال تعالى ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾ .
2. معاشر المؤمنين، والجنة مئة درجة، فعن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة مئة عام، وقال عَفان: كما بين السماء إلى الأرض -، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرج الأنهار الأربعة، والعرشُ من فوقها، وإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس.[1]
3. أيها المسلمون، والجنة جنان متعددة، وليست جنة واحدة، وليس نعيم تلك الجنان متساويا، بل النعيم فيها مُتفاوت، وأهلها يتفرقون فيها بحسب أعمالهم الصالحة، فجنتان جميع ما فيهما من ذهب، وجنتان جميع ما فيهما من فضة، كما قال تعالى في الجنتين الأُولَيين ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾، ثم قال في الجنتين اللتين دونهما في النعيم ﴿ومِن دونهما جنتان﴾ .
روى ابن جرير الطبري بسنده في تفسير هاتين الآيتين عن أبي موسى الأشعري مرفوعا: جنتان من ذهب للمقربين، وجنتان من وَرِق (أي فضة) لأصحاب اليمين.
وعن عبد الله بن قيس رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن.[2]
عباد الله، ويحسن هنا التنبيه إلى الفرق بين المقربين وبين أصحاب اليمين، فالمقربون (ويعبر عنهم بالسابقين) فهم القائمون بالفرائض والنوافل، المنتهون عن المعاصي والمكروهات ، وأما أصحاب اليمين (ويعبر عنهم بالأبرار) فهم القائمون بالفرائض، المنتهون عن المعاصي ، أما النوافل فلم يحرصوا عليها على الوجه الأكمل ، وربما وقعوا في بعض المكروهات ، وأما المعاصي فكلا الفريقين مُنكفٌّ عنها سواء كانت من الصغائر أو الكبائر ، وهم يبادرون بالتوبة، ويكون حالهم بعدها أكمل من حالهم قبلها، ولكن انكفاف السابقين عنها أعظم.
عباد الله، وتفضيل السابقين على الأبرار في الثواب ظاهر سببه، فإن السابقين قد بذلوا وسعهم في طاعة الله والحذر من معصيته، بالقيام بالفرائض والنوافل، من صلاة وصيام وعمرة وحج ونحو ذلك، كما نفعوا غيرهم من الناس، بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والصدقة وإصلاح ذات البين وبناء المساجد والآبار ونحو ذلك.
أما الأبرار فهم دون السابقين في ذلك، فهم لم يبذلوا أنفسهم بذلا عظيما في هـٰذين السبيلين؛ إصلاح النفس وإصلاح الغير ، فكانوا أقل من السابقين في الثواب.
ومن دلائل تفضيل السابقين على الأبرار قوله تعالى عن السابقين ﴿يحلون فيها من أساور من ذهب﴾، وقال عن الأبرار ﴿وحُــلُّوا أساور من فضة﴾.
وقد أشار الله تعالى إلى الفرق بين نعيم السابقين المقربين، وبين نعيم الأبرار أصحاب اليمين في مطلع سورة الواقعة وآخرها.
4. عباد الله، وأهل الجنة من أهل الوصف الواحد يتفاوتون فيما بينهم، فالسابقون المقربون يتفاوت بعضهم عن بعض في النعيم بحسب أعمالهم، وكذلك الأبرار أصحاب اليمين، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدُّري[3] الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.[4]
5. عباد الله، ومن أعظم نعيم أهل الجنة نساؤها، فقد دلت النصوص على أن لكل مؤمن في الجنة حوريتان، مع نسائه اللاتي كُنَّ معه في الدنيا، ويزيده الله من الحور العين ما شاء بحسب عمله، وقد جاء في إثبات نعيم الحور آيات وأحاديث، منها قوله تعالى (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُون)، قال السعدي رحمه الله: الحوراء التي في عينها كحلٌ وملاحة، وحسنٌ وبهاء، والعِين: حِسان الأعين وضِخامُها، وحُسن العَــين في الأنثى من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها. وقوله (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، (المكنون) أي المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن بوجه، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت، فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر ويروق الناظر. انتهى .
وفي آية أخرى جاء في وصفهن قوله تعالى (كأنهن الياقوت والمرجان)، أي كأنهن الياقوت في الصفاء، والمرجان في البياض.[5]
وقال تعالى في وصف نساء الجنة في سورة الواقعة: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا)، وقوله (عُرُباً) يعني: متحببات لأزواجهن، وقوله (أَتْرَابا) يعني في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة.
كما وصفَهُن الله بالطهارة فقال: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُون)، قال ابن القيم: طَـــهُرنَ من الحيض والبول والنَّجْو (أي الغائط) وكل أذى يكون في نساء الدنيا، وطهُرت بواطنهن من الغَـــيرة وأذى الأزواج وتَـجَـــنِّـــيهِن عليهم وإرادة غيرهم. انتهى.[6]
كما وصفهن الله تعالى بأنهن قاصرات طرفَهن (أي أنظارهن) على أزواجهن فقال: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ)، وقال: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ). قال ابن القيم رحمه الله: ووَصْفُهن بأنهن (مقصورات في الخيام) أي ممنوعات من التبرج والتَّـــبذُّل لغير أزواجهن، بل قد قُصِرْن على أزواجهن، لا يخرجن من منازلهم، وقُصِرْنَ عليهم فلا يُـــرِدن سواهم، ووصفهن سبحانه بأنهن (قاصرات الطَّرف)، وهذه الصفة أكمل من الأولى، فالمرأة مِنهن قد قَصَرت طرْفها (أي نظرها) على زوجها من محبتها له ورضاها به، فلا يتجاوز طرْفها عنه إلى غيره. انتهى.[7]
وقد جاء في السنة ما تحار فيه العقول في وصف جمالهن وحسنهن، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دُرِّي[8] في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين، يُرى مُخُّ سوقِهن من وراء العظم واللحم من الـحُسن.[9]
قال ابن حجر رحمه الله: المخ ما في داخل العظم، والمراد به وصفها بالصفاء البالغ، وأن ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد. انتهى.[10]
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولـمَلأت ما بينهما ريحا، ولَنصيفها (أي خمارها) على رأسها خير من الدنيا وما فيها.[11]
وللفائدة، فقد سُئِل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الأوصاف التي ذُكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا؟
فأجاب: الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكنَّ خيراً من الحور العين، حتى في الصفات الظاهرة، والله أعلم.
6. أيها المسلمون، ومن نعيم الجنة شرابها، وهو أربعة أنواع، الماء واللبن والخمر والعسل ، كلها تجري في أنهار، يشرب منها المؤمنون، قال تعالى (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى)، فقوله في الماء (غير آسن) أي غير متغير بطول المكث، وقوله (من لبن لم يتغير طعمه) أي لم يتغير طعمه بحموضة وغيرها، لأن لم يُـحلب من حيوان فيتغير طعمه، ولكن الله خلقه ابتداء في الأنهار، فبقي على هيئته.[12]
وقوله (من خمر لذة للشاربين)، فيه تنبيه على أنها ليست مُرَّةً كخمر الدنيا بل عذبة، وجاء في آية أخرى أنه ليس فيها غَول، أي لا تتسبب في وجع البطن، كما جاء في آية أخرى قوله عنها (ولا هم عنها يُنزَفون) أي لا تذهب عقولهم بسببها، وقوله (من عسل مصفى) فيه تنبيه إلى أنه قد صُفِّي من القذى والشوائب التي تكون عادة في العسل.
7. ومن نعيم أهل الجنة طعامها وفاكهتها، فقد ثبت في السنة الصحيحة أن ضيافة أهل الجنة أول دخولهم لها زيادة كبد حوت، أي أطراف الكبد لأنها ألذ، وذلك في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حَبرا من أحبار اليهود جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم يختبره عن بعض المسائل، فجاء في حديثه أنه سأل فقال: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ (والتحفة هي أول ما يقدم للضيف من طعام ليُلاطَف ويستأنِس)، قَالَ: زِيَادَةُ كَبِدِ النُّون (أي الحوت). قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا؟ قَالَ: يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا. قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ... إلى آخر الحديث.[13]
وقد ورد في طعام أهل الجنة وفاكهتهم نصوص كثيرة، لا يتسع المقام لذكرها، يجمعها قوله تعالى (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون).
8. أيها المؤمنون، وأعظم نعيم لأهل الجنة رؤية وجه الله في الآخرة، فعن صهيب الرومي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ؛ يقولُ اللهُ تعالى: تُريدون شيئًا أزِيدُكم؟ فيقولونَ: ألم تُبَيِّضْ وجوهَنا؟ ألم تُدخلْنا الجنةَ وتُنَجِّنا من النارِ؟ فيُكشفُ الحجابُ، فما أُعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظرِ إلى ربِّهم.[14]
9. أيها المسلمون، ونعيم أهل الجنة يزداد ولا يبلى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة، فتهُب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله، لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا.[15]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن نعيم الجنة متفاوت تفاوتا عظيما، يكفي للدلالة على هذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: سأل موسى ربَّهُ فقال: يا ربِّ ما أدنى أهلِ الجنةِ منزلَةً؟ قال: هو رجلٌ يجيءُ بعدما يدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ فيقالُ لَهُ: ادخلِ الجنَّةَ، فيقولُ: أيْ ربِّ، كيفَ وقد نزل الناسُ منازِلَهم وأخذُوا أخَذَاتِهم؟ فيقالُ لَهُ: أترْضَى أنْ يكونَ لَكَ مثلُ مُـــلْكِ ملِكٍ مِنْ ملوكِ الدنيا؟ فيقولُ: رضيتُ ربِّ، فيقولُ: لكَ ومثْلُهُ ومثلُهُ ومثلُهُ، فقال في الخامِسَةِ: رضيتُ ربِّ، فيقولُ: هذا لَكَ وعشرةُ أمثالِهِ، ولَكَ ما اشتَهَتْ نفْسُكَ ولذَّتْ عينُكَ. فيقولُ رضيتُ ربِّ. قال: ربِّ فأعلاهم منزِلَةً؟ قال: أولئكَ الذينَ أردْتُّ، غرسْتُ كرامتَهم بيدِي، وختمْتُ عليها، فلَمْ تَرَ عينٌ، ولم تسمعْ أُذُنٌ، ولم يخْطُرْ على قلْبِ بشرٍ.[16]
عباد الله، والكلام في الجنة ونعيمها يطول، ومن أراد التوسع في معرفة الجنة وأوصافها وأوصاف أهلها فعليه بكتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن قيم الجوزية رحمه الله.
10. معاشر المؤمنين، والجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، والدليل على ذلك قوله تعالى ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين﴾، والشاهد قوله ﴿أعدت﴾.
والدليل من السُّنةِ قولُ النبيِ (صلى الله عليه وسلم) لبلال: حدِّثني بأرجى عملٍ عمِلتَه عندك في الإسلام منفعةً، فإني سمعت الليلة خَـــشْفَ نعليك بين يديَّ في الجنة.[17]
ومن الأدلة كذلك على أن الجنة مخلوقة الآن قوله (صلى الله عليه وسلم): أُدخِلتُ الجنة، فإذا فيها جَنابِـــذُ[18] اللؤلؤ، وإذا ترابُـها الـمِسك.[19]
أما الدليل على أن النار مخلوقة الآن فقوله تعالى ﴿واتقوا النار التي أُعدَّت للكافرين﴾[20]، والشاهد قوله ﴿أعدت﴾.
ومن السنة أن النبي r رأى عمرو بن لُـحَي يَـجُـرُّ قُــصْــبَه – أي أمعاءه - في النار، وهو أول من غيَّـر دين إبراهيم ، وأتى بالأصنام إلى جزيرة العرب.[21]
ورأى النبي r امرأة تعذب في النار في هِرةٍ حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض[22].[23]
11. عباد الله، والجنة والنار باقيتان لا تَـــبِيدان ولا تَــفْــنَيان، والدليل على هذا ظاهر القرآن والسنة، فقد ورد تأبيد خلود المؤمنين في الجنة وخلود الكفار في النار في عدة مواضع من القرآن، ومن قال بأنهما تفنيان فقوله ضعيف لا يُــعَـوَّل عليه، لأنه خلاف ظاهر النصوص، وقد خاطب الله الناس بما يفهمون، فالواجب إمرار النصوص كما جاءت بلا تحريف ولا تكلُّف.
وبعد عباد الله، فهذه عشرة أمور داخلة في الإيمان بالجنة، ينبغي لكل مؤمن أن يعلمها، لتكون الجنة منه على ذِكرٍ، فينشط للعمل، ويحذر التقاعس والكسل.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، واتس: 00966505906761
www.saaid.net/kutob
https://t.me/jumah_sermons
[1] رواه أحمد (5/316)، وصحح إسناده محققو «المسند».
[2] رواه البخاري (7444) ومسلم (180).
[3] الكوكب الدري أي الشديد الإنارة. انظر «النهاية».
[4] رواه البخاري (3256) ومسلم (2831).
[5] رواه ابن جرير في تفسير الآية عن ابن زيد.
[6] «روضة المحبين»، الباب التاسع عشر، ص 348، تحقيق: محمد عزير شمس، الناشر: دار الفوائد – مكة.
[7] «روضة المحبين»، الباب التاسع عشر، ص 348، تحقيق: محمد عزير شمس، الناشر: دار الفوائد – مكة، باختصار يسير.
[8] الكوكب الدري أي الشديد الإنارة. انظر «النهاية»..
[9] رواه البخاري (3246) ومسلم (2834).
[10] «فتح الباري» (6/375).
[11] رواه البخاري (2796).
[12] انظر تفسير الطبري والسعدي.
[13] رواه مسلم (315).
[14] رواه مسلم (181).
[15] رواه مسلم (2833).
[16] رواه مسلم (189).
[17] رواه البخاري (1149) ومسلم (2458) عن أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم.
[18] الجنابذ هي القباب، واحدتها جَـــنبَـــذة.
[19] قطعة من حديث الإسراء الطويل الذي رواه مسلم (163) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
[20] سورة آل عمران: 131 .
[21] انظر حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري (3521) ومسلم (2856).
[22] خشاش الأرض أي هوامها وحشراتها ، واحدتها خشاشة. انظر «النهاية» ، مادة خشش.
[23] انظر حديث ابن عمر الذي رواه البخاري (2365) ومسلم (2242).
المرفقات
1700393226_خطبة مختصرة في الإيمان باليوم الآخر- جزء 4.docx
1700393226_خطبة مختصرة في الإيمان باليوم الآخر- جزء 4.pdf