الإيمان بالملائكة

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

·     أما بعد، أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)، فاتقوا الله تعالى واحذروه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن الإيمان بالملائكة له شأن عظيم في دين الإسلام، فهو الركن الثاني من أركان الإيمان، وهم الواسطة بين الله تعالى وبين خلقه من الرسل والناس، و ‏(الملائكة‏ عالم غيبي مخلوقون، عابدون لله تعالى، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، خلقهم الله تعالى من نور، ومنَحهم الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه‏، ‏ قال الله تعالى ﴿‏لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾، وقال ﴿‏وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُون * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُون﴾، ومعنى ﴿لا يستحسرون﴾ أي لا يتعبون ولا يسأمون.‏

·     والملائكة عدد كثير لا يحصيهم إلا الله، قال تعالى ﴿وما يعلم جنود ربك إلا هو﴾، أي : ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا الله تعالى.

وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج أن النبي r رُفع له البيت المعمور في السماء، فسأل جبريل عنه فقال: هذا البيت المعمور، يُصلِّي فيه كل يوم سبعون ألف مَلَكٍ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم‏.[1]‏

·     أيها المؤمنون، إن الإيمان بالملائكة يتضمن ستة أمور:

الأول‏:‏ الإيمان بوجودهم.

الثاني‏:‏ محبتهم، ومن عاداهم فهو كافر، قال الله تعالى: ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِين﴾‏.

الثالث: الإيمان بمن علِمنا اسمه منهم، ‏كجبريل، وأما من لم نعلم اسمه فنؤمن بهم إجمالا.

الرابع‏:‏ الإيمان بما علمنا من صفاتهم الـخَلقية، كصفة ‏جبريل‏، فقد أخبر النبي r أنه رآه على صفته التي خُلق عليها وله ست مئة جناحٍ قد سدَّ أفق السماء‏.[2]

وقد يتحول الـمَلَكُ بأمر الله تعالى إلى هيئةِ رجلٍ، كما حصل ‏لجبريل‏ حين أرسله الله تعالى إلى مريم فتمثل لها بشرًا سويًا، وكذلك حين جاء إلى النبي r وهو جالس في أصحابه، جاءه بصفة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي r، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخِذيه، وسأل النبي r عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، فأجابه النبي r، فانطلق، ثم لما سأل الصحابة النبي r عنه قال: ‏هذا جبريل، جاء ليعلم الناس دينهم.‏[3]

وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم ولوط كانوا في صورة رجال‏)[4].‏

وسيد الملائكة جبريل، وهو أعظم الملائكة وصْفاً في خَلْقه، فقد وصفه الله بأنه ﴿رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين﴾، أي ذو مكانة عند ربه، ثم قال ﴿مُطاعٍ ثَـمَّ أمين﴾، أي مُطاعٍ عند سائر الملائكة، أمين على الوحي.

كما وَصفَهُ الله بالقوة الـخَلقية في قوله عن نبيه محمد ﴿علَّمه شديد القوى * ذو مِرّة فاستوى﴾، أي أن الذي علَّم محمدا الوحي هو جبريل، وصفه الله بأنه شديد القوى، أي: شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسل، وحفظِهِ من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس منه، وهذا من حفظ الله لوحيه، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين.[5]

وقوله ﴿ذو مِــرَّةٍ﴾، الـمِـــرّةُ هي السلامة والصحة من الآفات والعاهات الظاهرة والباطنة، وذلك يستلزم كمالَ الـخِلقة وحسنَها وجمالَـها، فهي القوة والصحة المتضمنة صحة وجمالا.[6]

المقتضى الخامس من مقتضيات الإيمان بالملائكة؛ الإيمان بما علمنا من صفاتهم الـخُـلُـقـية، ومن ذلك صفة الحياء، ودليل ذلك قول النبي r عن عثمان رضي الله عنه: ألا أستحِي من رجل تستحي منه الملائكة.[7]

والملائكة تكره ما يكرهه الله تعالى، فإنها لا تدخل بيتا فيه كلب أو تمثال، قال r : لاَ تَدْخُل المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيل.[8]

والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فقد نهى النبي r مَن أكل البصل أو الثوم أو الكُــــرَّاث مِن دخول المسجد، ويُلحق بها الروائح الكريهة كالدخان، قال r : مَنْ أَكَل الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَم.[9]

السادس‏:‏ الإيمان بما علِمنا من أعمالهم العامة والخاصة التي يقومون بها امتثالا لأمر الله تعالى، فأما العامة فكتسبيح الله، والــتَّعبُّد له ليلا ونهارًا بدون ملل ولا فتور‏، قال تعالى عنهم ﴿فالتاليات ذكرا﴾.

وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة‏، مثل‏ جبريلَ الأمينِ على وحي الله تعالى، يرسله الله به إلى الأنبياء والرسل، وقد يتنزل أفراد من الملائكة بشيء من الوحي، قال تعالى ﴿فالـمُلقيات ذكرا * عذرا أو نذرا﴾، أي: تُلقي الذِّكر على الأنبياء لأجل الإعذار – وهو قطع العذر بالتبليغ -، أو الإنذار.

ومثل‏ ميكائيلَ الموكَـــلُ بالقطْرِ، أي بإنـزال المطر‏.‏[10]

ومثل‏ الـمَلَكِ الموكَلُ بالنفخِ في الصُّور، والمشهور أن اسمه إسرافيل[11]، والصُّور قرنٌ يُـــنفخُ فيه كما جاء في الحديث[12]، وذلك عند قيام الساعة وبعث الخلق‏.

وهؤلاء الثلاثة هم أعظم الملائكة، وهم مُوكَلون بما فيه حياة، فجبريل مُوكَــلٌ بالوحي الذي فيه حياة القلوب، وميكائيل مُوكَــلٌ بالقطر الذي في حياة الأرض، وإسرافيل مُوكَــلٌ بالنفخ في الصور، وعنده تكون حياة الأجساد يوم المعاد.

ومن الملائكة مَلَكُ الموت، وهو الـمُوكَلُ بقبض الأرواح عند الموت‏، قال تعالى ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون﴾.‏

وأما تسمية ملَكَ الموت بعزرائيل؛ فهذه التسمية لم تثبت لا في الكتاب ولا في السنة، بل الذي ثبت في القرآن تسميته بملك الموت كما في الآية الكريمة المتقدمة.

وملك الموت له أعوان من الملائكة، قال تعالى ﴿وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يُــــفَرِّطون﴾، فقوله ﴿رسلنا﴾ أي ملائكتنا، وهم أعوان ملك الموت، وقوله ﴿لا يفرطون﴾، أي لا يُــضَيِّعون ما وُكِلَ إليهم من مهام.

ومن الملائكة ملائكةٌ سياحون في الأرض، يلتمسون حِلَقَ الذِّكر، فإذا وجدوا حَلْقَةَ علمٍ وذكرٍ تنادَوا وجلسوا وحَــفُّوا أصحاب الحلْقةِ بأجنحتهم إلى السماء الدنيا.[13]

ومن الملائكة ‏ ملائكةٌ مُوكلون بالأجِـــنَّة في الأرحام إذا تمَّ للإنسان أربعةُ أشهرٍ في بطن أمه، فعندئذ يُرسل الله إليه مَلَكًا، ويأمرهُ بِكَــــتْبِ رزقِهِ وأجلِه وعملِه، وشقي هو أم سعيد‏.[14]

ومن الملائكة ملائكةٌ مُوكلون بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها، لكل شخص ملكان، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، كما قال تعالى ﴿إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾، وقال تعالى ﴿وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون﴾.

ومن الملائكة ‏ ملائكةٌ مُوكلون بسؤال الميت إذا وضع في قبره، ويسألانه عن ربه ودينه ونبيه‏.‏[15]

ومن الملائكة ملائكةٌ مُوكلون بخدمة أهل الجنة، قال تعالى في أهل الجنة ﴿‏وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم من كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾.

ومن الملائكة ملائكةٌ مُوكلون بالنار، ورئيسهم هو مالك، خازن النار، أي المؤتمن عليها، قال تعالى على لسان أصحاب النار ﴿ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون﴾.

ومن الملائكة ملكُ الجبال، الذي أتى النبي r بعدما لاقى من قومه ما لاقى، فقال له: إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين[16]. فقال النبي r : بل أرجو أن يخرج الله تعالى من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا.[17]

ومنهم الملائكة الزاجرات للسحاب، تسوقه إلى حيث يريد الله تعالى، قال تعالى ﴿فالزاجرات زجرا﴾.

والملائكة تحب المؤمنين، وتدعو لهم، وتستغفر لهم، قال سبحانه عن حملة العرش: ﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقِهِم السيئات ومن تقِ السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم﴾.

والملائكة تستغفر لمن ينتظر الصلاة في المسجد تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمـه.[18]

والملائكة تدعو بالمغفرة والرحمة للذين يُصلون في الصفوف الأولى في المسجد، كما قال r : إن الله وملائكته يُصلون على الصفوف الأول.[19]

والملائكة تُصلي على معلمي الناس الخير، أي تدعو لهم، فعن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول  اللهِ r : إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْل السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْر.[20] أي تدعو له.

والملائكة تلعن من رفع حديدة أو سلاحاً على أخيه المسلم، فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَال أَبُو الْقَاسِمِ r : مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيه وَأُمِّهِ.[21]

والملائكة تشهد صلاة الفجر مع المؤمنين ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾. وقوله ﴿وقرآن الفجر﴾ أي: صلاة الفجر، وسميت قرآنا لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث تشهدها ملائكة الليل والنهار.[22]

فالحاصل أن الملائكة تقوم بأمر الله الذي وكَــلَها به لتدبير أمور الكون، ولهذا سـمَّى الله تعالى الملائكةَ رُسُلا، لأنها تقوم بما أرسلها الله به من وظائف، قال تعالى في سورة فاطر ﴿الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة﴾، فالملائكة مرسلة بالوحي وقبض الأرواح وتسخير الرِّياح والسَّحاب – أي سَوْقها – وكَـتْبِ أعمالِ بني آدم وغير ذلك.

قال ابن تيمية رحمه الله: وأما الملائكة فأمرهم أجَــلُّ، وهم رُسُلُ الله في تدبير العالم، كما قال تعالى ﴿فالمدبرات أمرا﴾، وقال ﴿فالمقسمات أمرا﴾، وقد ذكر الله تعالى في كتبه من أخبارهم وأصنافهم ما يطول وصفه، وآثارهم موجودة في العالم.[23] انتهى كلامه.

ولِـــعِـــظمِ شأن الملائكة وما تقوم به؛ أقسم الله بهم فقال ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾، فدل هذا على شرفهم.

ومن الملائكة من هم قائمون بعبادة الله على الدوام، كما قال النبي r : أطَّت[24] السماءُ وحُـــقَّ لها أن تَـــئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملَكٌ واضعٌ جبهته ساجدا لله.[25] فتأمل أيها المؤمن كيف أن السماء على سعتها فإنها تضيق بالعُـــبَّاد من الملائكة، فسبحان الله العظيم.[26]

وبعد، فهذه مقدمة نافعة في باب الإيمان بالملائكة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فاعلموا رحمكم الله أن الإيمان بالملائكة يثمرُ ثمرات جليلة منها‏[27]:‏

أولا‏:‏ العلم بعظمة الله تعالى وقوته وسلطانه، فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق‏ سبحانه.‏

ثانيا‏:‏ شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم، حيث وكَّلَ من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم وغير ذلك من مصالحهم‏.‏

 ثالثا‏:‏ محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى‏.‏

·         ثم اعلموا رحمكم الله أن صالحي بني آدم أفضل من الملائكة، هذا قول أهل السنة والجماعة، لأن بني آدم عندهم شهوة جبلية يقاومونها ويكبحون جماحها، وعندهم نفس أمارة بالسوء، وعندهم شيطان يغويهم، بخلاف الملائكة، فهم مجبولون على طاعة الله والاستقامة لأمره، ولا تتسلط عليهم الشياطين، فمن استقام من بني آدم على طاعة الله، وكبح جماح نفسه كان خيرا من الملائكة.

·         ثم اعلموا أن صيام شهر شعبان مستحب استحبابا شديدا، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان.[28]

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان! فقال: ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.[29] وقوله: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان)؛ يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه.

ومن فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، حيث أن شعبان كالمرقاة إلى رمضان، فإذا دخل رمضان يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل في صوم رمضان بقوة ونشاط.

·         ثم اعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم عليه السلام، وفيه قُبِــــض، وفيه النفخة[30]، وفيه الصَّعقة[31]، فأكثروا عليَّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي)[32]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

·         اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع الظلم عنهم، اللهم ارفع عنا الوباء إنا مسلمون. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في السادس من شهر شعبان لعام 1442، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية، واتس: 00966505906761

[1] أخرجه البخاري (3207) ومسلم (164).
[2] رواه ‏البخاري (3232، 3233‏)، ومسلم (174، 177) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[3] رواه مسلم (9) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[4] «شرح ثلاثة الأصول» لابن عثيمين، ص 90 – 91، بتصرف يسير.
[5] انظر تفسير الآيات في «تيسير الكريم الرحمـٰن في تفسير كلام المنان» للشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي.
[6] قاله ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (2/129)، تحقيق الفقي.
[7] ‏رواه مسلم (2401) عن عائشة رضي الله عنها.
[8] رواه البخاري (3225) ومسلم (2106) عن أبي طلحة رضي الله عنه، واللفظ للبخاري.
[9] رواه مسلم (564) عن جابر رضي الله عنهما.
[10] جاء هذا في حديث رواه النسائي في «الكبرى» (9024)، وأحـمد (1/274)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه محققو «المسند».
[11] جزم به ابن جرير رحمه الله كما في تفسير آية الزمَر ﴿ونفخ في الصور فصعق من السماوات ومن في الأرض﴾ (الآية: 68).

وانظر كلام علمـاء التفسير عند هذه الآية، وكذا عند قوله تعالى ﴿وله الملك يوم ينفخ في الصور﴾ (الأنعام: 73).
[12] روى أبو داود (4742) والترمذي (3244) واللفظ له عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال أعرابي: يا رسول الله، ما الصور؟ قال: قَـرنٌ يُنفخُ فيه. وصححه الألباني كما في «الصحيحة» (1080).
[13] انظر صحيح البخاري (6408)، ومسلم (2689).
[14] انظر ما رواه البخاري (3208) ومسلم (2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[15] انظر حديث أنس بن مالك الذي رواه البخاري (1374).

فائدة: جاء تسميتهما بـ «المنكر والنكير» في حديث رواه الترمذي (1071)، وصححه الألباني كما في «السلسلة الصحيحة» (1391).
[16] الأخشبان جبلان عظيمان بمكة.
[17] رواه البخاري (3231) ومسلم (1795) عن عائشة رضي الله عنها.
[18] رواه أبو داود (469)، والترمذي (330)، والنسائي (733)، وابن ماجه (799) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني.
[19] رواه أبو داود (674) والنسائي (646) وابن ماجه (997) عن البراء بن عازب رضي الله عنه، وصححه الألباني رحمه الله.
[20] ‏رواه الترمذي (2685).
[21] رواه مسلم (2616).
[22] قاله الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره، باختصار وتصرف يسير.
[23] «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (6/25-26).
[24] الأطيط هو صوت الأقتاب، وهي ما يوضع على ظهور الإبل من الخشب ونحوه ليكون كالكرسي للراكب، والمعنى أن كثرة الملائكة قد أثقلت السماء حتى أطَّـــت. انظر «النهاية».
[25] رواه الترمذي (2312) وابن ماجه (4190) وأحمد (5؟173)، وحسنه الألباني في «الصحيحة» (1722)، وكذا محققو «المسند».
[26] انظر للمزيد من الاستفادة ما قاله ابن أبي العز الحنفي في كتابه «شرح العقيدة الطحاوية» في الإيمان بالملائكة، ص 299 – 301، الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت.
[27] هذا الفصل منقول من «شرح الأصول الثلاثة» لابن عثيمين، ص 92، بتصرف يسير.
[28] رواه البخاري (1833) ومسلم (1956).
[29] رواه أحمد (5/201) وغيره، وحسنه محققو «المسند (21752).
[30] أي النفخة الثانية في الصور، وهو قرنٌ يَنفخ فيه إسرافيل، وهو الـمَـلك الـمُـوكَل بالنفخ في الصور، فيقوم الخلائق من قبورهم.
[31] أي يُصعق الناس في آخر الحياة الدنيا، فيموتون كلهم، والصعقة تكون بسبب النفخة الأولى في الصور، وبين النفختين أربعون عاما.
[32]  رواه النسائي (1373)، وأبو داود (1047)، وابن ماجه (1085)، وأحمد (4/8)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود»، ومحققو «المسند» برقم (16162).