الإيمان بالملائكة
عبدالله بن رجا الروقي
1436/04/30 - 2015/02/19 18:49PM
خطبة الإيمان بالملائكة
أما بعد فإن أجل مايجب تعلمه هو العلم بأصول الإيمان الستة التي لايصح إيمان عبد إلا بالعلم بها وهى الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
قال تعالى : ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ﴾
وقال ﷺ لما سأله جبريل عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
ومن لم يؤمن بشيء منها فقد كفر قال تعالى : ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا )
وإن من هذه الأصول الإيمان بالملائكة وهم خلق كريم يتفاوتون تفاوتا عظيما في خلقهم قال تعالى ﴿الحمد للّه فاطر السّمـٰوٰت والأرض جاعل الملـٰئكة رسلا أولى أجنحة مّثنىٰ وثلـٰث وربـٰع يزيد فى الخلق ما يشاء إنّ اللّه علىٰ كل شىء قدير ﴾
والملائكة كثيرون جدا لايحصيهم إلا الله فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن البيت المعمور الذي في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك فإذا خرجوا لايعودون إليه مرة أخرى ، وهذا دليل على كثرتهم.
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- : ما في السموات سماء منها موضع إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه ثمّ قرأ: ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾.
وقد خلقهم الله من نور قال عليه الصلاة والسلام : ( خلقت الملائكة من نور , وخلق الجان من مارج من نار , وخلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم .
والملائكة مجبولون على طاعة الله قال تعالى : ﴿ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ .
وقال تعالى:﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾.
ولهم منزلة عظيمة عند الله يدل عليها أن الله قرن شهادتهم بشهادته سبحانه واستشهدهم على أعظم مشهود عليه وهو التوحيد كما قال تعالى : ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾.
والملائكة لهم أعمال كثيرة فمنهم حملة العرش قال تعالى :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ﴾.
ومنهم من ينزل بالوحي على الرسل وهو جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم : ﴿ نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ﴾ .
ومنهم ميكائيل الموكل بالقطر والنبات وإسرافيل الموكل بالنفخ بالصور عند قيام الساعة .
ومنهم الحفظة الموكلون بحفظ بني آدم وكتابة أعمالهم قال تعالى : ﴿ له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ﴾
وقال تعالى ﴿ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾
وقال تعالى ﴿ وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون ﴾
قوله تعالى: {يعلمون ما تفعلون} إي يشاهدون ماتعملون ويسمعون ماتقولون، بل إن عمل القلب يطلعهم الله عليه فيكتبونه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من هم بالحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، ومن هم بالسيئة ولم يعملها كتبت حسنة كاملة.
ومنهم الموكلون بقبض أرواح المؤمنين فتتولى ملائكة الرحمة قبض أرواحهم ، وتتلقاها بالبشرى وترفعها إلى السماء ، وتناديها بأحب أسمائها ، فترى من النعيم والسرور والحبور ما يسرها ويثبتها قال تعالى :
﴿ إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ﴾ وقال تعالى: ﴿ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾. طيبين : أي طاهرين من الشرك والمعاصي فيبشرونهم بالجنة ويسلمون عليهم .
ومنهم الموكلون بقبض أرواح الكافرين حيث تتولى ملائكة العذاب نزع أرواحهم ، وتتلقاها بالشدة والوعيد ، وتغلق أبواب السماء دونها، فتلقى في الأرض لتنال نصيبها من العذاب.
وقد ذكر الله عز وجل ذلك في القرآن الكريم ، فقال سبحانه وتعالى : ﴿ والنّازعات غرقا . والنّاشطات نشطا . والسّابحات سبحا ﴾
( والنّازعات غرقا ) أي الملائكة ، حين تنزع أرواح بني آدم ، فمنهم من تأخذ روحه بعنف فتغرق في نزعها ، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة ويسر، وهو قوله تعالى : ( والنّاشطات نشطا ).
هذا حال المؤمنين وحال الكافرين وأما أصحاب المعاصي والكبائر من المسلمين فيخشى عليهم أن تقبض ملائكة العذاب أرواحهم ، يدل لذلك :
حديث الرجل الذي قتل مائة نفس ، ثم تاب إلى الله عز وجل ، فلما قبضت روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيهم يقبضها قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرّحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى اللّه . وقالت ملائكة العذاب : إنّه لم يعمل خيرا قطّ . فأتاهم ملك في صورة آدميّ ، فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيّتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض الّتي أراد ، فقبضته ملائكة الرّحمة ) رواه البخاري ، ومسلم.
فتأمل كيف أن ملائكة العذاب همت أن تقبض روح هذا العاصي الذي قتل مائة نفس ، ولكن لما كانت توبته نصوحا صرف الله عنه ملائكة العذاب ، ولهذا فيخشى على أصحاب الكبائر أن تتولى ملائكة العذاب قبض أرواحهم إن لم يتوبوا إلى الله عز وجل.
ومنهم خزنة الجنة وخدم أهل الجنة قال تعالى ﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾.
ومنهم خزنة جهنم نعوذ بالله منها قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد ﴾.
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
أمابعد ، فإن كل حركة فى السماوات والأرض: من حركات الأفلاك، والنجوم، والشمس، والقمر، والرياح، والسحاب، والنبات، والحيوان، فهى ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسماوات والأرض، كما قال تعالى: {فالمدبرات أمرا} ، وقال تعالى{فالمقسمات أمرا} .
وقد أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة المنفذين لأمره في الخليقة كما قال تعالى: {والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا}
وقال تعالى : {والمرسلات عرفا * فالعاصفات عصفا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا}
وقال تعالى: ﴿ والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا﴾
والمقصود: أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوى والسفلى ملائكة، فهى تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره ، فهم منفذون لأمر الله ، ليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهار : قال تعالى ﴿ يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾
ورؤساؤهم الملائكة الثلاثه: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم". فتوسل إليه سبحانه بربوبيته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة.
فجبريل موكل بالوحى الذى به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذى به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ فى الصور الذى به حياة الخلق بعد مماتهم.
فسأله رسوله بربوبيته لهؤلاء أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، لما فى ذلك من حياة القلب ونعيمه في الدنيا والآخرة.
عباد الله:
الملائكة الموكلة بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن آخر فإنهم موكلون بتخليقه، ونقله من طور إلى طور، وتصويره، وحفظه فى أطباق الظلمات الثلاث، وكتابة رزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته، وسعادته، وملازمته فى جميع أحواله، وإحصاء أقواله وأفعاله، وحفظه فى حياته، وقبض روحه عند وفاته، وعرضها على خالقه وفاطره. وهم الموكلون بعذابه ونعيمه فى البرزخ، وبعد البعث. وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه، وهم أولياؤه فى الدنيا والآخرة، وهم الذين يرونه فى منامه ما يخافه ليحذره، وما يحبه ليقوى قلبه، ويزداد شكرا، وهم الذين يعدونه بالخير ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر، ويحذرونه منه.
فهم أولياؤه وأنصاره، وحفظته، ومعلموه، وناصحوه، والداعون له، والمستغفرون له، وهم الذين ويصلون عليه مادام يعلم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله تعالى فى منامه، وعند موته، ويوم بعثه. وهم الذين يزهدونه فى الدنيا، ويرغبونه فى الآخرة. وهم الذين يذكرونه إذا نسى. وينشطونه إذا كسل، ويثبتونه إذا جزع. وهم الذين يسعون فى مصالح دنياه وآخرته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة .رواه مسلم.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وإذا تأملت حال القلب مع الملك والشيطان رأيت أعجب العجائب فهذا يلم به مرة وهذا يلم به مرة فإذا ألم به الملك حدث من لمته الانفساح والانشراح والنور والرحمة والاخلاص والانابة ومحبة الله وإيثاره على ما سواه وقصر الأمل والتجافي عن دار البلاء والامتحان والغرور فلو دامت له تلك الحالة لكان في أهنأ عيش وألذه وأطيبه ولكن تأتيه لمة الشيطان فتحدث له من الضيق والظلمة والهم والغم والخوف والسخط على المقدور والشك في الحق والحرص على الدنيا وعاجلها والغفلة عن الله ما هو من أعظم عذاب القلب."ا.ه.
اللهم اجعلنا ممن تتولاه الملائكة بخير في الدنيا والآخرة ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان....
اللهم صل على محمد وسلم تسليمًا.
أما بعد فإن أجل مايجب تعلمه هو العلم بأصول الإيمان الستة التي لايصح إيمان عبد إلا بالعلم بها وهى الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
قال تعالى : ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ﴾
وقال ﷺ لما سأله جبريل عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
ومن لم يؤمن بشيء منها فقد كفر قال تعالى : ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا )
وإن من هذه الأصول الإيمان بالملائكة وهم خلق كريم يتفاوتون تفاوتا عظيما في خلقهم قال تعالى ﴿الحمد للّه فاطر السّمـٰوٰت والأرض جاعل الملـٰئكة رسلا أولى أجنحة مّثنىٰ وثلـٰث وربـٰع يزيد فى الخلق ما يشاء إنّ اللّه علىٰ كل شىء قدير ﴾
والملائكة كثيرون جدا لايحصيهم إلا الله فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن البيت المعمور الذي في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك فإذا خرجوا لايعودون إليه مرة أخرى ، وهذا دليل على كثرتهم.
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- : ما في السموات سماء منها موضع إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه ثمّ قرأ: ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾.
وقد خلقهم الله من نور قال عليه الصلاة والسلام : ( خلقت الملائكة من نور , وخلق الجان من مارج من نار , وخلق آدم مما وصف لكم ) رواه مسلم .
والملائكة مجبولون على طاعة الله قال تعالى : ﴿ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ .
وقال تعالى:﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾.
ولهم منزلة عظيمة عند الله يدل عليها أن الله قرن شهادتهم بشهادته سبحانه واستشهدهم على أعظم مشهود عليه وهو التوحيد كما قال تعالى : ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾.
والملائكة لهم أعمال كثيرة فمنهم حملة العرش قال تعالى :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ﴾.
ومنهم من ينزل بالوحي على الرسل وهو جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم : ﴿ نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ﴾ .
ومنهم ميكائيل الموكل بالقطر والنبات وإسرافيل الموكل بالنفخ بالصور عند قيام الساعة .
ومنهم الحفظة الموكلون بحفظ بني آدم وكتابة أعمالهم قال تعالى : ﴿ له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ﴾ .
وقال تعالى : ﴿ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ﴾
وقال تعالى ﴿ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾
وقال تعالى ﴿ وإن عليكم لحافظين ، كراما كاتبين ، يعلمون ما تفعلون ﴾
قوله تعالى: {يعلمون ما تفعلون} إي يشاهدون ماتعملون ويسمعون ماتقولون، بل إن عمل القلب يطلعهم الله عليه فيكتبونه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من هم بالحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، ومن هم بالسيئة ولم يعملها كتبت حسنة كاملة.
ومنهم الموكلون بقبض أرواح المؤمنين فتتولى ملائكة الرحمة قبض أرواحهم ، وتتلقاها بالبشرى وترفعها إلى السماء ، وتناديها بأحب أسمائها ، فترى من النعيم والسرور والحبور ما يسرها ويثبتها قال تعالى :
﴿ إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ﴾ وقال تعالى: ﴿ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾. طيبين : أي طاهرين من الشرك والمعاصي فيبشرونهم بالجنة ويسلمون عليهم .
ومنهم الموكلون بقبض أرواح الكافرين حيث تتولى ملائكة العذاب نزع أرواحهم ، وتتلقاها بالشدة والوعيد ، وتغلق أبواب السماء دونها، فتلقى في الأرض لتنال نصيبها من العذاب.
وقد ذكر الله عز وجل ذلك في القرآن الكريم ، فقال سبحانه وتعالى : ﴿ والنّازعات غرقا . والنّاشطات نشطا . والسّابحات سبحا ﴾
( والنّازعات غرقا ) أي الملائكة ، حين تنزع أرواح بني آدم ، فمنهم من تأخذ روحه بعنف فتغرق في نزعها ، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة ويسر، وهو قوله تعالى : ( والنّاشطات نشطا ).
هذا حال المؤمنين وحال الكافرين وأما أصحاب المعاصي والكبائر من المسلمين فيخشى عليهم أن تقبض ملائكة العذاب أرواحهم ، يدل لذلك :
حديث الرجل الذي قتل مائة نفس ، ثم تاب إلى الله عز وجل ، فلما قبضت روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيهم يقبضها قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرّحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى اللّه . وقالت ملائكة العذاب : إنّه لم يعمل خيرا قطّ . فأتاهم ملك في صورة آدميّ ، فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيّتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض الّتي أراد ، فقبضته ملائكة الرّحمة ) رواه البخاري ، ومسلم.
فتأمل كيف أن ملائكة العذاب همت أن تقبض روح هذا العاصي الذي قتل مائة نفس ، ولكن لما كانت توبته نصوحا صرف الله عنه ملائكة العذاب ، ولهذا فيخشى على أصحاب الكبائر أن تتولى ملائكة العذاب قبض أرواحهم إن لم يتوبوا إلى الله عز وجل.
ومنهم خزنة الجنة وخدم أهل الجنة قال تعالى ﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾.
ومنهم خزنة جهنم نعوذ بالله منها قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد ﴾.
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
أمابعد ، فإن كل حركة فى السماوات والأرض: من حركات الأفلاك، والنجوم، والشمس، والقمر، والرياح، والسحاب، والنبات، والحيوان، فهى ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسماوات والأرض، كما قال تعالى: {فالمدبرات أمرا} ، وقال تعالى{فالمقسمات أمرا} .
وقد أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة المنفذين لأمره في الخليقة كما قال تعالى: {والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا}
وقال تعالى : {والمرسلات عرفا * فالعاصفات عصفا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا}
وقال تعالى: ﴿ والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا﴾
والمقصود: أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوى والسفلى ملائكة، فهى تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره ، فهم منفذون لأمر الله ، ليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهار : قال تعالى ﴿ يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾
ورؤساؤهم الملائكة الثلاثه: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنى لما اختلف فيه من الحق بإذنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم". فتوسل إليه سبحانه بربوبيته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة.
فجبريل موكل بالوحى الذى به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذى به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ فى الصور الذى به حياة الخلق بعد مماتهم.
فسأله رسوله بربوبيته لهؤلاء أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، لما فى ذلك من حياة القلب ونعيمه في الدنيا والآخرة.
عباد الله:
الملائكة الموكلة بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن آخر فإنهم موكلون بتخليقه، ونقله من طور إلى طور، وتصويره، وحفظه فى أطباق الظلمات الثلاث، وكتابة رزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته، وسعادته، وملازمته فى جميع أحواله، وإحصاء أقواله وأفعاله، وحفظه فى حياته، وقبض روحه عند وفاته، وعرضها على خالقه وفاطره. وهم الموكلون بعذابه ونعيمه فى البرزخ، وبعد البعث. وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه، وهم أولياؤه فى الدنيا والآخرة، وهم الذين يرونه فى منامه ما يخافه ليحذره، وما يحبه ليقوى قلبه، ويزداد شكرا، وهم الذين يعدونه بالخير ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر، ويحذرونه منه.
فهم أولياؤه وأنصاره، وحفظته، ومعلموه، وناصحوه، والداعون له، والمستغفرون له، وهم الذين ويصلون عليه مادام يعلم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله تعالى فى منامه، وعند موته، ويوم بعثه. وهم الذين يزهدونه فى الدنيا، ويرغبونه فى الآخرة. وهم الذين يذكرونه إذا نسى. وينشطونه إذا كسل، ويثبتونه إذا جزع. وهم الذين يسعون فى مصالح دنياه وآخرته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة .رواه مسلم.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وإذا تأملت حال القلب مع الملك والشيطان رأيت أعجب العجائب فهذا يلم به مرة وهذا يلم به مرة فإذا ألم به الملك حدث من لمته الانفساح والانشراح والنور والرحمة والاخلاص والانابة ومحبة الله وإيثاره على ما سواه وقصر الأمل والتجافي عن دار البلاء والامتحان والغرور فلو دامت له تلك الحالة لكان في أهنأ عيش وألذه وأطيبه ولكن تأتيه لمة الشيطان فتحدث له من الضيق والظلمة والهم والغم والخوف والسخط على المقدور والشك في الحق والحرص على الدنيا وعاجلها والغفلة عن الله ما هو من أعظم عذاب القلب."ا.ه.
اللهم اجعلنا ممن تتولاه الملائكة بخير في الدنيا والآخرة ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان....
اللهم صل على محمد وسلم تسليمًا.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق