الإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ 22 رَجَب 1437هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1437/07/20 - 2016/04/27 14:57PM
الإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ 22 رَجَب 1437هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرَا , وَجَرَتِ الْأُمُورُ عَلَى مَا يَشَاءُ حِكْمَةً وَتَدْبِيراً , وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ وَلِيَّاً وَلا نَصِيراً ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرَا ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرَاً وَنَذِيرَا , وَدَاعِيَاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنِيراً , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ السِّتَةِ , وَلا يَصِحُّ دِينُ الْإِنْسَانِ إِلَّا بِأَنْ يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ , كَمَا لا تَسْتَقِيمُ حَيَاتُهُ وَتَطْمَئِنُّ نَفْسُهُ وَيَرْتَاحُ قَلْبُهُ إِلَّا إِذَا آمَنَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ . يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) , وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّه)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ عَذَّبَهُ اللهُ بِالنَّارِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الدِّينِ , فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ , وَعَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ : لَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِي ! قَالَ : لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ، كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ .
وَلَوْ أَنْفَقْتَ جَبَلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَلَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَدَخَلْتَ النَّارَ . قَالَ ابنُ الدَّيْلَمِيِّ : فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي بِمِثْلَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ إِيمَانَاً جَازِمَاً بِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِي الْكَوْنِ مِنْ أَفْعَالِ الْخَلْقِ أَجْمَعَينَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً قَدْ أَرَادَهَا اللهُ وَعَلِمَهَا وَكَتَبَهَا وَخَلَقَهَا , فَأَرَادَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَكَتَبَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي كِتَابٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَلا يَتَبَدَّلُ , فَيَقَعُ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى وَفْقِ مَا أَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) وَقَالَ سُبْحَانُهُ (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) , وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ مَوْقِفَنَا مِنَ القَدَرِ هُوَ التَّسْلِيمُ لِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ مَعَ عَمَلِ مَا نَسْتَطِيعُ مِنَ الْأَسْبَابِ التِي هَيَّأَهَا اللهُ لَنَا , ثُمَّ إِنْ وَقَعَ مَا نُريِدُ حَمِدْنَا اللهَ وَشَكَرْنَاهُ , وَإِنْ وَقَعَ مَا نَكْرَهُ حَمِدْنَا اللهَ وَصَبَرْنَا , وَبِهَذَا تَسْتَقِيمُ حَيَاتُنَا , وَأَمَّا مَنْ يُنَازِعُ الْقَدَرَ فَإِنَّهُ لا يُحَصِّلُ شَيئاً وَلا يُغِيِّرُ مَا وَقَعَ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ عُلِمَ مِقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ , وَأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَلا يَتَبَدَّلَ , وَهَذَا مِنْ إِحَاطَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ وَعُمُومِ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ , وَمَعَ هَذَا فَلا حُجَّةَ لِلْعَاصِي فِي الْقَدَرِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَلا مَنَاصَ مِنْ حِسَابِهِ , وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقَدَرِ مَعْذِرَتُهُ , وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْوَاقِعُ وَالْعَقْلُ .
فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَكَثِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فَلَوْ كَانَ فِي الْقَدَرِ حُجَّةٌ لَمْ تَنْقَطِعْ بِالرُّسُلِ , وَلَكَانَ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُولُوا : يَا رَبَّنَا لَمْ تُقَدِّرْ لَنَا الْهِدَايَةَ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ ، فَقَالَ (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ) فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ ؟ فَقَالَ (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ) ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ , فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَمَلِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الاتِّكَالِ عَلَى الْقَدَرِ.
ثُمَّ إِنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لا يَدْرِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ, فَكَيْفَ يَفْعَلُ الْمَعَاصِي ثُمَّ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ الذِي هُوَ لا يَدْرِي عَنْهُ أَصْلاً؟ وَلَوْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَرَادَ السَّفَرَ وَكَانَ أَمَامَهُ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا طَوِيلٌ وَخَطِيرٌ وَالآخَرُ قَصِيرٌ وَآمِنٌ , فَلَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الطَّوِيلَ الْخَطِيرَ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ لَعَدَّهُ النَّاسُ مَجْنُونَاً وَسَفِيهَاً , فَهَكَذَا مَنْ يَعْمَلُ الْمَعَاصِي التِي هِيَ طَرِيقُ النَّارِ وَيَتْرُكُ الطَّاعَاتِ التِي هِيَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ سَفِيهٌ وَلَيْسَ عَاقِلَاً.
وَأَيْضَاً فَهَذَا الرَّجُلُ الذِي يَعْصِي اللهَ وَيَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ , لَوْ أَنَّ أَحَدَاً أَخَذَ سَيَّارَتَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِالْقَدَرِ فَإِنَّه لَنْ يَرْضَى وَلَنْ يَعْذُرَهُ, فَهَكَذَا هُوَ يَجِبُ أَنْ لا يَعْذُرَ نَفْسَهُ وَيَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي .
ثُمَّ إِنَّ الْوَاقِعَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ , فَالْوَاحِدُ مِنَّا يَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِاخْتِيَارِهِ وَلا أَحَدَ يُجْبِرُهُ عَلَى فِعْلِ مَا لا يُرِيدُ , فَهَلْ رَأَيْنَا أَحَداً شَهَرَ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَقَالَ اعْمَلْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ ؟ أَوْ أَنَّ أَحَدَاً قَيَّدَهُ بِالْقُوَّةِ وَحَمَلَهُ عَلَى فِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ ؟ قَطْعَاً : لا , وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ الْحَذَرُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَمِنْ تَسْوِيلَاتِهِ وَحُجَجِهِ الْوَاهِيَةِ , فَاعْمَلْ بِالطَّاعَةِ وَاحْذَرِ الْمَعَاصِي وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَامْضِ فِيمَا يُصْلِحُ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ .
ثُمَّ كُنْ مُوقِنَاً بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ وَأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ, بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ العَظِيمِ , وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ , أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .



الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ، وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً .أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الإِيمَانَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ لَهُ ثَمَرَاتٌ عَظِيمَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , فَمِنْهَا : أَنَّهُ يَصِحُّ دِينُ الإِنْسَانِ وَيَكْمُلُ إِيمَانُهُ .
وَمِنْهَا : الاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّوَكُلُ عَلَيْهِ فِي جَلْبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ, مَعَ فِعْلِ الْأَسْبَابِ التِي أَذِنَ اللهُ فِيهَا وَشَرَعَهَا , فَالْمُؤْمِنُ مُتَوَكِّلٌ عَلَى رَبِّهِ قَدْ مَلَأَ قَلْبَهُ الْيَقِينُ بِاللهِ وَالاسْتِسْلَامُ لَه , وَهُوَ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ نَشِيطٌ يَعَمْلُ وَيَجْتَهِدُ فِيمَا يَنْفَعُهُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
وَمِنْ ثَمَرَاتِ الإِيمَانِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ : أَنْ لا يُعْجَبَ الْمَرْءُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ حُصُولِ مُرَادِهِ ، لِأَنَّ حُصُولَهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، بِمَا قَدَّرَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالنَّجَاحِ ، وَإِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ يُنْسِيه شُكْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ .
وَمِنْهَا : الطُّمْأَنِينَةُ وَالرَّاحَةُ النَّفْسِيَّةُ بِمَا يَجْرِى عَلَيْهِ مِنْ أَقْدَارِ اللهِ تَعَالَى فَلا يَقْلَقُ بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللهِ الذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ كَائِنٌ لا مَحَالَةَ , وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ , لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) , وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ , وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا ! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ .
المرفقات

إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 22 رَجَب 1437هـ.doc

إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 22 رَجَب 1437هـ.doc

المشاهدات 1720 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا