الإيمآن بالميزان والأعمال التي تثقل به

مريزيق بن فليح السواط
1433/01/13 - 2011/12/08 21:42PM
إن الحمد لله ....
عباد الله : لما كان الإيمان بالأمور الغيبية يزيد الإيمان ويجعل العبد منقادا إلى شرع الرحمن مستسلما لأمره ، مصدقا بوعده ، كان واجبا على المؤمن أن يصدق بكل ما أخبر الله به من أمور الغيب دون تردد أو شك. إيمانا كاملا بحقيقتها، وعدم تأويلها وتحريفها عما أراد الله بها، سالكا في ذلك مسلك سلف هذه الأمة رضوان الله عليهم قال الطحاوي يرحمه الله:"ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب وقرآة الكتاب والثواب والعقاب والصراط والميزان" وهذا الميزان ميزان حقيقي له كفتان ولسان لا تكيفه العقول ولا تتصوره الأذهان ولا يعلم سعته إلى الله قال النبي صلى الله عليه وسلم " يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لو سعهن. فتقول الملائكة :أي رب لمن هذا؟فيقول:لمن شئت من خلقي: فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك"
ولقد تكاثرت النصوص الشرعية في إثبات الميزان قال تعالى : "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وقال سبحانه : " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون*ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون" فدلت هذه الآيات على إثبات الميزان ، وانه ميزان محسوس توزن فيه أعمال العباد وذلك بعد انقضاء الحساب والتقرير بالأعمال وعرضها على ابن ادم " ألست صاحب كذا وكذا يوم كذا وكذا ؟ فيقول : نعم يا رب " فإذا أنكر شيئا من أعماله بعث الله عليه شهيدا من نفسه " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " فبعد تقرير الأعمال يكون الميزان أظهارا للعدل الرباني وأنه لا ظلم يوم القيامة ولو كان مثقال ذرة بل هو يوم يثاب فيه من عدل في الحياة الدنيا ويعاقب فيه من ظلم نفسه .
أيها المسلمون : ولقد جأت السنة بأحاديث كثيرة في إثبات الميزان وبيان الأعمال التي تثقل بأصحابها في الميزان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان،حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "وهذا الحديث ختم به البخاري كتابه الصحيح في إشارة منه إلى عظم هذا الحديث وأنه خير ما تختم به الأعمار .
ذكر أحد الدعاة الفضلاء أن رجلا سمع من أحد الدعاة الحث على هذا الذكر وعظم أجر صاحبه " كلمتان خفيفتان على اللسان...... " فكان هذا الرجل العامي البسيط لا يمل من هذا الذكر وكل ما لقي أحد استوقفه وقال له " كلمتان خفيفتان على اللسان ...... " وشاء الله أن يمرض هذا الرجل ويدخل في المستشفى ويبقى في غيبوبة لمدة ثمانية أشهر وفي يوم من الأيام آفاق من غيبوبته فاجتمع الممرون عنده متعجبين منه واستدعى الطبيب فلما حضر ناداه المري وقال يا دكتور " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " ثم رفع إصبعه ومات رحمه الله .فانظروا رحمكم الله إلى هذا الذكر اليسير الكلمات، الكثير الدرجات، العظيم في ميزان العبد يوم لقاء رب البريات. فما أسهلها من غنيمة وما أكثر المفرطين بها .
ومن الأعمال التي يثقل بها ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق " وحسن الخلق أمر هين لا مشقة فيه والناس بطبعها تحب مكارم الأخلاق وتحب من يتخلق بها . فبذل الندى وكف الأذى يجمع خلال الخلق الحسن كلها ، لما سئل رجل قتادة رحمه الله عن حسن الخلق قال : بني إن الخلق شيء هين * وجه طليق ولسان لين .
وهذه أيضا غنيمة باردة سهلة ميسرة على من هدى الله قلبه ، وأراد الخير به .وما أكثر المفرطين في هذا الميدان بل وصل الأمر عند البعض أن أصبحت طلاقة الوجه، والتبسم للآخرين منقصة. وطيب الكلام سذاجة وخفة عقل قال الأصمعي : قال جدي علي بن أصمع لبنيه : يا بني خالطوا الناس مخالطة أن غبتم حنوا إليكم وأن متم بكوا عليكم . وصدق من قال :
لا تبتئس أيها الباكي رويدا * لا يسد الدمع ثغره .
أيها العابس لن * تعطى على التقطيب أجره .
لا تكن مرا ولا * تجعل حياة الناس مره .
قال النبي صلى الله عليه وسلم " تبسمك في وجه أخيك صدقه "
ومن الإعمال التي تثقل بميزان العبد ما رواه أبو مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الطهر شطر الإيمان الحمد الله تملأ الميزان ... " فالحمد الله تملأ الميزان وهي كلمة يسيرة ينبغي أن لا ينفك لسان المرء عنها في كل أحواله وسائر أعماله قال ابن عمر : أن كنت لأخرج إلى السوق مالي به حاجة ألا أني أريد أن اسمع كلمة فيها الحمد لله .
والعبد في هذه الحياة بين نعمة وذنب فيحمد الله على نعمه ويستغفر من ذنوبه. قال بكر بن عبدا لله المزني وهو من كبار فقهاء الإسلام : خرجت يوما إلى السوق فإذا حمال عليه حمله وهو يقول الحمد لله ، استغفر الله ويكررها . قال بكر فانتظرته حتى وضع حمله ، فقلت له يا هذا أما تحسن غير ما تقول ؟ قال : بلى أحسن خيرا كثيرا وأقرأ كتاب الله غير أن العبد بين نعمة وذنب فاحمد الله على نعمه ، واستغفره لذنوبي . فقال بكر : الحمال أفقه من بكر .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين "
الحمد لله على أحسانه ........
عبآد الله : والأعمال التي يثقل بها ميزان العبد كثيرة فكلمة التوحيد إذا صحة من العبد وحققها في نفسه بإخلاص وتجرد لله فعلم معناها وعمل بمقتضاها ونطق بها عن صدق ويقين سعد بها في دنياه وانتفع بها في أخراه وثقلت في ميزانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤؤس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر، ثم يقول له: أتنكر من هذا شئيا أظلمك كتبتي الحافظون؟ قال: لا يا رب، فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فبهت الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، أن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم اليوم عليك، فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله ألا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضروه، فيقول: يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال:أنك لا تظلم قال: فتوضع السجلات في كفه، والبطاقة في كفه، قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شئ " ومن الاعمال التي تثقل في ميزان العبد الجهاد في سبيل الله، وأعداد المجاهدين وتجهيزهم لقتال أعداء الله قال النبي صلى الله عليه وسلم " من احتبس فرس في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه و بوله في ميزانه يوم القيامة"
وكذالك شهود الجنائز والصلاة عليها ودفنها يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من تبع جنازة حتى يصلى عليها ويفرغ منها فله قيراطان، ومن تبعها حتى يصلى عليها فله قيراط، والذي نفس محمد بيده لهو أثقل في ميزانه من أحد "
عباد الله:
ثقل ميزان العبد أنما يكون بالأعمال الصالحة، وتقواه لربه. والعبرة بصلاح القلب، واستقامة الجوارح، والعمل بطاعة الله، والتماس أسباب رضاه، أما الصور والأشكال، والزينة والجمال، والمنصب والمال، فليس لها عند الله قيمة ولا جزاء، عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه لما صعد يوما على جدار فضحك الصحابة لدقة ساقيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده أنها لأثقل في الميزان من جبل أحد" فالمرد على الأعمال وصلاح الأحوال ولهذا جاء في الحديث :"أنه ليأتي الرجل السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة " فما بالنا ننظر إلى غير ما أراد الله، ونجعل الميزان في الحكم على الناس والاحترام والتقدير للمظاهر الجوفاء وما عنده من منصب وجاه ومال. هذا البراء بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فقيرا نحيل الجسم لا يملك من حطام الدنيا نقيرا ولا قطميرا، لكنه كان قوي الأيمان، عاملا بطاعة الرحمن، محبا للملك الديان، كان النبي صلى الله عليه وسلم أذا رأه قال:"رب أشعث أغبر ذي طمرين - والطمر الثوب القديم البالي- لا يؤبه له –ما أحد يهتم فيه ولا أحد يعرفه- لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك " لما كانت معركة اليمامة مع المرتدين وكانوا قد تحصنوا بحصون منيعة ذات أسوار عالية ووقف المسلمون أمامها يبحثون عن حيلة ليقتحموها فإذا بالبراء يقول لهم:ألقوني عليهم،فحمله المسلمون وألقوه من فوق السور فقاتل الذين على الباب حتى فتحه ودخله المسلمون وقاتلوا أعداء الله حتى هزموهم وإذا بالبراء يصاب بجروح كثيرة وأصابات بليغة، مكث بعدها شهرا يعالج جراحته فلما شفي منها توجه مع جيوش المسلمين لقتال الفرس فلما كانت موقعة تستر وكانت معركة عظيمة تساقط فيها القتلى وكاد المسلمون أن ينهزموا، فاقترب بعض الصحابة منه فقال: بعضهم أتذكر يابراء يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره" يا براء أقسم على ربك أن يهزمهم، وينصرنا عليهم. فرفع البراء ذراعيه إلى السماء داعيا متضرعا الى ربه فقال: اللهم امنحنا أكتافهم، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم، وألحقني اليوم بنبيك. وركب فرسه وهجم على الفرس فانتصر المسلمون ولقي البراء ربه شهيدا في سبيله .
عباد الله : الإيمان بالميزان ثابت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة فيجب الإيمان به حقيقة، والتصديق بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم يقينا وصدقا ولزوم الأعمال التي تثقل بميزان العبد والمحافظة على الحسنات فهي رأس مالك، وما يوضع في ميزانك، والتفريط في تحصيلها جهل وضلال، وبعثرتها وتضييعها بعد كسبها حماقة وغباء يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"أتدرون من المفلس" قالوا المفلس منا من لا درهم له ولا متاع، فقال عليه الصلاة والسلام:"أن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على نبي الرحمة والهدى فقد أمركم بذلكم ربكم جلا وعلا فقال جل من قائل:"ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".... .
المشاهدات 6021 | التعليقات 7

جزاك الله خير


بارك الله فيك


الأخوة الفضلاء :
عوض القحطاني وشبيب القحطاني
شكرا لكما وبارك الله فيكما
وجزى الله مشايخنا وعلمائنا خيرا فما أنا الى جامع ومرتب للموضوع


جزاك الله خيرا على هذا الموضوع
اعجبني فيه الادلة الشرعية وكثرتها
ودعم ذلك باقوال السلف مع قصة لطيفة هادفة

وياليت أن تتناول مواضيع اليوم الآخر بهذه الكيفية الجميلة ، واهمها :
1- القبر ونعيمه وعذابه ،
2- الحشر واصناف الناس في ارض المحشر ،
3- الموقف و الحساب .
4- الصراط .
5- الحوض .
وغيرها ....


خطبة موفقة يا شيخ أبو عمر الطائفي

ولعلك حفظك الله تصرح باسمك لننشرها في الموقع

واقتراح الشيخ حسن الحضرمي طيب .. ولعلك يا شيخ أبا عمر تقوم بهذه السلسلة ..

بارك الله فيك ونفع بك


الخطبة جميلة مع انها تحتاج عناية اكثر ـــ في نظري القاصرــــ في صياغتها وترابطها وتخريج الأحاديث ولوبشكل مجمل وتشكيل الآيات ليستفيد منها الخطيب على أكمل وجه ,مع اطيب الامنيات


جزاك الله خير الجزاء و جعلها في ميزان حسناتك