الإمام العادل

[font="] الإمام العـــادل[/font][font="][/font]
[font="] [/font]
[font="]عباد الله: هؤلاء السبعة هم بشر فيهم صفات البشر و نوازعهم، لكنّهم انتصروا على دواعي الهوى و نَهُوا النّفس عن هواها و آثروا رضوان الله فاستحقّوا ما أكرمهم الله به من الظلّ بإيمان إخلاصهم و صبرهم و مشقّتهم.. و لابدّ أن نعلم أنّ هذه الخصال السبعة ليست موقفا واحدا في الحياة و انتهى، بل هي حالٌ دائمٌ مستمرٌّ عند صاحب كلّ شخصية طيلة حياته.. و لابدّ أن نعلم أيضا أنْ يُمكن أن تتوفّر أكثر من خصلة في كلّ منّا حتّى يمكن أن يكون الشخص الواحد: هؤلاء السبعة معا.. و قد كان هذا حال كثير من المؤمنين..[/font]
[font="]و لنبدأ بأهمّ و أصعب و أخطر شخصيّة على الإطلاق:[/font]
[font="]الشخصية الأولى[/font][font="] التي ورد ذكرها في حديث النبيّ صلى الله عليه و سلم: " سبعة يظلّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلُّهُ "، وهي شخصية الإمام العادل.. و أودّ أن أوضّح كي لا تذهب أذهاننا و عقولنا أنّ المقصود بالإمام هنا: هو الحاكم بمعنى رئيس الدّولة أو إمام المسجد مثلا.. كان لا بدّ أن نذكر أنّ مفهوم الإمامة يتّسع ليشمل كلُّ من وُلِّيَ شيئا من أمور المسلمين، و اتّبع أمر الله فيه، و عدل فيه بوضع كلّ شيء في موضعه من غير تقصير.. و هذا حديث النبيّ صلى الله عليه و سلم يؤكّد لنا ذلك الواقع، واقع إمامة كلّ إنسان في هذه الحياة: " كُلُّكُمْ راعٍ و كُلُّكُمْ مسؤولٌ عن رعيّته ". الحاكم، القاضي، الأب، الأمّ، المعلّم، صاحب العمل، الطبيب، التاجر، المحامي، و غيرهم كثير، كلّهم أئمّة.. و على هذا المعنى، فكُلُّ منّا إمام بحسب ما أولاه الله تعالى من مسؤوليات في هذه الحياة.. فكان لا بدّ أن نعدل فيما أولانا الله سبحانه..[/font]
[font="]و لِعُلُوُّ منزلة العدل و أهميته، جعله الله أمرا منزلا إلى عباده، يقول تعالى: " إنّ الله يأمر بالعدل "، أمرنا به سبحانه كما أمرنا بالصلاة و الصيام و الحجّ و الزكاة، و قال تبارك و تعالى: " اعدلُوا هو أقرَبُ للتَّقْوى ". و العدل لرفعته، أُنْزِل مع الكتب السماوية، يقول الحقّ سبحانه: " لقد أرسلنا رُسُلَنا بالبيِّناتِ و أنزلنا معهم الكتابَ و الميزانَ ليقُومَ النّاس بالقِسط ". أي: لنعيش بالعدل مع أنفسنا و مع من حولنا، و نعطي كلّ ذي حقٍّ حقَّهُ.. فقد بيّن لنا تعالى في القرآن الكريم حقوق العباد، و الله عزّ و جلّ إذ وضع لنا هذا الميزان الدقيق الذي يعطي كلّ ذي حقٍّ حقَّهُ، ذلك لتتفرّغ نفوسنا للمهمّة الأساسية التي خُلقنا من أجلها، ألا وهي: عبادة الله تعالى و طاعته فيما أمر به و ما نهى عنه، تمهيدا لسعادتنا الحقّ في الدّنيا و فوزنا في الآخرة..[/font]
[font="]فلو أنّك قصّرت في الحقوق و الواجبات و ظلمت، تدخل في مشاكل كثيرة و متاهات تُشغلك و تبعدك عن الله، و هذا ما وقع مع الأسف في هذا العصر، انتشر الظلم و أَكْل الحقوق و سياسة الكيل بالمكيالين، حتّى صرنا نرى في حياتنا قصّة القاضي و الثّور في كثير من المعاملات الخاصّة و العامّة، بل و على الصعيد الدولي.. إنّه ذاك القاضي الكبير المهمّ الذي دخل عليه يوما في مكتبه قوم كثّر.. فنظر و قال: ما أدخلكم و ماذا تريدون ؟ فقال كاتبه الخاص: هؤلاء جاؤوك يعتذرون فقد تهجّم ثورهم على أراضيك و دمّر كلّ المحاصيل، فغضب القاضي غضبا شديدا و قال: هذه جناية عظمى عليها الحكم التّالي، و العقوبة الفلانيّة، و راح يزيد و يستفيض، ثيران تدخل و تدمّر محصول الأراضي، هذا إجرام و اعتداء سافر.. فجأة هنا قال أحد هؤلاء الناس: معذرة يا صاحب السعادة، لقد أساء كاتبكم الفهم، بل إنّ ثيرانكم من دخلت أراضينا و دمّرت المحاصيل[/font]!!![font="][/font]
[font="]هنا صَمَتَ القاضي قليلا ثم قال: إليّ بكُتُبِ القانون و النظام الدّولي كي ندرس الملابسات و الأسباب و نسأل الإداريين و الجهات الأمنية و المختصّين، فلعلّنا نجد تفسيرا ديمقراطيّا لما فعله ثورنا.. إنّها سياسة الكيل بالمكيالين مع الأسف، نلمسها في هذا الزمان في حالات فردية بل و دولية، وهي ممّا أوقع فوضى في هذا العالم.. نعم فالعدل هو ميزان الله تعالى الذي وضعه للخلق و نصّبه للحقّ، فهو إحدى قواعد الدّنيا التي لا انتظام لها إلاّ به، و لا صلاح فيها إلاّ معه.. و العدل يدعو إلى الألفة و يَبْعَثُ على الطّاعة.. به تعمر البلاد و تنمو الأموال، و معه يكبر النّسل.. و قد قال أحد السّلف: إنّه العدل واجب على كلّ أحد في كلّ حال، و الظّلم محرّم لا يباح بحال.. و أوّل و أهمّ العدل المطالب به كلّ إنسان: حقّ الله، توحيد الله سبحانه، فهو أعدل العدل، و من أظلم الظّلم: الشرك بالله، أليس يقول تعالى على لسان لقمان لابنه: " يا بنيّ لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم "، و لله المثل الأعلى، تخيّل نفسك تسبّ إنسانا و تصفه بصفات ليست فيه أبدا، بل هو منزّه عنها تماما، و هذه الصفات تسيء إليه، ألا تكن بها قد ارتكبت ظلما عظيما ؟[/font]!![font="] و لله المثل الأعلى، من يشرك باللهفيقول هناك أكثر من إله أو أنّ له ولد أو يصفه وصف فيه إشراك به، فقد ارتكب ظلما عظيما، يقول تعالى: " إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأماناتِ إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنّ الله نِعِمّا يعِظُكُم به إنّ الله كان سميعا بصيرا ". أي إن لم تحكموا بالعدل بين الناس، فالله يسمع صوت المظلومين فهو السميع و إن سكتوا، يرى أحوالهم فهو البصير سبحانه..[/font]
[font="]و اليوم كم من مظاهر الظلم انتشرت و عمّت ؟ كمسألة الطلاق مثلا، الذي صار على لسان بعض الرجال أسهل من شربة الماء لأتفه الأسباب.. الحمد لله أنّ مجتمعنا تمكّن من معالجة هذه الظاهرة بحكمة و مرونة و تبصّر معتمدا في ذلك على ما جاء في ظاهر الكتاب و السنّة.. لكن نرى و نسمع في بعض المجتمعات العربية، من طلّق نسائه الأربع في دقائق من أجل طبخة لم تعجبه.. و إن ذكرت هذا فذلك لأقدّم الدّليل إلى أي درجة وصل الخلق في تجاوزهم و ظلمهم.. و أعلموا أيها المسلمون أن حفظ الأمانة و رعايتها، حمل ثقيل لا يقدر عليه إلاّ من تلقّى الأمر، فوعيه و سارع في التطبيق.. و الحقّ تعالى يقول: " إنّ اللهَ يأمُرُكُمْ أن تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهلِها ". أمر من الله أن نعطي كلّ ذي حقٍّ حقَّهُ، الأب، الأمّ، الجيران، الأولاد، إخوانك و أخواتك المسلمين و المسلمات.. و الله إذ يأمر بإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقَّهُ، يأمر بعدم إنقاص الناس حقوقهم، فأحيانا قد يجنح الإنسان إلى حقٍّ على حساب حقٍّ، يؤدّي مثلا حقّ أمّه على حساب حقّ زوجته، أو يؤدّي حقّ زوجته على حساب حقّ أمّه، أو يؤدّي حقّ نفسه و راحتها على حساب حقّ جيرانه و راحتهم، أو يؤدّي حق عمله على حساب حقّ أولاده..[/font]
[font="]أمّا الإمام العادل فيعطي كلّ ذي حقٍّ حقَّهُ دون زيادة أو نقصان.. فهو يوازي بين الحقوق فلا يعطي حقّ أحد على حساب حقّ غيره.. يقول تعالى: " و إذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل إنّ اللهَ نِعِمَّا يعظكم إنّ الله كان سميعا بصيرا ". قال أحد المفسّرين: فأمّا الحكم بالعدل بين النّاس فالنصّ يطلبه هكذا عدلا شاملا بين الناس جميعا، لا عدلا بين المسلمين بعضهم مع بعض و حسب، و لا عدلا مع أهل الكتاب دون سائر الناس، و إنّما هو حقّ لكلّ إنسان بوصفه إنسانا.. و قد قال تعالى: " لا ينهاكُمُ الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدّين و لم يخرجوكم من دياركُمْ أن تَبَرُّوهُمْ و تُقْسِطُوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين ". و يقول تبارك سبحانه: " يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط ". و هناك فرق كبير بين قائمين بالقسط، و قوّامين بالقسط.. نقول: فلان قائم بعمله، قائم بمهمّته، قائم بوظيفته، قائم بأداء الحقوق.. لكن الحقّ تقدّس اسمه، أراد منّا أن نكون قوّامين بالقسط على أكمل وجه، و ليس قائمين فحسب، بل قوّامين أي: أن نتقصّى و نراعي أدقّ حيثيات العدل و تفاصيله، أن نكون متحمّسين للحقّ و العدل إلى أقصى درجة..[/font]
[font="]أيّها الأخوة القرّاء، لا تدعوا الهوى يؤثّر في عدلكم و حزمكم: يقول عزّ من قائل: " فاحكم بين الناس بالحقّ و لا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله ". الإمام العادل لا يتّبع الهوى فيفضّل أهله و أصحابه و أتباعه عن البقيّة، أو يغمط حقّمن يكرهه، لذلك من استطاع أن يقاوم شهوة التحكّم من منطلق مركز النّفوذ و القرار، كما يمليها هوى النّفس،كان معنى ذلكأنّ فيه من الإيمان و التقوى ما يجعله مستحقّ بأن يكون واحد من هؤلاء السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه..[/font]

[font="][/font]
[font="]اللهمّ إنّا نسألك أن تطيل في أعمارنا و تحفظنا من كلّ شرّ و ترجعنا سالمين غانمين بإذنك، إنّك على كلّ شيء قدير..[/font]
[font="]
[/font]
[font="] لم يعد لنا مزيد و غدا إن شاء الله هناك جديد[/font]

[font="][/font]
[font="] الشيخ محمّد الشاذلي شلبي[/font]
[font="] الإمام الخطيب
[/font]
المشاهدات 5294 | التعليقات 0