الإمامة بالدين

يوسف العوض
1439/07/05 - 2018/03/22 13:17PM

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للَّهِ ،قدَّمَ مَن شاءَ بفضلِهِ ، وأخَّرَ مَن شاءَ بعَدلِهِ ، هو المُبدءُ المُعيدُ ، الفَعَّالُ لما يُريدُ ، جلَّ عن إتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحداً ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ ، وَحدَهُ لا شريكَ له ، ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً  ، (  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).

عِبادَ اللهِ : إنَّ أهلَ الحقِّ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ هم أعظمُ النَّاسِ صبراً على أقوالِهم ومعتقداتِهم،وإنْ أصابَهم في سبيلِ ذلك ما أصابَهم، وهذا هو الثباتُ على الحقِّ. وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأكَابرَ وَصَلُوا لَمَا وَصَلُوا إِلَيْهِ بِرَاحَةِ الْجَسَدِ، أَوْ بِالْخُمُولِ وَالدَّعَةِ، بَلْ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَمُجَاهَدَةٍ وَصَبْرٍ، وَتَركِ كَلِّ عَزِيزٍ وغَالٍ فِي سَبِيلِ إِعْلَاءِ مَنَارِ هَذَا الدِّينِ، فَكَانَ دِينُ أحَدِهِمْ أغْلَى عَلَيهِ مِنْ وَلَدهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أجمَعِين، بَلْ أَعَزُّ عَلَيهِ مِنْ نَفْسهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، وبعدما وَصَلُوا إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْمَكَانَةِ الرَّفيعَةِ إِذَا بِهُمْ يُفْتَنُونَ وَيُعْرَضُونَ عَلَى مِسْبَارِ الْاِختبَارِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يُبَيِّنُ نَقْيَ الْمَعَادِنِ مِنْ رَدِيئِهَا ؛ قَال تَعَالَى﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾  وَمِنْ هَذِهِ الْفِتَنِ الْعِظَامِ الَّتِي سَطَرَهَا التَّارِيخُ وَكَتَبَها فِتنةٌ سُفِكْتْ بِسَبَبِهَا دِمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَجَرَتْ مِنْ أَجَلِهَا مِحَنٌ عَظِيمَةٌ وَبَلَايَا مُتَتالِيَةٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِ الْمَأْمُونِ وَالْمُعْتَصِمِ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَغَصَّتِ السُّجُونُ بِالْمُخَالِفِينَ فِيهَا الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَاَمُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنهُ بَدَأَ وَإِلَيهُ يَعُودُ.

عِبادَ اللّهِ : بِدايةً نقولُ كَانَ النَّاسُ أمَةً وَاحِدَةً وَدِينُهم قَائِماً فِي خِلَاَفَةِ أَبِي بِكْر الصَّدِيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ، فَلَمَّا اِسْتُشْهِدَ عُمَرُ اِنْكَسَرَ الْبَابُ الَّذِي يَصُدُّ الْفتنةَ كَمَا أَخَبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ رُؤُوسُ الشَّرِّ وَتَفَرِّقَتْ الْكَلِمَةُ فَظَهَرَتْ الطَّوَائِفُ الضَّالَّةُ الَّتِي كَفَّرَتْ سَادَةَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرَهُمْ، حَتَّى ظَهَرَ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُونُ- وَكَانَ ذَكِيَّا مُتَكَلِّمَا- فَاسْتَجْلَبَ كُتُبَ الْأوَائلِ، وَعَرَّبَ حكمةَ الْيُونانِ، وَقَامَ فِي ذَلِكَ وَقَعَدَ، وَقَدْ اِسْتَحْوَذَ عَلَيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فَأَزَاغُوهُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَزَيَّنُوا لَهُ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَفِي الصِّفَاتِ عَنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَآلَ بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنْ حَمَلَ الْأُمَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَامْتَحَنَ الْعُلَمَاءَ . وَلَمْ يَكِنْ فِي الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ مِنْ بَنِيّ أُمَيَّةَ وبَنِي الْعَبَّاسِ خَلِيفَةٌ إلا عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَمِنْهَاجِهِمْ، ثُمَّ إِنّهُ خَرَجَ إِلَى غَزْو الرُّومِ وَكَتَبَ إِلَى نَائِبهِ بِبَغْدَادَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَوْتهِ بشهور، فَلَمَا وَصَلَ الْكِتَابُ اِسْتَدْعَى جَمَاعَةً مِنْ أئِمَّةِ الْحَديثِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ فَامْتَنَعُوا، فَتَهَدِّدَهُمْ بِالضَّرْبِ وَقَطْعِ الْأَرْزَاقِ فَأَجَابَ أَكْثَرُهُمْ مُكْرِهِينَ وَاِسْتَمَرَّ عَلَى الْاِمْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ الْإمَامُ أَحْمَدُ بِنُ حَنْبَلَ وَمُحَمَّدُ بِنُ نَوْحٍ، فَحُمِلَا إِلَى الْخَلِيفَةِ عَلَى بِعِيرٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مُقَيَّدَانِ، وَمَا إِنْ وَصَلا إِلَى الثَّغْرِ الَّذِي يُقَيِمُ فِيهِ الْمَأْمُونُ حَتَّى جَاءَتْهُمْ الْبُشْرَى بِمَوْتِهِ وَلَمَّا رَجَعَا إِلَى بَغْدَادَ أُودِعَا السِّجْنَ نَحْوَا مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا.

عِبادَ اللّهِ : فَوَلِيَ الْخِلَاَفَةَ الْمُعْتَصِمُ، فَرَدُّوهُمَا إِلَى بَغْدَادَ ، وَمَاتَ مُحَمَّدُ بِنُ نَوْحٍ فِي الطَّرِيقِ، وَصَلَّى عَلِيهُ أَحَمَدُ بِنُ حَنبلَ ،ثَمَّ أَحْضَرهُ الْمُعْتَصِمُ مِنَ السِّجْنِ، وَأَدْخَلَهُ عَلَى رُؤُوس الْمُبْتَدِعَةِ لِيُنَاظِرُوهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِنُ إسحاقَ : مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ ؟ فَقَالَ الْإمَامُ أَحْمَدُ: الْقُرْآنُ مِنْ عِلْم ِاللَّه، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ ، فَقَالُوا: يا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَفَّرَكَ وَكَفَّرَنَا، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ هَذَا وَيَرُدُّ عَلَيهِ، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا وَيَرُدُّ عَلَيهِ، فَإذاَ اِنْقَطَعُوا يَقُولُ الْمُعْتَصِمُ: وَيَحَكَ يا أَحْمَدُ ، مَا تَقُولُ ؟ فَيَقُولُ: يا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتاِبِ اللَّهِ أَوْ سُنَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقَوْلَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ اِبْنُ أَبِي دُؤادَ: وَأَنْتَ لَا تَقُولُ إلا بِهَذَا وَهَذَا ؟ فَقَالَ الْإمَامُ أَحْمَدُ: وَهَلْ يَقُومُ الْإِسْلَامُ إلا بِهُمَا ؟! وَرَغِبَ الْمُعْتَصِمُ فِي أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ لَهُ إسحاقُ بِنُ إبراهيم نَائِبُ بَغْدَادَ : يا أَمير َالْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ تَدْبِيرِ الْخِلَاَفَةِ أَنْ تُخْلَّيْ سَبِيلَهُ وَيَغْلِبُ خَلِيفَتَيْنِ فَغَضِبَ الْمُعْتَصِمُ وَقَالَ: خُذوهُ وَاِسْجِنُوهُ. ثَمَّ أَحْضَرُوهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَنَاظَرُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ كُلِهِ يَعْلُو صَوْتُهُ عَلَيهُمْ وَتَغْلِبُ حُجَّتُهُ حُجَجَهُمْ، وَقَدْ تَنَوَّعتَ بِهِمْ الْمَسَائِلُ فِي الْمُجَادَلَةِ وَلَا عِلْمَ لَهُمْ بِالنَّقْلِ، فَجَعَلُوا يُنْكِرُونَ الْآثَاَر وَيَرُدُّونَ الْاِحْتِجَاجَ بِهَا، وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ كُلِهِ يَتَلَطَّفُ بِهِ الْخَلِيفَةُ، وَيَقُولُ: يا أَحَمْدُ أَجِبْنِي إِلَى هَذَا، حَتَّى أَجْعَلَكَ مِنْ خاصَّتي وَأَفُكَّ قَيدَكَ بِيدِيَّ  فَيَقَولُ: يا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْتُونَنِي بِآيَةٍ مَنْ كِتابِ اللَّهِ أَوْ سُنَةٍ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُجِيْبَهُمْ إِلَيهَا.

عِبادَ اللّهِ : فَجِيءَ بِالجَلَّادِينَ ، فَضَرَبَهُ أَحَدُّهُمْ سَوْطَيْنِ، فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَصِمُ: شُدَّ قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ، وَجَاءَ الْآخَرُ وَضَرَبهُ سَوْطَيْنِ ثُمَّ الْآخِرُ كَذَلِكَ، حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيهِ وَذَهَبَ عَقْلُهُ، فَأُرْعِبَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ إلي أهْلهِ، وَكَانَ جُمْلَةُ مَا ضُرِبَ نيّفًا وثَلَاثِينَ سَوْطًا، لَكِنَّهُ كَانَ ضَرْبَا شَدِيدَاً جِدَاً ، ثَمَّ لَزِمَ مَنْزِلَهُ وَاِمْتَنَعَ مِنَ التَّحْدِيثِ. وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْمُعْتَصِمُ وَوَلِيَ الْخِلَاَفَةَ اِبْنهُ الْوَاثِقُ، فَأَظْهَرَ الْفتنةَ وَاِشْتَدَّ الْأَمَرُ عَلَى أهْلِ بَغْدَادَ وَأَرْسَلَ إِلَى الْإمَامِ أَحْمَدَ، أَنْ لَا تساكنِّي بِأَرْضٍ وَلَا مَدِينَةٍ ، فَاخْتَفَى الْإمَامُ أَحْمَدُ بَقِيَّةَ حَيَاةِ الْوَاثِقِ حَتَّى هَلَكَ، وَوَليَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ الْخِلَاَفَةَ ، فَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِوِلَاَيَتِهِ، فَقَدْ كَانَ مُحِبَّاً لِلَسُنَّةِ وَأهْلِهَا، وَرَفَعَ الْمِحْنَةَ عَنِ النَّاسِ وَكَتَبَ إِلَى الْآفَاقِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أحَدٌ فِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ! فَالحَمْدُ للّهِ عَلَى الفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ والمِنَّةِ بَعدَ الغُمَّةِ واللَّه المُسْتَعَانُ ..  

الخطبة الثانية:  

الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي بِنعمتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَيرِ البَريَّةِ وأزكَى البَشَريَّةِ ..  

عِبَادُ اللَّهِ: إِنَّ هَذِهِ الْمِحْنَةَ الَّتِي وَقَعَتْ عَامَّةً بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَصْمُدْ فِيهَا حَيَّاً حَتَّى انْكَشَفَتْ سِوَى الْإمَامِ أَحْمَدَ وَقَدْ تَدَاوَلَ ثَلَاثَةُ خُلَفَاءَ يُسَلَّطُونَ عَلَيهِ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ إِلَى غَرْبِهَا، وَمَعهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْقُضَاةِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأمرَاءِ وَالْوُلَاَةِ وَالْقَادَةِ الْعَسْكَرِيِّينَ! فَبَعْضُهُمْ يُسَلَّطُ عَلَيهِ بِالْحَبْسِ، وَبَعْضُهُمْ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ وَبَعْضُهُمْ جَلَدَهُ وَعَذَّبَهُ وَأَلْقَاهُ فِي غَيَاهِبِ السُّجُونِ، وَبَعْضُهُمْ بِالنَّفْي وَالتَّشْرِيدِ وَالْمُطَارَدَةِ، ثُمَّ كَانَتْ فتنةَ السَّرَّاءِ أيَّامَ الْمُتَوَكِّلِ وَقَدْ خَذَلهُ فِي ذَلِكَ أهْلُ الْأَرْضِ، حَتَّى أَصْحَابُهُ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُمْ إِلَى كَلِمةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا طَلبُوا مِنهُ، وَمَا رَجَعَ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْكِتابُ وَالسُّنَةُ وَلَا كَتَمَ الْعِلْمَ، وَلَا اسْتَعْمَلَ التَّقِيَّةَ، بَلْ قَدْ أَظَهَرَ مِنْ سُنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَآثَارِهِ مَا قَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ، وَرَفَضَ كُلَّ الْمُحَاوَلَاتِ الَّتِي بَذَلهَا مَعهُ قرنَاؤُهُ الْعُلَمَاءُ فِي إقْنَاعِهِ بِقَبُولِ التَّقِيَّةِ، وَرَأَى أَنَّ التَّقِيَّةَ لَا تَجَوُّزُ إلا لِلْمُسْتَضْعَفِينَ، الَّذِينَ يَخْشَونَ أَلَا يَثَبتُوا عَلَى الْحِقِّ وَالَّذِينَ هُمْ لَيْسُوا بِمَوْضِعِ الْقُدْوَةِ لِلنَّاسِ، أَمَّا أُوْلُوْا الْعَزْمِ مِنَ الْأئِمَّةِ الْهُدَاةِ فَإِنّهُمْ يَأْخُذُونَ بِالْعَزِيمَةِ، وَيَحْتَمِلُونَ الْأَذَى وَيَثْبُتُونَ، وَالْإمَامُ أَحْمَدُ كَانَ يرى نَفْسَهُ وَلَمْ يَبْقَ أحَدٌ سِواهُ أَمَامَ الْبِدْعَةِ مَسئولاً عَنْ إِخْمَادِهَا، وَالصُّمُودِ أَمَامَهَا مَهْمَا تَكُنْ الْعوَاقبَ، وَلَوْ أَخَذَ بِالتَّقِيَّةِ وَالرُّخْصَةِ لِاِسْتَسَاغَ النَّاسُ الرُّخْصَةَ، وَلََضَلُّوا مِنْ ورائها .

عِبادَ اللّهِ : وَلِذَلِكَ كَانَ الْإمَامُ أَحْمَدُ هُوَ إمَامُ أهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ جَبَلُ الْحَقَّ وَالسُّنَةِ يَوْمَ أَنْ حَكَمَتْ الْبِدْعَةُ، وَثْبَاتُهُ بِإِذَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ ثبَاتًا لِلدِّيْنِ وَالسُّنَةِ، وَإِنَّمَا تُنَالُ الْإمَامَةُ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ كَمَا قَالَ رَبُّنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ:( وَجَعَلْنَا مِنهُمْ أئِمَّة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ، اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

المشاهدات 1618 | التعليقات 1

ما أحوجنا إلى القدوات في زمننا هذا الذي قل فيه النصير والمعين والظهير والامين