الإفساد.. وثورة العراق

الإِفْسَادُ.. وثَوْرَةُ الْعِرَاقِ
12/4/1434

الْحَمْدُ للهِ الجَوَادِ الكَرِيمِ، البَرِّ الرَّحِيمِ؛ أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَالإِصْلاَحِ، وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ وَالْعُلُوِّ وَالإِفْسَادِ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ المُذْنِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمُصْلِحِينَ، وَأَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ الْمُفْسِدِينَ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ نَاصِرُ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَكَابِتُ الْمُفْسِدِينَ، وَمُنْجِي المُؤْمِنِينَ؛ [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ] {القصص:5}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَفْضَلُ المُرْسَلِينَ، وَإِمَامُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ؛ أَصْلَحَ اللهُ تَعَالَى بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ فَسَادِهَا، وَجَدَّدَ بِهِ الْحَنِيفِيَّةَ بَعْدَ انْدِرَاسِهَا، وَهَدَى بِهِ الْبَشَرِيَّةَ مِنْ ضَلاَلِهَا، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ أَعْمَالَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوبَكُمْ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعَاشِكُمْ وَمَعَادِكُمْ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى؛ [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {الأنعام:17}.
أَيُّهَا النَّاسُ: تَسْمُو النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ إِذَا سَعَتْ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ لِلنَّاسِ، وَعَمِلَتْ مَا يُدْخِلُ السُّرُورَ وَالسَّعَادَةَ عَلَيْهِمْ، وَتَسْفُلُ إِذَا أَرَادَتْ لَهُمُ الشَّرَّ وَالْفَسَادَ، وَأَدْخَلَتْ عَلَيْهِمْ الْحُزْنَ وَالشَّقَاءَ، وَالأَرْضُ بِمَا فِيهَا مِنْ خَيْرَاتٍ وَأَرْزَاقٍ، وَمَا تَحْتَاجُهُ مِنْ إِدَارَةٍ وَسُلْطَانٍ، كَانَتْ مَيْدَانًا لِلتَّنَافُسِ الْبَشَرِيِّ عَلَى النُّفُوذِ فِيهَا، وَبَسْطِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِا، فكَانَتِ الْحُرُوبُ وَالنِّزَاعَاتُ مُنْذُ فَجْرِ التَّارِيخِ، فَلاَ عَجَبَ وَالْحَالُ هَذِهِ أَنْ يَنْهَى اللهُ تَعَالَى عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَأَنْ يُكَرِّرَ ذَلِكَ وَيُؤَكِّدَهُ فِي عَشَرَاتِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَبِصِيَغٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَيَضْرِبُ الْأَمْثَالَ بِرُمُوزِ الْإِفْسَادِ فِي التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ، ومَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ.
وَالْإِفْسَادُ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَيَاةِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَيَاتِهِمْ فِي الآخِرَةِ، وَهُوَ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ؛ وَذَلِكَ كَنَشْرِ الْإِلْحَادِ وَالشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ، وَصَرْفِ النَّاسِ عَنِ الدِّينِ الحَقِّ، وَإِفْسَادِ دِينِ النَّاسِ وَمُعْتَقَدَاتِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَمُعَامَلاَتِهِمْ، وَإِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ لَهُمْ، وَأَذِيَّتِهِمْ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى، وهَذَا كَانَ فِعْلَ الْمَلَأِ مِنْ كُلِّ الْأُمَمِ الَّتِي نَاكَفَتِ الرُّسُلَ، وَحَارَبَتْ دِينَ اللهِ تَعَالَى فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، فَانْتَقَمَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُمْ، وَجَعَلَهُمْ آيَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَذَكَّر بِعَاقِبَتِهِمْ شُعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَوْمَهُ فَقَالَ لَهُمْ: [وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ] {الأعراف:86}.
وَكَانَ فِرْعَوْنُ أَشْهَرَ إِنْسَانٍ فِي نَشْرِ الْفَسَادِ، وَمَنْعِ الْإِصْلاَحِ؛ وَلِذَا وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْمُفْسِدِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَكَانَ إِفْسَادُهُ بِسَبَبِ عُلُوِّهِ؛ فَالْإِفْسَاد يَجْمَعُ رَذَائِلَ كَثِيرَةً مِنَ الظُّلْمِ وَالْعُلُوِّ وَالْكِبْرِ وَالطُّغْيَانِ؛ [إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْض وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ] {القصص:4}.
وَقَدْ بَلَغَ مِنْ إِفْسَادِ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ جَمَعَ السَّحَرَةَ لِيُطْفِئَ بِسِحْرِهِمْ نُورَ اللهِ تَعَالَى، وَيَدْحَضَ الحَقَّ، وَيَحْجُبَهُ عَنِ النَّاسِ، وهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْإِفْسَادِ؛ فَقَالَ مُوسَى لَهُمْ لَمَّا بَهَرُوا النَّاسَ بِسِحْرِهِمْ: [مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ] {يونس:81}، وَكُلُّ تَغْيِيرٍ لِلْحَقَائِقِ، وَتَبْدِيلٍ لِلْوَاقِعِ بِقَوْلٍ مُزَوَّرٍ أَوْ صُورَةٍ خَادِعَةٍ فَهُوَ مِنَ الْإِفْسَادِ، وَتَتَنَاوَلُهُ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَلَمَّا غَرْغَرَ فِرْعَوْنُ بِالمَوْتِ، وَنَطَقَ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ فِي وَقْتٍ لاَ تَنْفَعُهُ فِيهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: [آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ] {يونس:91}، فَوَصْفُهُ سُبْحَانَهُ فِرْعَوْنَ بِالْمُفْسِدِ فِي خِتَامِ حَيَاتِهِ؛ لَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِفْسَادَ يَنْتَظِمُ كُلَّ الأَعْمَالِ الْمُخَالِفَةِ لِشَرْعِ اللهِ تَعَالَى.
وَلَمَّا قَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا خَبَرَ إِفْسَادِ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، أَمَرَنَا بِالاتِّعَاظِ وَالاعْتِبَارِ، فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ: [فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ].
وَلَمَّا أَوْرَثَ اللهُ تَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْأَرْضَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، وَفَارَقَهُمْ مُوسَى لِيَذْهَبَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ هَارُونَ لِيُقِيمَ فِيهِمْ شَرْعَهَ؛ أَوْصَاهُ مُوسَى بِمُجَانَبَةِ طَرِيقِ الْمُفْسِدِينَ؛ [وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ] {الأعراف:142}.
وَقَارُونُ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، وَلَكِنَّهُ بَغَى عَلَيْهِمْ بِمَا آتَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ مَالٍ، وَنَصَحَهُ النَّاصِحُونَ، فَقَالَوا: [وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْض إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ] {القصص:77}.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَعْرِضُونَ الْإِفْسَادَ فِي أَثْوَابِ الْإِصْلاَحِ؛ لِيَخْدَعُوا بِهِ النَّاسَ، وَيَنْشُرُوهُ فِيهِمْ؛ وَلِذَا كَانَ لاَ بُدَّ لَهُمْ فِي تَسْوِيقِ مَشْرُوعَاتِ الْإِفْسَادِ التَّغْرِيبِيَّةِ مِنْ حُجَجٍ شَرْعِيَّةٍ، فَاسْتَخْدَمُوا لِهَذِهِ المُهِمَّةِ الرَّخِيصَةِ مَنِ اشْتَرَوْا بِعَهْدِ اللهِ تَعَالَى وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً، فَشَرَّعُوا لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ، وَلَبَّسُوا عَلَى النَّاسِ دِينَهُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ: [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض قَالَوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ] {البقرة:11-12}.
وَالكُفَّارُ مِنْ أُمَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أُمَّةُ فَسَادٍ وَإِفْسَادٍ؛ وَلِذَا كَانُوا أَكْثَرَ الأُمَمِ رُسُلاً؛ لِسُرْعَةِ مَا يُغَيِّرُونَ مِنْ دِينِهِمْ، وَمَا يُبَدِّلُونَ مِنْ شَرَائِعِهِمْ، وَمَا يَقْتُلُونَ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ، وَفِي إِفْسَادِهِمْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: [وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا] {الإسراء:4}، وَفِي وَصْفٍ آخَرَ لَهُمْ قَالَ سُبْحَانَهُ: [كُلَمَّا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ] {الَمَّائدة:64}.
فَكَفَرَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عَصْرِنَا هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ إِفْسَادًا فِي الْأَرْضِ، وَإِفْسَادُهُمْ قَدْ جَمَع مَا فِي الْأُمَمِ الْغَابِرَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِفْسَادِ، وَحَضَارَتُهُمُ المُعَاصِرَةُ شَيَّدُوهَا عَلَى جُثَثِ مَلاَيِينِ الْبَشَرِ وَأَحْزَانِهِمْ، وَغَذَّوْهَا بِدِمَائِهِمْ، وَمَا يَزَالُونَ يُغَذُّونَهَا بِالدِّمَاءِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
لَقَدْ رَفَضَ المُعَذَّبُونَ مِنْ أَهْلِ الْأُمَمِ الخَالِيَةِ دِينَ اللهِ تَعَالَى، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الرُّبُوبِيَّةَ وَأَلَّهَ نَفْسَهُ كَمَا فَعَلَ فِرْعَوْنُ، وَالْحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ المُعَاصِرَةُ أَلَّهَتِ الإِنْسَانَ، وَأَطْلَقَتْ لَهُ الحُرِّيَّةَ، وَجَعَلَتْهُ مَرْكَزَ الكَوْنِ، وَرَفَضَتْ شَرِيعَةَ اللهِ تَعَالَى.
وَفِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ مَنْ أَفْسَدُوا الاقْتِصَادَ كَقَوْمِ شُعَيْبٍ، وَحَضَارَةُ الغَرْبِ المُعَاصِرَةُ كَانَ بِنَاؤُهَا الاقْتِصَادِيُّ عَلَى الرِّبَا وَالقُمَاِرِ مُحَارِبِينَ اللهَ تَعَالَى وَرُسُلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.
وَفِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ مَنْ تَخَلَّقُوا بِالفَوَاحِشِ كَقَوْمِ لُوطٍ، وَقَدْ فَاقَ الغَرْبُ قَوْمَ لُوطٍ فِي فَوَاحِشِهِمْ، وَشَرَعُوا أَنْوَاعَ الشُّذُوذِ الجِنْسِيِّ، وَزَوَاجَ الرِّجَالِ بِالرِّجَالِ، وَزَوَاجَ النِّسَاءِ بِالنِّسَاءِ، وَلَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ، وَزَادُوا عَلَيْهِمْ مُزَاوَجَةَ الْبَشَرِ لِلْحَيَوَانَاتِ! نَعُوذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنَ الضَّلاَلِ.
وَهَذَا الْإِفْسَادُ العَرِيضُ فِي الْأَرْضِ يَفْرِضُهُ الغَرْبُ بِقُوَّةِ القَرَارِ السِّيَاسِيِّ، وَيُلَوِّحُونَ بِالتِّرْسَانَةِ العَسْكَرِيَّةِ الضَّخْمَةِ فِي وَجْهِ مَنْ يُعَارِضُهُ، وَيَرْبِطُونَهُ بِالمُسَاعَدَاتِ الاقْتِصَادِيَّةِ لِلدُّوَلِ الَّتِي أَفْقَرُوهَا وَنَهَبُوا ثَرَوَاتِهَا.
إِفْسَادٌ مُتَرَاكِمٌ مُظْلِمٌ قَاتِمٌ، جَمَعَ العُلُوَّ وَالطُّغْيَانَ وَالظُّلْمَ وَالأَثَرَةَ وَالاعْتِدَاءَ، وَاسْتِرْخَاصَ الْبَشَرِ، وَسَفْكَ الدِّمَاءِ.
وَمَا مِنْ دَوْلَةٍ أَتَى عَلَيْهَا الاسْتِعْمَارُ الغَرْبِيُّ عَسْكَرِيًّا إِلاَّ وَنَشَرَ فِيهَا الفَوْضَى، وَقَضَى عَلَى الاسْتِقْرَارِ، وَنَهَبَ ثَرَوَاتِهَا وَمُقَدَّرَاتِهَا، وَجَعَلَهَا دَوْلَةً مُتَخَلِّفَةً.
وَمَا مِنْ دَوْلَةٍ صَدَّرَ فِكْرَهُ إِلَيْهَا بِمَا يُسَمَّى القُوَّةَ النَّاعِمَةَ إِلاَّ أَفْسَدَ دِينَهَا وَأَخْلَاقَهَا، وَقَضَى عَلَى اسْتِقْلالِهَا، وَجَعَلَهَا تَابِعَةً لَهُ، ذَيْلاً فِي الْأُمَمِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَغْنَى الدُّوَلِ.
وَمَا سُفِكَ مِنْ دِمَاءِ الْبَشَرِ لِبَقَاءِ النُّفُوذِ الغَرْبِيِّ أَوْ تَوْسِيعِهِ مُنْذُ قِيَامِ حَضَارَتِهِمُ المُعَاصِرَةِ يَزِيدُ عَلَى مَا سُفِكَ مِنْ دِمَاءِ الْبَشَرِ مُنْذُ أَنْ كُتِبَ التَّارِيخُ إِلَى مَا قَبْلَ سِيَادَتِهِمْ، وَفِي مَجَازِرِ فِلَسْطِينَ وَأَفْغَانِسْتَانَ وَالْبُوْسَنَةَ وَالهِرْسَكِ وَكُوسُوفَا وَالشِّيشَانِ وَالْعِرَاقِ وَسُورِيَّا بَرَاهِينُ لِلْمُشَكِّكِينَ، يَقْتَسِمُونَ الأَدْوَارَ، ثُمَّ يَسْتَصْدِرُونَ القَرَارَ، فَيَبْدَؤُونَ، فَقَوْمٌ يَذْبَحُونَ وَيُعَذِّبُونَ وَيَقْتَلُونَ وَيَغْتَصِبُونَ وَيَنْهَبُونَ، وَآخَرُونَ يُهَدِّئُونَ وَيُطْلِقُونَ المُبَادَرَاتِ تِلْوَ المُبَادَرَاتِ لِامْتِصَاصِ الغَضَبِ، وَلِتَمْكِينِ الجَلاَّدِ مِنَ الإِجْهَازِ عَلَى ضَحَايَاهُ، وَهَذَا مَا نُشَاهِدُهُ الآنَ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَفِي غَيْرِهَا، وَإِنَّهُمْ لَحَقِيقُونَ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ] {البقرة:205} [طَغَوْا فِي البِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ] {الفجر:11-12} فَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِقُدْرَتِهِ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِمْ سَوْطَ عَذَابٍ، وَأَنْ يَنْصُرَ أُمَّةَ الإِسْلامِ عَلَيْهِمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، [وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ] {البقرة:223}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ تَأَمَّلَ الْآيَاتِ القُرْآنِيَّةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِفْسَادِ يَجِدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا يُقْرَنُ فِيهَا الْإِفْسَادُ بِالْأَرْضِ، مِمَّا يَعْنِي تَصْدِيرَ الْفَسَادِ إِلَى الغَيْرِ، وَنَشْرَهُ فِي الْأَرْضِ، وَهَاكُمْ جُمْلَةً مِنَ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ: [وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ] {البقرة:60} [وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا] {الَمَّائدة:33} [وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا] {الأعراف:56} [مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ] {يوسف:73} [لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ] {الإسراء:4} [إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ] {الكهف:94} [وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ] {القصص:77} [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ] {محمد:22}.
وَبِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ الْمُفْسِدَ مِنْ قُوَّةٍ إِنْسَانًا كَانَ أَمْ دَوْلَةً أَمْ أُمَّةً تَكُونُ قُوَّةُ نَشْرِهِ لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَتَشْرِيعُهُ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَصِيرَ مَألُوفًا لاَ يُنْكِرُونَهُ، بَلْ يُدَافِعُونَ عَنْهُ؛ وَلِذَا نَجِدُ مِنْ مَسْلُوبِي الإِرَادَةِ، وَمُسْتَلَبِي العُقُولِ مِمَّنْ يُسَمَّوْنَ بِالمُفَكِّرِينَ وَالمُثَقَّفِينَ مَنْ يُدَافِعُونَ عَنْ حَضَارَةِ الغَرْبِ رَغْمَ مَا يَرَوْنَهُ مِنْ تَوَحُّشِهَا وَضَرَاوَتِهَا فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ والْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ الآلَةَ الإِعْلاَمِيَّةَ، وَالتَّنْظِيرَ الفِكْرِيَّ الفَلْسَفِيَّ يَعْمَلُ عَمَلَهُ فِي العُقُولِ حَتَّى تُسَوِّغَ الجَرَائِمَ، وَتَسْتَسِيغَ المَذَابِحَ.
وَمَا وَجَدَ الغَرْبُ أُمَّةً تُمَاثِلُهُ فِي وَحْشِيَّتِهَا، وَتُنَافِسُهُ فِي قَسْوَتِهَا كَالفِرَقِ البَاطِنِيَّةِ؛ وَلِذَا مَكَّنَ لَهَا فِي بِلاَدِ المُسْلِمِينَ، وَسَلَّطَهَا عَلَيْهِمْ، فَعَاثَتْ فِيهَا فَسَادًا، كَمَا مَكَّنَ لِلنُّصَيْرِيَّةِ فِي الشَّامِ، فَقَضَوْا خِلاَلَ نِصْفِ قَرْنٍ عَلَى حَضَارَتِهَا الزَّاهِيَةِ، وَجَعَلُوا شَعْبَهَا الأَبِيَّ الغَنِيَّ مِنْ أَفْقَرِ الشُّعُوبِ وَأَذَلِّهُمْ.
ثُمَّ تَسَلَّطَ الغَرْبُ الْمُفْسِدُ عَلَى الْعِرَاقِ الَّذِي خَرَّجَ إِمَامَيِ الفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي جُمْلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ وَالقُرَّاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالأُدَبَاءِ وَالمُؤَرِّخِينَ، فَعَاثَ فِيهَا فَسَادًا وَأَرْجَعَهَا إِلَى الوَرَاءِ مِئَاتِ السِّنِينَ، ثُمَّ سَلَّمَهَا لِوُكَلاَئِهِ الصَّفَوِيِّينَ لِيُبِيدُوا أَهْلَ السُّنَّةِ؛ فَفَعَلُوا مِنَ الجَرَائِمِ مَا يَعَفُّ عَنْهُ الوَصْفُ، وَيَعِزُّ عَلَى العَدِّ وَالْحَصْرِ، وَبَعْضُهُ مَنْقُولٌ فِي الشَّبَكَاتِ العَالَمِيَّةِ لِلتَّوَاصُلِ.
لَقَدْ كَانَ الْعِرَاقُ جَنَّةً مِنْ جَنَّاتِ اللهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي أَرْضِهِ مِنَ الخَيْرَاتِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي غَيْرِهَا، فَبَاطِنُهَا ذَهَبٌ أَسْوَدُ، وَظَاهِرُهَا مُرُوجٌ وَأَنْهَارٌ وَثِمَارٌ، فَأَحَالَهَا الغَرْبِيُّونَ ثُمَّ الصَّفَوِيُّونَ إِلَى جَحِيمٍ لاَ يُوصَفُ، وَعَذَابٍ لاَ يُطَاقُ.
كَانَ تَمْرُ الْعِرَاقِ يُصَدَّرُ إِلَى أَقْطَارِ الْأَرْضِ، فَيُفْطِرُ عَلَيْهِ مَلاَيِينُ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ، وَجَاوَزَتْ أَنْوَاعُ ثِمَارِهِ أَعْدَادَ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَبَعْدَ الاحْتِلاَلِ الصَّفَوِيِّ لاَ تَمْرَ فِي الْعِرَاقِ، يَسْتَجْدِيهِ أَهْلُهَا مِنَ الدُّوَلَ المُجَاوِرَةَ لِتُرْسِلَهُ لِيُفْطِرُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ.
لَقَدْ أَفْسَدَهَا الصَّفَوِيُّونَ فَنَهَبُوا خَيْرَاتِهَا، وَدَمَّرُوا تَعْلِيمَهَا، وَقَتَلُوا عُلَمَاءَهَا، وَقَضَوْا عَلَى ثَقَافَتِهَا وَحَضَارَتِهَا، وَطَمَسُوا تُرَاثَهَا لِيَسْتَبْدِلُوا بِهِ تُرَاثَ المَجُوسِ!
لَقَدْ ظَنَّ البَاطِنِيُّونَ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُمُ الغَرْبُ عَاصِمَةَ الْأُمَوِيِّينَ، ثُمَّ عَاصِمَةَ العَبَّاسِيِّينَ، أَنَّهُمْ غَدًا يَكُونُونَ فِي عَاصِمَةِ الخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى بِلُطْفِهِ بِالمُسْلِمِينَ أَشْعَلَ ثَوْرَتَيْنِ مَجِيدَتَيْنِ فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ سَتُعَرْقِلُ المَشْرُوعَ الصَّفَوِيَّ الطَّامِحَ، وَرُبَّمَا قَضَتْ عَلَيْهِ نِهَائِيًّا..
لَقَدْ ضَاقَ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ وَالطُّغْيَانِ، فَخَرَجُوا يَتَسَلَّحُونَ بِالإِيمَانِ، وَيَرْجُونَ عَوْنَ الوَاحِدِ القَهَّارِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ نَاصِرُهُمْ مَتَى مَا صَبَرُوا وَثَبَتُوا وَأَيْقَنُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ تَعَالَى حَقٌّ، وَعَلَّقُوا قُلُوبَهُمْ بِهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ.
إِنَّ المَكْرَ الغَرْبِيَّ الصَّفَوِيَّ قَدْ طَفَا عَلَى السَّطْحِ، وَإِنَّ اقْتِسَامَ الأَدْوَارِ بَيْنَ الدُّوَلِ الْمُفْسِدَةِ المُسْتَبِيحَةِ لِدُوَلِ الإِسْلاَمِ قَدْ بَانَ لِكُلِّ ذِي بَصِيرَةٍ، وَمَا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ إِلاَّ أَنْ تَجْتَمِعَ كَلِمَتُهُمْ، وَأَنْ تَتَرَاصَّ صُفُوفُهُمْ، وَأَنْ يَنْبُذُوا خِلافَاتِهِمْ، وَأَنْ يُعِينُوا إِخْوَانَهُمْ بمَا يَسْتَطِيعُونَ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ وَأَجَلُّهُ الدُّعَاءُ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَنْزِلُ النَّصْرَ، وَيَدْرَأُ الخَطَرَ.
إِنَّ الغَرْبِيِّينَ وَالصَّفَوِيِّينَ يَسْعَوْنَ لِإِثَارَةِ الفِتَنِ فِي بِلاَدِ المُسْلِمِينَ، وَتَفْرِيقِهِمْ شِيَعًا وَأَحْزَابًا مُتَنَاحِرَةً؛ لِيُحَقِّقَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَطْمَاعَهُ فِي المِنْطَقَةِ، وَإِنَّ وَحْدَةَ صَفِّ المُسْلِمِينَ، وَاجْتِمَاعَ كَلِمَتِهِمْ، وَعَوْنَهُمْ لِإِخْوَانِهِمُ المُضْطَهَدِينَ سَيُفْشِلُ المَشْرُوعَاتِ الصَّفَوِيَّةَ الصِّهْيَوْنِيَّةَ؛ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] {الأنفال:45-46}.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



المرفقات

الإفساد وثورة العراق.doc

الإفساد وثورة العراق.doc

الإِفْسَادُ وثورة العراق.doc

الإِفْسَادُ وثورة العراق.doc

المشاهدات 3139 | التعليقات 5

بارك الله فيك شيخنا إبراهيم وجزاك الله خيرا على هذه الخطب القيمة ونفعنا الله بعلمك ويعلم الله أننا نستفيد من خطبك لاحرمك الله الأجر


فهمت من مجمل الخطبة تأييد الشيخ الفاضل لثورة العراق .. (لَقَدْ ضَاقَ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ وَالطُّغْيَانِ، فَخَرَجُوا يَتَسَلَّحُونَ بِالإِيمَانِ، وَيَرْجُونَ عَوْنَ الوَاحِدِ القَهَّارِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ نَاصِرُهُمْ مَتَى مَا صَبَرُوا وَثَبَتُوا وَأَيْقَنُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ تَعَالَى حَقٌّ، وَعَلَّقُوا قُلُوبَهُمْ بِهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ.) !!
وكأن الشيخ - وفقه الله - لا يرى في الشام أكثر من سبعين ألف قتيل والملايين ما بين لاجئ مشرد ومعاق ومصاب ومغتصبة !!
أعتقد بشرِّ وفساد ظلمة العراق - قاتلهم الله وأزالهم قريبا - وإجرامهم وحقدهم على أهل السنة ، ولكن هل هذه الطريقة لإزالتهم ؟!
وهل الثوار يملكون القوة الكافية لإزالتهم بمفسدة أقل ؟
لا أظن أن الدماء في الشريعة هينة إلى هذا الحد !!
ووالله لو كان الثوار بقوة إيمان ووحدة كلمة وصفاء عقيدة وتوكل على الله ما تمنيت خروجهم بدون قوة يوثق بها بعد الله أنها قادرة على الإزالة ، فكيف والحال غير هذا بكثير .. والله المستعان .


جزاك الله خيرا


شكر الله تعالى لكم أبا ياسر وأبا العنود وشبيب مروركم وتعليقكم على الخطبة، وجزاكم خير الجزاء ونفع بكم.. اللهم آمين.
وبالنسبة لملاحظة أخي أبي العنود من تأييد الثورة في العراق وكأني لا أرى ما يحدث في الشام من قتل فإني أوضح أمورا متعلقة بالموضوع قد تخفى على بعض الناس فيرفضون ثورة العراق وهي كما يلي
1- أمن الخليج بما فيها المملكة متعلق الآن بما يجري في العراق وسوريا، وكل حريص على أمن المسلمين أعني أهل السنة في الخليج لا بد أن يفرح بالثورتين الشامية والعراقية، وأن يدعو بانتصار أهل السنة على الباطنيين، وإلا كان غاشا للمسلمين، خاذلا لهم، لا يهمه أمنهم واستقرارهم.
2- إيران مستميتة في إفشال الثورتين، ورغم أنها تترنح اقتصاديا فهي تغذي النظامين الباطنيين بدم اقتصادها ولحمه وعصبه حتى أجاعت الإيرانيين؛ لعلمها أن سيطرة النظامين على أهل السنة ستقطف ثماره في الرياض والمدينة ومكة.
3-أحمد الله تعالى أن إشعال الثورات لم يكن على لوحة مفاتيح كيبورد أمامي فأشعل أي ثورة متى شئت وأخمدها متى شئت، ولا يملك ذلك بحمد الله تعالى أحد إلا الله سبحانه وتعالى فلا تملكه دولة مهما كانت قوتها، ولا شعب مهما كان تنظيمه، ولا أفراد مهما كانت كارزميتهم..لأن العقل الجمعي يصعب التحكم فيه، والثورات لا تثور إلا بعقول جمعية لا يملكها فرد ولا جماعة ولا دولة.
لكن إذا ثار أهل الحق على أهل الباطل كان من الخذلان والإسلام المنهي عنه في الحديث..لا يخذله ولا يسلمه..أن لا نؤيد أهل الحق على أهل الباطل، وهو ما تنهاني عنه أبا العنود..
أرأيت لو ابتليت في حارتك بجبار نافذ ظالم يقف للناس في طريقهم فيؤذيهم ولا يستطيع أحد إيقافه أو نصحه أو ردعه، وأحد إخوانك تورط واشتبك معه.. هل تنصره وتدفع الظالم عنه أم تقف أمامه وتعذله وتعاتبه وتقول هذا جزاؤك فأنت لا تقدر عليه؟
هذا مثل ما يقع في الثورتين السورية والعراقية.. فإننا لم نستشر في إشعالهما وليس ذلك إلينا لكن يجب علينا أن نقف مع إخواننا وننصرهم بحسب ما نستطيع..
ثم يا أخي الكريم أهل السنة في العراق يقتلون قتلا منظما ويمارس عليهم ترانسيفر للقضاء على الوجود السني في العراق كما فعلوا من قبل في طهران، فهم سيبادون ويهجرون بالبطيء، ولا حل في الأفق لأن أمريكا صفعت دول الخليج وسلمت العراق لإيران، وأهل السنة في العراق أدرى بما حل بهم منا، وهم أعلم بمصلحتهم مع الروافض منا، فما بالنا نستنكر عليهم ثورتهم ولم يصبنا ما أصابهم..
في ظني أن هذا بعيد عن العدل وعن نصرة الإخوان علاوة على أنه يدل على ضعف في الإلمام بنوازل المنطقة المؤثرة فينا، وأسأل الله تعالى أن يعلي كلمته وأن ينصر الحق وأهله وأن يدحر الباطل وجنده..
وأكرر شكري لك أبا العنود على مداخلتك.


شكر الله للشيخ سعة صدره وحسن خلقه ، ولا زلت مخالفاً له فيما تفضل به ، والخلاف لا يفسد الود والمحبة .
ليس عندي أي إشكال فيما ذكره الشيخ من أن أمن الخليج متعلق بما يجري في العراق وسوريا وكذلك دور إيران فيهما وجرائمها ضد السنة في كل مكان .
لكن إذا كانت هذه الجرائم تحدث من إيران في العراق وليس هناك مظاهرات وسبب جلي للتدخل فكيف الحال إذا صار ذلك ظاهراً ولديهم سبب مشروع والبلد ملاصق بالبلد والسلطة تأتمر بأمرهم والدخول إليها والإبادة ونقل السلاح سهل جداً !!! إضافة إلى التخاذل الدولي ما لم يكن ثم مصلحة في التدخل .
وأظن أنه يجب أن يكون تفريق بين مسألة التعاطي مع الثورة إذا حصلت واتجه الجميع إليها بلا دعوة وابتلي الناس بها وتسلحت وقويت .. ومسألة دعوة الناس إليها وهم عزل وضعاف ومتفرقون ، فهما حالان مختلفان تماماً.
وإذا بدأت ثورة العراق وتسلحت فلا تسل بعدها عن الفوضى في كل المنطقة أكثر مما هي عليه الآن ولا تسل عن انتشار الجماعات المسلحة والمجموعات التكفيرية التي تنشط في مثل هذه الأجواء ، كما أنه لا أفق واضحاً لنهايتها ، ولا عدد متوقعاً من الضحايا كما في سوريا الآن.
النصوص الشرعية المتكاثرة في تعظيم الدم المسلم وحرمته أظنها أصبحت مسألة تنظيرية بحتة عند كثير من دعاة اليوم الذين أشاد بعضهم بما حصل في ليبيا وقت قوة الهالك القذافي وتدميره للجميع ، وما يحصل في سوريا من أن ( الحرية ) لا تأتي إلا عبر الأشلاء والدماء !!
ولا أدري أين محل النصوص الشرعية من هذا الكلام التي تبين أن دم المسلم أعظم حرمة عند الله من الكعبة الشريفة وأن زوال الدنيا أهون على الله من دم المسلم !! وغيرها من نصوص أنت أعلم بها مني .
ويا أخي إذا كان هذا الظالم في الحارة باطشا ومعه آلة قتلي ولا يردعه أحد فليس من الدين والعقل أن أناكفه وألقي بنفسي للتهلكة ؛ فيتقل أخي ويقتلني وتعظم المصيبة !!

أسأل الله جل وعلا أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويذل أعداءه ويظهر أوليائه وأن يرحم ضعف المستضعفين في كل مكان ويحفظ عليهم دماءهم وأعراضهم ودينهم .. إنه سميع مجيب .