الإعلام والحرب على الوعي

رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/11/19 - 2013/09/25 20:36PM
خطبة الجمعة : الإعلام والحرب على الوعي 15ذو القعدة 1434هـ / 20 سبتمبر 2013م
الاستفتاح بخطبة الحاجة ، ثم أما بعد :
معشر المؤمنين : وسائل المجرمين في محاربة الوعي وتشويهه وتزييفه كثيرةٌ متعدّدة ، والهدفُ بطبيعة الحال واحدٌ في كل زمان : منعُ الجماهيرِ من أن يكونَ الوعيُ الصحيحُ قائدًا موجّهًا صانعًا لعقولِهم ونفوسِهِم وأوضاعِهِم وقناعاتِهم . . وهذا منهجُ المجرمِينَ في كل زمان !
ولعلّ من أقدمَ و أشرسِ هذه الوسائل في محاربةِ الوعيِ وتزييفِه : الحربُ الإعلاميّةُ التي تُسَخَّرُ فيها الكلماتُ و المعلومَات و الصورُ و الأخبارُ بطريقةٍ ماكرةٍ خبيثةٍ تؤثرُ على عقولِ الناسِ و آرائِهِم وقناعاتِهِم وفقَ ما يريدُهُ الباطلُ و يحقّقُ له المصلحةَ في الوجود و الاستمرار ، حربٌ قامَت بها قريش في سالف الزمان ، بل مارسَها و يمارسُها كل أعداء الأنبياء والرسل عليهم السلام . . !
لنا اليومَ - معشر المؤمنين - " وقفةُ وعي " مع هذه الوسيلةِ الآثمةِ الظالِمَة " الحرب الإعلاميّة على الوعي بشكل عام " و التي صارت - بِحُكمِ انتشار وسائل الإعلامِ و قوّةِ المؤسّسات التي تديرُها وتنفقُ عليها – صارت يخفَى حالُها على كثيرٍ من البسطاءِ ، وينخدعُ بها كثيرٌ من العامّةِ بل والخاصّة :
من أساليب الإعلامِ الماكرةِ في الكيدِ للوعي و تزييفه : إظهارُ المنطقِ الواحدِ والرأيِ الواحدِ و الفكرةِ الواحدةِ ، وفرضِها على عيونِ الناسِ و أذانِهِم وعقولِهِم ، ودعمِِ ذلك بكلّ صنوفِ التزيينِ و المكرِ و الخديعة : وهذا أسلوبٌ قامَ به فرعونُ لمّا انتشرت دعوةُ موسَى عليه السلامُ في مصر ، وخشيَ أن تصنعَ دعوتُهُ العقولَ والنفوسَ والقناعات ، وتؤثّرُ على الآراءِ والمعتقدات :
انظروا - معشر المؤمنين - كيف تصرّفَ فرعونُ حينَ عرضَ موسَى دعوتَهُ على الناس ، و انضمّ إلى ذلك قناةٌ إعلاميّةٌ أخرى من مؤمنٍ يكتمُ إيمانَهُ خاطبَ الناسَ بكلّ قوّةٍ في الإقناعِ والتأثير ، اسمعوا ماذا قال : [FONT="]]وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ{28} يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا [FONT="]/FONT] ( غافر : 28 ) . هذه الرسالة الإعلاميّةُ الإقناعيّةُ القويّةُ المُجلجِلَة جعلت فرعونَ في خطر ، فلا بُدّ أن يغلقَ كلّ قناةٍ يمكنُ أن تصنعَ عقولَ النّاسِ و تبثُّ الوعيَ فيهم ، فأعلنَها صريحةً مدوّيّةً : قال الله تعالى : [FONT="[/FONT] قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد [FONT="][[/FONT] ( غافر : 29 ) . [/FONT]
هذه هي النظريّةُ الإعلاميّةُ الفرعونيّة الآثِمَة : لا ينبغي أن تسمعَ الآذانُ أو ترى العيونُ أو تدرِكَ العقولُ إلاّ ما يريدُهُ شخصُ الفرعون وما يحقّقُ له المصلحةَ في البقاءِ والاستمرار .. !
لا يزالُ هذا الأسلوبُ مستمرًّا في الإعلامِ ما استمرّ صراعٌ بين الحقّ والباطل ! .
معشر المؤمنين : و من أساليبِ الإعلامِ في الكيدِ للوعيِ وتزييفه : إيهامُ العقولِ و استغفالُ الجماهيرِ بأنّ أهلَ الحقّ إنّما هم مفسِدُون ضالّونَ مُضِلُّون ، وأنّنا نخافُ عليكم منهم أن يفسِدوا دينَكم و أن يُظهرُوا في الأرضِ الفساد ، ثمّ يتمّ توظيفُ ما أمكنَ من الصورِ و الأخبار والتكرار و التزييف والتحريف و القصّ واللصق لدعمِ هذه الفكرةِ و ترسيخِها في وعيِ البسطاء :
هذا العملُ الإعلاميُّ الخبيث الآثِمُ قامَ به فرعونُ في القديم يومَ جاءَ موسَى قومَهُ بالحق : قال ربّنا سبحانه : [FONT="]]فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال[/FONT][FONT="][[/FONT] ( غافر 25 ) . فها هنا - معشر المؤمنين- إشكالٌ كبير سيقومُ به فرعون ؛ إنه القتلُ و الإرهابُ و الحرقُ و التدمير ، وهذا قد يستثيرُ الرأيَ العامّ للنّاس ، فلا بُدّ من حربٍ إعلاميّةٍ يغطّي بها هذه المجازِرَ الظالمةِ الآثِمة :
قال الله تعالى : [FONT="]]وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَاد [FONT="][[/FONT] ( غافر: 25-26 ) . [/FONT]
و لكم أن تتصوّروا - معشر المؤمنين- كيفَ يعيدُ التاريخُ نفسَهُ بنفسِ اللهجةِ ونفسِ الخطاب :
فرعون يخافُ على دين النّاس و يكرهُ الفساد . . ! ، فرعونُ يُقسِمُ بالله و يزعمُ التديُّن . . ! يا لَلعجب ! .. ، وانظروا معشر المؤمنين : " ذروني أقتل موسَى " : وهل هناكَ من يملكُ أن يمنعَ فرعونَ من قتل موسَى والضعفاءَ من المؤمنين حتّى يطلبَ فرعونُ التفويضَ من الشعب ؟! ، أبدًا ؛ ولكنّهُ المكرُ والدّهاءُ الإعلاميُّ الذي يجعلُ لفرعونَ غطاءً شعبيًّا في ممارسةِ القتل والإرهاب والحرقِ والتدمير ! .
و للأسف لا يزالُ هذا الأسلوبُ مستمرًّا في الإعلامِ ما استمرّ صراعٌ بين الحقّ والباطل ! .
نسأل الله السلامة والعافية التوفيق إلى ما يحب ويرضى،أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب،إنه هو الغفور الرحيم . الخطبة الثانية:
معشر المؤمنين : الإعلامُ اليومَ تجاوزَ مهمّتَهُ الأساسيّة فصارَ السلطةَ الأُولى على التحقيق لا الرابعة ، يصنعُ الخبرَ كما يريد ، ويوجّهُ العقول ويفسِدُ باتباع أساليب تأثيريّة إقناعيّة ماكرة مدروسة بإحكام يشرفُ عليها خبراء علم نفس و اجتماع و فن وسياسة و استراتيجية ، يفعلُ كلّ ذلك وفقَ ما يحقّقُ المصلحةَ للجهةِ المالكةِ للبقاءِ و النفوذ و الاستمرار و الاحتلال . . !
لم يعُد الإعلامُ اليومَ في حربِهِ للحقّ وتخريبه للوعي يسيرُ كما كان في زمنِ فرعون وقريش ! ؛ الهدفُ واحدٌ نعم ؛ ولكن الوسائلُ اليومَ صارت شَرِسةً رهيبةً تؤثّرُ في الخواصّ والدارسين فضلاً عن العوامّ و الأمّيّين :
تقريبًا آلاف الوسائل الإقناعية المتّبعةُ اليوم في الإعلام تسعى للوصول إلى النصف الأيمن الخيالي للمُخ لمناشدته و مخادعته بالكلمة والصورة و المقطع و الصوت المدروس ليتلهّى النصفُ الأيسر المنطقي عن الحقيقةِ التي تريدُها الرسالة الإعلاميّة الغازِيَة ، فينتقل المتحكّم بالإعلامِ بالشخص المراد التأثير عليه من حالة الوعي التام beta إلى حالة وعي بديل مصنوع alpha ، وهي حالة يمكن قياسها بواسطة أجهزة رسم الدماغ . . ! ينطبق
هذا الكلام على المسلسل كما الفيلم كما نشرة الأخبار كما الرسوم المتحرّكة ، بل و اللحظة الإشهارية و الألوان و الثياب والأصوات وكل شيء .. !
التفاصيلُ طويلةٌ جدًّا ، و لبُّ القول - معشر الأحباب - : إيّاكم و الانخداعُ بالإعلامِ المضلّل الذي يشوّهُ الحقائقَ و يزيّنُ الأباطيل ، الإعلامُ في الأصلِ لا ينبغي أن يتجاوزَ قدرَهُ في نشر الثقافة بين الناسِ و إيصالِ المعلوماتِ و الأخبارِ المفيدَةِ بكلّ مِهنيّةٍ وصدق ، هذا الكلامُ انتهى أيها الأحبابُ منذ زمن ، حين تجاوزَ الإعلامُ مهمّتَهُ الأساسيّة فصارَ السلطةَ الأُولى على التحقيق لا الرابعة . . !
إيّاكُم - معشر المؤمنين - أن تثِقُوا في كلّ ما يقولهُ الإعلامُ أو ينقُلُهُ أو يصوّرُه أو يحلّلُه ، فقد كثُرَ الفِسقُ والفجور ، و التحريفُ والتزييف ، وخلفَ كلّ ذلك برامجُ ومؤسّسات ولوبيّات ، والله سبحانه أدّبَنا فقال :[FONT="]] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين [FONT="][[/FONT] ( الحجرات : 06 ) . [/FONT]
إيّاكُم أن تعطُوا الإعلامَ أكثرَ من حقّه سماعًا أو مشاهدةً و متابعة ، فإنّ أكثرَ ما يُبَثُّ لا حاجةَ إليه ، وما تدعو إليه الحاجةُ المحتاجون إليه على الحقيقةِ قليلون ، و هم يمكنُهُم الحصولُ عليه من المصادر الموثوقة التي يُدركونَها بناءً على الخبرةِ والدراسةِ و الممارسة ! .
نسأل الله السلامة والعافية ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المشاهدات 2234 | التعليقات 3

هو كما وصفته إعلاما مضللا لا معلما ولا موعيا يقلب الحقائق ويزيفها ويغير الباطل ويزينه خطبة أكثر من رائعة في واقعيتها ومنطقيتها ومناسبتها وصياغتها ومضمونها.

جزيل الشكر لك شيخ رشيد


موضوع جميل، وصياغة موفقة ياشيخ رشيد .

شكر الله لك ونفع بك .

وجهة نظر في قولك:
(إيهام العقولِ و استغفالُ الجماهيرِ بأنّ أهلَ الحقّ إنّما هم مفسِدُون ضالّونَ مُضِلُّون) .
السامع قد يتوهم تصريحهم بمعاداة الحق وأهله !
والواقع أن أولئك المضللين يوهمون الناس أن الحق معهم، وأن حملة الدين والشريعة مجانبون للحق ، كما قال الله عنهم: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) !.
فلو استبدلت بها : أهل الشريعة أو حملة العلم أو نحو ذلك (وهم عندنا أهل الحق بلاشك) .

والرأي لكم .


شكر الله لك أستاذ زياد على كلماتك الطيبة .
و شكر الله للأستاذ احمد السويلم على توجيهه القيّم ، صدقت أخي ، فقولك أضبط ، وهو المقصود . بارك الله فيك .