الإعتبار بتصرم الأيام والأعوام

سعود المغيص
1437/12/28 - 2016/09/29 20:59PM

الخطبة الأولى

أمَّا بَعْدُ عباد الله :
اتقوا الله تعالى واعتَبِرُوا بِتَصَرُّمِّ الأَيَّامِ وَالأَعْوَامِ؛ وَسَيْرِهَا الحَثِيْثِ، كَمَا قالَ تَعَالى: { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا }
عباد الله : أيَّامُنَا، وَأَعْوامُنَا، تُبَاعِدُنَا عَنِ الدُّنيَا، وتُقَرِّبُنَا لِلأُخْرَى.

يقولُ ابنُ الجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: يَا عَجَبًا كَيْفَ أَنِسَ بِالدُّنْيَا مُفَارِقُهَا، وَأَمِنَ النَّارَ وَارِدُهَا، كَيْفَ يَغْفَلُ مَنْ لا يُغْفَلُ عَنْهُ، كَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا مَنْ يَوْمُهُ يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وَشَهْرُهُ يَهْدِمُ سَنَتَهُ وَسَنَتُهُ تَهْدِمُ عُمْرَهُ، كَيْفَ يَلْهُو مَنْ يَقُودُهُ عُمْرُهُ إِلَى أَجَلِهِ وَحَيَاتُهُ إِلَى مَوْتِهِ !؟.
وقَالَ الفُضَيلُ رَحِمَهُ اللهُ لِرَجُلٍ: كَمْ أَتَى عَلَيكَ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَة، قَالَ لَهُ: أَنتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلى رَبِّكَ، يُوْشِكُ أنْ تَصِلَ.
عبادَ اللهِ: الأيَّامُ وَاللَّيَالِي وَالأَعْوَامُ تَمُرُّ سَرِيعاً، وَتَنْقَضِي جَمِيعاً؛ وَأَيُّ لَحْظَةٍ مَضَتْ فَمِنَ المُحَالِ رَدُّهَا؛ وَالمُؤْمِنُ العَاقِلُ الفَطِنُ مَنْ يَعْرِفُ قِيمَةَ عُمُرِهِ، يَعْرِفُ قِيمَةَ عَامِهِ، قِيمَةَ شَهْرِهِ وَيَومِهِ، قِيمَةَ سَاعَتِهِ وَدَقِيْقَتِهِ، المُؤمِنُ المُوَفَّقُ لَا يَزِيدُهُ عُمُرُهُ إلَّا خَيراً، وَلَا تَزِيدُهُ الأَيَّامُ مِنْ رَبِّهِ إلَّا قُرْباً.
يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ )

فَاللهَ اللهَ فِي اغْتِنَامِ هَذِهِ الحَيَاةِ، واسْتِبَاقِ الخَيرَاتِ والمُسَارَعَةِ إِلَيْهَا، قَبْلَ أنْ يُحَالَ بَينَ المَرْءِ وَبَيْنَهَا: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ...} ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) .
ويَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( اِغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ )
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ) .
ويَقُولُ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيءٍ نَدَمِي عَلَى يَومٍ غَرَبَتْ شمْسُهُ نَقَصَ فِيْهِ أَجَلِي وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي.
ويَقُولُ عُمَرُ بنُ عبَدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ الله: إنَّ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانَ فِيكَ فَاعْمَلْ فِيْهِمَا.

فَلْنُسَارِعْ رَحِمَكُمُ اللهُ إِلى الخَيْرَاتِ، وَلْنَكُفَّ عَنِ المُحَرَّمَاتِ مَا دَامَ فِي آجَالِنَا فُرْصَة؛ وَقَبْلَ أنْ يَنْدَمَ أَحَدُنَا حِيْنَ لَا يَنْفَعُهُ نَدَمٌ.
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا والهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا والشيطان يا ذا الجلال والإكرام ..
أقول قولي هذا ..

الخطبة الثانية

أمَّا بَعدُ عباد الله:
إن من واجبات المسلم في بداية هذا العام أن يحمد الله على نعمه ويشكره على فضله، فإن الإسلام نعمة والأمن نعمة والعافية نعمه لا يعلمها إلا الله.

عباد الله : شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ شَهْرٌ عَظِيْمٌ؛ جَاءَتِ السُّنَةُ بِالتَّرْغِيبِ فِي الإِكْثَارِ مِنَ الصِّيَامِ فِيهِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاَةُ اللَّيْلِ )
فاشتغلوا ـ عباد الله ـ بطاعة الله، ولا تلهكم الدنيا عن ذكر الله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .

اللهم اجعله عام خير وبركة وأمن وأمان وسلام علينا وعلى بلادنا وعلى الإسلام والمسلمين في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام ..



المشاهدات 1126 | التعليقات 0