الإعتبار

سالم بن محمد الغيلي
1441/10/28 - 2020/06/20 00:54AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم ماتعاقبت الاليالي والأيام.

  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[
  • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[
  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

عباد الله:

ما أجمل العقل في الإنسان نعمة عظمى من الله أن جعل الإنسان عاقلًا وميّزه به عن سائر المخلوقات, والإنسان بدون عقل يدعى مجنونًا لا يؤاخذ ولا يجري عليه قلم التكليف ولا قيمة له عند الناس, وما أجمل أن يكون العاقل مؤمنًا بالله... يدله عقله على الله... يدله على التدبر والإعتبار والتفكر وتمييز الأمور وتحليلها, صاحب العقل صاحب بصيرة... صاحب لب... مدحه الله وخاطبه بالآيات والعظات لأنه يستفيد منها ويبني سلوكه وتصرفاته وفقًا لما يصلح دينه ودنياه ويقربه من مولاه, الأحداث والآيات عند العاقل دروس وعِظات ذكر الله تعالى أنها إذا جاءت الآيات والعبر والمعجزات لا يستفيد منها إلا العاقل ولذلك أيها الأحبة قص الله علينا في القرآن العظيم عبرًا وعظات وآيات بينات حدثت للأمم وللشعوب بل للأنبياء والرسل حتى لا نضل ولا نتوه في فتن الحياة, العاقل يستدل بما يجري على حكمة الله في خلقه وعلى تغييره وتدبيره وأمره ونهيه وقضائه وجزائه.

المؤمن العاقل المعتبر... يعلم أن الدنيا دار للفناء وأهلها للموت والبِلى... وأن كل ماعليها للخراب وأن أهلها صائرون للتراب... ثم يبعثون يوم الحساب للثواب أو للعقاب, العاقل المؤمن يتجلى له في كل ما يجري في هذه العوالم, أن الله تعالى له الملك والتدبير والخلق والتصوير والإبداع وأنه سبحانه الملك الحق الذي يجب أن يُعبد ويوحد وينزه عن الصاحبة والولد والشريك والند } إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ{ ] سورة آل عمران: 190[ , يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة.. لمن؟ لأولي الابصار } يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ{ ]سورة النور: 44[.

عباد الله: ولقد قص الله علينا أحوال الماضين من المؤمنين والشاكرين والكافرين والملحدين  وكيف أن الله تعالى داول بينهم الأيام ونفذ فيهم أقداره وأحكامه , قال الله لنا: } لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{  ]سورة يوسف: 111[ , وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تعيش في تأريخ دقيق وحرِج ومن صفحاته هذا الوباء هذا القدر هذه الآية هذه العبرة يخوف الله بها الناس مؤمنهم وكافرهم لعلهم يتقون لعلهم يتوبون لعلهم يرجعون لعلهم يكفون عن العصيان }..وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا{]سورة الإسراء: 59[, }.. ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ{ ]سورة الزمر: 16[, والمتأمل والمتدبر يتذكر أن الله تعالى قبل هذا الوباء يخوف عباده بالخسوف والكسوف وبعض الفيضانات هنا وهناك فإذا أحوال الناس عجب... تشكى إلى الله... كثير من الناس يتركون صلاة الخسوف والكسوف ويقيمون فعاليات وتجمعات تصوير للشمس والقمر والنبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا أن نفزع إلى الصلاة وأخبرنا أن الله سبحانه يخوفنا بالخسوف والكسوف لعلنا نراجع أنفسنا وعلاقتنا به سبحانه وتعالى وفي الحديث الصحيح: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَزِعًا، يَخْشَى أنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فأتَى المَسْجِدَ، فَصَلَّى بأَطْوَلِ قِيامٍ ورُكُوعٍ وسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وقالَ: هذِه الآياتُ الَّتي يُرْسِلُ اللَّهُ، لا تَكُونُ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ، ولَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ به عِبادَهُ، فإذا رَأَيْتُمْ شيئًا مِن ذلكَ، فافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ ودُعائِهِ واسْتِغْفارِهِ.) اخرجه البخاري واللفظ له, ومسلم, وفي الحديث الآخر: (إنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بهِما عِبادَهُ، وإنَّهُما لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فإذا رَأَيْتُمْ مِنْها شيئًا فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ حتَّى يُكْشَفَ ما بكُمْ.)صحيح مسلم. فإذا بكثير من الناس يخرجون للتصوير والفعاليات ثم اتى الله بهذا الوباء, أعظم تخويفًا وزجرًا من الخسوف والكسوف, الخسوف والكسوف سويعات وما مرض منه أحد ولا مات وهذا الوباء إلى الآن مضى عليه أشهر ومات منه الآلاف واصيب منه الملايين والله وحده يعلم متى منتهاه.

فهل نعتبر؟ هل نتوب ونؤوب إلى علام الغيوب؟ هل نكون صادقين مع الله ثم مع أنفسنا؟ أم ماذا نحن فاعلون؟

اللهم اجعلنا من المعتبرين المتعظين التائبين يا أرحم الراحمين.

أقول ماتسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه حمدًا يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه.

عباد الله: لا يعتبر ولا يتعظ إلا المؤمن العاقل وهذا ما نريده, أما الكفار والملحدين والمنافقين فإنهم لن يعتبروا ولن يتعظوا إلا من رحم الله لأنهم يفسرن آيات الله وتخويفه لعباده بالظواهر الطبيعية وبغضب الطبيعة ويكفيهم ذلك بعدًا من الله ومقتا وقد برئت منهم ذمة الله ومصيرهم إليه, ونخشى أيها المؤمنون نخشى أننا إذا لم نتعظ ولم نعتبر بكورونا أن يأتي الله بأبي كورونا وأمه وجماعته كلهم ونسأل الله أن يلطف بنا وبأهلنا وببلادنا لأن الله تعالى يرسل بالآيات بالتدرج كل واحدة أعظم من التي قبلها, قال سبحانه: } وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ۖ وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { ]سورة الزخرف: 48[, وارجعوا للقرآن لتروا كم فيه.

وتأملوا معي في عجاله.. لما عصى فرعون وقومه وتكبروا على الله وعلى رسوله موسى عليه السلام لم يغرقهم في البحر مباشرة بل أرسل إليهم آيات وعبر وعظات وعقوبات لعلهم يرجعون ويعودون قال تعالى: } فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ{ ]سورة الأعراف: 133[, أرسل الله إليهم الطوفان قال المفسرون ملأ بيوت الاقباط, ولم يدخل في بيوت بني اسرائيل قطرة واحدة ودام معهم سبعة أيام ثم فزعوا إلى موسى يدعو لهم فدعا فرجعوا, فأرسل الله عليهم الجراد ثم فزعوا إلى موسى يدعو لهم فدعا ثم عادوا, فأرسل الله عليهم القمل وهكذا ومع تلك الآيات استكبروا كانوا قومًا مجرمين  فماذا حصل بعد تلك الآيات؟ اغرقهم الله في البحر انشق البحر وابتلعهم على رأسم فرعون, فإذا هم أثر بعد عين.

ونحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لن يهلكنا الله كما اهلك الأولين ولله الحمد والشكر لكن يرسل بالآيات والعذابات فتأخذ من هنا وهناك يرسل الوباء والحروب والمجاعات والنزاعات لعل من معتبر ومنزجر ومدكر.

اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا, اللهم اجعلنا عند النعماء من الشاكرين وعند البلاء من الصابرين يا أرحم الراحمين, اللهم اصرف عنا وعن اهلنا وعن بلادنا الوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن .

وصلوا وسلموا...

والله اعلم

جامع النور 1441/10/27هـ

المشاهدات 947 | التعليقات 0