الإِضَاعَةُ فِي تَرْكِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ. 1442/2/28هـ

عبد الله بن علي الطريف
1442/02/28 - 2020/10/15 20:15PM
الإِضَاعَةُ فِي تَرْكِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ. 1442/2/28هـ
الحمدُ لله الحكيمِ في خلقِه وأمرِه، القويِ في أخذه وقهره، شرع لعباده الشرائع لينالوا بها أعلى الدرجات، وينجوا بها من الهلاك والدركات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيراً. أما بعد:
أيها الإخوة: اتقوا الله تعالى وعظموا شعائره (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32] ألا وإن من أعظمِ شعائرِ اللهِ وأفضلِها صلاة الجماعة في المساجد.
نعم: إن شأن صلاة الجماعة في الإسلام عظيم ومكانتها عند الله عالية، حيث شرع بناء المساجد وحث عليه فقال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [النور:36].
ولقد بادر رسولُ الله ﷺ في بناء مسجده بعد الهجرة ولم يبدأ بغيره حين وصل إلى المدينة لأداء الصلاة فيه.
وشرع لهذه الشعيرة النداء "الأذان" من أرفعِ مكانٍ وبأعلى صوت ورتب على هذا النداء أجوراً عظيمة ومنحاً جليلة.
أيها المؤمنون بالله ورسوله: إن صلاة الجماعة واجبةٌ على الرجال في الحضر والسفر وفي حال الأمان وحال الخوف وجوباً عينياً.
دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وعمل المسلمين قرناً بعد قرن.
قال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة:43] أي صلوا مع المصلين في المساجد جماعة.
فمن الأدلة على وجوبها قولُ الرَسُولِ ﷺ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أحبتي: النبيُ الكريم الرؤوف الرحيم ﷺ يَهِمُ بتحريق بيوت المتخلفين عن صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةِ الْفَجْرِ بالنار بقوله: «...ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» فيا الله ما أعظم هذا التهديد وأنكاه..
وأَتَى رَجُلٌ أَعْمَى إِلَى النَّبِيَّ ﷺ وَسَأَلَه أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» رَوَاهُ مُسلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وفي رواية أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ. قَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَحَيَّ هَلًا» أي أقبل مسرعاً. وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ..  رواهالنسائي وأبو داود وصححه الألباني عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 
 وقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ». رواه أبو داود والنسائي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني.
وأما عمل الصحابة فقد قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ ﷺ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ»  (يهادى بين رجلين) أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما..  
أيها الإخوة: هذا حال السلف من الصحابة على أداء الصلاة جماعة، في واقع اليوم نرى رجالاً قد عذرهم الله ووضع عنهم الحرج يأتون إلى المساجد لأداء الجُمع والجماعات على كراسيٍ متحركة وكثيرٌ منهم لا يستطيع دفعها بنفسه وإنما تدفع بهم، وربما جاءوا يتوكئون على عِصِيِّ متعددة قد حداهم للخروج إلى صلاة الجماعة حاديَ الشوق، وأزعجهم إلى أدائِها مع جماعةِ المسلمين نداءُ حي على الصلاة وحي على الفلاح والصلاةُ خير من النوم وَلَمْ يُرَخِّصْوا لأنفسهم مع أنهم قد عذرهم الله لو شاءوا.. فهنيئاً لهم رغبتهم بالخير وحرصهم عليه وكتب الله لهم أجر المشقة والعناء، وليبشروا بخير فأجرهم على قدر نصبهم.
 فأين المتكاسلون المفرطون بالواجب من هذه الأمثلة الحية التي يرونها.. اللهم اهدنا لأفضل الأعمال والخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.. اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد..
الثانية:
الحمد لله على إحسانه وأشكره على فضله وامتنانه أوجب على عباده صلاة الجماعة ورتب عليها الأجور المضاعفة فله الحمد في الأولى والآخرة وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى وامتثلوا أمرَ ربكم وأمرَ نبيهِ بالصلاة جماعة في المساجد واغتنموا ما رتبه الله عليها من الأجر والمثوبة تفلحوا.
من ذلك قولُ الرَسُولِ ﷺ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.» متفق عليه عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما
ومن فضائلها قولُ الرَسُولِ ﷺ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
والمعنى: إذا قال الإمام ولا الضالين فإنه يقول بعدها آمين وتؤمن الملائكة معه ويؤمن المصلون فيتوافق تأمينهم فيغفر للمؤمنين من المصلين ما تقدم من ذنبهم.. وهذا الفضل لا يدركه المتخلف عن الجماعة..
ومن الفضائل: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.» متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والمعنى: إذا رفع الإمام يقول أثناء رفعه سمع الله لم حمده، ثم يقول بعدها اللهم ربنا ولك الحمد إذا استتم قائماً؛ فمن رفع من المأمومين بعد إتمام الإمام لقول سمع الله لمن حمده، وقال أثناء رفعه ربنا ولك الحمد وافقه ووافق الملائكة وغفر له ما تقدم من ذنبه.
أحبتي: يوافق مؤدي صلاة الجماعة فضل مغفرة الذنوب، ثلاثاً وعشرين مرة.. فكم يفوت المتخلف عن الجماعة من الفضل..
ومن فضلها قولُ الرَسُولِ ﷺ: «..وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ [أي أكثر أجراً] وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.» رواه أبو داود وحسنه الألباني عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ ﷺ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، وَالمَلاَئِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلاَتِهِ أَوْ يُحْدِثْ» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أيها الأحبة: كم من الحسنات وُعِدَ به الماشي إلى الصلاة.. وكم يُـمْحَى عنه من السيئات قَالَ ﷺ: «إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والصلاةُ في جماعة أقرب للخشوع وحضور القلب والطمأنينة، وسببٌ لأداء الصلاة في وقتها.. وإن الإنسان ليجد الفرق العظيم بين صلاته وحده ومع الجماعة.. أسأل الله أن يجمعنا على الخير ويعيننا عليه إنه جواد كريم..  
 
 
المشاهدات 776 | التعليقات 0