الإصلاح في القرآن - عبد العزيز الشامي

الإصلاح في القرآن
المحرر والمدقق - عبد العزيز الشامي


الحمد لله رب العالمين، سبحانه وتعالى له الحمد الحسن والثناء الجميل، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد..

تعرض مصطلح الإصلاح إلى كثيرٍ من الخلط والعبث الفكري، من قِبَل بعض المنهزمين أمام الحضارة الغربية، ففرّغوا الإصلاح من مضمونه الشرعي، وجعلوه غطاءً على تحريف الدين وإبطال الشريعة، حتى أصبح مصطلح الإصلاح يثير الريبة والتوجس والقلق بين عامة المسلمين.

ولا شك أن الصلاح هو الغاية المطلوبة من العباد في الاعتقاد الأقوال والأعمال، فبغير الصلاح لا يُقبل أي عمل ولا تحصل أي قربى، ولا توضع البركة في الأموال والأنفس والثمرات. وإن من الأشياء العظيمة أن يكون الإنسان صالحًا في قوله وعمله، ولكن الأعظم من ذلك أن يكون مُصلحًا في قوله وعمله، فالصالح قد اكتفى بنفسه عن الخلق، وأما المصلح فقد حمل هموم الخلق، وتصدى لإصلاحهم، وإن الصلاح يُستجلب به الخير والبركة والنماء، أما الإصلاح فيدفع الله به عن البشر الشر والهلاك.

ولما كثر الحديث عن الإصلاح في هذا الزمان، وصار الكل يرفع رايته، ويتحدث باسمه، وصار بعض من يرفعون راية الإسلام -للأسف- يتشدقون بالإصلاح غير المنطلق من القرآن الكريم وقيمه وفضائله، فضلاً عن غيرهم ممن يدّعون الإصلاح وهم في كل وادٍ يهيمون، يترسمون مناهج الغرب البالية تارة والشرق تارة أخرى، مع الخيبة والخسار، بسبب إعراضهم عن القرآن ومنهجه في إصلاح الأمم، من أجل ذلك وغيره كانت هذه الكلمات اليسيرة.

الإصلاح في القرآن:

ورد لفظ الصلاح في القرآن مضادًا للفساد، وجاء الإصلاح مضادًا للإفساد، وكل من الصلاح والفساد مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقُوبل الصلاح في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة، وإصلاح الله تعالى الشيء يكون تارة بخلقه إياه صالحًا، وتارة بإزالة ما فيه من الفساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح.

ولا شك أن لفظ «الإصلاح» لفظ قرآني له دلالات عظيمة، وقد ذُكر الإصلاح في القرآن والسنة بصيغ متعددة تدل في مجملها على أن دين الله تبارك وتعالى يهدف إلى إصلاح الإنسان في الاعتقاد والسلوك والعبادات والمعاملات، واعتبر القرآن في عدة آيات منه أن الإصلاح مهمة الأنبياء عليهم السلام ووظيفتهم الأساسية، قال الله تعالى عن لسان شعيب عليه السلام: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )(هود: 88).

والمتأمل في أحوالنا هذه الأيام يجد أن الأمر لا يختلف قديمًا عنه في العصر الحديث، فقد حاول المفسدون اختطاف هذا الشعار العظيم، ومنهم فرعون -الذي أفسد في الأرض وطغى- حيث اتهم موسى عليه السلام، وهو من المصلحين للناس في عقائدهم، ومرشدهم إلى ربهم، اتهمه فرعون بإظهار الفساد؛ وكأن فرعون يشير إلى أنه يتبنى الإصلاح منهجًا، ويخاف على الناس من الفساد، مع أنه من أكبر الطغاة والمفسدين، فقال: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر: 26).

وكعادة المنافقين في كل زمان ومكان تشابهت قلوبهم فاتحدت مشاربهم، يظنون أنهم على خير، وأنهم حماة الإصلاح ورواده، فقد ادعى المنافقون قديمًا أنهم مصلحون، كما ادعاه إخوانهم في العصر الحديث، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:11 - 12).

والضابط الذي يميز بين المصلح حقيقة وبين مدعي الإصلاح بالباطل هو رب العالمين، فهو وحده من يحدد المصلح والمفسد، قال جل وعلا:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:220)، ويقول سبحانه: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف:56).

وعندما يغيب المعيار الحقيقي للإصلاح من حياة الناس، يصبح الإصلاح شعارًا أجوف مفرغ من محتواه ولا قيمة له، فلا يسمى العمل إصلاحًا إلا بإقرار الشريعة المعتمدة على السنة والاتباع؛ لأن البدع والأهواء والتحزب على غير مرجعية الشريعة، ليست إصلاحًا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [متفق عليه: رواه البخاري ومسلم]، وكذلك لا يعتبر ما ردته الشريعة إصلاحًا بأي وجه من الوجوه.

وإن أعظم إصلاح جاء به القرآن العظيم هو شريعةُ الله المحكمة وفرائضه الشرعية العادلة التي جاء بها القرآن في الحدود والمواريث، والأحكام، والتي تسعد المجتمعات وتهنأ إذا طبقتها، قال الله تبارك وتعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : 96)، وفي المقابل تشقى المجتمعات عند تغييب الشرع المحكم أو إقصائه عن دنيا الناس وهذا يُحدِث خللاً واضطرابًا كبيرًا يمحق البركة ويجلب الشقاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدًا هذا المعنى : « يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم، أعوذ بالله أن تدركوهن.. وذكر منها : وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم » /font][size=5][color=black][font=simplified arabic]رواه ابن ماجه 3262 وصححه الألباني[/font][/color][font=traditional arabic نسأل الله أن يهدي الأمة إلى تحكيم كتاب ربها لتعيش واقعًا مباركًا تحل فيه الأمن والبركات.[/size]

القرآن منهج إصلاح:

كثر ذكر الإصلاح والمصلحين في القرآن الكريم، في مقابل ذم الإفساد والمفسدين؛ لتكتمل الصورة الربانية التي يريدها الله رب العالمين للبشر والمجتمعات البشرية، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف: 170).

يقول سيد قطب –رحمه الله-: «غير أن الآية تبقى -من وراء ذلك التعريض- مطلقة، تعطي مدلولها كاملاً، لكل جيل ولكل حالة. إن الصيغة اللفظية: (يمسِّكون).. تصور مدلولاً يكاد يحس ويُرَى.. إنها صورة القبض على الكتاب بقوة وجد وصرامة.. الصورة التي يحب الله أن يُؤخذ بها كتابه وما فيه.. في غير تعنت ولا تنطع ولا تزمت.. فالجد والقوة والصرامة شيء والتعنت والتنطع والتزمت شيء آخر.. إن الجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر، ولكنها تنافي التميع! ولا تنافي سعة الأفق ولكنها تنافي الاستهتار! ولا تنافي مراعاة الواقع ولكنها تنافي أن يكون «الواقع» هو الحكم في شريعة الله! فهو الذي يجب أن يظل محكومًا بشريعة الله!

والتمسك بالكتاب في جد وقوة وصرامة؛ وإقامة الصلاة -أي شعائر العبادة- هما طرفا المنهج الرباني لصلاح الحياة.. والتمسك بالكتاب في هذه العبارة مقرونًا إلى الشعائر يعني مدلولاً معينًا.. إذ يعني تحكيم هذا الكتاب في حياة الناس لإصلاح هذه الحياة، مع إقامة شعائر العبادة لإصلاح قلوب الناس. فهما طرفان للمنهج الذي تصلح به الحياة والنفوس، ولا تصلح بسواه.. والإشارة إلى الإصلاح في الآية: (إنا لا نضيع أجر المصلحين).. يشير إلى هذه الحقيقة.. حقيقة أن الاستمساك الجاد بالكتاب عملاً، وإقامة الشعائر عبادة هما أداة الإصلاح الذي لا يضيع الله أجره على المصلحين.

وما تفسد الحياة كلها إلا بترك طرفي هذا المنهج الرباني.. ترك الاستمساك الجاد بالكتاب وتحكيمه في حياة الناس؛ وترك العبادة التي تصلح القلوب فتطبق الشرائع دون احتيال على النصوص، كالذي كان يصنعه أهل الكتاب؛ وكالذي يصنعه أهل كل كتاب، حين تفتر القلوب عن العبادة فتفتر عن تقوى الله..

إنه منهج متكامل يقيم الحكم على أساس الكتاب؛ ويقيم القلب على أساس العبادة.. ومن ثم تتوافى القلوب مع الكتاب؛ فتصلح القلوب، وتصلح الحياة. إنه منهج الله، لا يعدل عنه ولا يستبدل به منهجًا آخر، إلا الذين كتبت عليهم الشقوة وحق عليهم العذاب! [في ظلال القرآن 3/313].

وقد علق الله رب العالمين عدم إهلاكه للناس بوجود المصلحين، الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون، فقال جل وعلا: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، قال الإمام القرطبي رحمه الله: «قوله تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى) أي أهل القرى. (بظلم) أي بشرك وكفر. (وأهلها مصلحون) أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق، أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، وقوم لوط باللواط، ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك، وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب. وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" [رواه أبو داود 4340 وصححه الألباني]». [تفسير القرطبي 9/114].

والقرآن في حثه على الإصلاح ومدحه للمصلحين، يقرر أن المصلحين لا يعيشون لأنفسهم ولا لأجيالهم فقط، بل ينظرون بعيدًا في آفاق المستقبل فيما ينفع الأمة وما فيه عزها ومجدها، فلا ينظرون أسفل أقدامهم، بل غاية همهم إصلاح الشبيبة والشيب والصغار والكبار، واليوم وأمس وغدًا.

قال الطاهر ابن عاشور -رحمه الله-: «وفي كلام نوح عليه السلام دلالة على أن المصلحين يهتمون بإصلاح جيلهم الحاضر، ولا يهملون تأسيس أسس إصلاح الأجيال الآتية؛ إذ الأجيال كلها سواء في نظرهم الإصلاحي، وقد انتزع عمر بن الخطاب من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10) دليلاً على إبقاء أرض سواد العراق غير مقسومة بين الجيش الذي فتح العراق، وجعلها خراجًا لأهلها؛ قصدًا لدوام الرزق منها لمن سيجيء من المسلمين». [التحرير والتنوير 29/199].

ويعرض القرآن لدور حاملي الرسالة والوحي الإلهي في الإصلاح في الأرض، فيقرر نبي كريم ويلخص رسالته في الإصلاح، فيقول: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود: 88).

قال سيد رحمه الله: «الإصلاح العام للحياة والمجتمع الذي يعود صلاحه بالخير على كل فرد وكل جماعة فيه؛ وإن خُيل إلى بعضهم أن اتباع العقيدة والخلق يفوّت بعض الكسب الشخصي، ويضيع بعض الفرص. فإنما يفوت الكسب الخبيث، ويضيع الفرص القذرة؛ ويعوض عنهما كسبًا طيبًا ورزقًا حلالاً، ومجتمعًا متضامنًا متعاونًا لا حقد فيه ولا غدر ولا خصام!

( وما توفيقي إلا بالله ).. فهو القادر على إنجاح مسعاي في الإصلاح بما يعلم من نيتي، وبما يجزي على جهدي. (عليه توكلت).. عليه وحده لا أعتمد على غيره. (وإليه أنيب).. إليه وحده أرجع فيما يحزبني من الأمور، وإليه وحده أتوجه بنيتي وعملي ومسعاي» [في ظلال القرآن 4/262].

ويذكر القرآن العظيم أن الأمم السالفة لما فقدت الإصلاح ورفضت المصلحين، ونشرت الفساد، وقربت المفسدين، عندما وصلوا إلى استمراء الفساد، عاقبهم الله رب العالمين، بأن سلط عليهم آلام الهلاك، وسوء العذاب بما كسبت أيديهم، قال أحكم الحاكمين: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 116- 117].

قال سيد قطب -رحمه الله-: « وهذه الإشارة تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم. فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها، إما بهلاك الاستئصال. وإما بهلاك الانحلال.. والاختلال!

فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب.. وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره.. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع..»

والوحي الذي يمدح الإصلاح ويحث عليه هو وحي الحكيم الخبير، الحكم العدل، ولذلك جاء على لسان رسول الله من لا ينطق عن الهوى صلى الله ليه وسلم، حديث رائع في تصديق هذه الآية السابقة، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: قالت: إِنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمِ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» [متفق عليه].

مجالات الإصلاح في القرآن:

غاب عن كثير من المسلمين تفعيل القرآن في الحياة، واتخاذه منهجًا للحياة، فصار القرآن يُقرأ في المآتم أو على الأموات، ويستأجرون من يقرأ عليهم، مما طبع في أذهان كثير من العوام أن القرآن يقرأ في الأحزان فقط، في حين أن القرآن جاء للطمأنينة، وسكينة النفس، وإحياء القلوب، والعقول والأبدان، حيث إن القرآن وضع الشرائع التي بها حياة الناس، ولكن بعض المسلمين يحرص على قراءة القرآن دون تدبر معانيه.

وقد ظن البعض أن مرور الزمان يقلل من صلاحية القرآن في الإصلاح والهداية؛ وهذا خطأ على الإطلاق، فالقرآن كتاب هداية وإصلاح، متى فهمه الإنسان فهمًا صحيحًا، وإن هداية القرآن ليست مرتبطة بظرف أو زمان، ففي كل الظروف هناك هداية ربانية، القرآن الكريم له صفة الإطلاق والقطعية، والتي لا يتصف بها غيره من الكتب السماوية، كما أن القرآن يُعنَى بالكليات والأمور العامة والأصول الثابتة التي لا علاقة لها بالمتغيرات، وكما أن إعجاز القرآن هو إعجاز علمي يصلح في كل زمان ومكان؛ حيث نزل للناس جميعًا على كافة مستوياتهم.

يقول الشيخ عز الدين رمضاني ملخصًا مجالات الإصلاح في القرآن العظيم: «ومما يدل على فضيلةِ الإصلاح: اتِّساعُ ميادينه ورحابة مجالاتِه، فَبِقَدْرِ ما تكثُر بين النَّاس المنازعاتُ، وترتفعُ في مجالسهم الخصوماتُ، ويتهدَّد بناء الأُسَرِ والبيوتَات، وتَسوء علاقات الأفرادِ والجماعاتِ، بقدرِ ما تكثُر ميادينُ الإصلاح وتَتَّسِعُ حلولُه وتتعدَّدُ أساليبُه وطرقُه حتَّى إنَّه لَيَسَعُ النَّاسَ في دمائِهم وأموالهم وأقوالهم وأفعالهم وكلِّ ما يقعُ فيه الإفسادُ والاعوجاجُ وتَطولُه يَدُ البغيِ والإجرامِ.

إنَّه إصلاحٌ شاملٌ وعادلٌ يجمع بين متخاصِمين، ويقرِّب بين متباعدين، ويَمْحُو شحناءَ المتعاديَين، يبدأ من الأهل وذَوِي الأرحامِ، ليعمَّ الأنسابَ والجيرانَ والخِلاَّن والإخوان إلى أن ينتهي بعموم الناس على اختلاف مشاربهم وطبائعهم بلا تخاذلٍ أو تهاونٍ، ودون تَعَلُّلٍ أو تَسويغ، قال الله تعالى: (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 224] أي لا تَتَعَلَّلُوا بالأَيْمَانِ لتتركوا البِرَّ والتَّقوى والإصلاح بين الناس.

للإصلاحِ في الأسرة وبيتِ الزَّوجيةِ دورٌ في الحفاظ على كَيَانِهَا وأفرادِها قبل اسْتِعْصَاء الحلول وتفاقُمِ المُشكِلاتِ، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا)[النساء: 35]، وقال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].

وله بين أصحابِ الحقوق في الوصايَا والأوقاف والولاياتِ إسهامٌ في حفظِ عقودِهم ومعاملاتهم ورعاية شؤُونهم وصَوْنِها من الجَوْرِ والانحراف، ومن تعرُّضِها للإهمال والضَّياع، قال تعالى: (فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[البقرة: 128]، وقال في شأن اليتامى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)[البقرة: 220].

وأمَّا في نطاق جماعةِ المؤمنين وطوائفِ المسلمين فَلَهُ سُلْطَانُ الحُكْمِ عليهم وإلزامُهم بما يحفَظ عليهم وِئَامَهُمْ ويقوِّي أَوَاصِرَهُم ويدفعُهم إلى تقوى الله وطاعته كما في قوله في مطلع سورة الأنفال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[الأنفال: 1].

وحتّى في الحالات الشَّاذَّة التي قد يصل فيها الأمر إلى التَّقاطع والتَّدابر؛ بل إلى التَّقاتل والتَّناحُرِ، فإنَّ الله نَدَب إلى الإصلاح لما فيه من قطع السَّبيل على الأعداء، وحفظِ الأموال وحَقنِ الدِّماء، فقال جلَّ ذِكرُه: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)[الحجرات: 9].

وإذا كان إفسادُ ذاتِ البَيْنِ يَحْلِقُ الدِّينَ، ويُذْكِي العَدَوات ويفرِّق بين الأحباب ويزيل ودَّ الأصحاب، فإنَّ إصلاحَ ذاتِ البَيْنِ يُذهب وَغَرَ الصَّدْرِ، ويَلُمُّ الشَّمْلَ، ويعيدُ الوِئامَ ويُصلِح ما فَسَد على مَرِّ الأيَّامِ، فهو لهذا مَبْعَثُ الأمنِ والاستقرار، ومَنْبَعُ الأُلْفَةِ والمحبَّة، ومصدرُ الهدوء والاطمئنان، وآيةُ الاتّحاد والتّكاتف، ودليلُ الأخوَّة وبرهانُ الإيمان، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10]».

فقه الإصلاح:

ويضيف الشيخ رمضاني: «وللإصلاح في كتاب الله فِقْهٌ لا بدَّ أن يُفهم ويُسمع، ومَسلكٌ يَجِبُ أن يُقْتَفَى ويُتَّبَعَ، وإلاَّ آلَتْ جهودُ المُصلحين إلى الفشل، وعَجزت مساعيهم عن إصلاح العَطَلِ أو تَدَارُكِ الخَلَلِ، وأوَّل ما ينبغي العمل به في أوَّل خطوة من خطوات التَّغيير والإصلاح، تصحيحُ النِّيَّة وتسخيرُ القصدِ لابتغاء مرضاةِ الله وحدَه، وتجنُّبِ الأهداف الشَّخصية والأغراض الدُّنيوية الزَّائلة، قال تعالى: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 114].

وهذا فقهٌ في الإصلاح دقيقٌ؛ لأنَّ فَشَلَ كثيرٍ منْ مَسَاعِي الصُّلْحِ فَبِسَبَبِ تَسَرُّبِ الأخبارِ وفُشُوِّ الأحاديث وتَشْوِيشِ الفُهُوم ممَّا يعكِّر أجواء الاتِّصال، ويقضي على رُوح المبادرةِ والامتثالِ.
والحاصل أنَّ للإصلاح في القرآن ميدانًا رَحبًا، تضيقُ الخُطَبُ والمقالاتُ عن سَرْدِهِ وتناوله، ويَكفيه شرفًا وفضلاً أنَّ كلَّ ما أدَّى إلى الطَّاعة وامتثال الأمر والتمسُّك بالكتاب فهو إصلاحٌ والمتحلِّي به هو من المُصْلِحِين (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)[الأعراف: 170].

وإنَّ المُصلِحَ يكون في نجاةٍ وأَمْنٍ ونعمةٍ إذا حلَّ بالمفسدين العقابُ والخوفُ والنِّقْمَةُ، (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود: 116-117].

وإنَّه لا صَلاح ولا إصلاح يُعيد للأمَّة الإسلاميَّة اليومَ ما فَقَدَتْهُ من عزِّ الأخلاقِ وسُمُوِّ المنزلةِ وشَرَفِ السُّؤْدَدِ إلاَّ بما صَلَحَ عليه الأوَّلون من رجالاتها وأبنائها، ونسائها وبناتها. [موقع راية الإصلاح بتصرف يسير].

ثمرات الصلاح والإصلاح:

ذكر القرآن الكريم للإصلاح والصلاح ثمرات عديدة، وفوائد غزيرة، ورفع من درجات أصحابها، وأنزلهم أعلى المنازل، ووصفهم بجميل الصفات، ومن ذلك:

- إن للصالحين مكانة سامية، يُرفعون مع أهل الدرجات العلى في الجنة، قال تبارك وتعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].

- إن إصلاح العمل وإتقانه أمان من المخاوف والأحزان، قال سبحانه: (فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأنعام: 48].

- إن الإصلاح سبب من أسباب رحمة الله ومغفرته، قال سبحانه: (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء/129]. وقال جل وعلا: (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا) [الإسراء/25].

- إن الله لا يضيع أجر المصلحين، فأجرهم عند الله محفوظ، قال تعالى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف/170].

- إن الصالحين والمصلحين يستحقون ولاية الله، قال جل وعلا: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف/196].

- إن الله ينجي أهل البلاد إن كان غالب حال أهلها الصلاح، والعكس بالعكس، قال جل وعلا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود/179]، وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» [متفق عليه].

- إن الصلاح يوجب وراثة الأرض والاستخلاف فيها، قال سبحانه: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء/ 105].

وفي المقابل حذر القرآن من ادعاء الصلاح والإصلاح دون عمل نافع، فقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة/11]، وإنما هو إيمان وإذعان (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) [العنكبوت/9].

فما أروع هذا الدين، وما أعظم القرآن، حثَّ على الإصلاح، ومدح المصلحين، ورفع في الجنة درجاتهم، قبل أن تخرج علينا دعوات هدامة، فولت الأمة وجهها شرقًا وغربًا ونأى بها طلب التقدم والإصلاح، وكان الأمر كالسراب لا حقيقة له، وشتان بين من يدعو إلى النار وبين من يدعو إلى الجنة، وشتان بين الأعمى والبصير، وفارق بين الظلمات والنور، لا يستويان، فما أجدر الأمة أن تعود إلى منهج الإصلاح الأول كتاب ربها، ومصدر عزتها وتفوقها بين الأمم، فقد ضمن الله السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة لم خافه واتقاه واتبع رضوانه وتجنب مساخطه، كما هو موضح ومفصل في الوحيين: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله نسأل أن يصلحنا ويصلح بنا، وألا يجعلنا من المفسدين.

المشاهدات 2471 | التعليقات 0