الإصَابَةُ فيْ فَضْلِ وَحَقِّ الصَّحَابَةِ
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وأَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلا ُهوَ وَحْدَه لا شَرِيْكَ لهُ الحَقُ المُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُه الصَّادِقُ الأَمِينُ.َ صلَّى اللُه وَسَلمَ عَلَيهِ وعَلَى آلهِ وَأزْوَاجِهِ وأَصْحَابهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّيْنِ، أَمّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حقَ تقواه، فمَنِ اتقاهُ وَقَاهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَاخْتَارَ اللهُ لَهُ أَنْصَاراً وَأَعْوَاناً، هُمْ صَحَابَتُهُ الْكِرَامُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، خَيْرُ الْقُرُونِ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَأَفْضَلُ الأُمَّةِ بَعْدَ رَسُولِهَا بِاتِّفَاقٍ، أَبَرُّ الأُمَّةِ قُلُوباً، وَأَعْمَقُهَا عِلْماً، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا، وَأَكْثَرُهَا خَشْيَةً. وَيَكْفِيْهِمْ فَضْلاً أَنَّ اللهَ رَضِيَ عَنْهُمْ: )وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(
ولَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى دِينِهِمْ؛ اتِّبَاعاً لأَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَاباً لِنَوَاهِيهِ، وَدِفَاعاً وَذَبّاً عَنْ حِيَاضِهِ، فَقَدَّمُوا أَرْوَاحَهُمْ رَخِيصَةً فِي سَبِيلِ حِفْظِ الدِّينِ وَنَشْرِه، فَقَدْ نَشَرُوا الدِّينَ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ قَرْنٍ، وَفَتَحَ اللهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ بِلَادَ الدُّنْيَا، فَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا.
إنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كَمَا يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: (خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، لَا كَانَ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى). مجموع الفتاوى (3/ 156)
وَإِنَّمَا صَارَ أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ خَيْرَ الْقُرُونِ؛ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقُوهُ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ، وَعَزَّرُوهُ، وَنَصَرُوهُ، وَآوَوْهُ، وَوَاسَوْهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسْهِمْ. وَلَهُمْ مِنَ السَّوَابِقِ، وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ إِنْ صَدَرَ. وَحَتَّى الذِيْ صَدَرَ مِنْهُمْ مِنِ قِتَالٍ فَهُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ؛ إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ لَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ لَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ.
أَضِفْ إِلَيْهِ أَنَّ قُلُوْبَهُمْ بَقِيَتْ صَافِيَةً وَسَلِيْمَةَ السَّرِيْرَةِ رُغْمَ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ فِتَنٍ كِبَارٍ، أُشْهِرَتْ فِيْهَا السُّيُوْفُ، وَاشْتَبَكَتْ فِيْهَا الصُّفُوْفُ.
وَلَمَّا قُتِلَ طَلْحَةُ وَرَآهُ عَلِيٌّ مَقْتُوْلاً مَسَحَ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: عَزِيْزٌ عَلَيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْ أَرَاكَ مُجَنْدَلاً تَحْتَ نُجُوْمِ السَّمَاءِ! ثُمَّ تَرَحَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَيْتَنِيْ مِتُّ قَبْلَ هَذَا اليَوْمِ بِعِشْرِيْنَ سَنَةً! وَبَكَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَيْهِ.
الحَمْدُ للهِ الذِيْ هَدَانَا، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى مَنْ لِلْهُدَى دَعَانَا، أَمَّا بَعْدُ:
فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُوْلَ: عَرَفْنَا فَضَائِلَهُمْ، فَمَا حُقُوْقُهُمْ؟ وَالجَوَابُ: أْنْ يُقَالَ حُقُوْقُهُمْ تَتَمَثَّلُ فِي خَمْسَةِ أُصُوْلٍ:
أَوَّلُها: أْنْ نُحِبَّهُمْ لَا أنْ نَسُبَّهُمْ، فَحُبُّهُمْ سُنَّةٌ، وَسَبُّهُمْ مِنْ أَسْبَابِ حُلُولِ اللَّعَنَاتِ مِنْ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ. ومِنْ عَلامَةِ حُبِّهِمْ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَالأَخْذُ بِآثَارِهِمْ، وسَلَامَةُ الْقُلُوبُ مِنَ الْغِلِّ وَالْبُغْضِ، وَسَلَامَةُ الْأَلْسُنِ مِنَ الطَّعْنِ وَاللَّعْنِ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَأَشْقَى النَّاسِ قَوْمٌ جَعَلُوهُمْ غَرَضاً لِبُهْتَانِهِمُ الْعَظِيمِ، حَتَّى لَقَدْ جَرَّحُوهُمْ واللهُ عَدَّلَهُمْ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنْ عَصَمَنَا مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْعَظِيمَةِ، ونَجَّانَا مِنْ تِلْكُمُ المَهْيَعَةِ الوَخِيْمَةِ.
الْأَصْلُ الثَّانِي: تَرْتِيْبُ الصَّحَابَةِ فِي الْفَضْلِ بِحَسَبِ خَيْرِيَّتِهِم وَسَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهادِ وَالْهِجْرَةِ، فَأَفْضَلُهُمُ: الخُلَفاءُ الرَّاشِدُوْن الأرْبَعَةُ، ثُمَّ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، أَفْضَلُ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ. والمهَاجِرُوْنَ مُقَدَّمُوْنَ عَلَى الْأَنْصَارِ.
الْأَصْلُ الثَّالِثُ: مَحَبَّةُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ، وأَنَّهُنَّ أَزْواجُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَمَحَبَّةُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَتَوَلِّيهِمْ، وَحِفْظُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِيهِمْ حَيْثُ قَالَ: «أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
الْأَصْلُ الرَّابِعُ: الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ بالسُّكُوتِ عَنْ ذَلِكَ وَعَدَمِ التَّحَدُّثِ فِيهِ.
الْأَصْلُ الخَامِسُ: أنْ نَعْتَقِدَ أنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَنَازِلُهُمْ وَمَرَاتِبُهُمْ، جَاءَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: )لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)[الحديد10]. وَالْحُسْنَى هِيَ الْجَنَّةُ.
ومِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْنَا أنَّ مُقَرَّرَاتِنَا الدِّرَاسِيَّةَ تَبْنِيْ فِي نُفُوْسِ أَجْيَالِنَا هَذِهِ الأُصُوْلَ الخَمْسَةَ طِيْلَةَ سِتَّةَ عَشَرَ مَرْحَلَةً دِرَاسِيَّةً.
وَفِي الْخِتَامِ لَا نَقُولُ إِلَّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى )وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ([الحشر10].
· فاللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ جَمِيْعِ صَحَابَةِ رَسُوْلِكَ وَأَزْوَاجِهِ وآلِ بَيْتِهِ. واجْمَعْنَا بِهِمْ بِرَحَمَتِكَ صُحْبَةَ رَسُوْلِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
· اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا.
· اللهم يا منْ يَكْفِي مِنْ كُلِّ أحَد، ولا يَكْفِي عنْهُ أحَدٌ.اكفِنا همُومَنا وشرورَنا.
· اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.
· اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُحاربونَ عبادَكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ.
· اللهم وبارِكْ في عُمُرِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِه وسدِدْهم في نصرةِ الإسلامِ والمسلمينَ.
· اللهم احفظْ بلادَنا وجُنُوْدَنَا من كل سوءٍ ومكروهٍ، وأدِمْ عليها نعمةَ الاستقرارِ والنماءِ والرخاءِ.
· اللهم عُمَّ أوطانَ المسلمينَ بالخيرِ والسلامِ.
· اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه.
المرفقات
1643901551_الإصَابَةُ فيْ فَضْلِ وَحَقِّ الصَّحَابَةِ.doc
1643901566_الإصَابَةُ فيْ فَضْلِ وَحَقِّ الصَّحَابَةِ.pdf