الإشاعات ( تعميم ) 1445/6/9ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أيّها المؤمنون: يَقولُ اللهُ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) عِبَادَ اللهِ لقد حَذَّرَ اَلشَّارِعُ أَشَدَّ اَلتَّحْذِيرِ مِنْ نَقْلِ اَلشَّخْصِ لِكُلِّ مَا يَسْمَعُهُ منَ الأخْبَارِ وحَرِصَ على اَلتَّثَبُّتِ فَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحْدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) وَعَنْ اَلْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اَللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ اَلْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ اَلْبَنَاتِ وَمَنْعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ اَلسُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ اَلْمَالِ ) ، جاءَ من حديثِ عبداللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: سُمِعَتْ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " بِئْسَ مَطِيَّةُ اَلرَّجُلِ زَعَمُوا " .
عِبَادَ اللهِ : حَرِصَ سَلَفُنَا اَلصَّالِحُ عَلَى اَلتَّثَبُّتِ وَالْحَذَرِ مِنْ اَلْإِشَاعَاتِ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ : ( إِيَّاكُمْ وَالْفِتَنَ فَإِنَّ وَقْعَ اَللِّسَانِ فِيهَا مِثْلَ وَقْعِ اَلسَّيْفِ ) ، وَلَقَدْ سَطَّرَ اَلتَّارِيخُ خَطَرَ اَلْإِشَاعَةِ إِذَا دَبَّتْ فِي اَلْأُمَّةِ وَإِلَيْكَ أَمْثِلَةٌ مِنْ ذَلِكَ : لِمَّا هَاجَرَ اَلصَّحَابَةُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى اَلْحَبَشَةِ وَكَانُوا فِي أَمَانٍ ، أُشِيعَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي مَكَّةَ أَسْلَمُوا فَخَرَجَ بَعْضُ اَلصَّحَابَةِ مِنْ اَلْحَبَشَةِ وَتَكَبَّدُوا عَنَاءَ اَلطَّرِيقِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ وَوَجَدُوا اَلْخَبَرَ غَيْرَ صَحِيحٍ وَلَاقَوْا مِنْ صَنَادِيدَ قُرَيْشِ اَلتَّعْذِيبَ وَكلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ اَلْإِشَاعَةِ . وفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ لِمَا قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ أُشِيعَ أَنَّهُ اَلرَّسُولُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِيلَ : قُتِلَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْكَفَأَ جَيْشُ اَلْإِسْلَامِ بِسَبَبِ اَلْإِشَاعَةِ فَبَعْضُهُمْ هَرَبَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَبَعْضُهُمْ تَرَكَ اَلْقِتَالَ . وفي إِشَاعَةِ حَادِثَةِ اَلْإِفْكِ اَلَّتِي اِتّهِمَتْ فِيهَا عَائِشَةُ اَلْبَرِيئَةُ اَلطَّاهِرَةُ بِالْفَاحِشَةِ وَمَا حَصَلَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ مِنَ اَلْبَلَاءِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ اَلْإِشَاعَةِ !قالَ تعالى:" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " .
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ :هُنَاكَ مَلَامِحُ فِي اَلتَّعَامُلِ مَعَ اَلْأَخْبَارِ نَسُوقُهَا بِاخْتِصَارٍ :
1 ) اَلتَّأَنِّي وَالتَّرَوِّي : يَقُولَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اَلتَّأَنِّي مِنْ اَللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ اَلشَّيْطَانِ ) . قَدْ يُدْرِكُ اَلْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَ اَلْمُسْتَعْجَلِ اَلزَّلَلُ .
2 ) اَلتَّثَبُّتُ فِي اَلْأَخْبَارِ : قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) وَفِي قِرَاءَةٍ ( فَتَثَبَّتُوا ) ، سَبَبُ نُزُولِ اَلْآيَةِ : أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ اَلْوَلِيدَ بنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِيِّ مُعِيطٍ إِلَى بَنِي اَلْمُصْطَلَقِ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ اَلصَّدَقَاتِ ، وَأَنَّهُ لِمَا أَتَاهُمْ اَلْخَبَرُ فَرِحُوا ، وَخَرَجُوا لِيَتَلَقَّوْا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ لِمَا حَدَّثَ اَلْوَلِيدُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اَللَّهِ : إِنَّ بَنِي اَلْمُصْطَلَقِ قَدْ مَنَعُوا اَلصَّدَقَةَ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحْدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ يَغْزُوهُمْ إِذْ أَتَاهُ اَلْوَفْدُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اَللَّهِ : أَنَا حُدّثَنَا أَنَّ رَسُولَكَ رَجَعَ مِنْ نِصْفِ اَلطَّرِيقِ ، وَأَنَّا خَشِينَا أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَدَّهُ كِتَابٌ جَاءَهُ مِنْكَ لِغَضَبٍ غَضْبَتَهُ عَلَيْنَا ، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِ اَللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ ! وَأَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ اِسْتَعْتَبَهُمْ ، وَهْمُ بِهُمْ ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عُذْرَهُمْ فِي اَلْكِتَابِ :" يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " . .