الإسلام نظام و التزام
الغزالي الغزالي
1434/04/11 - 2013/02/21 20:35PM
الإسلام نظام و التزام الجمعة 12 ربيع الآخر 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده - سبحانه- ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الإله المعبود، و بكل لسان محمود. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود.. أَمَّا بَعْدُ: فَيأيُّهَا النَّاسُ اتقوا الله تَعَالَى الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، وَفَضَّلَكُمْ عَلَى سَائِرِ الأَنَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِدِينِ الإِسْلاَمِ، الَّذِي ارْتَضَاهُ لَكُمْ وَأَتَمَّ بِهِ الإِنْعَامَ.. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: لقد عاش الإنسان البدائي حياته هائماً في الغابات والفلوات، لا يعرف الانتماء إلى أرض أو قبيلة، يكدح يومه وليله باحثاً عما يسد رمقه، ويوفر أمنه، فكان الإنسان حينذاك دولة بذاته، إذ كان مسئولاً - وحده- عن كل أمره، وفي تلك الغابات والبراري كانت شريعة القوة فحسب هي السائدة، فلا سلام ولا أمان ولا ضوابط، بل هو الصراع من أجل البقاء، ولم يزل الله -سبحانه- يبعث برسالات الهدى - عبر بعثات الأنبياء والرسل- لذاك الإنسان الحائر على وجه الأرض، بما يناسب فطرته السوية، تدعوه إلى إعمال عقله بالملاحظة والتجريب بغية الوصول إلى اليقين، للقيام بما أوجبه الله عليه، حتى جاء الإسلام سراجاً وهاجاً إلى قيام الساعة، ينظم للإنسان دقائق حياته، بما يصلح دنياه وآخرته، في كتاب لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه. فالإنسان لم يخلق سدى، ولم يترك عبثا، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)، والإنسان يحتاج إلى أنظمة وقوانين تحدد علاقاته وواجباته تجاه الآخرين، وعليه القيام بتنفيذها واحترامها والسير عليها، ذلك أن التنظيم والترتيب ووضع وسن القوانين هو سنة الحياة، وعندما يختل وتختفي النظم والقوانين من حياة الناس تحدث الفوضى التي تستخدم القوة والعنف، وتسعى وراء المصلحة على حساب القيم والأخلاق، عندها تفسد الحياة وتصبح جحيماً لا يطاق.. لهذا فقد ضرب لنا القرآن الكريم - في أكثر من موضع- المثل الأعلى بالنظام الإلهي في خلق الكون والإنسان، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال: (صُنعَ اللهِ الَّذِي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ)، وقال سبحانه: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ). وهكذا يسير الكون طبقاً لنظام دقيق لا توجد فيه فوضى أو عبثية أو تضارب واختلاف، لأن الذي وضعه واتقنه هو الخالق - جل في علاه-. وفي المقابل يلفت انتباهنا إلى تصور اختلال النظام و وباله على الناس: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ)، والإنسان كذلك مدعو أن يتفكر في نفسه.. في خلقه.. في ذلك النظام الدقيق بين عمل أجهزة جسمه.. وكيف يتهدد سلامة الجسم كله، اختلال النظام في أي من جزئياته.. (وفي أنفسكم، أفلا تبصرون)، وقال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسم بالحمى والسهر". البخاري. إذا ما تعرض أي عضو في جسم الإنسان لأي مرض تأثر جميع الجسم، وهكذا حياتنا إذا حدثت الفوضى في علاقاتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولم نحكم الشرع والقوانين ونلتزم بالتوجيهات المنظِمة، واللوائح النافذة في أي جانب من جوانب حياتنا، فإن حياة المجتمعات والأفراد تتعرض للأخطار، وتتهددها المشاكل، وستكون الفوضى حجر عثرة في التقدم والتطور والبناء. عباد الله: إن النظام والتنظيم والالتزام به، واحترام القوانين التي تنظم الحياة، من أدلة التطور والنمو العقلي والاجتماعي، لأن تنظيم حياة الفرد والمجتمع بما يواكب القواعد العامة للشريعة، من أسباب الألفة وتطور المجتمعات ورقيها ونهضتها وسعادتها. ومن ينظر إلى توجيهات الإسلام وتشريعاته وأحكامه، يجد أنه دين منظم في جميع شئونه، ويأمر بالنظام ويهتم به في كل جوانب الحياة، في باب الحياة الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية.. و في باب العبادات أيضاً، عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللهيقول: "لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم". رواه البخاري، وفى راوية مسلم: " أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقالوا ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون". رواه البخاري. إنه دين النظام لا دين الفوضى.. عرض بعض المسلمين على رجل أمريكي مشهدا للحرم المكي وهو يعج بالمصلين قبل إقامة الصلاة.. ثُم سألوه: كم من الوقت يحتاج هؤلاء لكي يكونوا في صفوف منظمة في رأيك؟! فقال: ساعتين إلى ثلاث ساعات.. فقالوا له: إن الحرم أربعة أدوار؟! فقال: إذن 12 ساعة! فقالوا: إنهم مختلفوا اللغات، ومن بلدان شتى!! فقال: هؤلاء لا يُمكن اصطفافهم! ثُم حان وقت الصلاة.. فَتقدم إمام الحرم وقال: آستوو.. فوقف الجميع في صُفوفٍ منتظمة في دقيقتين لا أكثر. وفي جانب الدعوة والبلاغ، أمر الإسلام بتنظيم الأمور وترتيبها والتدرج فيها وعرض دعوة الإسلام بأحسن صورة، وقد عرض النبي على الطوائف والملل الأخرى من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين الدين كما أمر الله، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وعن ابن عباس قال: لما بعث رسول الله معاذاً إلى اليمن قال له: " يا معاذ، إنك تأتى قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة إن لا أله ألا الله وأن محمداً رسول الله، فإنهم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإذا هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذوا من أغنامهم وترد على فقرائهم.. ". البخاري ومسلم. بل حتى في أشد حالات الخوف وهو وقت الحرب لم يقبل الإسلام حياة الفوضى بل أمر بتنظيم الصفوف والتخطيط والترتيب، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ). وكان النبي يُعدل صفوف المقاتلين بنفسه يوم بدر.. ووضع لهم نظاماً معينا لكيفية أداء الصلاة جماعة، في أرض المعركة.. وفي باب الحياة الاجتماعية والأسرية نظم الإسلام السلوك والمعاملات وسن القوانين والأنظمة في البيع والشراء والزواج والطلاق والعلاقة بين الزوجين، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم، وعلاقته بغير المسلمين. وحث الإسلام على التزام الآداب، واحترام القوانين، والمحافظة على الذوق العام.. قال سبحانه: (تلْك حُدُودُ الله فلا تعْتدُوها، ومنْ يتعد حُدُود الله فأُولئك هُمُ الظالمُون). يقول هنري سيروي وهو أحد مفكري النصارى إن "محمداً لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضاً المدنية والأدب". عباد الله: إذا أردنا أن نعرف مدى تقدم الأمة ومقدار رقيها وحضارتها، فلننظر إلى احترام أبنائها للقوانين، واحترام الأنظمة والقواعد العامة، وتنفيذهم للتعليمات التي تنظم حياتهم في شتى المجالات.. فالشارع له إشارات و إرشادات مرورية وآداب عامة تحفظ حركة الناس وأعراضهم وأموالهم وحياتهم يجب المحافظة عليها.. والمعاملات في الوزارات ومرافق الدولة لها قوانين ولوائح ينبغي الانتباه إليها، والعملية التربوية والتعليمية والمدارس لها نظام معين ومراحل متعددة لا بد من اتباعها.. والأمن في حياة الناس له ضوابط وأنظمه وقوانين تكفل الأمن وتوفر الراحة وتحفظ الأنفس لا يمكن مخالفتها، والوظيفة وتقلد المناصب له نظام وشروط ومواصفات تكفل نجاحه.. وهكذا في جميع جوانب الحياة.. وهكذا تسير الأمم والشعوب، وهكذا ترتقي المجتمعات.. حتى في جانب الخلافات الاجتماعية والسياسية بين أفراد المجتمعات فهناك الدساتير والقوانين والمحاكم والحوار والمحاماة والترافع عن القضايا، وهناك الشورى والانتخابات والاستفتاءات مهمتها أن يصل الناس إلى حلول ومعالجات لمشاكل الحياة بنظام وقواعد غاية في الدقة والإحكام.. حتى وقوفك في طابور لشراء أغرض أو في السوق أو في المواصلات، هذا الوقوف له نظام وترتيب فلا يمكن أن تسبق من كان قبلك، ولو كنت أكثر وجاهة أو لديك مال إلا أن يأذن لك الآخرون من حولك، وحتى إن لم يكن هناك قانون يضبط هذه الممارسات فهناك أعراف الناس وعاداتهم الحميدة، وفطرة الإنسان السوية التي ترفض الفوضى والعبثية والإخلال بالنظام العام.. فإذا ما وجد هذا الانضباط والالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم حياتنا، رأينا الحقوق مصانة والأعراض محفوظة، والعدل يسود الحياة، والتعاون والتآلف بين أفراد المجتمع ينتشر، ورأينا كل صاحب حق يأخذ حقه، وكل مظلوم يجد مظلمته، ورأينا الخير يعم البلاد، وهذه سنة الحياة. والدول والشعوب والمجتمعات التي رتبت ونظمت حياتها دليل واضح على هذه النعم وهذا التطور، وتاريخ أمتنا يشهد بذلك، فما سادت إلا بترتيب وتنظيم رائع، وتطوير مستمر، وثقافة تربى أفراد المجتمع على أداء الحقوق والواجبات، وتحمل المسئوليات، وسيكون الجميع أمام القانون والقضاء والحق سواسية.. كان عمر إذا أمر رعيته بأمر أو نهى عن شيئ، جمع أهل بيته وذوي قرابته، ثم قال لهم: "فإني قد أمرت بكذا وكذا، أو نهيت عن كذا وكذا، وإن الناس ناظرون إليكم لمكانكم مني- أي: لأنكم أقرباء الخليفة، أو أصهار أمير المؤمنين- فإذا وقعتم وقعوا، وإذا هبتم هابوا، والله! لا أرين أحداً منكم أتى ما نهيت عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم، ومن شاء منكم فليتأخر". لقد كان عمر يطبق المساواة عملياً، فحينما جاءت بعض البرد -وهي الثياب الطيبة الرخية من بلاد اليمن- وزع على الصحابة وعلى المسلمين، وأخذ لنفسه مثلهم، ثم لما رقى المنبر قال: " اسمعوا وأطيعوا"، قال: سلمان: "لا سمع ولا طاعة"، قال: "ما بك يا أبا عبد الله، قال: أعطيتنا برداً برداً وأخذت بردين، فقال عمر: قم يا عبد الله بن عمر! من أين هذه البردة؟ قال: إنها لي، وقد أعطيتها لأبي، قال عمر: لم يكن لي ثوب" وكان عمر طويلاً جسيماً، فأخذ ثوب ابنه وجعله معه، فقال سلمان: " أما الآن فقل نسمع ونطع بإذن الله -عز وجل-". لقد غاب احترام الأمور المنظمة لحياتنا، وعدم التقيد بالقوانين بسبب جهل الناس بتعاليم الإسلام، وغياب مبدأ الثواب والعقاب، مما أدى إلى شيوع ثقافة التحايل على القيم والأخلاق والآداب والنظم، وأصبحت الفوضى واللامبالاة هي السائدة في كثير من مرافق حياتنا، وانتشرت الرشوة والمحسوبية، وظهر العنف واستخدام القوة كوسيلة لتحقيق المكاسب وتلبية الحاجات، وعنده ستكون الحياة جحيماً لا يطاق. وإن مجتمعات الفوضى لا يمكن أن تنهض أو تؤسس حضارة أو تبني أمة أو تورث علماً أو تصنع منجزاً، لأن الفوضى شريعة الغاب، والنظام هو قانون الحياة.. فاللهم بصرنا بعيوبنا، واهدنا سبلنا، ووفقنا إلى كل خير هو لنا ولأمتنا.. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا..
الْحَمْدُ للهِ الملك القدوس السلام، مبدع الأكوان على أساس التخطيط والنظام. نحمده سبحانه وتعالى على بديع صنعه الذي هو في غاية الدقة والاتقان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة دالة على الوحدانية، ومعظمة لذاته العلية، ونشهد أن سيدنا محمدا عبدك ورسولك الذي أرسلته للعالمين هاديا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَ على رسل الله وأنبيائه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم لقائه.. أَمَّا بَعْدُ: أيها المؤمنون الكرام: أمةُ الإسلام، أمة بنت مجدها بالنظام، وبالرقي والالتزام؛ لأن الفرد المسلم يتربى على عقيدة تغرس في نفسه الضمير اليقظ، والذوق الرفيع، والعمل النافع، وهو يدرك أنه سوف يسأل على ما أوتي من نعم، وما أداه من واجبات، وما قام به من أعمال، بل ويؤجر على ذلك: (وَلَتُسْأَلُنَّن عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وقال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). فما أجمل ذلك اليوم الذي يسود فيه احترام الأنظمة كل مرافق حياتنا، في البيوت والشوارع، وفي الميادين والحدائق، وفي الدوائر والمدارس، وفي القضاء والمحاكم، وفي الوزارات والإدارات وسائر المؤسسات، وعند الحاكم والمحكوم.. إن هذا اليوم حين يطل بوجهه الجميل علينا، ستزدهر به أمتنا ويتبدل حالنا، قال تعالى ربنا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ، وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ). فاللّـهُمَّ غَيِّر سُوءَ حالِنا بِحُسْنِ حالِكَ.. اَللَّهُمَّ اَلُمُمْ شَعثنا، واَشعَبْ صَدْعَنا، واَرْتُق فَتْقَنا، وكَثِّر قِلِّتَنا، واَعزِزْ ذِلَتَنا.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. أللّهُمَّ لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا.. اللهم يا علام الغيوب، إنا نشكو إليك كثرة العيوب، وثقل الذنوب، وشدة الخطوب، وعظم الكروب، وخبث السرائر، وفساد الضمائر، فعاملنا بعفوك وغفرانك، وسح علينا سحائب إحسانك، ولا تؤاخذنا بجرائرنا وجرائمنا يا أرحم الراحمين. اللَّهُمَّ يا حفيظ يا لطيف، نسألك لطفا في جميع الحالات والحركات، وحفظا من كل البليات والعاهات والآفات، وأعنا على جميع الطاعات، والمسارعة إلى الخيرات، والجد في الأعمال الصالحات، يا عالم الخفيات، ويا قاضي الحاجات. اللَّهُمَّ اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية. واَغنِ اللَّهُمَّ عائلَنا، واقْضِ عن مُغرَمِنا، واَجْبُر فَقْرَنا، وَسُدَ خَلَتَنا، وَيَسِّر عُسْرِنا.. اللَّهُمَّ يا ساتر الحال لا تكشف لنا الحال، وبارك لنا في الأعمار والأعمال والعيال. يا عالم السر منا، لا تهتك السرعنا، وعافنا واعف عنا، وكن لنا حيث كنا. اللَّهُمَّ جمل أحوالنا، وسدد أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وطهر قلوبنا، وحسن أخلاقنا، وطيب ووسع أرزاقنا، وأمن مستقبلنا. اللَّهُمَّ متع بلدنا وسائر بلاد المسلمين بطمأنينة الأمن، واجعلها في هالة السعادة واليمن، واحفظ دينك المتين، بحفظك المنيع الحصين، وانصر حماته بنصرك المبين، واجعل شريعته في كنفك المكين.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. آللّهُمَ (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
الْحَمْدُ للهِ خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده - سبحانه- ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الإله المعبود، و بكل لسان محمود. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود.. أَمَّا بَعْدُ: فَيأيُّهَا النَّاسُ اتقوا الله تَعَالَى الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، وَفَضَّلَكُمْ عَلَى سَائِرِ الأَنَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِدِينِ الإِسْلاَمِ، الَّذِي ارْتَضَاهُ لَكُمْ وَأَتَمَّ بِهِ الإِنْعَامَ.. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: لقد عاش الإنسان البدائي حياته هائماً في الغابات والفلوات، لا يعرف الانتماء إلى أرض أو قبيلة، يكدح يومه وليله باحثاً عما يسد رمقه، ويوفر أمنه، فكان الإنسان حينذاك دولة بذاته، إذ كان مسئولاً - وحده- عن كل أمره، وفي تلك الغابات والبراري كانت شريعة القوة فحسب هي السائدة، فلا سلام ولا أمان ولا ضوابط، بل هو الصراع من أجل البقاء، ولم يزل الله -سبحانه- يبعث برسالات الهدى - عبر بعثات الأنبياء والرسل- لذاك الإنسان الحائر على وجه الأرض، بما يناسب فطرته السوية، تدعوه إلى إعمال عقله بالملاحظة والتجريب بغية الوصول إلى اليقين، للقيام بما أوجبه الله عليه، حتى جاء الإسلام سراجاً وهاجاً إلى قيام الساعة، ينظم للإنسان دقائق حياته، بما يصلح دنياه وآخرته، في كتاب لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه. فالإنسان لم يخلق سدى، ولم يترك عبثا، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)، والإنسان يحتاج إلى أنظمة وقوانين تحدد علاقاته وواجباته تجاه الآخرين، وعليه القيام بتنفيذها واحترامها والسير عليها، ذلك أن التنظيم والترتيب ووضع وسن القوانين هو سنة الحياة، وعندما يختل وتختفي النظم والقوانين من حياة الناس تحدث الفوضى التي تستخدم القوة والعنف، وتسعى وراء المصلحة على حساب القيم والأخلاق، عندها تفسد الحياة وتصبح جحيماً لا يطاق.. لهذا فقد ضرب لنا القرآن الكريم - في أكثر من موضع- المثل الأعلى بالنظام الإلهي في خلق الكون والإنسان، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال: (صُنعَ اللهِ الَّذِي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ)، وقال سبحانه: (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ). وهكذا يسير الكون طبقاً لنظام دقيق لا توجد فيه فوضى أو عبثية أو تضارب واختلاف، لأن الذي وضعه واتقنه هو الخالق - جل في علاه-. وفي المقابل يلفت انتباهنا إلى تصور اختلال النظام و وباله على الناس: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ)، والإنسان كذلك مدعو أن يتفكر في نفسه.. في خلقه.. في ذلك النظام الدقيق بين عمل أجهزة جسمه.. وكيف يتهدد سلامة الجسم كله، اختلال النظام في أي من جزئياته.. (وفي أنفسكم، أفلا تبصرون)، وقال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسم بالحمى والسهر". البخاري. إذا ما تعرض أي عضو في جسم الإنسان لأي مرض تأثر جميع الجسم، وهكذا حياتنا إذا حدثت الفوضى في علاقاتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولم نحكم الشرع والقوانين ونلتزم بالتوجيهات المنظِمة، واللوائح النافذة في أي جانب من جوانب حياتنا، فإن حياة المجتمعات والأفراد تتعرض للأخطار، وتتهددها المشاكل، وستكون الفوضى حجر عثرة في التقدم والتطور والبناء. عباد الله: إن النظام والتنظيم والالتزام به، واحترام القوانين التي تنظم الحياة، من أدلة التطور والنمو العقلي والاجتماعي، لأن تنظيم حياة الفرد والمجتمع بما يواكب القواعد العامة للشريعة، من أسباب الألفة وتطور المجتمعات ورقيها ونهضتها وسعادتها. ومن ينظر إلى توجيهات الإسلام وتشريعاته وأحكامه، يجد أنه دين منظم في جميع شئونه، ويأمر بالنظام ويهتم به في كل جوانب الحياة، في باب الحياة الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية.. و في باب العبادات أيضاً، عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللهيقول: "لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم". رواه البخاري، وفى راوية مسلم: " أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقالوا ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون". رواه البخاري. إنه دين النظام لا دين الفوضى.. عرض بعض المسلمين على رجل أمريكي مشهدا للحرم المكي وهو يعج بالمصلين قبل إقامة الصلاة.. ثُم سألوه: كم من الوقت يحتاج هؤلاء لكي يكونوا في صفوف منظمة في رأيك؟! فقال: ساعتين إلى ثلاث ساعات.. فقالوا له: إن الحرم أربعة أدوار؟! فقال: إذن 12 ساعة! فقالوا: إنهم مختلفوا اللغات، ومن بلدان شتى!! فقال: هؤلاء لا يُمكن اصطفافهم! ثُم حان وقت الصلاة.. فَتقدم إمام الحرم وقال: آستوو.. فوقف الجميع في صُفوفٍ منتظمة في دقيقتين لا أكثر. وفي جانب الدعوة والبلاغ، أمر الإسلام بتنظيم الأمور وترتيبها والتدرج فيها وعرض دعوة الإسلام بأحسن صورة، وقد عرض النبي على الطوائف والملل الأخرى من يهود ونصارى ومجوس ووثنيين الدين كما أمر الله، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). وعن ابن عباس قال: لما بعث رسول الله معاذاً إلى اليمن قال له: " يا معاذ، إنك تأتى قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة إن لا أله ألا الله وأن محمداً رسول الله، فإنهم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإذا هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذوا من أغنامهم وترد على فقرائهم.. ". البخاري ومسلم. بل حتى في أشد حالات الخوف وهو وقت الحرب لم يقبل الإسلام حياة الفوضى بل أمر بتنظيم الصفوف والتخطيط والترتيب، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ). وكان النبي يُعدل صفوف المقاتلين بنفسه يوم بدر.. ووضع لهم نظاماً معينا لكيفية أداء الصلاة جماعة، في أرض المعركة.. وفي باب الحياة الاجتماعية والأسرية نظم الإسلام السلوك والمعاملات وسن القوانين والأنظمة في البيع والشراء والزواج والطلاق والعلاقة بين الزوجين، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم، وعلاقته بغير المسلمين. وحث الإسلام على التزام الآداب، واحترام القوانين، والمحافظة على الذوق العام.. قال سبحانه: (تلْك حُدُودُ الله فلا تعْتدُوها، ومنْ يتعد حُدُود الله فأُولئك هُمُ الظالمُون). يقول هنري سيروي وهو أحد مفكري النصارى إن "محمداً لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضاً المدنية والأدب". عباد الله: إذا أردنا أن نعرف مدى تقدم الأمة ومقدار رقيها وحضارتها، فلننظر إلى احترام أبنائها للقوانين، واحترام الأنظمة والقواعد العامة، وتنفيذهم للتعليمات التي تنظم حياتهم في شتى المجالات.. فالشارع له إشارات و إرشادات مرورية وآداب عامة تحفظ حركة الناس وأعراضهم وأموالهم وحياتهم يجب المحافظة عليها.. والمعاملات في الوزارات ومرافق الدولة لها قوانين ولوائح ينبغي الانتباه إليها، والعملية التربوية والتعليمية والمدارس لها نظام معين ومراحل متعددة لا بد من اتباعها.. والأمن في حياة الناس له ضوابط وأنظمه وقوانين تكفل الأمن وتوفر الراحة وتحفظ الأنفس لا يمكن مخالفتها، والوظيفة وتقلد المناصب له نظام وشروط ومواصفات تكفل نجاحه.. وهكذا في جميع جوانب الحياة.. وهكذا تسير الأمم والشعوب، وهكذا ترتقي المجتمعات.. حتى في جانب الخلافات الاجتماعية والسياسية بين أفراد المجتمعات فهناك الدساتير والقوانين والمحاكم والحوار والمحاماة والترافع عن القضايا، وهناك الشورى والانتخابات والاستفتاءات مهمتها أن يصل الناس إلى حلول ومعالجات لمشاكل الحياة بنظام وقواعد غاية في الدقة والإحكام.. حتى وقوفك في طابور لشراء أغرض أو في السوق أو في المواصلات، هذا الوقوف له نظام وترتيب فلا يمكن أن تسبق من كان قبلك، ولو كنت أكثر وجاهة أو لديك مال إلا أن يأذن لك الآخرون من حولك، وحتى إن لم يكن هناك قانون يضبط هذه الممارسات فهناك أعراف الناس وعاداتهم الحميدة، وفطرة الإنسان السوية التي ترفض الفوضى والعبثية والإخلال بالنظام العام.. فإذا ما وجد هذا الانضباط والالتزام بالقوانين واللوائح التي تنظم حياتنا، رأينا الحقوق مصانة والأعراض محفوظة، والعدل يسود الحياة، والتعاون والتآلف بين أفراد المجتمع ينتشر، ورأينا كل صاحب حق يأخذ حقه، وكل مظلوم يجد مظلمته، ورأينا الخير يعم البلاد، وهذه سنة الحياة. والدول والشعوب والمجتمعات التي رتبت ونظمت حياتها دليل واضح على هذه النعم وهذا التطور، وتاريخ أمتنا يشهد بذلك، فما سادت إلا بترتيب وتنظيم رائع، وتطوير مستمر، وثقافة تربى أفراد المجتمع على أداء الحقوق والواجبات، وتحمل المسئوليات، وسيكون الجميع أمام القانون والقضاء والحق سواسية.. كان عمر إذا أمر رعيته بأمر أو نهى عن شيئ، جمع أهل بيته وذوي قرابته، ثم قال لهم: "فإني قد أمرت بكذا وكذا، أو نهيت عن كذا وكذا، وإن الناس ناظرون إليكم لمكانكم مني- أي: لأنكم أقرباء الخليفة، أو أصهار أمير المؤمنين- فإذا وقعتم وقعوا، وإذا هبتم هابوا، والله! لا أرين أحداً منكم أتى ما نهيت عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم، ومن شاء منكم فليتأخر". لقد كان عمر يطبق المساواة عملياً، فحينما جاءت بعض البرد -وهي الثياب الطيبة الرخية من بلاد اليمن- وزع على الصحابة وعلى المسلمين، وأخذ لنفسه مثلهم، ثم لما رقى المنبر قال: " اسمعوا وأطيعوا"، قال: سلمان: "لا سمع ولا طاعة"، قال: "ما بك يا أبا عبد الله، قال: أعطيتنا برداً برداً وأخذت بردين، فقال عمر: قم يا عبد الله بن عمر! من أين هذه البردة؟ قال: إنها لي، وقد أعطيتها لأبي، قال عمر: لم يكن لي ثوب" وكان عمر طويلاً جسيماً، فأخذ ثوب ابنه وجعله معه، فقال سلمان: " أما الآن فقل نسمع ونطع بإذن الله -عز وجل-". لقد غاب احترام الأمور المنظمة لحياتنا، وعدم التقيد بالقوانين بسبب جهل الناس بتعاليم الإسلام، وغياب مبدأ الثواب والعقاب، مما أدى إلى شيوع ثقافة التحايل على القيم والأخلاق والآداب والنظم، وأصبحت الفوضى واللامبالاة هي السائدة في كثير من مرافق حياتنا، وانتشرت الرشوة والمحسوبية، وظهر العنف واستخدام القوة كوسيلة لتحقيق المكاسب وتلبية الحاجات، وعنده ستكون الحياة جحيماً لا يطاق. وإن مجتمعات الفوضى لا يمكن أن تنهض أو تؤسس حضارة أو تبني أمة أو تورث علماً أو تصنع منجزاً، لأن الفوضى شريعة الغاب، والنظام هو قانون الحياة.. فاللهم بصرنا بعيوبنا، واهدنا سبلنا، ووفقنا إلى كل خير هو لنا ولأمتنا.. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا..
الْحَمْدُ للهِ الملك القدوس السلام، مبدع الأكوان على أساس التخطيط والنظام. نحمده سبحانه وتعالى على بديع صنعه الذي هو في غاية الدقة والاتقان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة دالة على الوحدانية، ومعظمة لذاته العلية، ونشهد أن سيدنا محمدا عبدك ورسولك الذي أرسلته للعالمين هاديا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَ على رسل الله وأنبيائه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم لقائه.. أَمَّا بَعْدُ: أيها المؤمنون الكرام: أمةُ الإسلام، أمة بنت مجدها بالنظام، وبالرقي والالتزام؛ لأن الفرد المسلم يتربى على عقيدة تغرس في نفسه الضمير اليقظ، والذوق الرفيع، والعمل النافع، وهو يدرك أنه سوف يسأل على ما أوتي من نعم، وما أداه من واجبات، وما قام به من أعمال، بل ويؤجر على ذلك: (وَلَتُسْأَلُنَّن عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وقال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). فما أجمل ذلك اليوم الذي يسود فيه احترام الأنظمة كل مرافق حياتنا، في البيوت والشوارع، وفي الميادين والحدائق، وفي الدوائر والمدارس، وفي القضاء والمحاكم، وفي الوزارات والإدارات وسائر المؤسسات، وعند الحاكم والمحكوم.. إن هذا اليوم حين يطل بوجهه الجميل علينا، ستزدهر به أمتنا ويتبدل حالنا، قال تعالى ربنا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ، وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ). فاللّـهُمَّ غَيِّر سُوءَ حالِنا بِحُسْنِ حالِكَ.. اَللَّهُمَّ اَلُمُمْ شَعثنا، واَشعَبْ صَدْعَنا، واَرْتُق فَتْقَنا، وكَثِّر قِلِّتَنا، واَعزِزْ ذِلَتَنا.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. أللّهُمَّ لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا.. اللهم يا علام الغيوب، إنا نشكو إليك كثرة العيوب، وثقل الذنوب، وشدة الخطوب، وعظم الكروب، وخبث السرائر، وفساد الضمائر، فعاملنا بعفوك وغفرانك، وسح علينا سحائب إحسانك، ولا تؤاخذنا بجرائرنا وجرائمنا يا أرحم الراحمين. اللَّهُمَّ يا حفيظ يا لطيف، نسألك لطفا في جميع الحالات والحركات، وحفظا من كل البليات والعاهات والآفات، وأعنا على جميع الطاعات، والمسارعة إلى الخيرات، والجد في الأعمال الصالحات، يا عالم الخفيات، ويا قاضي الحاجات. اللَّهُمَّ اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية. واَغنِ اللَّهُمَّ عائلَنا، واقْضِ عن مُغرَمِنا، واَجْبُر فَقْرَنا، وَسُدَ خَلَتَنا، وَيَسِّر عُسْرِنا.. اللَّهُمَّ يا ساتر الحال لا تكشف لنا الحال، وبارك لنا في الأعمار والأعمال والعيال. يا عالم السر منا، لا تهتك السرعنا، وعافنا واعف عنا، وكن لنا حيث كنا. اللَّهُمَّ جمل أحوالنا، وسدد أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وطهر قلوبنا، وحسن أخلاقنا، وطيب ووسع أرزاقنا، وأمن مستقبلنا. اللَّهُمَّ متع بلدنا وسائر بلاد المسلمين بطمأنينة الأمن، واجعلها في هالة السعادة واليمن، واحفظ دينك المتين، بحفظك المنيع الحصين، وانصر حماته بنصرك المبين، واجعل شريعته في كنفك المكين.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. آللّهُمَ (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.