الْإِسْلَامُ دَيِّنُ الْإحْسَانِ لِلنَّاسِ كَافَّةً

سعود المغيص
1444/01/19 - 2022/08/17 17:24PM

الخطبة الأولى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدَ عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى واعلموا أن الإسلام دين يدعو إلى كل خير، ويَنهى عن كلِّ شر؛ يدعو للإحسان للناس كافَّة، والتعامل معهم بالحسنى؛ على أساس أن الجميع عباد الله وخَلْقه تعالى، وأن أحبَّ الخَلْق إلى الله أنفعهم وأجداهم لعباده ؛ قال تعالى -: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾

الإسلام لا يُفرِّق في التعامل الحَسَن بين المسلم وغير المسلم، سواء كان مشركًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم من في السماء... )  وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا ويؤذونهم في أنفسهم وأموالهم ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا ( ولقد أوصى صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى كلِّ شيء، إنسانًا كان أوحيوانًا ، قريبًا كان أو بعيدًا ، مسلمًا كان أو كافرًا ، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتَب الإحسانَ على كلِّ شيء .. الحديث ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( في كل كَبِد رَطْبةٍ أجرٌ ) وجعل صلى الله عليه وسلم كلَّ جُهْد وسَعْي يَبذُله الرجل المسلم فيستفيد منه إنسان أو دابة أو طائر، إلا كان له صدقة؛ ويقول صلى الله عليه وسلم: ( ما مِن مسلم غرس غرسًا، فأكل منه إنسان أو دابة، إلا كان له صدقة ) .

والإسلام لا يسمح لأتباعه بسوء التعامل مع الطير أو الحيوان ، فضلاً عن الإنسان ، روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حُمَّرَة - وهي طير صغير - تَفْرُش لما أخذ بعض الصحابة ولدَها، فقال: ( مَن فجَّع هذه بولدها؟! رُدُّوا ولدَها إليها )

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: ( غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ ) . وأوعد النبي صلى الله عليه وسلم على سوء التعامل حتى مع الحيوان، فضلاً عن الإنسان؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( عُذِّبت امرأة في هِرَّة سَجَنَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سَقتها، إذ حبستها، ولا هي تَركتْها تأكل مِن خَشَاشِ الأرض ).  

فهل يسوغ لإنسان بعد سماع هذه النصوص الواضحة المشرِقة أن يقول من عند نفسه ظنًّا بغير عِلْم: إن الإسلام دين يُملي على أتباعه الإرهابَ، وسَفْك الدم، وقتْل النفس؟!

كلا والله، إنها فِرية افتراها المغرِضون من أعداء الإسلام وأعداء الإنسانية في مختلف العصور والدهور.

لقد أقرَّ الإسلامُ لغير المسلمين حقوقًا، وألزم أتباعَه القيام بها على أتمه وأحسنه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة فقد تعامَل صلى الله عليه وسلم مع جميع غير المسلمين من المشركين والمجوس وأهل الكتاب من النصارى واليهود المعاملةَ الحسنة ، التي تَحار منها العقول؛ فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يَرحم اللهُ مَن لا يَرحَم الناسَ ) وكلمة ( الناس ) لفظة عامة تشمل كل أحد ، دون اعتبار لجنس أو دِين ؛  

عباد الله : إن الإنسان في نظر الإسلام مُكرَّم، بصرف النظر عن أصله وفصْله، دينه وعقيدته، مركزه وقِيمته في الهيئة الاجتماعية، فقد خلقه الله مُكرَّمًا، ولا يَملِك أحد أن يُجرِّده من كرامته التي أودعها في جِبلَّته، وجعلها من فِطرته وطبيعته، يستوي في ذلك المسلم الذي يؤمن بالقرآن كتاب الله وبمحمد بن عبدالله رسول الله ونبيه، وغير المسلم من أهل الأديان الأخرى، أو من لا دين له، فالكرامة البشرية حقٌّ مشاع يتمتَّع به الجميع من دون استثناء، وتلك ذِروة التكريم وقمة التشريف.

اللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إنك جواد كريم ..

 

أقول قولي هذا ..

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا،

أَمَّا بَعْدَ عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى واعلموا أن الإسلام أوجب على المسلمين أن يُراعوا الكرامةَ الإنسانيَّة التي وهبها الله تعالى للإنسان فضلاً منه ورحمة، ولم يُفرِّق فيها بين المسلم وغير المسلم، وهو يؤكِّد على أن الناس كلهم أبناء أب واحد وأم واحدة، كما نادى به الرسول صلى الله عليه وسلم في خُطْبته لحجة الوداع مُدوِّيًا ومجلجلاً: ( يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ )

لقد أمر الإسلامُ أتباعَه بالمحافظة على كرامة غير المسلمين ومراعاة مشاعرهم، ونهى عن جَرْح عواطفهم؛ قال تعالى -: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ وقال تعالى -: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ نهي صريح عن النيل من الآلهة التي يَعبُدها المشركون من الوثنيين والبوذيين، وكل هذا صونًا لكرامة الإنسان، وحِفاظًا على حريَّته، واحترامًا لمشاعره؛ يقول الإمام القرطبي عند تفسير هذه الآية الكريمة: لا يَحِل لمسلم أن يَسُب صُلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، ولا يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى ذلك ؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية ، وحِفْظ الكرامة الإنسانية يتجلَّى لنا في التعامل النبوي مع غير المسلمين حتى مع الأموات منهم؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: مرَّ بنا جَنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقُمْنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي؟! قال: ( إذا رأيتم الجنازةَ، فقوموا ) ، وفي رواية: فقال صلى الله عليه وسلم: ( أليست نفسًا؟ ) .

اللهم أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه.

اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمينَ وأذلَّ الكُفرَ والكافِرينَ ودمِّر أعداءَ الدينَ واجعل هذا البلد آمنا مُطمئنَّاً وسائِر بلادِ المسلمين، وَوفِّقْ ولاتَنَا وولاةَ المسلمينَ لِما تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البر والتقوى،

اللهم انصر جنودنا واحفظ حدُودَنا. واغفر لنا ولِوالِدينا وللمسلمينَ ياربَّ العالمينَ.

(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يصفون ، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

المشاهدات 1826 | التعليقات 0