الإسراء والمعراج

فهد عبدالله الصالح
1438/07/28 - 2017/04/25 08:18AM
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى والبينات وأيده بالحجج والمعجزات وهو القائل في محكم الآيات (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أحمده سبحانه وأشكره , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أمــا بعــد : فأوصيكم أيها الناس بتقوى الله في السر والعلن والغضب والرضا والشدة والرخاء , واستعيذوا بالله من عين لا تدمع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها .
عــباد الله : لئن كانت معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم , إلا أن الله تعالى خصه بغيره من المعجزات الباهرات التي تدل على صدق رسالته ومن تلكم المعجزات : حادث الإسراء والمعراج .
وإذا كان الناس – أيها الناس – يتحدثون عن غزو الفضاء والدوران حول الأرض بمراكب فضائية فإنهم لم يتجاوزوا أقطار السموات والأرض لقد تحدى الله البشرية بالعلم كما تحدى العرب بان يأتوا بمثل هذا القرآن أو عشر سور مثله أو حتى سورة واحدة إنه العجز البشري وإنها الحاجة الماسة لوحي الله وعلم الله وتشريع الله , وما هذا الضلال والتيه وما تلكم الحروب والصراعات التي تعم الأرض إلا بالبعد عن علم الله ووحيه وتشريعه .
ثم إن حادث الإسراء والمعراج – أيها المسلمون – كان بعد وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه , وبعد وفاة زوجه خديجة رضي الله عنها التي كانت تشجعه وتعينه , فنالت منه قريش من الأذى ما لم تطمع به في حياة عمه وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم (ما نالت مني قريش شيئاً اكرهه حتى مات أبو طالب).
وكان حادث الإسراء والمعراج – أيضاً – بعد رجوعه من الطائف التي ذهب إليها يلتمس منهم نصراً لدين الله فقوبل بالرفض والرد بل بالرجم والإيذاء.
لقد أكرمه الله بالإسراء والمعراج وكأنه وقوف معه وجبر لخاطره وتقوية لعزيمته , بل إنه تفضيل له على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام إذ صلي بهم جميعاً إماماً في المسجد الأقصى .
أيها المسلمون : لما أكرم الله نبيه بالمعراج الحسي أكرم أمته بمعارج معنوية يعيشون فيها طيلة حياتهم الإيمانية , إنها الصلاة التي فرضها الله من فوق سبع سموات وجعلها بمثابة غذاء روحي متواصل لقلوب المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون , يقفون فيها وقفات محترمة يستشعرون بها عظمة الخلاق العظيم مالك يوم الدين الذي هم واقفون بين يديه , هذا المصلي الذي تكون صلاته على هذه الحال تنهاه تلك الصلاة عن الفحشاء والمنكر وتزوده بقوة روحية معنوية وثابة تجعله لا يخشى إلا الله , تجعله واثقاً بوعد الله وبنصره وتأييده , يكون في معية الله دائماً (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).
هذه بعض ثمرات الصلاة التي يكتسبها المصلي الصادق الخاشع لأنها معارج روحية عظيمة شرعها الله من فوق سبع سموات خلافاً لبقية الشرائع قال تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ).
فما أحوجنا – أيها المؤمنون – إلى تلك الصلاة التي تنهانا عن الفحشاء والمنكر وتربطنا بالله وتنزل السكينة والرحمة في قلوبنا وتورث فينا الخوف منه والقرب إليه والرجاء فيما عنده فنجعل الصلاة ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب همومنا وغمومنا .
أيها المسلمون : إن حادث الإسراء والمعراج ليذكرنا جميعاً بقداسة المسجد الأقصى قبلة الأنبياء وموطن الكثير من الرسالات , فلقد جعل الله بيت المقدس واسطة في العقد في رحلة الإسراء والمعراج انتهت إليه رحلة الأرض وبدأت من رحلة السماء وربط المسجد الحرام بالأقصى في الحادثة وفي الآية الكريمة لدليل على أرتباط العالم الإسلامي بعضه ببعض وإن الدفاع عن فلسطين لهو دفاع عن الإسلام, ومنذ عام ثمان وأربعين وتتوالى على الأرض المقدسة ألوان من المعاناة والعذاب , هدم للمدن والقرى على أهلها وتهجير من نجا منهم , وسجن الكثير من الشرفاء , وحصارات جائرة ومنع لأبسط مقومات الحياة .
ولم يشهد التاريخ كله تهجيراً جماعياً من الأوطان كما حصل لإخواننا في فلسطين على أيدي عصابات الأفاق الذين جاءوا من شتات ويريدون للناس الشتات فهي نكبات ونكبات بدعم من إخوانهم في الغي الذين لا يقصرون ممن يتاجر بالقضية الفلسطينية ويتشدقون بالصمود العربي وهم في الحقيقة ممن يحمى ظهر إسرائيل ويتنازل بالأرض لها , كحال الطغاة في سوريا الذين قتلوا ما يزيد عن نصف مليون مواطن , وشردوا الملايين من ديارهم ناهيكم عن آلاف المغتصبات من أخواتنا المسلمات في سوريا , والعدد الكبير من المعذبين في سجون الفرس المجوس في سوريا وهم لم يطلقوا رصاصة واحدة على إسرائيل ومعهم حزب الشيطان فرع المجوس في لبنان الذين يهلكون السنة متى سنحت لهم الفرصة , فاليهود والمجوس وجهان لعملة واحدة وبينهم من التعاون والتنسيق الشيء الكثير وما يطلقه إعلامهم من شتائم فيما بينهم ما هو إلا للتورية والتمويه والتضليل , ولكن مهما طالت المعاناة فإن الفرج قريب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وقد صح الخبر عن المعصوم صلى الله عليه وسلم إن المؤمنين الصادقين سيقاتلون اليهود وينتصرون عليهم ويقتلونهم شر قتله
هذه ـ أيها الإخوة ـ بعض الوقفات السريعة مع حادث الإسراء والمعراج , ومع ثبوت الحادثة في الكتاب والسنة إلا أن وقتها لم يثبت بدليل صحيح أنها في شهر رجب بل لقد قال بعض الباحثين أنها في شهر ربيع الأول قبل الهجرة وقيل غير ذلك وأورد الحافظ بن حجر رحمنا الله وإياه عشرة أقوال في ذلك , ومعرفة وقت ذلك لا يعني للمسلم شيئاً فالعبرة بالحدث وما يستفاد منه .
إلا فاتقوا الله يا عباد الله واعتبروا بالوقائع والأحداث واحذروا أعداء الله وما يحيكونه من مؤامرات وما تخفى صدورهم اكبر وتأسوا برسولكم وقدوتكم .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
الخطبة الثانية :
إننا في شهر رجب , وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة التي قال الله عز وجل عنها في كتابه العزيز (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).
بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لما ابتدأ خلق السموات والأرض جعل السنة اثني عشر شهراً منها أربعة حرم , وقد فصلها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان).
وقد عرف العرب في جاهليتهم فضل شهر رجب الحرام فعظموه ومنعوا فيه الحروب والخلافات العصبية والقبلية وخلدوا فيه إلى السلم والسلام , ثم جاء الإسلام ليؤكد ويبين مكانة شهر رجب بين الأشهر الحرم , فنرى الحديث المذكور يشير إشارة إلى إبطال ما كانوا يفعلون في الجاهلية من النسيء , وهو تأخير أو تقديم بعض الأشهر الحرم وكانت قبيلة مضر تبالغ في تعظيم شهر رجب , فلهذا أضيف إليهم في الحديث المذكور حيث قال (ورجب مضر).
ومن مظاهر تعظيمهم للشهر الحرام منعهم فيه الحروب والخلافات العصبية والقبلية.
من البدع المستحدثة : صيام أيام معينة أو تخصيصه بصلاة معينة , قال الإمام ابن القيم (وكل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى).
وقال الحافظ بن حجر العسقلاني (لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة , فيه حديث صحيح يصلح للحجة).
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , كان يضرب اكف الرجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام ويقول (رجب وما رجب)إنما رجب كان شهر يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الإسلام ترك .
ومن البدع تخصيصه بعمرة يسمونها (العمرة الرجبية) والمعروف أن العمرة مشروعة في أيام العام كلها ولا فضل لعمرة في شهر دون شهر إلا ما ورد في فضل العمرة في رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة
وحرى بالمسلم أن يتبع لا أن يبتدع إذ أن محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم لا تنال إلا بالإتباع لا بالابتداع , قال عز وجل (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)
هذا وصلوا وسلموا............
المشاهدات 670 | التعليقات 0