الْإِخْلَاصُ للهِ هُوَ سَبِيلُ النَّجَاةِ 24 مُحَرَّم 1437هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1437/01/22 - 2015/11/04 13:21PM
الْإِخْلَاصُ للهِ هُوَ سَبِيلُ النَّجَاةِ 24 مُحَرَّم 1437هـ
الْحَمْدُ ﷲِ الْقَـائِمِ عَلَـى النُّفُوسِ بِآجَالِهَا، الْعَالِمِ بِتَقَلُّبِهَا وَأَحْوَالِهَا ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْـكُرُهُ ، وَهُـوَ الْمُتَفَضِّلُ بِجَزِيلِ آلائِهِ ، الْمَنَّانُ بِسَوَابِغِ نَعْمَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اﷲُ وَحْـدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلا رَادَّ لِقَضَائِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْـدُهُ وَرَسُولُهِ ، بَعَثَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَدُرُوسٍ مِنَ السُّبُلِ ، فَارْتَفَعَتْ بِهِ رَايَةُ الإِيمَانِ ، وَانْقَمَعَ بِهِ أَهْلُ الشِّرْكِ والْأَوْثَانِ ، صَلَّى اﷲُ وَسَلَّمَ عَلَيْـِه وَعَلـَى آلِـهِ وَأَصْحَابِهِ مَا دَارَ فِي السَّمَاءِ فَلَك ، وَمَا سَبَّحَ فِي الْمَلَكُوتِ مَلَك ، وَالتَّابِعِينَ وَمَـنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ وُجُوبَ إِخْلَاصِ الْعَمَلِ للهِ قَدْ جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ , وَلا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصَاً لَهُ مُوَافِقَاً لِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَينِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ , وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى , فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا , فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ وَمَنْزِلِتُهُ كَبِيرَةٌ فِي الْإِسْلَامِ , وَقَدْ عَظَّمَهُ الْعُلَمَاءُ وَاعْتَنَوْا بِشَرْحِهِ , حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : هَذَا الْحَدِيثُ ثُلُثُ الْعِلْمِ وَيَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابَاً مِنْ الْفِقْهِ ا.ه.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُخْبِرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَدَارَ الْأَعْمَالِ عَلَى النِّيَّاتِ , فَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ صَالِحَةً وَالْعَمَلُ خَالِصَاً لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى ، فَالْعَمَلُ مَقْبُولٌ . وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ مَرْدُودٌ , فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : وَهَكَذَا جَمِيعُ أَعْمَالِكِ الصَّالِحَةِ , إِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ وَتُرِيدُ مَرْضَاةَ اللهِ وَالْفَوْزَ بِجَنَّتِهِ وَالنَّجَاةَ مِنْ نَارِهِ فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ عَظِيمٍ وَأَبْشِرْ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ , وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُرَاءَاةَ النَّاسِ وَمَدْحَهُمْ وَثَنَاءَهُمْ فَلَيْسَ لَكَ مِنْ عَمَلِكَ إِلَّا هَذَا , قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وَقَدْ حَثَّنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَإِخْفَاءِ الْأَعْمَالِ , فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ وَفِعْلُ الْخَيْرَاتِ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَهَؤُلاءِ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْحَدِيثِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ مُخْلِصُونَ للهِ فِي أَعْمَالِهِمْ لا يُرِيدُونَ مِنْ أَحَدٍ جَزَاءً وَلا شُكُوراً .
وَهَكَذَا حَرِصَ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى إِخْفَاءِ أَعْمَالِهِمْ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ تَقَرُّبَاً إِلَى اللهِ وَخَوْفَاً مِنْ أَنْ يُفْسِدَهَا الرِّيَاءُ, قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خِبْءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ خَبيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ لا تَعْلَمُ بِهِ زَوْجَتُهُ وَلا غَيْرُهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لَقَدْ ضَرَبَ سَلَفُنَا أَرْوَعَ الصُّوَرِ فِي التَّسَابُقِ وَالتَّنَافُسِ عَلَى إِخْفَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ , فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ خَرَجَ إِلَى الصَّحَرَاءِ فَاحْتَبَسَ فِيهَا شَيْئَاً يَسِيرَاً ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَعَجِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ فَلَحِقَهُ وَاخْتَبَأَ لَهُ خَلْفَ صَخْرَةٍ ، فَدَخَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَيْمَةً وَلَبِثَ فِيهَا مُدَّةً ثم خَرَجَ ، فَلَمَّا ابْتَعَدَ دَخَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَيْهَا , فَإِذَا فِيهَا امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ عَمْيَاءُ وَعِندَهَا صِبْيَةٌ صِغَارٌ ، فَسَأَلَهَا عُمَرُ : مَنْ هَذَا الذِي يَأْتِيكُمْ ؟ فَقَالَتْ : لا أَعْرِفُهُ وَلَكِنَّهُ رَجَلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَأْتِينَا كُلَّ صَبَاحٍ فَيَكْنِسُ بَيْتَنَا وَيَعْجِنُ عَجِينَنَا وَيَحْلِبُ شَاتَنَا ، فَخَرَجَ عُمَرُرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ : لَقْدَ أَتْعَبْتَ الْخُلَفَاءَ بَعْدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ !
أَمَّا زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَليُّ بُنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فَقَدْ كَانَ يَحْمِلُ أَكْيَاسَ الدَّقِيقِ عَلَى ظَهْرِهِ بِاللَّيْلِ وَيُوصِلُهَا إِلَى بُيُوتِ الْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ ، وَلا يَسْتَعِينُ بِخَادِمٍ وَلا عَبْدٍ لِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَلَمَّا مَاتَ وَغَسَّلُوهُ وَجَدُوا عَلَى ظَهْرِهِ آثَارَاً سَوْدَاءَ ، فَقَالُوا : هَذَا ظَهْرُ حَمَّالٍ وَمَا عَلِمنَاهُ اشْتَغَلَ حَمَّالاً ! ثُمَّ إِنَّه بَعْدَ مَوْتِهِ انْقَطَعَ الطَّعَامُ عَنْ مِائَةِ بَيْتٍ كَانَ يَأْتِيهِمْ طَعَامُهُمْ بِاللَّيْلِ مِنْ مَجْهُولٍ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ هُوَ الذِي كَانَ يَحْمِلُهُ إِلَيْهِمْ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ . قَالَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : كَانَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ يَحْمِلُ الْخُبْزَ بِاللَّيْلِ عَلَى ظَهْرِهِ، يَتْبَعُ بِهِ الْمَسَاكِينَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ .
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجْلِسُ الْمَجْلِسَ فَتَجِيئُهُ عَبْرَتُهُ مِنَ الْبُكَاءَ فَيَرُدَّهَا ، فَإِذَا خَشِيَ أَنْ تَسْبِقَهُ قَامَ لِئَلَّا يُفْطَنَ لَهُ أَنَّهُ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ فَيُمْدَح . وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : كَانَ الرَّجُلُ يَبْكِي عِشْرِينَ سَنَةً خَشْيَةً للهِ وَامْرَأْتُهُ مَعَهُ لا تَعْلَمُ ! وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ يَضِعُ اللِّثَامَ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ الْقتَالِ لِئَلَّا يُعْرَفُ ! وَصَامَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لا يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُهُ ، فَكَانَ يَحْمِلُ الطَّعَامَ صَبَاحَاً إِلَى دُكَّانِهِ فَيَتَصَدُّقُ بِهِ فِي الطَّرِيقِ ، وَيَرْجِعُ عَشِيَّاً إِلَى أَهْلِهِ فَيُفْطِرُ مَعَهُمْ , وَيَظُنُّ أَهْلُ السُّوقِ أَنَّهُ قَدْ أَكَلَ فِي الْبَيْتِ ، وَيَظُنُّ أَهْلُهُ أَنَّهُ أَكَلَ فِي السُّوقِ !!
فِللَّهِ دَرَّهُمْ مِنْ رِجَالٍ أَتْقِيَاءَ أَخْفِيَاءَ ، رَبَّاهُمُ الْقُرْآنُ وَرَعَاهُمْ الرَّحْمَنُ ، وَقَدْ بَشَّرَهُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَحَبَّةِ اللهِ لَهُمْ , فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ) فَلْنَقْتِدِ بِهَذَا الرَّكْبِ الطَّاهِرِ ، وَلْنَسِرْ عَلَى دَرْبِهِمْ العَامِر .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ , وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كِلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً رَسُولُهُ الأَمِينُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُّوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَأَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ للهِ وَأَصْلِحُوا قُلُوبَكُمْ فَإِنَّهَا مَحَلُّ نَظَرِ اللهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) , وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْإِخْلَاصِ أُمُورٌ :
(أَوَّلاً) أَنْ تَسْتَحِضَرَ أَنْ اللهَ يَرَاكَ وَهُوَ الذِي يُجَازِيكَ بِعَمَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَدَعْ عَنْكَ النَّاسَ وَلا تَهْتَمَّ لَهُمْ رَأَوْكَ أَوْ جَهِلُوكَ .
(ثَانِيَا) الْإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ بِأَنْ يَرْزُقَكَ اللهُ الْإِخْلَاصَ , وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ( اللَّهُمْ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ
صَالِحَاً وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصَاً وَلا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئَاً)

(ثَالِثَاً) إِخْفَـــــاءُ الْعَمَلِ , فَكُلَّمَا اسْتَتَرَ الْعَمَلُ - مِمَّا يُشْرَعُ فِيهِ الْإِخْفَاءُ - كَانَ أَرْجَى فِي الْقَبُولِ وَأَعَّزَ فِي الْإِخْلَاصِ , وَالْمُخْلِصُ الصَّادِقُ يَجِبُ إِخْفَاءُ حَسَنَاتِهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُخْفِيَ سَيِّئَاتِهِ . وَلِهَذَا كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أَنْفَعِ الْأَعْمَالِ لِلْقَلْبِ لِأَنَّهُ فِي وَقْتٍ لا يَرَاكَ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ .
(رَابِعَاً) الإقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ , يَقُولُ تَعَالَى (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) فَاقْرَأْ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَفِي أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَإِنَّهَا تُعِينُكَ بِإِذْنِ اللهِ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَتُبْعِدُكَ عَنِ الرِّيَاءِ وَالتَّسْمِيعِ .
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنَّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَرْزُقَنِى وَإِيَّاكُمْ الْإِخْلَاصَ , وَأَنْ يُحْسِنَ عَاقِبِتَنَا فِي أُمُورِنَا كُلِّهَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ , اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا وأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا, اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ , وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ , وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ , اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ , وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
المرفقات

الْإِخْلَاصُ للهِ هُوَ سَبِيلُ النَّجَاةِ 24 محرم 1437هـ.doc

الْإِخْلَاصُ للهِ هُوَ سَبِيلُ النَّجَاةِ 24 محرم 1437هـ.doc

المشاهدات 3045 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك


نفع الله بكم وجزاكم الله خير


جزاك الله خير يا شيخنا الغالي ،،،،